نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


اختفاء بشار الأسد بداية لزوال السلطة




مرحلة الاختفاء، وسرية التنقلات، والكتمان على مراكز التواجد، أو الظهور المفاجئ في مراكز عامة، واستقبال الدبلوماسيين الخارجيين، تعتبر، بالنسبة لرؤساء الحكومات والانظمة الدكتاتورية الذين يواجهون ثورات أو انتفاضات، المرحلة الاصعب، والتي تسبق الزوال عادة، وهي فترة الصراع على البقاء بالنسبة للسلطة


 ، والبحث في الخفايا عن خطط لإعادة التفوق العسكري والسياسي من اعماق الكتمان، مع ذاتهم، والخارج، وفي العلاقات الدولية. كما وأنه ظهور لبدايات الانتصار والتفوق النوعي لقوى الثورة في الداخل والمعارضة السياسية في الآفاق الدولية. من المؤسف، تتفاقم عادة في هذه المرحلة عمليات الدمار والقتل العشوائي، وتغيب حقوق الإنسان بكليتها، وتتشوه قيم المجتمع، كما ينعدم الأمن في كل زوايا الوطن، ويطغى التسيب والفوضى، ويقف وراء معظم هذه الأفعال السلطة الشمولية وبتخطيط حاقد على الشعب، والوطن، والمجتمع الذي يلغي وجودها، ويرمي بقادتها من السويات الفوقية التي كانوا يجدون نفسهم فيها. وكل ما يجري من الإجرام في الوطن، ردات فعل عكسية، انتقام للسلطة من الكل، من المعارضة بل من الشعب بأكمله، الذي تصنفه السلطة عملياً جملة وتفصيلا في خانة المعارضة، وتنفذ في حقه كل الأحكام  بشكل فعلي وبحقد، وبالمقابل وبشكل نظري يقوم اعلامه بتبرير وتحليل صراعه، وهو صراع على البقاء في ماهيته، ليظهره على أنه تنافس بين الشعب أو المتمردين، ودفاع من المجتمع للحفاظ على عظمة القائد، الذي يعيش في قناعات هلامية تسكن معه في ابراجه الإلهية.
سوريا اليوم تعكس تماماً هذه المأساة البشرية، شعبها يغرق في بحر من الدماء، والدمار المتفاقم يشمل معظم أطراف الوطن، بدءأً من تدمير المدن إلى دمار الإنسان جسداً وروحاً، وقتل الإيمان في النفس، وهدم بنية العائلة والمجتمع، سلطة ستنهي وجود الوطن إن استطاعت، قبل أن يرى الشعب زوالها، تحرق الجماد والإنسان معاً، تستعمل لهذا كل ما تطاله اياديها، مستخدمة جميع الوسائل لمواجهة المعارضة التي بدأت بالثورة الشبابية السلمية، ارضختها السلطة بالإنتقال إلى المواجهة المسلحة، هذا ما اقتنعت بها الشريحة الطاغية كحل أمثل في وقف الإمتداد الثوري الشبابي، واقنعت شبيحتها الموالية لهم لمواجهة المجتمع السوري، تستخدم كل أنواع العنف ضد الشباب الثائر، والقوى المناوئة لفساد آل الأسد ونظامهم.
ما يجول في الإعلام السوري، وما يطرحونه من الموبقات حول الصراع المهلك في الوطن، وما يظهرونه من النفاق، على أن السلطة السورية وآل الأسد كانوا ولا زالوا يملكون الشرعية الدستورية في الحكم، وسوف تكون لديهم القدرة ” المعنوية ” بالظهور في الساحات ومواجهة الشعب، رغم كل المآسي التي خلقوها وأغرقوا فيها الوطن، كل ذلك محاولات لإنعاش الموتى. تقف وراء هذه النزعة قوى دولية تتحرك في كل الإتجاهات للحفاظ على مصالحها بل وربما وجودها، وتحرك شريحة فاسدة انتهازية لا زالت تتمسك بالسلطة، رغم أن الواقع الذي يؤملونه من السلطة السورية دخل في حالة العدم منذ سقوط الكوكبة الأولى من شهداء الثورة بيد النظام، وهي الآن تعبر المرحلة النهائية، والحقائق الموجودة التي تبرز على الساحة الإعلامية العالمية تثبت على أن عملية اختفاء بشار الأسد عن الأنظار هي المرحلة ما قبل النهاية لزوال السلطة، وهي تشبه في كليته المرحلة التي سبقت سقوط صدام، وسلطة القذافي قبل وصول كتائب الثورة الليبية مشارف طرابلس، لا زلنا نتذكر كيف كان أعلامهما يحارب بلهجة تتجاوب وفظاعة القوات العسكرية التي دفعت بها صدام، والسلطة الليبية ” الأكثر شبهاً ” لتدمير الوطن وليست كقوات لأنقاذه أو رد كتائب الثورة، سوريا اليوم تدخل نفس المرحلة من النواحي السياسية، والعسكرية، والأمنية، والنفسية.
