صحيح أن الاقدار هي التي وضعت اوكرانيا وسوريا معا أمام أعين زعيم روسي يكره الثورات الشعبية أينما جرت، ويعتبرها تآمراً أميركياً أو غربياً على بلاده، ويعتقد ان وظيفته السياسية هي قيادة أو رعاية الثورات المضادة أينما كانت.. لكن الوحي الاوكراني كان حاسماً في تشكيل موقفه وتحديد سلوكه، أكثر بكثير من الوحي السوري الذي لا يزال يبدو وكأنه خط الدفاع الخلفي عن التوسع الروسي في أوكرانيا، حيث إختبرت وستظل تختبر فكرة الامبراطورية الروسية وفرصتها.
لسوريا أهميتها الخاصة، التي لا تقاس بقيمة الدولة ولا بقوة الجيش ولا بحجم الاقتصاد، وهي كلها معايير هزيلة إذا ما قورنت بالحقائق والارقام في اوكرانيا.. الأهم هو أن سوريا تحسب كهدية حصلت عليها روسيا، من الاميركيين والاسرائيليين والغرب عموما، في خريف العام 2015، تحديداً بعد أشهر فقط على نجاح الثورة البرتقالية الاوكرانية التي إعتبرها الكرملين يومها أخطر توغل غربي في العمق الاستراتيجي لروسيا،وأقرب نقطة يمكن أن يصل اليها الغرب في طريقه الى موسكو. كان يفترض ان تكون سوريا بمثابة تعويض، أو ربما وسيلة لتهدئة روع الرئيس فلاديمير بوتين، ودليلاً على حسن النية، وعلى براءة الغرب من التحريض على ثورة شعبية ديموقراطية في كييف غير البعيدة أبداً عن العاصمة الروسية.
من هذه الزاوية، يمكن أن تبدأ المقارنة، لكي يستقيم النظر الى الغزو الروسي الحالي لاوكرانيا، ويتضح أن سوريا تبدو وكأنها خارج المسار السياسي والعسكري الروسي. هي وديعة مهمة، لكنها لا تحمي الخاصرة الروسية، المهددة اليوم بحرب إستنزاف في شوارع المدن الاوكرانية، كما أن نظامها الذي أحيته الآلة العسكرية الروسية لا يقارن، حسب الكرملين، بأهمية نظام الرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاتشينكو الذي لا يواجه أي خطر داخلي.
ومن هذه الزاوية أيضا، يمكن تسجيل الفوارق المهمة بين الغزو الروسي الراهن للاراضي الاوكرانية بمختلف الاسلحة الجوية والبرية والبحرية، التي تحيل مدن اوكرانيا الى خراب، وبين الاجتياح الروسي لسوريا، الذي ساد في الجو، وزاد في أعداد النازحين السوريين، ودمّر البنى المدنية السورية، لكنه لا يزال يجد صعوبة في احتكار السيادة على الارض السورية في مواجهة إيران وقواتها وأدواتها، في الوسط والجنوب، أو في إدعاء السيادة على الارض السورية التي تخترقها تركيا وشبكاتها في الشمال.
وبهذا المعنى، يبدو الغزو اليوم، وكأنه نتاج فشل روسي في احتواء التهديد الآتي من العمق الاوكراني، وهو سيؤدي حتماً الى كارثة روسية جديدة، نتيجة العقوبات الغربية الخانقة، ونتيجة المقاومة الاوكرانية الرسمية والشعبية، التي أذهلت العالم كله، قبل ان تصبح ظاهرة استثنائية تديرها علنا حكومات دول أوروبا الغربية وتمدها بالسلاح والعتاد، بوصفها حركة تحرير وطنية، تحمي عواصم الغرب من الخطر الروسي. من تلك المقاومة الاوكرانية الجريئة، المستندة الى وطنية أوكرانية أكثر جرأة يفترض ان يفتح الحساب السوري مع الذات: لماذا لم تنتج التجربة السورية مقاومة شعبية مشابهة؟ ولماذا يتكرر الحديث عن الخذلان الاميركي للسوريين، من دون الانتباه الى أنه إذا ما قررت واشنطن التدخل فعلا في سوريا فإنها ستتدخل لحماية النظام لا لإسقاطه او حتى تغيير سلوكه..
