إنه من المعروف أن رفع الجنرال ميشال عون راية الحرص الكاذب على مسيحيي سوريا والمنطقة من الأصولية الإسلامية سببه أن «سنة» لبنان هم الذين حالوا دون تبوئه منصب رئيس الجمهورية في نهايات ثمانين القرن الماضي عندما كان رئيسا للحكومة العسكرية بتكليف من الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل، وحيث أصبحت تلك الحكومة مباشرة وفور تشكيلها في سبتمبر (أيلول) عام 1988 في مواجهة مع حكومة الدكتور سليم الحص وبخاصة بعد استقالة الوزراء المسلمين من حكومته العسكرية هذه التي شغل هو فيها موقع وزير الدفاع ووزير الإعلام ووزير الخارجية والمغتربين ووزير التربية الوطنية والفنون الجميلة، وأيضا وزيرا للداخلية بالوكالة، وكل هذا مع احتفاظه برتبته العسكرية.
كان الجنرال عون يعتقد أنه الأحق بموقع رئيس الجمهورية دائما وأبدا من بين رموز الطائفة المارونية المسيحية، وكان يظن أن اختياره لهذا الموقع يعتبر من قبيل «تحصيل الحاصل» وعلى غرار ما حدث مع الجنرال فؤاد شهاب بعد حرب 1958 الأهلية، لكن هذا لم يتم أولا لأن واقع ما بعد هذه الحرب الأهلية الآنفة الذكر يختلف كثيرا عن واقع ما بعد حرب 1975 التي لم تكن قد انتهت بعد والتي لم تنتهِ إلا بعد انعقاد مؤتمر الطائف الشهير في المملكة العربية السعودية في أغسطس (آب) عام 1989، وثانيا لأن عون نفسه يختلف كثيرا عن فؤاد شهاب الذي كان يتمتع باحترام الشعب اللبناني بكل طوائفه وفئاته.
لقد بقيت هذه الرغبة كجمرة متقدة في قلب عون، الذي كانت طموحاته وربما لا تزال أكبر كثيرا من إمكانياته وأيضا من شعبيته في الطائفة المارونية، على مدى خمسة عشر عاما قضاها لاجئا سياسيا في فرنسا، وكل هذا إلى أن عاد من منفاه الفرنسي في عام 2005 بموافقة سوريا وبوساطة من حزب الله الذي انضوى لاحقا معه باسم «التيار الوطني الحر» في تحالف الثامن من مارس (آذار)، والذي أخذه للقاء مصالحة «تاريخي» مع بشار الأسد في الثالث من ديسمبر (كانون الأول) عام 2008.
بعد ذلك اللقاء «التاريخي» التصالحي انتعشت لدى الجنرال ميشال عون أحلامه وتطلعاته القديمة ظنا منه، وهذا صحيح كل الصحة في ذلك الوقت، أن قرار من يصبح رئيسا للبنان في دمشق وليس في بيروت، ولذلك فإن مزايداته بالولاء للنظام السوري تجاوزت كل الحدود ووصلت إلى أنه قد قام بزيارة «حج» إلى طهران، وأنه انحاز منذ اللحظة الأولى إلى هذه الحرب الهمجية التي بدأها بشار الأسد ضد شعب سوريا في الحادي عشر من مارس عام 2011 وأنه، أي عون، قد بادر إلى رفع راية الاستقطاب الطائفي ضد المعارضة السورية بمجرد إطلاق رئيس النظام الطائفي، وليس نظام الطائفة، في دمشق كذبة أنه يواجه تنظيمات إسلامية إرهابية تستهدف «العلويين» وكل الطوائف والأقليات الأخرى وفي مقدمتها الأقلية المسيحية.
وهكذا فقد بدأت «جوقة»، قادها ميشال عون وأتباعه وشارك فيها حسن نصر الله الذي ليس ثبت بل أثبت أنه أكبر طائفي في هذه المنطقة وأنه يكره «السنة» ربما أكثر من كرهه للإسرائيليين، كما شاركت فيها فلول الأحزاب الشيوعية وباقي ما تبقى من بعثيي سوريا والعراق والكثير من الكتبة الكذبة... بالعزف على أوتار أن بشار الأسد هو حامي حمى الأقليات القومية والمذهبية في هذه المنطقة، وأن الحرب الدامية والمدمرة التي يخوضها ضد الشعب السوري هي حرب ضد «القاعدة» وضد «النصرة» وضد الإرهاب الإسلامي، وأن تحالفه مع إيران ومع سوريا ومع حزب الله وكل زمر القتل الطائفية القادمة من عراق نوري المالكي هو تحالف ضد التنظيمات الإرهابية!!
