إلا أنه اليوم في حيرة من أمره أمام موقف حكومة أردوغان من أحداث سوريا وتأييدها للنظام السوري.. وينتظر من رئيس الوزراء التركي أن يعترض على من يقتل كل يوم عشرات من المدنيين العزل في شوارع سوريا "دقيقة واحدة"، كما قال للرئيس الإسرائيلي.. ولكن بلا جدوى.. ويتساءل: "ترى، هل يلطخ أردوغان سمعته بدماء السوريين؟".. بعد أن اهتزت في ليبيا..
الحكومة التركية ما زالت تدعم بشار الأسد، وتظن أنه قادر على الإصلاح في سوريا، وبالتالي تعطي الأولوية حاليا لإنقاذ نظام بشار الأسد بأي طريقة كانت، وترسل إلى دمشق وفودا لتقدم للنظام السوري استشارات سخية حول كيفية الخروج من الأزمة، لأنها وضعت كل رهاناتها على مشروع "تطبيع النظام في سوريا بقيادة بشار الأسد"، ولكن الثورات العربية ـ غير المتوقعة ـ قلبت كل الحسابات.
بينما يقول القادة الأتراك: "اتصلنا بالرئيس السوري بشار الأسد"، و"أرسلنا إليه الوفد"، و"طالبناه بعدم استخدام القوة المفرطة في قمع الاحتجاجات"، "ونصحناه بالإسراع في إجراء الإصلاحات"، وما إلى ذلك من إطلاق التصريحات التي لا تحمل أي تنديد أو استنكار واضح لإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين المطالبون بالحرية والكرامة، ولا تطالب مثلا بفك الحصار عن مدينة درعا، ويُستشهد يوميا العشرات من الشبان وحتى الأطفال والنساء وتقصف البيوت والمساجد ويُطلق على المشيعين لجثامين الشهداء وابل من النيران وتسيل الدماء في الشوارع وتتراكم الجثث في ثلاجات الخضار.. الحكومة التركية تطالب بإعطاء المزيد من الفرصة لنظام بشار الأسد، ولكن مسلسل الإجرام والمجازر يتواصل دو توقف وحملة الاعتقالات والتعذيب على قدم وساق..
تقول حكومة أردوغان إنها نصحت بشار الأسد بعدم قمع المتظاهرين، ولكن تلك النصائح – على ما يبدو – اصطدمت بصخرة صماء. فهل يقبل أردوغان أن يتحمل مسؤولية الدماء التي تسفك والأرواح التي تزهق في المدن السورية خلال الفترة الممنوحة لبشار الأسد لإجراء الإصلاحات؟ وكم عدد القتلى "المفترض" حتى تسحب الحكومة التركية دعمها لبشار الأسد وتقول له "كفى"؟
مشكلة حكومة أردوغان في التعاطي مع الثورة السورية، ليست العلاقات السياسية والتجارية والاقتصادية مع سوريا ولا الحدود ولا التوازنات وحدها، وإنما معضلتها الأساسية، بالإضافة إلى كل ذلك، أن أردوغان بالغ وتمادى في علاقاته الشخصية مع بشار الأسد، حتى أصبحت عائلتا أردوغان والأسد وكأنهما مرتبطتان بصلات نسب وقرابة، ما يجعل تخلي أردوغان عن "أخيه" بشار أمرا يصعب على رئيس الوزراء التركي تقبله.
الحكومة التركية تدعي بأنها تؤيد مطالب الشعب السوري، وأنها ليست بعيدة عن المعارضة السورية، ولكن هناك عوامل تعمق الشكوك حول مصداقية حكومة أردوغان. فمثلا تابعت مساء السبت برنامج "من إسطنبول" على الفضائية التركية التي أطلقها أردوغان، وتحدث مقدم البرنامج الصحفي السوري حسني محلي (الذي وصفه أحد الكتاب الأتراك بـ"صوت إذاعة دمشق"، في إشارة إلى قيامه بترويج سياسة النظام السوري في تركيا) طوال البرنامج عن أن هناك مؤامرة كبيرة ضد سوريا، وأن المندسين هم الذين يقومون بأعمال العنف ويستهدفون رجال الأمن، وأنه من حق أي دولة أن تقمع المتمردين، وما إلى ذلك حتى وصلت به الوقاحة إلى أن يسوي بين عناصر حزب العمال الكردستاني والشعب السوري الثائر على الظلم والطغيان.
