نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


احتل عفلق السلطة فقلبه عسكر الطائفة






يقترب الرقم، عندي، من مرتبة القداسة. فهو الحقيقة الأزلية التي لا تقبل نقضا أو نقدا. من هنا، أرى من واجبي أن أصحح رقما ورد خطأ في حديث الثلاثاء الماضي. فأقول إن سعد الله الجابري، وليس فارس الخوري، كان رئيس وزراء سوريا في عام 1946. وقد خلف الجابري زميله الخوري في 30/10/1945. وكان الخوري خلف الجابري في عام 1944.


 وأضيف أن شكري القوتلي تولى رئاسة الجمهورية في الأربعينات، من دون أن يكون لأحد فضل عليه في الوصول، سوى نزاهته التي صانته من الاتهام في قضية اغتيال الدكتور عبد الرحمن الشهبندر. ثم لموقفه الشعبي الصارم الرافض لربط العملة السورية بالعملة الفرنسية، عندما كان وزيرا للمالية، في حكومة زميله جميل مردم في الثلاثينات.
في تقييم أخير للجيل القومي الأول الذي قاد النضال من أجل الاستقلال، أذكر الساسة السوريين اليوم بأن الشهبندر. هنانو. مردم. القوتلي. الجابري. هاشم الأتاسي... كانوا مؤمنين بالعروبة والتعددية الديمقراطية. هؤلاء كانوا يعرفون أن سوريا، بغير العروبة، لا تستطيع أن تلعب دورا يذكر في وطنها العربي الكبير.
في مرحلة الخمسينات والستينات، كان المسرح السياسي السوري أكثر تعقيدا. وغموضا. وخطرا. فقد اتسمت المرحلة بالصراع بين يمين تقليدي، ويسار قفز فجأة إلى المسرح، عبر تسييس الأجيال الجديدة، فأدلج سياسيا العروبة، بلا مبالاة بالحرية والديمقراطية.
وإذا كان جميل مردم المحرك السياسي لمرحلة النضال من أجل الاستقلال، فقد كان أكرم الحوراني المحرك السياسي لمعظم المرحلة الثانية. ومن متابعتي لمسيرة الحوراني عن كثب (صادف أني عملت في صحف ثلاث كان يشرف سياسيا عليها) أستطيع أن أقول إن الحوراني أيقن، حتى بعد اندماج حزبه الاشتراكي بحزب البعث، أن الحزب الجديد عاجز، عن توفير أغلبية نيابية حاكمة، عبر صندوق الاقتراع، في مجتمع محافظ.
كان خطأ الحوراني يكمن في تسرعه. فقد لجأ في الخمسينات. إلى دفع شباب الطائفة العلوية، إلى الانخراط في الجيش. وعندما أفاق في الستينات على خطئه المروع، كان الوقت قد فات لإنقاذ الديمقراطية. فقد قوض عسكر الطائفة نظام اليمين الانفصالي الذي دعمه الحوراني. واضطروا الحوراني نفسه إلى الفرار إلى المنفى، واعتزال السياسة.
ولم يكد الحوراني يغسل يديه من الطائفة العلوية، حتى ارتكب ميشيل عفلق وصلاح البيطار الخطأ ذاته. فقد راهن الرجلان على الضباط العلويين، بعدما اتخذ عفلق قراره السري الخطير، باستيلاء «البعث» على السلطة والدولة، إثر سقوط الوحدة المصرية/ السورية.
وبالفعل، تمكن عفلق، بعد سلسلة مؤتمرات حزبية متناقضة، من تحقيق حلمه بالاستيلاء على السلطة، وتشكيل حكومة «البعث القومي» برئاسة صلاح البيطار. غير أن عفلق سرعان ما واجه انقلابا عسكريا علويا (1966) يقوده ابنه «الروحي» صلاح جديد مع حافظ الأسد. وهكذا، كان على عفلق والبيطار، أن يلحقا بزميلهما اللدود الحوراني في المنفى.
بانقلاب الأسد على صلاح جديد (1970)، انكشف تماما مخطط الطائفة العلوية. الواقع أن الطائفة راهنت أولا على «الحزب السوري القومي الاجتماعي»، منذ الخمسينات. لكن فاشية الحزب. وعداءه للعروبة. واغتياله العقيد عدنان المالكي (1955) رجل الحوراني في الجيش، كل ذلك أدى إلى صرف نظر الطائفة عنه، والتحول إلى «البعث» بجعله مطية بديلة أسهل للوصول إلى الهدف، بخداع زعماء الحزب التاريخيين، ثم إقصائهم، بعد الاستيلاء على السلطة والدولة.