وهنا فإن ما يبعث على الاستغراب والتساؤل هو أن الغرب الأوروبي كله ومعه الولايات المتحدة والكثير من الدول الأخرى، التي دفعها ما يجري في سوريا إلى استحضار مناخ الحروب الصليبية التي كان العرب والمسلمون قد وصفوها وعرفوها في كل أدبياتهم وفي كل مدوناتهم التاريخية بـ«حروب الفرنجة»، قد تلقف كذبة النظام السوري هذه وأخذ ينفخ فيها مستعينا بكل الطائفيين «المستترين» في هذه المنطقة لتبرير امتناع الأميركيين والأوروبيين تزويد الجيش الحر بالأسلحة التي يحتاج إليها للدفاع عن شعبه وكأن الهدف، كما يقول البعض، هو استخدام هذا المبرر واستخدام هذه الحجة لترك سوريا تأكل نفسها بنفسها خدمة لإسرائيل وأيضا خدمة لمشروع تمزيق هذا الجزء من الوطن العربي إلى دويلات «فسيفسائية» عرقية ومذهبية.
إنه لا جدال إطلاقا في أن مسيحيي العراق قد تعرضوا هم وبعض بيعهم وكنائسهم لاعتداءات إجرامية وإرهابية مرفوضة ومدانة، ولكن ما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار هنا هو أن «السنة» و«الشيعة» في العراق قد تعرضوا أيضا هم ومساجدهم و«حسينياتهم» و«حوزاتهم العلمية» إلى أكثر مما تعرض له المسيحيون وتعرضت له أماكنهم الدينية منذ عام 2003 على أيدي المجموعات الإرهابية نفسها التي بقي نظام بشار الأسد يصدرها إلى بلاد الرافدين بحجة ضرورة إغراق الأميركيين «الغزاة» في أوحال دجلة والفرات وفي رمال الصحارى العراقية المتحركة.
لقد اضطر بعض مسيحيي العراق تحت وطأة الخوف من الإرهاب، الذي لا يزال يخبط خبط عشواء في كل المناطق والمدن والقرى العراقية، وتحت إلحاح التسهيلات الغربية الأوروبية والأميركية، إلى الهجرة والنزوح إلى الخارج، وإن هذا أمر لا نقاش في رفضه وإدانته، لكن وفي كل الأحوال فإنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن ظاهرة الهجرة القسرية، فرارا من هذا الإرهاب الذي غدا مستفحلا ومتجذرا في هذا البلد المخترق وحتى النخاع الشوكي من قبل الأجهزة الأمنية الإيرانية، قد شملت المسلمين أيضا «سنة» و«شيعة»، وإنه على من لديه أي شكوك بالنسبة لهذه الحقيقة أن يراجع ملفات ملايين العراقيين الذين غادروا بلدهم خلال الأعوام العشرة الأخيرة وقبل ذلك ولجأوا إلى الدول العربية المجاورة ومن بينها سوريا نفسها والأردن وإلى أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا وكل بقاع الأرض.
ثم إن المعروف أن ظاهرة استدراج المسيحيين من أبناء هذه المنطقة ومن بينهم أقباط مصر ومسيحيو بلاد الشام والعراق من قبل حكومات وكنائس الغرب وإغرائهم بتسهيلات الهجرة إلى أوروبا والولايات المتحدة هي ظاهرة قديمة وقبل أن يعرف الشرق الأوسط هذا العنف وهذا الإرهاب بسنوات كثيرة بعيدة، وحقيقة أن هذه التسهيلات غير البريئة هي التي تسببت في استنزاف الطوائف المسيحية الشرقية كلها وجعل أعداد أبنائها تتناقص بهذه الطريقة المرعبة التي يجب التصدي لها بكل الوسائل الفعلية المتاحة، وذلك لأن هذا الشرق العربي سيفقد نكهته لا محالة إذا تحول إلى مجتمعات صماء بلون واحد.
