عناصر من قوات النظام السوري وهم يطلقون قذائف هاون في تدريبات عسكرية - 14 من شباط 2017 (وزارة الدفاع)
واعتمد التحقيق أيضًا على تسجيلات مصورة وثقت الانتهاكات، وأثبتت ارتباط حكومة النظام بها. الوقائع التي وردت في التحقيق هي: قصف صاروخي لمسجد الهجرة في مدينة داعل شمال درعا، بتاريخ 12 من تشرين الثاني 2012، تزامنًا مع خروج مظاهرة، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى.
الواقعة الثانية: استهداف مستشفى البر في مدينة الرستن شمالي حمص، في حزيران 2012، ما أسفر عن قتلى وجرحى.
والثالثة: في 5 من أيلول 2013، حين شن الطيران الحربي لقوات النظام سلسلة غارات على مدينة تفتناز شرقي إدلب، ما أدى إلى سقوط إصابات بينهم عدد كبير من المدنيين.
والأخيرة: مقتل ثلاثة مدنيين بينهم طفل بالقرب من جسر مدينة سراقب شرقي إدلب، في 16 من تشرين الثاني 2013.
ما أهمية التحقيق
مسؤول التواصل في المركز السوري للعدالة والمساءلة”، مايكل آدر، قال لعنب بلدي، إن التقرير مؤثر لأن المركز يستخدم وثائق الحكومة السورية الخاصة لإثبات القتل الواسع النطاق للمدنيين.وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها حكومة وجيش النظام لتقول إن الهجمات استهدفت إرهابيين، أثبت محققو “المركز السوري للعدالة والمساءلة” أن الحكومة “على الأرجح كانت تعلم أنها ترتكب جرائم حرب خطيرة وجرائم ضد الإنسانية”، بحسب تعبير مايكل.
وردًا على سؤال حول كيفية ملاحقة المسؤولين عن إعطاء أوامر القصف والقتل، أوضح مايكل أن المركز يشارك بانتظام البيانات غير المنقحة مع المدعين العامين وآليات العدالة، ما يمكنهم من التحقيق مع الجناة القلائل الذين يعيشون خارج سوريا ومحاكمتهم.
وأضاف مايكل أنه “لسوء الحظ، فإن المحاكمات لا تحقق ما يستحقه الضحايا، لكنها تشير إلى الحكومة السورية، وإلى أن المجتمع الدولي لا يزال مهتمًا بمحاسبتها على الجرائم الشنيعة التي ارتكبتها”.
وهذا التحقيق قد يساعد الدول على محاكمة الجناة القلائل الذين يعيشون خارج سوريا، إلا أنه لا يمكن أن يفعل الكثير لأولئك الذين بقوا، وبدلًا من ذلك، فهو “بمثابة مثال على تجاهل الحكومة السورية لحياة المدنيين، على الرغم من ادعاءات السلطات الأوروبية والتركية واللبنانية بأن سوريا آمنة لعودة اللاجئين”، وفق تعبير مايكل.
ومن الممكن ملاحقة جميع المسؤولين عن إعطاء الأوامر بشن الهجمات، والتخطيط لها، وتنفيذها بموجب أحكام القانون الدولي، ومن ضمنهم القادة أو المسؤولون الذين تقاعسوا (ولو من باب الإهمال أو السهو) عن منع ارتكاب مثل تلك الانتهاكات.
وأشار مايكل إن أنه لا توجد منطقة آمنة في سوريا، وتاريخ الحكومة السورية في مهاجمة المدنيين يثبت التهديد المستمر.
اقرأ المزيد: “ذكراه عالقة”.. 12 عامًا على “الثلاثاء الأسود” بدير الزور
ماذا ورد في التحقيق
حرص النظام السوري على إخفاء الوثائق التي تدينه والتخلص منها منذ العام 2011، خاصة الوثائق التي كان يخشى وقوعها في يد المعارضة.بالمقابل، عمل “المركز السوري” على إنقاذ آلاف الوثائق نظرًا لأهميتها بوصفها دليلًا على الانتهاكات المرتكبة من قبل النظام.
المركز حلل أكثر من 18 ألف وثيقة رفعت على برمجية بيانات تابعة له، وتحقق منها في أثناء تحقيق أجري عام 2018.
التحقق أورد أربع وقائع ألحقت أذى “بالغًا” بالمدنيين بين عامي 2012 و2013، إثر استهداف المنشآت المدنية، وتم ربط كل واقعة بوثيقة واحدة على الأقل تصف مجرياتها، سواءً كانت هجومًا أم قصفًا جويًا نُفذ بأمر صادر من النظام.
الوثائق أيضًا توفر دليلًا على تعمد النظام استهداف منشآت أو نشاطات ليست لها أغراض عسكرية، أو أنها “أساءت تقدير طبيعة تلك الهجمات بعد وقوعها”.
قانونيًا، فإن استخدام النظام للقوة المميتة على نحو تعسفي ضد الشعب السوري، والذي خلف خسائر في الأرواح، يشكل انتهاكًا لالتزامات حكومة النظام المتعددة الناشئة بموجب أحكام القانون الدولي.
في الواقعة الأولى ضمن التحقيق وهي استهداف مسجد في مدينة داعل شمال درعا، لم يكن هناك “ضرورة قصوى” تسوّغ استخدام القوة المميتة لردع المظاهرات السلمية.
استخدام النظام القوة المميتة بهذه الحالة يعد تعسفيًا، بحسب التحقيق، كونه لا يستوفي أيًا بعد من أبعاد مشروعية استعمال القوة بما فيها مراعاة إجراءات العناية الواجبة حسب الأصول، وهو ما يعني إخلال حكومة النظام بالتزاماتها تجاه القانون الدولي لحقوق الإنسان، حتى لو كانت مرتبطة بالنزاع المسلح الدائر، ومسؤولة أيضًا عن الحرمان التعسفي من الحق في الحياة لهؤلاء الضحايا.
ووفق أدلة المركز (الحقائق على الأرض والوثائق)، كانت هجمات النظام ضد المدنيين والأعيان المدنية متعمدة، ولم يكن الضرر الناجم عنها عرضيًا، خاصة أن قوات النظام شنت ضربات مباشرة استهدفت مدنيين لم يشاركوا في أعمال القتال، وأعيانًا مدنية محمية بموجب أحكام القانون الدولي الإنساني.
هذه الهجمات المتعمدة هي انتهاك لمبدأ أساسي من مبادئ القانون الدولي الإنساني، وهو مبدأ التمييز بين المدنيين والمقاتلين، إضافة إلى كونها محرمة وفق القوانين النافذة، وترقى إلى مصاف جريمة حرب.
كما تحمل هذه الانتهاكات في ثناياها مسؤولية جنائية تطال كامل عناصر تسلسل هرم القيادة.