على الاطلاق.وقبل صدور مذكراته " خلال تقشير البصل " اعترف غونتر غراس في حوار أجرته معه صحيفة " فرانكفورت ألغماينة تسايتونغ "بأنه التحق طواعية في سن الخامسة عشر بشبيبة هتلر. وفي سن السابعة عشر أستدعي للعمل ضمن فرقة الوحدات النازية الخاصة وارتدى زيها. يذكر أن هذه الوحدات كانت بمثابة جهاز الحرس الخاص الذي يتولى حماية أدولف هتلر وكبارقادة الحزب النازي ونسبت لها إعمال وحشية. وقد تم حظرها بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية وسقوط النازية كما أدينت رسميا بأنها "منظمة إجرامية" وذلك في ما عرف بمحاكمات "نورنبيرغ".
وتابع غراس : اعترافه الآن يمثل أحد الأسباب التي دفعته إلى كتابة مذكرته مشيرا إلى أنه لم يستطع الصمت أكثر. وذكر بأنه لم يعلم أحد بتلك الحقبة قبل اعترافه سوى زوجته وقلة قلية من أصدقائه المقربين. واعتبر كتابه الجديد بمثابة فرصة للحديث عن عضويته في الوحدة النازية وكذلك عن طريقة التحاق الشباب بتلك الفرقة. كما اعتبر نفسه ساذجا حينها كونه انجر وراء شعارات ألايدولوجيا النازية. وأوضح بأنه لم يعد يتذكر تصرفاته آنذاك في تلك السنوات المبكرة من عمرة، لكنه أكد بأنه لم يرتكب أي أعمال إجرامية ولم يطلق الرصاص على قط. اعتراف غراس شكل صدمة كبيرة في المانيا لانه الاديب الذي لطالما روج مقولة " الاديب ضمير الشعب النابض " و لمواقفه النقدية اللاذعة للحقبة النازية وجرائمها .
ولمكانته السياسية البارزة حيث دخل غونتر غراس ميادين السياسة في بداية الستينات حيث تعرف على المستشار الألماني السابق فيللي براندت عندما كان رئيسا لبلدية برلين. وشارك بشكل فاعل بدعم الحملة الانتخابية للحزب الاشتراكي الديمقراطي في 1965، 1969 عام 1972. ولم يتردد يوما في إعلان تعاطفه الكامل مع الاشتراكيين الديمقراطيين، لكنه لم يكن عضوا رسميا في الحزب الا في عامي 1982/83 فقط. عرف عنه مواقفه المعارضة جدا للحرب على العراق، الأمر الذي قربه إلى المستشار غيرهارد شرودر حيث جمعت بين الاثنين صداقه قوية أشارا إليها الطرفان بفخر واعتزاز في كل مقام ومقال. ففي مقالات عدة له وجه انتقادات لاذعة للسياسة الأمريكية في العالم متسائلا: "هل هذه هي الولايات المتحدة التي نحتفظ لها نحن الألمان بذكري طيبة ولأسباب عديدة ؟ البلد الذي مّول بسخاء مشروع مارشال لإعادة بناء ألمانيا الغربية.
" وأشار غراس دوما الى أن الألمان ليسوا الوحيدين الذين يلاحظون كيف بهتت هذه الصورة للولايات المتحدة عبر السنين حتي غدت حلما أو صورة مشتهاة، وألان قد تحولت الي صورة مشوهة."ولكن كيف ينظر الكاتب العربي الى اعتراف غونتر غراسالروائي المصري المقيم في امستردام رءوف مسعد يقول : أن يعترف كاتب بحجم غونتر غراس بأشياء من ماضيه ( مهما كان هذا الماضي مؤلما بالنظر اليه الآن ) فهذه شجاعة نادرة لا تجدها كثيرا في الغرب ولن تجدها اطلاقا في الشرق العربي !ما علينا !كم كان عمره آنذاك ؟ لعله لم يتجاوز منتصف عشريناته .. والعالم من حوله يمور بالتغيرات .
فلنسأل انفسنا: ألم يكن مبدأ " النازية " الهتلرية مقبولا اوربيا وغربيا وحتى على مستوى الفاتيكان ايامها؟ أي قبل ان تتصارع المانيا النازية مع اوربا الاستعمارية على المتسعمرات وتقسيم الثروات في العالم ؟ ألم يوقع ستالين الشيوعي معاهدة عدم اعتداء مع المانيا النازية ..المعاهدة التي نقضها هتلر ؟!وأي شاب في سن غونتر غراس وقتها ..اليس من الطبيعي تماما ان يحب وطنه الذي هضم الآخرووطنه ويجعله في معاهدة فرساي .. المانيا القيصرية التي خسرت الحرب العالمية الأولى ..