إن هناك هجرة من هذه المنطقة العربية، وأيضا من المغرب العربي بكل أقطاره، كانت قد بدأت في اتجاه الغرب وتحديدا تجاه الولايات المتحدة منذ القرن التاسع عشر وقبل ذلك، فأميركا التي غدت دولة الفرص السانحة أصبحت مقصد الباحثين عن هذه الفرص بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والعرقية، وهذا ينطبق أيضا على الكثير من دول أميركا اللاتينية والكثير من الدول الأفريقية التي حققت الجاليات اللبنانية والجاليات الفلسطينية فيها نجاحات اقتصادية وسياسية مرموقة ووصل بعض أبناء هاتين الجاليتين إلى مواقع مرموقة في هذه الدول من بينها موقع الرئاسة الأولى الذي هو موقع رئاسة الجمهورية.
------------------
الشرق الاوسط
كان الجنرال عون يعتقد أنه الأحق بموقع رئيس الجمهورية دائما وأبدا من بين رموز الطائفة المارونية المسيحية، وكان يظن أن اختياره لهذا الموقع يعتبر من قبيل «تحصيل الحاصل» وعلى غرار ما حدث مع الجنرال فؤاد شهاب بعد حرب 1958 الأهلية، لكن هذا لم يتم أولا لأن واقع ما بعد هذه الحرب الأهلية الآنفة الذكر يختلف كثيرا عن واقع ما بعد حرب 1975 التي لم تكن قد انتهت بعد والتي لم تنتهِ إلا بعد انعقاد مؤتمر الطائف الشهير في المملكة العربية السعودية في أغسطس (آب) عام 1989، وثانيا لأن عون نفسه يختلف كثيرا عن فؤاد شهاب الذي كان يتمتع باحترام الشعب اللبناني بكل طوائفه وفئاته.
لقد بقيت هذه الرغبة كجمرة متقدة في قلب عون، الذي كانت طموحاته وربما لا تزال أكبر كثيرا من إمكانياته وأيضا من شعبيته في الطائفة المارونية، على مدى خمسة عشر عاما قضاها لاجئا سياسيا في فرنسا، وكل هذا إلى أن عاد من منفاه الفرنسي في عام 2005 بموافقة سوريا وبوساطة من حزب الله الذي انضوى لاحقا معه باسم «التيار الوطني الحر» في تحالف الثامن من مارس (آذار)، والذي أخذه للقاء مصالحة «تاريخي» مع بشار الأسد في الثالث من ديسمبر (كانون الأول) عام 2008.
بعد ذلك اللقاء «التاريخي» التصالحي انتعشت لدى الجنرال ميشال عون أحلامه وتطلعاته القديمة ظنا منه، وهذا صحيح كل الصحة في ذلك الوقت، أن قرار من يصبح رئيسا للبنان في دمشق وليس في بيروت، ولذلك فإن مزايداته بالولاء للنظام السوري تجاوزت كل الحدود ووصلت إلى أنه قد قام بزيارة «حج» إلى طهران، وأنه انحاز منذ اللحظة الأولى إلى هذه الحرب الهمجية التي بدأها بشار الأسد ضد شعب سوريا في الحادي عشر من مارس عام 2011 وأنه، أي عون، قد بادر إلى رفع راية الاستقطاب الطائفي ضد المعارضة السورية بمجرد إطلاق رئيس النظام الطائفي، وليس نظام الطائفة، في دمشق كذبة أنه يواجه تنظيمات إسلامية إرهابية تستهدف «العلويين» وكل الطوائف والأقليات الأخرى وفي مقدمتها الأقلية المسيحية.
وهكذا فقد بدأت «جوقة»، قادها ميشال عون وأتباعه وشارك فيها حسن نصر الله الذي ليس ثبت بل أثبت أنه أكبر طائفي في هذه المنطقة وأنه يكره «السنة» ربما أكثر من كرهه للإسرائيليين، كما شاركت فيها فلول الأحزاب الشيوعية وباقي ما تبقى من بعثيي سوريا والعراق والكثير من الكتبة الكذبة... بالعزف على أوتار أن بشار الأسد هو حامي حمى الأقليات القومية والمذهبية في هذه المنطقة، وأن الحرب الدامية والمدمرة التي يخوضها ضد الشعب السوري هي حرب ضد «القاعدة» وضد «النصرة» وضد الإرهاب الإسلامي، وأن تحالفه مع إيران ومع سوريا ومع حزب الله وكل زمر القتل الطائفية القادمة من عراق نوري المالكي هو تحالف ضد التنظيمات الإرهابية!!