رغم ما يجري على الساحة السورية من الدمار، بدأ يطغى التعتيم على حراك السلطة، ووجود أماكن رموزه وفي مقدمتهم بشار الأسد، والذي كان يجب أن يكون في مركز تسيير الدولة علناً على رأس مؤسساتها كما كان يتباهى سابقاً. قبل سنة كان الاعلام المركزي يضع هالة التفخيم على تنقلاته ما بين جامع الأموي والقصر الجمهوري بسيارته الخاصة، بشار الأسد كان يتباهى مع عائلته بالظهور المفاجئ، أو المخطط، كما حدث في ساحة الأمويين أمام حشد من المؤيدين له، والتضخيم الذي رافق دخوله مجلس الشعب وتشريفات تنصيب الوزارة والإعلان عن الدستور إلى استقباله للدبلوماسيين، مع تركيز إعلامي على سهولة تنقلاته، كانت تغطية للفظائع والإجرام التي كانت تجري من قبل الشبيحة وقوى الأمن في داخل البيوت وساحات المدن السورية كدرعا وحمص وحماة وغيرها، حينها لم يكن يتوانى عن أتهام المظاهرات وبدايات الصراع المسلح بكل التهم والموبقات، بدءاً من الارهاب إلى التدخلات الخارجية والعمالات بكل أنواعها، ولم يتوانى في استعمال الدونية في الكلام الموجه للشعب السوري. أنتقل بشار الأسد من مرحلة التباهي تلك إلى مرحلة التعتيم في الوجود، ومن الاستخفاف بالثورة واتهام الدول والمواجهة المباشرة مع بدايات الجيش الحر، إلى البحث عن أتفه الحلول للحفاظ على البقاء، مستخدماً كل الاساليب والطرق منها: تدمير الوطن، والتسول في الأروقة الدولية ما بين روسيا والصين وإيران التي تبحث عن مصالحها الاقتصادية – الاثنية بوجوده.
اساليب التسول المستخدمة، ومن خلال الطريقة التي يتم فيها اللقاء بالدبلوماسيين العالميين، إضافة إلى سوية ونوعية هؤلاء الدبلوماسيين، والأماكن غير المعروفة، والسرية التامة التي تسبق اللقاء، توضح مدى قرب نهاية السلطة السورية، تبدى ذلك من خلال لقاء بشار الأسد بمسؤول الأمن القومي الإيراني، والتركيز الإعلامي عليه، والذي يجب أن يكون لقاء مع رئيس الأمن القومي في السلطة وليس مع رئيس السلطة. لم تكن كل هذه الدونيات موجودة في حسابات السلطة السورية سابقاً، ولم تكن تتوقع يوماً أن يكون الرئيس بذاته متلقيا لإملاءات الأمن القومي الإيراني، وفرض تلك الأعمال التي تطلبها دولة ولاية الفقيه عليه مباشرة. بدأت الدولة الإيرانية والروسية بفرض خططهم عليه لإبقائه قدر المستطاع في السلطة، رغم أنهم الأن على قناعة بحتمية زوال السلطة السورية، لولا ذلك لشوهد زيارات دبلوماسية على مستوى الرؤساء وليس رؤساء المخابرات. العلاقات والحوارات السرية تجري الآن في أروقة الدبلوماسية الروسية – الإيرانية – الصينية لا لدعم وجود السلطة كالسابق، بل للضغط على السلطة السورية وبشار الأسد لأثبات الوجود أطول فترة ممكنة، للحفاظ على المصالح المتعددة الجوانب، وفي مقدمتها مصالح الوجود في المنطقة، كوجود اثني – اقتصادي – سياسي، ووجود روسيا كقوة فاعلة في منطقة الشرق الأوسط. السلطة السورية في حقيقتها منتهية، وهي تشاهد مصيرها المرعب تماماً، ولا ترفض فكرة الهروب من الوطن بعد نهبها وتدميرها، على الأقل للحفاظ على ذاتها آمناً في الوجود الخارجي.