إن كانت الحكومة التركية صادقة في دعواها بتأييد مطالب الشعب السوري، فلماذا إذن تسمح لأبواق النظام السوري باستخدام القنوات التركية الرسمية ووسائل الإعلام المقربة من الحكومة للتحريض ضد الشعب السوري الثائر ومحاولة تشويه الثورة السورية؟ ولو قام سكان درعا بمظاهرة احتجاجية على موقف الحكومة التركية كما فعل سكان بنغازي، فعلى نلوم؟ سكان درعا المحاصرين أم الحكومة التركية التي تفتح أمام حسني محلي وأمثاله جميع القنوات ليحرضوا الرأي العام التركي على الثورة السورية وعلى سكان درعا؟
من المؤسف جدا أن تتحول القناة التركية الناطقة بالعربية إلى منبر للمحور السوري الإيراني، ويعود الفضل في ذلك إلى المنسق العام السابق للقناة، "سفر طوران"، وإلى مدير مكتب الجزيرة السابق في بيروت غسان بن جدو، الذي قالت الإعلامية اللبنانية سحر ضاهر في تصريح لها لمجلة الشراع اللبنانية، إنه مدير القناة التركية من تحت الطاولة.
"سفر طوران"، معروف في تركيا بانتمائه للتيار المتأثر بفكر الثورة الخمينية ومقرب من حزب الله اللبناني، كافأه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بتعيينه مستشارا له في المرحلة القادمة. وأما الصحفي التونسي غسان بن جدو، فمعروف جدا لدى القارئ العربي ولا حاجة لمزيد تفصيل.
ولعل السؤال الصحيح الذي علينا أن نطرحه بعد كل هذه التساؤلات عن الموقف التركي الرسمي من الثورة السورية، هو "هل يمكن القول إن أردوغان لطخ سمعته بدماء السوريين؟".
---------------------
كاتب متخصص في الشؤون التركية
الحكومة التركية ما زالت تدعم بشار الأسد، وتظن أنه قادر على الإصلاح في سوريا، وبالتالي تعطي الأولوية حاليا لإنقاذ نظام بشار الأسد بأي طريقة كانت، وترسل إلى دمشق وفودا لتقدم للنظام السوري استشارات سخية حول كيفية الخروج من الأزمة، لأنها وضعت كل رهاناتها على مشروع "تطبيع النظام في سوريا بقيادة بشار الأسد"، ولكن الثورات العربية ـ غير المتوقعة ـ قلبت كل الحسابات.
بينما يقول القادة الأتراك: "اتصلنا بالرئيس السوري بشار الأسد"، و"أرسلنا إليه الوفد"، و"طالبناه بعدم استخدام القوة المفرطة في قمع الاحتجاجات"، "ونصحناه بالإسراع في إجراء الإصلاحات"، وما إلى ذلك من إطلاق التصريحات التي لا تحمل أي تنديد أو استنكار واضح لإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين المطالبون بالحرية والكرامة، ولا تطالب مثلا بفك الحصار عن مدينة درعا، ويُستشهد يوميا العشرات من الشبان وحتى الأطفال والنساء وتقصف البيوت والمساجد ويُطلق على المشيعين لجثامين الشهداء وابل من النيران وتسيل الدماء في الشوارع وتتراكم الجثث في ثلاجات الخضار.. الحكومة التركية تطالب بإعطاء المزيد من الفرصة لنظام بشار الأسد، ولكن مسلسل الإجرام والمجازر يتواصل دو توقف وحملة الاعتقالات والتعذيب على قدم وساق..
