وعلى الرغم من ذلك كله، لم تقدّم أي من النساء اللواتي قابلتْهن المنظمة أية شكاوى للسلطات ضد أصحاب العمل. والسبب؟ خوفهن من ان يتعرضن هن للملاحقة او التوقيف والترحيل.
امام حلقة الاستغلال المقفلة هذه والتي تسمح باستغلال العاملة وافلات صاحب العمل من العقاب في آن، حين تفاقمت الأزمة الاقتصادية التي ألمّت بالبلاد منذ العام 2019، رأينا ان عاملات المنازل المهاجرات هن أول من يدفعن الثمن ويتركن في الشارع من قبل أصحاب عملهن من دون دفع أجورهن أو إعطائهن أمتعتهن أو جوازات سفرهن، فيما بقي أصحاب العمل خارج دائرة المحاسبة.
بموازاة هذا الواقع المعيب، تتعامل السلطات اللبنانية مع عاملة المنزل المهاجرة اما كاستثمار قام به صاحب العمل يتوجب حمايته وحماية مصلحة مكتب الاستقدام من أي خسارة محتملة، واما كملف أمني على السلطات الأمنية ضبطه من خلال إجراءات تنظيمية وممارسات عرفية، حتى لو تعارضت مع حقوق الانسان. على سبيل المثال، حين راسلنا الامن العام اللبناني لنسأل عن النص القانوني الذي يعتمد عليه الامن العام لإلزام العاملات بالسكن لدى أصحاب عملهن، كان الجواب ان هذا الشرط هو “إجراء تنظيمي وقائي” يحمي العاملات من “الاستغلال الجرمي” لأن “أجورهن لا تسمح لهن بالسكن المستقل”.[[2]]url:https://www.amnesty.org/ar/latest/news/2022/05/a-tribute-to-mary-on-workers-day/#_ftn2 والحقيقة، إن اشتراط الأمن العام إقامة عاملة المنزل مع صاحب العمل، هو تقييد لحقها في حرية اختيار مكان
إقامتها، مما يجعلها أكثر عزلة واعتماداً على صاحب العمل وأكثر تعرضاً للاستغلال وغيره من
الانتهاكات.
“أنا مرا بنضف بيوت مش لبنانية وما عندي وراق [إقامة قانونية]، إذا بروح بشتكي للبوليس بوقفوني إلي.”ولعل المثال الأبرز لتجاهل السلطات حقوق العاملات كان حين وجه مجلس شورى الدولة ، وهو أعلى محكمة إدارية في البلاد، صفعة قوية لحقوق عاملات المنازل المهاجرات قضت بتعليق إقرار عقد عمل موحد جديد كانت قد تبنته وزارة العمل في 8 سبتمبر/أيلول 2020. تضمن عقد العمل إجراءات حماية جديدةلعاملات المنازل المهاجرات تحميهن من العمل القسري، وكان من الممكن أن يكون خطوة أولى مهمة نحو إلغاء نظام الكفالة.
ماري، عاملة منزل
جاء هذا القرار نتيجة شكوى قدمتها نقابة أصحاب مكاتب استقدام عاملات المنازل إلى مجلس الشورى تطالب فيها المجلس بوقف تنفيذ قرار الوزيرة السابقة لميا يمين. حكم مجلس الشورى لصالح مكاتب الاستقدام، وفي تعليل قراره ذكر ان عقد العمل هذا ينطوي على “أضرار جسيمة” لمصالح تلك المكاتب. لم يشر المجلس إلى حقوق عاملات المنازل المهاجرات، التي يلتزم لبنان بحمايتها بموجب القانون الدولي، بل اختار تجاهلهن وحماية نظام يسهل الاستغلال والعمل القسري والاتجار بالبشر.
لقد عملنا منذ نيسان 2019 مع ثلاث وزارات عمل لثلاث حكومات متعاقبة للدفع باتجاه تفكيك نظام الكفالة وطالبنا بتعديل قانون العمل ليشمل عاملات المنازل كخطوة إصلاحية أساسية لا بد منها من اجل حماية العاملات من الاستغلال. في حزيران2019، قدمنا كجزء من فريق عمل تضمن منظمات حقوقية أخرى، مسودة عقد موحّد منقحة، وفق المعايير الدولية، من ضمن خطة عمل شاملة تحدد الإصلاحات اللازمة لتفكيك نظام الكفالة على المدى القصير والمتوسط: ومنها اصدار تعميمات و/أو قرارات وزارية لضمان حسن تطبيق بنود عقد العمل الموحد، تفعيل آلية للشكاوى، تحسين مستوى المراقبة والتفتيش لمكاتب استقدام عاملات المنازل، واعتماد آلية لضمان تسديد أجور العاملة.
ولكن اصطدمنا بعائق تلو الاخر كان آخرها مسودة جديدة صادمة لعقد العمل تم تداولها في شباط/فبراير الماضي على انها صادرة عن وزارة العمل. لم تراع بنود المسودة أدني المعايير الدولية لحماية حقوق الانسان وتضمنت بنودا من شأنها تعزيز إساءة استخدام السلطة من قبل صاحب العمل ضد العاملة وتسهيل العمل القسري. في لقائنا مع وزير العمل في 28 شباط/فبراير، نفى ان تكون المسودة صادرة عن وزارته وتعهد بعدم إقرار أي عقد عمل يشكل تراجعا على مستوى حقوق العاملات.[[3]]url:https://www.amnesty.org/ar/latest/news/2022/05/a-tribute-to-mary-on-workers-day/#_ftn3
كلام ووعود كثيرة وأفعال قليلة. ولكن بمقابل هذا الكسل والتخاذل الرسمي، نرى عاملات المنازل المهاجرات يناضلن بلا كلل من اجل تحصيل حقوقهن. ونحن سنبقى الى جانبهن وخلفهن لأن الانتصار لحقوق الأكثر تهميشاً بيننا هو انتصار لنا جميعا كعاملات وعمال وكمدافعات ومدافعين عن حقوق الانسان. فحقوق عاملات المنازل ليس موضوعا محصورا بهن ومنفصلا عن قضايانا، بل هو مرتبط مباشرة بالعدالة الاجتماعية في مجتمعنا وبتصورنا للسياسات والقوانيين التي نريدها ان تحمي حقوق الانسان لا ان تنحاز لشبكة مصالح تجارية.
لماري وللآلاف غيرها، كل عام وأنتن بخير وقوة.
مقابلة مع “ماري” (حُجب اسمها لأسباب أمنية)، بيروت، 10 اذار/مارس 2022 [1]
رسالة من المديرية العامة للأمن العام إلى منظمة العفو الدولية، 15 فبراير/شباط 2019 [2]
[[3]]url:https://www.amnesty.org/ar/latest/news/2022/05/a-tribute-to-mary-on-workers-day/#_ftnref3 اجتماع لمنظمة العفو الدولية ومنظمة “هيومن رايتس وتش” مع وزير العمل مصطفى بيرم في وزارة العمل، بيروت، 28 شباط/فبراير 2022.
ديالا حيدر
مسؤولة حملات لبنان في منظمة العفو الدولية
ناشطة نسوية ومدافعة عن حقوق الانسان
نُشر هذا المقال في الأساس على موقع درج.