يحوم تهديد مفاده أن إسناد الولايات المتحدة للجيش الإسرائيلي سيضعف؛ هذا لم يحصل بعد، لكن الإمكانية واقعية وتثقل على كل قرار للكابينت وعلى كل خطة عملياتية. البيت الأبيض قلق من تأثير صور الدمار على ناخبين شبان وعلى الجناح التقدمي في الحزب. رغم ذلك، يبدو بايدن مصمماً على الإيفاء بوعده إعطاء إسرائيل مساعدة بمبلغ 14 مليار دولار مع تقديم إسناد سياسي وعسكري. المساعدة لم تقر بعد: فالجمهوريون في مجلسي النواب يطرحون شروطاً متجددة لا علاقة لبعضها بإسرائيل، والآن بات قسم من الديمقراطيين أيضاً يطرحون شروطاً، بصلة مباشرة لسياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين.
البيت الأبيض يعتبر إسرائيل رافضة وغير مراعية؛ رافضة في كل ما يتعلق ببحث جدي في قطاع غزة والفلسطينيين في اليوم التالي، وغير مراعية في قصفها الكثيف لمدن غزة وردها على التحذيرات من المصيبة الإنسانية. السؤال ليس من هو المحق في هذا الجدال، بل كم يمكن لإسرائيل أن تشد الحبل. تعلقنا بأمريكا أعظم مما تبدي الحكومة الاستعداد للاعتراف به.
ألقى وزير الدفاع الأمريكي أوستن، بالأمس، خطاباً علنياً تضمن جملة قاسية عن حكومة إسرائيل: “عندما ترمي بسكان مدنيين إلى أذرع العدو، فإنك تحول انتصاراً تكتيكياً إلى هزيمة استراتيجية”. أوستن أضاف: “أوضحت هذا لزعماء إسرائيل المرة تلو الأخرى. عليهم مسؤولية أخلاقية لحماية حياة السكان في غزة”. ونقلت نائبة الرئيس كاميلا هاريس رسالة مشابهة في خطاب ألقته قبل بضعة أيام.
إن الدخول البري إلى ضواحي خان يونس هو جزء من المرحلة الثانية للحرب. وقد أتيح بعد أن تراجعت حماس عن الاتفاق وأبقت 15 امرأة، مدنية، في الأسر. اقترحت حماس أن تحرر بدلاً من النساء مسنين، لكن إسرائيل رفضت. وكان التعليل مبدئياً: عدم السماح لحماس بتغيير الاتفاقات في إطار الحركة. على هذه الخلفية طرح الجيش الإسرائيلي فكرة بديلة: استبدال المرضى الذين اختطفوا بسجناء فلسطينيين مرضى. غيرتم، نغير. الفكرة مشوقة؛ يمكنها أن توفر يوماً واحداً آخر من تحرير المخطوفين، ربما يومين، الاهتمام متدنٍ.
على افتراض أن الخطوة البرية في خانيونس ستنطلق على الدرب فإنها ستكون، من شبه اليقين، الخطوة الأخيرة. لن نتمكن من توسيعها إلى رفح: فلم يعد للنازحين مكان يذهبون إليه. المرحلة الثانية من الحرب، التي بدأت بالدخول البري إلى الشمال، ستنتهي شبه يقين في خانيونس.
أمس اندفعت الجماهير إلى مستشفى ناصر في خان يونس، أكبر المستشفيات في الجنوب (حسب تقرير الأمم المتحدة، استأنف مستشفى الشفاء في شمال غزة أعماله جزئياً). كان “الشفاء” بمثابة مركز تحكم لقادة كتائب حماس في شمال القطاع. فهل يؤدي “ناصر” الدور ذاته في الجنوب؟ والسؤال الكبير والمعضلة الأكبر: هي نهاجمه ونفتح جبهة أخرى حيال البيت الأبيض والإعلام الغربي؟
ستبدأ المرحلة الفاصلة في ختام مرحلة خان يونس. خلق حزام أمني بين غزة والغلاف، حزام لن يوفر الكثير من الأمن؛ فالأرض ضيقة ومأهولة جداً. كانت إسرائيل تود أن ترى دوراً لمصر والسعودية ودول سُنية أخرى، إلى جانب الولايات المتحدة، في إدارة غزة وإعمارها. احتمال هذا ليس كبيراً حين تعتزم إسرائيل مواصلة جيشها العمل في غزة. ويتحدث الجيش الإسرائيلي عن غزة في المستقبل مثلما تحدثت عن مدن الضفة بعد “السور الواقي” – منطقة يديرها آخرون، لكن الجيش الإسرائيلي يعمل فيها بشكل حر. من الصعب التصديق بأن دولاً أجنبية ستوافق على وضع جنودها في خط نار من جهتين.
تكثر كل من هيئة الأمن القومي والجيش الإسرائيلي من البحث عن اليوم التالي، لكن الاستنتاجات لا تعرض في الكابينت: نتنياهو يرفض. السياسة الداخلية تتفوق على الحاجة الأمنية. الحكومة، ربما أيضاً مزاج معظم الإسرائيليين في أعقاب فظاعة 7 أكتوبر، لا تنسجم ومتطلبات الواقع.