تقول حكومة أردوغان إنها نصحت بشار الأسد بعدم قمع المتظاهرين، ولكن تلك النصائح – على ما يبدو – اصطدمت بصخرة صماء. فهل يقبل أردوغان أن يتحمل مسؤولية الدماء التي تسفك والأرواح التي تزهق في المدن السورية خلال الفترة الممنوحة لبشار الأسد لإجراء الإصلاحات؟ وكم عدد القتلى "المفترض" حتى تسحب الحكومة التركية دعمها لبشار الأسد وتقول له "كفى"؟
مشكلة حكومة أردوغان في التعاطي مع الثورة السورية، ليست العلاقات السياسية والتجارية والاقتصادية مع سوريا ولا الحدود ولا التوازنات وحدها، وإنما معضلتها الأساسية، بالإضافة إلى كل ذلك، أن أردوغان بالغ وتمادى في علاقاته الشخصية مع بشار الأسد، حتى أصبحت عائلتا أردوغان والأسد وكأنهما مرتبطتان بصلات نسب وقرابة، ما يجعل تخلي أردوغان عن "أخيه" بشار أمرا يصعب على رئيس الوزراء التركي تقبله.
الحكومة التركية تدعي بأنها تؤيد مطالب الشعب السوري، وأنها ليست بعيدة عن المعارضة السورية، ولكن هناك عوامل تعمق الشكوك حول مصداقية حكومة أردوغان. فمثلا تابعت مساء السبت برنامج "من إسطنبول" على الفضائية التركية التي أطلقها أردوغان، وتحدث مقدم البرنامج الصحفي السوري حسني محلي (الذي وصفه أحد الكتاب الأتراك بـ"صوت إذاعة دمشق"، في إشارة إلى قيامه بترويج سياسة النظام السوري في تركيا) طوال البرنامج عن أن هناك مؤامرة كبيرة ضد سوريا، وأن المندسين هم الذين يقومون بأعمال العنف ويستهدفون رجال الأمن، وأنه من حق أي دولة أن تقمع المتمردين، وما إلى ذلك حتى وصلت به الوقاحة إلى أن يسوي بين عناصر حزب العمال الكردستاني والشعب السوري الثائر على الظلم والطغيان.
إن كانت الحكومة التركية صادقة في دعواها بتأييد مطالب الشعب السوري، فلماذا إذن تسمح لأبواق النظام السوري باستخدام القنوات التركية الرسمية ووسائل الإعلام المقربة من الحكومة للتحريض ضد الشعب السوري الثائر ومحاولة تشويه الثورة السورية؟ ولو قام سكان درعا بمظاهرة احتجاجية على موقف الحكومة التركية كما فعل سكان بنغازي، فعلى نلوم؟ سكان درعا المحاصرين أم الحكومة التركية التي تفتح أمام حسني محلي وأمثاله جميع القنوات ليحرضوا الرأي العام التركي على الثورة السورية وعلى سكان درعا؟
من المؤسف جدا أن تتحول القناة التركية الناطقة بالعربية إلى منبر للمحور السوري الإيراني، ويعود الفضل في ذلك إلى المنسق العام السابق للقناة، "سفر طوران"، وإلى مدير مكتب الجزيرة السابق في بيروت غسان بن جدو، الذي قالت الإعلامية اللبنانية سحر ضاهر في تصريح لها لمجلة الشراع اللبنانية، إنه مدير القناة التركية من تحت الطاولة.
"سفر طوران"، معروف في تركيا بانتمائه للتيار المتأثر بفكر الثورة الخمينية ومقرب من حزب الله اللبناني، كافأه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بتعيينه مستشارا له في المرحلة القادمة. وأما الصحفي التونسي غسان بن جدو، فمعروف جدا لدى القارئ العربي ولا حاجة لمزيد تفصيل.
ولعل السؤال الصحيح الذي علينا أن نطرحه بعد كل هذه التساؤلات عن الموقف التركي الرسمي من الثورة السورية، هو "هل يمكن القول إن أردوغان لطخ سمعته بدماء السوريين؟".
---------------------
كاتب متخصص في الشؤون التركية