خلاصة هذا السؤال هو: إذا لم تكن المعركة طائفية، وإذا كان النظام مقاوما وممانعا، وسدا في وجه الصهاينة والأميركان بحسب جحافل من القوميين واليساريين، بل وطائفيين غير مسلمين أيضا، فلماذا لا نرى مقاتلا من هؤلاء يأتي من الخارج كي يقاتل إلى جانب النظام، ولا يأتي إلاّ مقاتلين شيعة فقط لا غير.
ألا يؤكد ذلك هوية النظام الطائفية، ومن ثم هوية المعركة في سوريا، والتي يديرها مندوب الولي الفقيه للعمليات الخارجية، تماما كما يدير المشهد كاملا في العراق؟!
يحيلنا هذا السؤال إلى تفاصيل كثيرة تتعلق بدور المليشيات الشيعية في سوريا، ذلك أن قلة من التقارير لا زالت تتحدث عن هذا الملف، فالصراخ الغربي لا يزال يركز فقط على المقاتلين السنّة الذين يلوِّح كثيرون بعودتهم إلى الدول الغربية والقيام بعمليات تفجيرية هناك، واللافت أيضا أن حسن نصر الله وقادة إيران ما زالوا يرددون ذات المعزوفة في سياق تسويق مهمتهم ومهمة بشار في محاربة الإرهاب.
نفتح قوسا هنا لنشير إلى أن قيام العائدين من سوريا بعمليات ضد البلدان التي يحملون جنسياتها ليس متوقعا، وإن صحّ فسيكون مجرد حادث أو حوادث فردية، وهم أصلا لم يذهبوا لكي يتدربوا، بل ذهبوا لأن هناك ظرفا موضوعيا دفعهم للذهاب، تماما كما توفر ظرف مشابه بعد الغزو الأمريكي للعراق. فالعنف ليس نتاج الأفكار، بل نتاج الظروف الموضوعية، ولهذه الأمة طريقتها في الرد على التحديات، وفي سوريا ثمة عدوان بشع على شعب طلب الحرية، وهو عدوان تولت كبره إيران، فكان طبيعيا أن يستجلب ردود فعل كالتي نتابعها، والآن في العراق بطبيعة الحال.
نقول ذلك لأننا ندرك أن أولئك الشبان لم تكن تنقصهم خبرة، فهي متاحة على الإنترنت، ولو كانت لديهم النية لفعلوا، لكن أجواء تقبل العنف ضد المدنيين في الغرب لم تعد موجودة بعد الانسحاب من العراق وملامح الانسحاب من أفغانستان، وعموم الرفض في الساحة الإسلامية لأعمال من هذا النوع لا تخدم قضية عادلة بحال.
أليس غريبا والحالة هذه أن الصهاينة والغربيين لا يتحدثون إلا عن مخاطر المقاتلين السنّة، بينما يسكتون عن جحافل من المقاتلين الشيعة، رغم أنهم ينتمون نظريا إلى جبهة المقاومة والممانعة المعادية لأميركا والغرب؟!
منذ شهور والتقارير تتواتر حول حجم الحضور الشيعي في ميدان القتال في سوريا، لاسيما بعد أن بلغ الإنهاك بجيش بشار مبلغا كبيرا، ولم تعد الأقلية العلوية قادرة على زج المزيد من أبنائها في المحرقة، لاسيما أن الثقة بما تبقى من عناصر الجيش السنّة تبدو معدومة.
من المؤكد أن الحرس الثوري هو الذي يدير المعركة في سوريا، وعدد ضباطه الذين قتلوا هناك؛ على قلتهم يشكلون دليلا على ذلك، على أن المؤكد في المقابل أن إيران ليس بوسعها الزج بمقاتلين في المعركة، والسبب أن الوضع الداخلي لا يسمح بذلك، فالصراع بين الإصلاحيين والمحافظين محتدم، وأي خسائر هنا ستصب في صالح الإصلاحيين الذين يبدون أقرب إلى نبض الشارع غير المقتنع بالمعركة في سوريا، بخاصة وهو يعلم كلفتها الباهظة. لكن العراق له وضع مختلف، إذ أن التدخل فيه يبدو موضع إجماع بين الإصلاحيين والمحافظين، كونه خاصرة هامة لإيران.
من هنا، ولأن إيران كانت منذ الثورة، ولا زالت تشكل المرجعية العملية للشيعة في العالم، فهي تستخدم نفوذها في تجنيد المقاتلين لصالح بشار. بدأ ذلك بطبيعة الحال بعناصر حزب الله الذين تتوالى نعوشهم القادمة من سوريا، ومرورا بالمقاتلين القادمين من العراق من العناصر التي كان بعضها موجودا في إيران، أو العراقية الشابة التي تتبع المليشيات الشيعة والمعبأة مذهبيا (أخذوا يعودون إلى العراق بعد التطورات الجديدة وسيكون على حزب الله وآخرين أن يسدوا الفراغ الذي يتركونه)، وليس انتهاءً بالمقاتلين الهزارة الشيعة الذين افتضحت قصتهم مؤخرا، وهم من فقراء الشيعة الأفغان الذين يجري استدراجهم بالمال، وقبل ذلك بتعبئة مذهبية معروفة.
يبقى أن تمويل هذه العملية يتم من خلال إيران بشكل أساس، لكن المالكي كان يسهم -أيضا- بالتمويل والتشجيع، وحين يترشح على قائمته مقاتل سابق في سوريا، فما ذلك سوى رسالة دعم لمن يقاتلون هناك، بل واعتبار مهمتهم مهمة مقدسة، تعني الحفاظ على شيعة العراق أيضا (تغير الوضع الآن بعد التطورات الجديدة في العراق كما أشرنا من قبل).
هي إذن معركة مذهبية واضحة لا يمكن أن تخفيها شعارات المقاومة والممانعة، ولأنها كذلك، فهي ستكون طويلة وقاسية ومكلفة (كما الحروب المذهبية والدينية) على كل الأطراف، ولن تنتهي إلا بعودة
إيران إلى رشدها، وتخطئ إذ تعتقد أن حج بعض الأنظمة إليها سيوقف الحرب القائمة حاليا في أكثر من مكان
---------------
الدستور