أما الداخل اللبناني فلم يعد يُخدع بمثل هذا الهراء، ولا يشهد صفوفاً متدافعة نحو العدو الاسرائيلي ويتساوى في ذلك أن تكون دول عربية قد طبّعت معه أم لم تُطبّع.
مناسبة هذا اللغو ودوافعه صارت معروفة. فـ "الحزب الحاكم" انزعج جداً جداً من الورقة/ المبادرة الكويتية، التي أعادت تسليط ضوء على سلاحه غير الشرعي، وعلى مصادرته الدولة، وعلى دوره الإرهابي في الداخل والخارج، وعلى نشاطه في تهريب الممنوعات. وأهمية الورقة أنها مستندة الى قرارات دولية وعربية وحتى لبنانية (النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية)، وإذا قُرأت في ضوء البيان الأخير لمجلس الأمن فإنها تقدّم موقفاً دولياً - عربياً واحداً، مفاده أن معالجة الأزمة اللبنانية تبدأ من الداخل.
لكن مصلحة إيران و"حزبها" في إبقاء لبنان في أزمته، وقد أرشدهما عقلهما السياسي الى القول إن أي مبادرة عربية باتت منذ الآن "دعوة الى التطبيع". هذه الدعوة يريانها أيضاً في عمل الوسيط الأميركي لاستئناف المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل. للبنان مصلحة حيوية ملحّة في هذا الترسيم، لكن إيران تريد إفهام الاميركيين أن أي اتفاق لن يُنجز إلا بإرادتها، حتى لو وافق عليه حليفها الرئيس اللبناني.
وإذ تعود إيران الى المفاوضات النووية مناورةً برفع كل العقوبات كـ "خطّ أحمر" دائم مع علمها بأن الجانب الأميركي لا يستطيع استجابته بشروطها، فإنها لا ترى الوقت مناسباً لتسهيل أي مساعٍ سياسية إقليمية، لا في اليمن ولا في سوريا ولا في العراق. وهذا يسري أيضاً على مفاوضات الترسيم البحري، أقلّه لعرقلة أعمال التنقيب عن النفط والغاز في الجانب الاسرائيلي. لا تهتمّ طهران بمصلحة لبنان بل يهمها أن تتوفّر لديها أوراق لتلعبها، ومنها التناقض اللبناني بين الخطّين 23 (الذي بقي محور اتصالات نبيه برّي طوال عقد كامل) و29 (الذي استجدّ لدى ميشال عون ولا يُعرف ما إذا كان يعتمده أو يساوم عليه لرفع العقوبات الأميركية عن صهره).
كيف يمكن التفاوض من دون أن يكون هناك اجماعٌ محسومٌ على خطّ واحد يمثل حق لبنان، وكيف يمكن رمي مصلحة لبنان بين أقدام المساومين الخارجيين والداخليين. في كل الأحوال، كانت ورقة "التطبيع" جاهزة دائماً لدى إيران و"حزبها" للتلاعب بها، سواء انطلاقاً من كذبة أن "العقيدة" لا تعترف بترسيم حدودٍ مع إسرائيل، أو لصدّ الضغوط المتكاثرة على "الحزب"، أو لإشاعة أجواء غير مؤاتية لإجراء الانتخابات، أو - خصوصاً - لترسيخ شرط التطبيع الإيراني - الإسرائيلي "اولاً"
-----------
النهار.
-----------
النهار.