لا شك أن روسيا وايران يرفضان هدم المحور الوهمي والمسمى بمحور المقاومة! لكن الواقع يفرض نفسه، وبسبب قرب نهاياتها، نقلت السلطة السورية من مرحلة التعامل المتوازن مع الهلال الشيعي أو دولة ذات سيادة بمحاوراتها مع روسيا أو غيرها من الدول، إلى مرحلة تقبل الأوامر، وتنفيذ الخطط والإملاءات. بدأت السلطة السورية الأمنية تسير المعارك في الوطن لخلق اكبر قدر من الدمار، ليس للحفاظ على السلطة، بل لإرضاخ المعارضة على تقبل بنود تعرضها الأن روسيا – وايران على الهيئات الدولية، مقابل زوال السلطة. ما يؤكد هذا هو نوعية استقبالات بشار الأسد مع تجاوزاته لمنطق التعامل واللقاءات الدبلوماسية، والتضخيم غير المبرر من الإعلام السوري والإيراني لذلك اللقاء، والذي كان من الدرجة الثالثة أو الرابعة، إضافة إلى ذلك التحركات المكثفة للدبلوماسية الإيرانية على دول الجوار، مع قيامها بالتحضير لعقد مؤتمر دولي على اراضيها لدعم السلطة السورية، تحت تسمية لن نسمح بكسر محور المقاومة! ” هل هي محور مقاومة ضد إرادة شعوبها ؟! ” إضافة إلى أرضاخ السلطة السورية على تكرار الطلب الروسي بتعيين بديل لكوفي عنان، أو تمديد عمل المراقبين الدوليين في سوريا، وما سبق تثبت حقيقة أخرى، تجري الآن في الأروقة السورية الخفية، على أنه هناك صراع سياسي داخل السلطة السورية وشريحة مستميتة على البقاء مع حلفائها، والإختلاف هو مدى استمرارية الوجود للسلطة، ومدى قدرة هذه الشريحة البقاء على رأس الدولة السورية، قبل الإنتقال إلى المخطط الآخر، وهو  إقامة فيدرالية ذات كيان اثني – قومي خاص بالعلويين داخل سوريا اللامركزية.
منظمات، بعضها في السلطة، تخطط بقوة للحصول على دعم دولي لإقامة الفيدرالية العلوية، أو بشكل اشمل، بناء النظام الفيدرالي في سوريا، وهذا ما ترفضه حتى اللحظة مبدئيا، حلفاء السلطة، وعلى رأسهم روسيا وايران، ويقبلانها كخطة متأخرة، والتي ترفضها الدولة التركية، خوفاً من الوجود العلوي والكردي معاً ضمن تركيا ” نسبتهما لا يقلان عن نصف عدد سكان تركيا، ويتوزعان على مساحة لا تقل عن نصف الأراضي ” هؤلاء يرفضون زوال السلطة بهكذا بديل، لكن الثورة مستمرة، ونجاحها تدخل في حكم جدلية تميل بشكل مؤكد لانتصار الشعوب على الدكتاتوريات، والنظام القادم سيكون نظام لامركزي فيدرالي، حتى ولو كانت أنتصارات مفاهيم هذه الثورة أو الثورات التي سبقتها ستأتي متأخرة، والقوى الإنتهازية ستحكم في الفترات القادمة بعد سقوط السلطات الحالية، لكن هذه السلطات بدءاً من السورية إلى الإيرانية والتركية والروسية وغيرهم في المنطقة، سوف يرضخون في القادم من الزمن إلى حكم التطور التاريخي في مسيرة الشعوب، والحكم بهذا المنطق لم يأتي من الإيمان على أن العدالة تقف مع الشعوب أو أن الشعوب تنجح دائما، وهومنطق نسبي، يحكمها التاريخ والزمن، وظروف أخرى متنوعة، بل لأن كل هذه الظروف تتجمع الأن على ساحات الشرق، وتبرز منها عوامل زوال الشمولية في السيطرة، وهذا ما يرى من خلال سقوط الدكتاتوريات رغم دفاعهم المستميت على البقاء.

د . محمود عباس
الاحد 12 غشت 2012