اليس من حقه ان ينضم الى "جيش بلده " لكي يدافع عن وطنه ويجعله وطنا يفخر به؟!السؤال الثالث : الم يكن التجنيد اجباريا في اوربا جميعها آنذاك ؟ السؤال الرابع : هل جهاز الكي جي بي السوفيتي كان ارحم من جهاز العاصفة ام مساو له في الغلاظة والعنف ؟هل من حقنا ان نلوم الجندي الذي اجبروه على الحرب ..ان نلومه على فظاعات آلات الحرب في بلده ام نلوم الساسة والجنرالات الذين اشعلوا هذه الحرب؟ويضيف الروائي رءوف مسعد : اعتبر ان غونتر غراس كاتب عظيم ؛ ما قام به خلال الحرب يدخل في تاريخ سابق .. المهم التاريخ الحالي ؛ اليس جراس معاد للصهيونية ومؤيد للحق الفلسطيني ؟ اليس غراس محب ومتفهم للشعوب العربية والشعوب الأخرى التواقة الى الحرية ؟! الاجابة بالإيجاب لكل من يريد ان يكون منصفا !
أما المترجم والاعلامي المصري سمير جريس والمقيم في ألمانيا يرى المسألة من زاوية اخرى ، إذ يقول :خلال العقود الماضية شهدت ألمانيا نقاشات سياسية عديدة كان لغونتر غراس فيها رأي، وكان لرأيه وزن. ترى كيف كان الألمان سيتلقون خطبه الأخلاقية المُحذرة لو كانوا يعرفون أنها صادرة عن رجل كان جندياً في منظمة إجرامية (أو بلغة هذه الأيام: "منظمة إرهابية")؟ لا ينسى قراء غراس – أصدقاؤه وخصومه – مواقفه الحادة في فضح جرائم النازية. كما يتذكرون الجدل العنيف الذي اندلع في ألمانيا عام 1985. آنذاك زار المستشار الأسبق هلموت كول مع الرئيس الأمريكي رونالد ريغان مقابر الجنود الألمان في بيتبورغ. هاجم عدد كبير من مثقفي اليسار الزعيمين المحافظين، وكان أعلاهم صوتاً هو قارع "الطبل الصفيح". أما السبب فهو أن المقابر تحوي رفات جنود فرق "الإس إس". هاجم غراس ما أسماه "تسلقاً للتاريخ"،
واعتبر الزيارة مهينة لمشاعر اليهود والأمريكان والألمان – لكنه لم يذكر كلمة واحدة عن أن الراقدين تحت التراب كانوا رفاقه في الجندية. صمتَ غراس اليساري عن ماضيه، وعلا صوته بانتقاد زعماء اليمين. مَن نصفه هنا بالتسلق؟ هذا هو الاتهام الذي يواجهه صاحب "مشية السرطان" من عدد كبير من المثقفين. "السلطة الأخلاقية" التي طالما انتقدت صمت الآخرين وتناسيهم لماضيهم، تصمت إذا تعلق الأمر بالذات. أليس هذا - أيضاً – كيلاً بمكيالين؟لن تفقد روايات غراس شيئاً من قيمتها الأدبية. وستظل «الطبل الصفيح» واحدة من الروايات الكبرى الأدب العالمي. ولكن غراس فقد الكثير من سلطته الأخلاقية.الشاعر والناشر العراقي خالد المعالي والذي نشر عددا من روايات غراس المترجمة الى العربية يقول :
الموضوعة المُثارة هنا في ألمانيا، تثار عادة مع كل كتاب ينشره غراس، معه أو ضده، وهو خلال الأربعين عاماً الماضية كان لستِ مرات موضوع غلاف لمجلة ألمانيا الأولى "دير شبيغل"، وهو كاتب ابن لغته ومجتمعه وعصره، وكتاباته الأدبية والساسية ورسوماته وحياته بكل تفاصيلها جزء من الفترة التي يعيش فيها وشاهدة حية عليها. في "خلال تقشير البصل " قشر غراس تاريخه الشخصي والخاص ومن خلاله التاريخ الالماني منذ صعود النازية وحتى سقوطها ووصولا الى الحاضر المثقل بالخسارات والخيبات والامال والانجازات ايضا .