وجاء ظهور “الجولاني” في المعرض بعد أشهر من حراك شعبي طالب برحيله، وتغييرات في وجوه “الهيئة”، إذ شهدت الأخيرة خلال الأشهر الماضية رحيل أبرز رموزها إثر خلافات مع “الجولاني”، ومنهم “أبو ماريا القحطاني “.
اهتمام يتجاوز الثقافة
يوحي الاهتمام والترويج للمعرض بأن هناك أسبابًا أخرى لا تتعلق فقط بحراك ثقافي تحتاج إليه المدينة التي تضم مهجرين من جميع المدن السورية، بل يمتد الأمر كذلك إلى عملية ترويج لـ”الهيئة” نفسها، ورسائل داخلية وخارجية.في حين يرى بعض المحللين أن هذه الأنشطة تمثل محاولة لتجميل صورة “الهيئة” دوليًا، ووسيلة لتثبيت سيطرتها الثقافية والفكرية في المنطقة.
وأضاف أن الخطوة لا تعد لتعزيز صورة “الهيئة” داخليًا، لكنها كذلك تحمل رسالة واضحة للمجتمع الدولي بقدرتها على إدارة المنطقة بشكل فعال.
كما يمكن قراءة هذا الحدث باعتباره جزءًا من استراتيجية أكبر لتكريس الأيديولوجيا التي تتبناها “الهيئة” في شمال غربي سوريا، بحسب رأيه.
وتلعب الفعاليات الثقافية والندوات التي تنظمها “الهيئة” دورًا في تعزيز الخطاب الفكري والسياسي، وتوجيه الرأي العام بما يتماشى مع رؤيتها، وفق الخليل.
المعرض تضمن بالإضافة للكتب المعروضة للبيع، ندوات ثقافية وعروضًا مسرحية، وحضورًا لشخصيات غائبة عن المشهد العسكري والسياسي السوري، كمؤسس “الجيش السوري الحر”، رياض الأسعد.
كما حضر رئيس حكومة “الإنقاذ”، محمد البشير، حفل الافتتاح، إلى جانب “الجولاني”، وكلاهما ألقى كلمة على مسرح “المركز الثقافي العربي”.
وتعتبر حكومة “الإنقاذ” هي المظلة السياسية لـ”هيئة تحرير الشام”، وتشمل مناطق نفوذها إدلب وجزءًا من أرياف حلب الغربي واللاذقية الشرقي وحماة الشمالي.
“الجولاني” ربط في كلمته بين الثقافة والتطور، واعتبر أن “فجرًا جديدًا يظهر من إدلب وعينه على دمشق”، واعدًا بـ”النصر”، كما تحدث عن الاستقرار في مناطق سيطرته.
وأضاف أن المعرض يعبر عن “التوجه العام لدعم المنظومة المعرفية” في المنطقة.
المعرض جاء بعد أشهر من احتجاجات شهدتها المناطق التي تسيطر عليها الهيئة، طالبت برحيل “الجولاني”.
بدأت الاحتجاجات، نهاية شباط الماضي، على خلفية ملف “العمالة” وما رافقه من اعتقالات نفذتها “تحرير الشام” ضد قياديين وعسكريين في صفوفها إلى جانب مدنيين، وعمليات تعذيب أدت إلى وفاة عدة أشخاص.
ويقود الحراك ناشطون مدنيون، ويؤيده عسكريون وشرعيون معروفون في إدلب، ويرتكزون على مطلب أساسي هو رفض سياسة التفرد بالقرار التي تنتهجها “الهيئة”.
بالمقابل، نوعت “تحرير الشام” أساليب التعامل مع المظاهرات، فاستخدمت أسلوب الحوار ووعود الإصلاح تارة، وأسلوب القمع تارة أخرى عبر قوتها الأمنية، كاعتقال وتفريق المظاهرات بالقوة، ومحاولات منع حدوث تجمعات كبيرة للمتظاهرين.
وفق الخليل، سلطت الاحتجاجات الأخيرة الضوء على هشاشة الوضع هناك، على الرغم من محاولات “الهيئة” تصوير الاستقرار للأوضاع، ويمكن النظر إلى حضور “الجولاني” في معرض الكتاب كنوع من استعراض للقوة، بهدف طمأنة المؤيدين ولجم أو ردع المناوئين.
ولا يرتبط الاستقرار بغياب العنف، فهو يشمل أيضًا عوامل مثل الرفاه الاقتصادي، والوصول إلى الخدمات الأساسية، وحرية التعبير، فقد تشير الاحتجاجات وتطورات الاوضاع إلى أن هذه الجوانب مفقودة وهو ما يؤدي إلى استياء كامن، وفق الخليل.
ترويج للمعرض
إلى جانب ظهور “الجولاني”، روّجت شخصيات مقربة من “الهيئة” للمعرض، سواء عبر غرف تطبيق “تلجرام” واسع الانتشار في المنطقة، أم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والمقالات الصحفية.الصحفي أحمد موفق زيدان، الذي يعد إحدى أبرز الشخصيات المدافعة عن “الهيئة” وتوجهاتها في إدلب، نشر مقالًا في صحيفة “الشرق” القطرية، اعتبر فيه أن المعرض دلالة على الحالة التعليمية والصحية والخدماتية التي تعيشها إدلب اليوم.
وأضاف في المقال المنشور في 3 من أيلول الحالي، أن الظروف في المدينة أفضل من مناطق السيطرة الأخرى على امتداد الجغرافيا السورية، وكلا المقالين مشابه لما أشار إليه “الجولاني” في كلمته خلال افتتاح المعرض.
فيما قال في مقال ثانٍ نشره في 10 من أيلول الحالي في الصحيفة نفسها، إن “انشغال إدلب بمعرضها خطف الأضواء والأصوات”.
ليس زيدان وحده من روّج لمعرض الكتاب في إدلب، إذ عملت حسابات عبر وسائل التواصل الاجتماعي على الترويج نفسه.
مساعد الباحث في “مركز عمران للداراسات الاستراتيجية” فاضل خانجي قال لعنب بلدي، إن “الجولاني” لا يروج لنفسه كقائد لـ”الهيئة” فحسب، بل كشخصية سياسية وزعيم فعلي لسلطة أمر واقع في مناطق شمال غربي سوريا.
ويلاحظ هذا الأمر عبر عملية الترويج المستمرة للفعاليات في المناطق التي تسيطر عليها “الهيئة” حسب رأيه.
من جهته، يرى الخليل أنه كان من المرجح أن يعكس اختيار المتحدثين والموضوعات في معرض الكتاب أيديولوجيا “الهيئة” وتوجهها، وهو ما يثير المخاوف بشأن “إمكانية التلقين” وقمع الأصوات المعارضة والمناوئة.