هناك الأكثر غرابة، كما في تساؤلات مثل: هل يجوز حضور لبنان هذه المؤتمرات، وهي ستتكرر، ما دامت ايران وسوريا غائبتين بل مستبعدتين؟ وهل يصحّ انضمامه الى تحالف اقليمي - دولي بقيادة الولايات المتحدة التي تعتبرها ايران صانعة "داعش"؟ وهل يمكن لبنان محالفة اميركا وهي تزمع الاعتماد على "الجيش السوري الحر"؟ وهكذا جاءت الحرب الجديدة على الارهاب لتوقظ "محور الممانعة" على حقيقة أنه بات متصدّعاً بفعل انهيار النظامين الايرانيين في سوريا والعراق، وكذلك بفعل التعطيل الايراني للدولة في لبنان.
كان على لبنان أن يقلق أكثر لو لم يدعَ الى جدّة، وشكّل حضوره دليلاً على أنه لا يزال على قيد الوجود في الاقليم. صحيح أنه يمرّ بمحنة داخلية مركّبة إلا أنه لا يزال في عداد الدول الطبيعية. وليس لبنان من وضع ايران ونظام الاسد على هامش الاقليم بل يقين الدول العشر الاخرى بأن هذين النظامين وراء عودة الوحش الارهابي واستشراسه. لا أحد يبرّئ اميركا أو غيرها من جريمة ايجاد "داعش"، لكن من يستطيع تبرئة ايران والاسد من توظيف هذا التنظيم لضرب الثورة السورية؟ فعندما كان "داعش" يلعب لمصلحتهما اعتبراه صنيعة السعودية وتركيا، وحين انقلب عليهما صار صناعة اميركية - اسرائيلية.
في الحرب الأولى على الارهاب لم تكن ايران في التحالف الدولي، لكنها نالت اشادات اميركية موثّقة بحسن سلوكها ومساهماتها القيّمة. أما في الحرب المقبلة فلا تشعر ايران بأنها في وضع يؤهلها لتحقيق أقصى المكاسب كما فعلت بعد غزو افغانستان والعراق، بل عليها أن تحدّ من الخسائر. كانت ايران استهلكت شهوراً طويلة في التعبئة ضد "التكفيريين" استدراجاً لحرب على الارهاب يكون لها فيها الدور الأكبر، مع نظامي الاسد ونوري المالكي. كانت "تبلف" وها هي تحصد النتيجة.
بين الجدّ والمزح هناك من قال ان لبنان لا يؤيد - من قبيل "النأي بالنفس" - اعتماد واشنطن على "الجيش الحر" في الحرب على "داعش" داخل سوريا. لم يطلب أحد رأي لبنان، لكن المعترضين لا ينأون بالنفس حين يطالبون بأن يحارب الجيش اللبناني الى جانب قوات الاسد و"حزب الله" في القلمون.
-------------
النهار