وهنا فإن ما يبعث على الاستغراب والتساؤل هو أن الغرب الأوروبي كله ومعه الولايات المتحدة والكثير من الدول الأخرى، التي دفعها ما يجري في سوريا إلى استحضار مناخ الحروب الصليبية التي كان العرب والمسلمون قد وصفوها وعرفوها في كل أدبياتهم وفي كل مدوناتهم التاريخية بـ«حروب الفرنجة»، قد تلقف كذبة النظام السوري هذه وأخذ ينفخ فيها مستعينا بكل الطائفيين «المستترين» في هذه المنطقة لتبرير امتناع الأميركيين والأوروبيين تزويد الجيش الحر بالأسلحة التي يحتاج إليها للدفاع عن شعبه وكأن الهدف، كما يقول البعض، هو استخدام هذا المبرر واستخدام هذه الحجة لترك سوريا تأكل نفسها بنفسها خدمة لإسرائيل وأيضا خدمة لمشروع تمزيق هذا الجزء من الوطن العربي إلى دويلات «فسيفسائية» عرقية ومذهبية.
إنه لا جدال إطلاقا في أن مسيحيي العراق قد تعرضوا هم وبعض بيعهم وكنائسهم لاعتداءات إجرامية وإرهابية مرفوضة ومدانة، ولكن ما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار هنا هو أن «السنة» و«الشيعة» في العراق قد تعرضوا أيضا هم ومساجدهم و«حسينياتهم» و«حوزاتهم العلمية» إلى أكثر مما تعرض له المسيحيون وتعرضت له أماكنهم الدينية منذ عام 2003 على أيدي المجموعات الإرهابية نفسها التي بقي نظام بشار الأسد يصدرها إلى بلاد الرافدين بحجة ضرورة إغراق الأميركيين «الغزاة» في أوحال دجلة والفرات وفي رمال الصحارى العراقية المتحركة.
لقد اضطر بعض مسيحيي العراق تحت وطأة الخوف من الإرهاب، الذي لا يزال يخبط خبط عشواء في كل المناطق والمدن والقرى العراقية، وتحت إلحاح التسهيلات الغربية الأوروبية والأميركية، إلى الهجرة والنزوح إلى الخارج، وإن هذا أمر لا نقاش في رفضه وإدانته، لكن وفي كل الأحوال فإنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن ظاهرة الهجرة القسرية، فرارا من هذا الإرهاب الذي غدا مستفحلا ومتجذرا في هذا البلد المخترق وحتى النخاع الشوكي من قبل الأجهزة الأمنية الإيرانية، قد شملت المسلمين أيضا «سنة» و«شيعة»، وإنه على من لديه أي شكوك بالنسبة لهذه الحقيقة أن يراجع ملفات ملايين العراقيين الذين غادروا بلدهم خلال الأعوام العشرة الأخيرة وقبل ذلك ولجأوا إلى الدول العربية المجاورة ومن بينها سوريا نفسها والأردن وإلى أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا وكل بقاع الأرض.
ثم إن المعروف أن ظاهرة استدراج المسيحيين من أبناء هذه المنطقة ومن بينهم أقباط مصر ومسيحيو بلاد الشام والعراق من قبل حكومات وكنائس الغرب وإغرائهم بتسهيلات الهجرة إلى أوروبا والولايات المتحدة هي ظاهرة قديمة وقبل أن يعرف الشرق الأوسط هذا العنف وهذا الإرهاب بسنوات كثيرة بعيدة، وحقيقة أن هذه التسهيلات غير البريئة هي التي تسببت في استنزاف الطوائف المسيحية الشرقية كلها وجعل أعداد أبنائها تتناقص بهذه الطريقة المرعبة التي يجب التصدي لها بكل الوسائل الفعلية المتاحة، وذلك لأن هذا الشرق العربي سيفقد نكهته لا محالة إذا تحول إلى مجتمعات صماء بلون واحد.
إن هناك هجرة من هذه المنطقة العربية، وأيضا من المغرب العربي بكل أقطاره، كانت قد بدأت في اتجاه الغرب وتحديدا تجاه الولايات المتحدة منذ القرن التاسع عشر وقبل ذلك، فأميركا التي غدت دولة الفرص السانحة أصبحت مقصد الباحثين عن هذه الفرص بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والعرقية، وهذا ينطبق أيضا على الكثير من دول أميركا اللاتينية والكثير من الدول الأفريقية التي حققت الجاليات اللبنانية والجاليات الفلسطينية فيها نجاحات اقتصادية وسياسية مرموقة ووصل بعض أبناء هاتين الجاليتين إلى مواقع مرموقة في هذه الدول من بينها موقع الرئاسة الأولى الذي هو موقع رئاسة الجمهورية.
------------------
الشرق الاوسط