قد تسألني، عزيزي القارئ، عن اليمين السوري، في هذه المعمعة اللاأخلاقية. أجيب بأن «حزب الشعب» بزعامة رشدي الكيخيا ورث «الكتلة الوطنية». وشكل الأغلبية في مجلس نواب الخمسينات. وشارك في الحكم، في مرحلة الديمقراطية الصعبة (1954/ 1958). وخاض معركة غير متكافئة مع يسار مدعوم مخابراتيا وعسكريا. اختفى حزب الشعب بقيام الوحدة المصرية/ السورية (1958). ثم اختفى ثانية بسقوط نظام الانفصال (1963).
كان قلبي على اليسار، شأني شأن معظم شباب جيلي آنذاك. لكن ما زلت أعتبر زعيم اليمين رشدي الكيخيا أنزه سياسي أنجبته سوريا في القرن العشرين، وأكثرهم عفة. فقد اكتفى بمقعده النيابي، محتجا بصمت نبيل على عسكرة اليسار للسياسة. وعندما أجمع اليمين واليسار على ترشيحه رئيسا لجمهورية الانفصال، رفض بإباء وكبرياء قائلا: «اليد التي وقعت وثيقة الوحدة مع مصر، لن توقع وثائق الانفصال».
رفض الكيخيا المنصب الرفيع. فقبل به زميل عمره الدكتور ناظم القدسي. بعد أشهر قليلة، عبأ ضباط الانفصال الدمشقيون خريج جامعات سويسرا، في مصفحة عسكرية. وأودعوه سجن المزة. ثم ذهبوا إلى القاهرة نادمين. باكين. مطالبين عبد الناصر باستعادة الوحدة. وكان الرد الشهير: «الوحدة التي ذهبت بانقلاب، لا تعود بانقلاب». عاد الانقلابيون. ردوا الاعتبار للرئيس القدسي. كان عليه أن يستقيل احتراما لكبريائه المهانة. لكن انتظر أن يطيح به الانقلاب البعثي الناصري (1963).
بانقلاب حافظ الأسد (1970)، تختتم الطائفة العلوية عقد المكر والخديعة الستيني، بإقامة دولتها الطائفية المزدانة بالشعارات القومية البعثية/ الناصرية. جرى ذلك بمعزل تام عن «جماهيرنا الشعبية» التي غابت عن السياسة. والعلم والخبر. والمشاركة، منذ بداية الستينات.
مع الثورة، جرى تشريح نظام الأسد عربيا ودوليا، بتفاصيل كثيرة. ليس لدي ما أضيف في هذه العجالة، سوى التنويه بحنكة الأسد الأب، في حبك التحالفات وتفكيكها، بمهارة لم تتوفر لابنه السعيد في الحب. التعيس في السياسة.
نخب سنية كثيرة. بليدة. غطت من مواقعها العسكرية. الحزبية. الاقتصادية، الحلف السام مع النظام الفارسي. وتسترت على شراسة النظام العلوي، بمشاركته في فساد ليبراليته الاقتصادية المتوحشة.
تشكون من عبادة الشخصية عند العلويين؟ لماذا لا تسمعون ما قاله وفعله «سنة» النظام؟! شبه العماد مصطفى طلاس رئيسه حافظ الأسد، بعد مجزرة حماه، بالرسول الكريم «الذي أدبه فأحسن تأديبه» (مجلة المستقبل 27/2/1988)، ثم يضيف: «عندما أنظر إلى مقدار واقعية فكر الأسد الاشتراكي يقفز إلى ذهني فورا هيغل. نعم، الأسد برأيي هو هيغل العصر». لا تضحك يا قارئي العزيز.
التركي (العصملي) داود أوغلو يرشح فاروق الشرع لخلافة رئيسه الأسد الابن، على رأس حكومة «إصلاحية». لم ينجح الشرع في الانشقاق والفرار، على مدى عشرين شهرا. فكيف ينجح في تفكيك دولة طائفية. مخابراتية. مافيوية، ذبحت ألوف المدنيين العزل، في مسقط رأسه، بسهل حوران؟! نعم، لست مع «اجتثاث» البعث. لكن هل كان البعثيون المنشقون يفكرون بالانشقاق، لو أن النظام الطائفي ظل ثابت الأركان؟
لست الشاهد الوحيد على التاريخ، لأحتكر روايته. هناك شهود حزبيون. سياسيون، قدموا روايات مختلفة للتاريخ. قد تكون رواية صحافي مستقل، لم يكن سياسيا. أو حزبيا، هي أكثر أمانة. لقد اكتفيت بتقديم لمحات سريعة عن شخصيات سورية صنعت التاريخ. وبإمكاني أن أكتب عن كل منها. وعن غيرها، صفحات طويلة.
لعل صفحات «الشرق الأوسط» مفتوحة أمام الباحثين. والمؤرخين. وعلماء الاجتماع ليكتبوا بموضوعية التاريخ السوري المعاصر، لا لخدمة الحاضر، إنما لخدمة الحقيقة، في ساعة الحرية، لتعريف السوريين بتاريخ، عمل نظام الطائفة والعائلة، لحجبه عن الذاكرة.
----------------------
الشرق الاوسط

غسان الامام
الاربعاء 17 أكتوبر 2012