سؤال سوري وحيد يصلح أن يكون أساس أي مقارنة مع الحدث الاوكراني: هل يمكن أن يصمد نظام بشار الاسد إذا ما ازداد الضغط على روسيا؟ الجواب الفوري، هو: نعم، لأنه صامدٌ بفضل إيران أكثر مما هو باقٍ بفضل روسيا. قد يفقد قدرته على التلاعب بالحليفين الروسي والايراني، كما فعل بنجاح أكيد، طوال السنوات القليلة الماضية، لكن تعرضه للتهديد، يحتاج الى ما هو أكثر من صفقة أميركية إيرانية.. تلوح الآن في الافق.
-------- لسوريا أهميتها الخاصة، التي لا تقاس بقيمة الدولة ولا بقوة الجيش ولا بحجم الاقتصاد، وهي كلها معايير هزيلة إذا ما قورنت بالحقائق والارقام في اوكرانيا.. الأهم هو أن سوريا تحسب كهدية حصلت عليها روسيا، من الاميركيين والاسرائيليين والغرب عموما، في خريف العام 2015، تحديداً بعد أشهر فقط على نجاح الثورة البرتقالية الاوكرانية التي إعتبرها الكرملين يومها أخطر توغل غربي في العمق الاستراتيجي لروسيا،وأقرب نقطة يمكن أن يصل اليها الغرب في طريقه الى موسكو. كان يفترض ان تكون سوريا بمثابة تعويض، أو ربما وسيلة لتهدئة روع الرئيس فلاديمير بوتين، ودليلاً على حسن النية، وعلى براءة الغرب من التحريض على ثورة شعبية ديموقراطية في كييف غير البعيدة أبداً عن العاصمة الروسية.
من هذه الزاوية، يمكن أن تبدأ المقارنة، لكي يستقيم النظر الى الغزو الروسي الحالي لاوكرانيا، ويتضح أن سوريا تبدو وكأنها خارج المسار السياسي والعسكري الروسي. هي وديعة مهمة، لكنها لا تحمي الخاصرة الروسية، المهددة اليوم بحرب إستنزاف في شوارع المدن الاوكرانية، كما أن نظامها الذي أحيته الآلة العسكرية الروسية لا يقارن، حسب الكرملين، بأهمية نظام الرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاتشينكو الذي لا يواجه أي خطر داخلي.
ومن هذه الزاوية أيضا، يمكن تسجيل الفوارق المهمة بين الغزو الروسي الراهن للاراضي الاوكرانية بمختلف الاسلحة الجوية والبرية والبحرية، التي تحيل مدن اوكرانيا الى خراب، وبين الاجتياح الروسي لسوريا، الذي ساد في الجو، وزاد في أعداد النازحين السوريين، ودمّر البنى المدنية السورية، لكنه لا يزال يجد صعوبة في احتكار السيادة على الارض السورية في مواجهة إيران وقواتها وأدواتها، في الوسط والجنوب، أو في إدعاء السيادة على الارض السورية التي تخترقها تركيا وشبكاتها في الشمال.
وبهذا المعنى، يبدو الغزو اليوم، وكأنه نتاج فشل روسي في احتواء التهديد الآتي من العمق الاوكراني، وهو سيؤدي حتماً الى كارثة روسية جديدة، نتيجة العقوبات الغربية الخانقة، ونتيجة المقاومة الاوكرانية الرسمية والشعبية، التي أذهلت العالم كله، قبل ان تصبح ظاهرة استثنائية تديرها علنا حكومات دول أوروبا الغربية وتمدها بالسلاح والعتاد، بوصفها حركة تحرير وطنية، تحمي عواصم الغرب من الخطر الروسي. من تلك المقاومة الاوكرانية الجريئة، المستندة الى وطنية أوكرانية أكثر جرأة يفترض ان يفتح الحساب السوري مع الذات: لماذا لم تنتج التجربة السورية مقاومة شعبية مشابهة؟ ولماذا يتكرر الحديث عن الخذلان الاميركي للسوريين، من دون الانتباه الى أنه إذا ما قررت واشنطن التدخل فعلا في سوريا فإنها ستتدخل لحماية النظام لا لإسقاطه او حتى تغيير سلوكه..
سؤال سوري وحيد يصلح أن يكون أساس أي مقارنة مع الحدث الاوكراني: هل يمكن أن يصمد نظام بشار الاسد إذا ما ازداد الضغط على روسيا؟ الجواب الفوري، هو: نعم، لأنه صامدٌ بفضل إيران أكثر مما هو باقٍ بفضل روسيا. قد يفقد قدرته على التلاعب بالحليفين الروسي والايراني، كما فعل بنجاح أكيد، طوال السنوات القليلة الماضية، لكن تعرضه للتهديد، يحتاج الى ما هو أكثر من صفقة أميركية إيرانية.. تلوح الآن في الافق.
المدن
|