وحين سيأتلف هؤلاء، ومَنْ سيلتحق بهم من بنات وأبناء لبنان، سوف تكون أعداد الشهداء في مدينة دير الزور (الذي قرّر نظام بشار الأسد اقتحامها بأكثر من 250 دبابة، وعشرات المدرعات والجرافات، وناقلات جند ماهر الأسد وقطعان "الشبيحة"، بعد قصف وحصار وقطع ماء وكهرباء وتنفيذ حملات اعتقال واسعة)، قد تجاوزت الـ 28 الذين سقطوا حتى ظهر أمس، وبينهم طفلة رضيعة بنت شهرين. الشهيدان هشام الفحل ومهند الأشقر دُفنا في إحدى حدائق دير الزور، لأنّ الوصول إلى مقبرة المدينة كان مستحيلاً تحت وابل القصف؛ والأشرطة التي تسرّبت من دير الزور، ونُشرت على موقع "يوتيوب"، تصوّر مدينة تخنقها سحب الدخان ودويّ الإنفجارات والقذائف. حال حمص والحولة وحماة وإدلب ومعرّة النعمان لم يكن أفضل كثيراً، وثمة نسق عسكري ـ أمني أخذ يتكرّر في كلّ مدينة وبلدة وحيّ.
وحين سيتحلق الأصدقاء اللبنانيون عند تمثال 6 أيار، سوف تطوّقهم أغلب الظنّ، وكما فعلت قبلئذ، قطعان من "الشبيحة" اللبنانيين، الأعضاء في منظمات وأحزاب مناصرة للنظام؛ وكذلك قطعان أخرى من السوريين، جماعة الـ"منحبّك"، صار تعبيرهم عن حبّ رأس النظام عابراً للحدود، أو حيثما تواجد سفير "شبّيح" في هذه العاصمة أو تلك. هنا، أيضاً، ثمة نسق دعاوي ـ أمني صار كلاسيكياً، لأنه ينطوي على "برنامج" يبدأ من تخوين المتضامنين، ثمّ التحرّش بهم بقصد الإعتداء الجسدي، قبيل الطقس الوثني الشهير: الركوع أمام صورة بشار الأسد (وخاصة بعد فتوى الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، التي قضت بجواز هذه الركعة طبقاً للشريعة!)، وترديد الهتاف الهستيري الأشهر: "مطرح ما بتدوس/ نحنا بنركع/ نحنا نبوس"!
هؤلاء "شبيحة" في طباق تامّ مع الأداء المناط بوظائفهم، ولهذا فإنه لا طائل من وراء تصنيف سلوكهم في مسمّيات أخلاقية أو سياسية، فهم أدوات تنفيذية تتحرّك وفق إرادات أعلى هي الجديرة بالمساءلة والتفحّص والتمحيص، قبل التفضيح والإدانة والشجب. على سبيل المثال، ليس المرء مضطراً إلى تتبّع هذا التصريح أو ذاك، على لسان أيّ من القياديين اللبنانين المناصرين للنظام السوري، كي تتظهّر حيثيات التصريح في اهتياج "الشبّيح" على الأرض؛ بل يحدث أحياناً أن تكون اللغة، خلف العدسات وخلال المؤتمرات الصحفية، أشدّ "تشبيحاً" من الهراوة والعصا أثناء الإعتصامات، وأشدّ نفاقاً ورياء وذرّاً للرماد في العيون، غنيّ عن القول!
إلى هذا، ثمة أنساق متباينة في تسجيل التضامن مع النظام السوري (أي: مع آلته الأمنية والعسكرية التي قتلت أكثر من ألفَيْ شهيد، والعدّ متواصل)، وتسجيل التضامن مع "الحقوق" و"المطالب المشروعة" للشعب السوري (أي: مع ما سيلقيه النظام للشعب من فتات الإصلاح، ليس أكثر)، في آن معاً. سمع الشعب السوري هذه المعزوفة من أمثال نجيب ميقاتي، ميشيل عون، نبيه برّي، وأسعد حردان؛ كما توجّب أن تصله، وإنْ في تنويعات تتوسّل الحياد أو البراءة، من دار الفتوى (حيث لم يجد مفتي الجمهورية اللبنانية، محمد رشيد قباني، غضاضة في استقبال سفير النظام السوري، ومنحه منصة إعلامية ضدّ الإنتفاضة)، أو من مجلس المطارنة الموارنة (في بياناته التي تتعامى تماماً عن عذابات الشعب السوري).
كأنهم، بأساليب تتفاوت في القليل فقط وتتفق على الجوهري، يصدحون بالهتاف ذاته: منحبّك! ذلك لا يعني أنّ مقدار ألم السوريين واحد متماثل إزاء المنخرطين في الجوقة، إذْ ليس رياء ميقاتي حول "عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى"، شبيهاً بوقاحة عون حين يجزم بأنّ الإنتفاضة السورية "أعمال شغب" يحقّ للجيش السوري "القضاء عليها". الأشدّ إيلاماً هو يقين السيد حسن نصر الله، الأمين العام لـ"حزب الله"، بأنّ إسقاط النظام السوري "خدمة جليلة" لإسرائيل؛ إذْ ليس مردّ الألم أنّ الشعب السوري فُطر على مناهضة إسرائيل، فحسب؛ بل أيضاً لأنه وقف إلى جانب المقاومة في جميع الملمات، باستقلال تامّ عن تجارة الممانعة التي ظلّت قاعدة النظام في علاقته بالمقاومة.
وهكذا، إلى جانب صورة الصديقات والأصدقاء اللبنانيين الذين سيشعلون شمعة تضامن مع الشعب السوري، تقفز صورتان موازيتان: الجنرال عون يغادر بيروت تحت جنح الظلام، بضمانة من فرنسا، فارّاً من عسكر حافظ الأسد؛ ونصر الله، يقدّم بندقية إسرائيلية غنمتها المقاومة اللبنانية، هدية إلى العميد رستم غزالي، ضابط الأمن السوري. هي بعض مفردات ذاكرة ليست للنسيان، كما قد يدرك نصر الله على نحو أشدّ حدّة من إدراك عون، قياساً إلى ما يصل "السيّد" من تقارير حول انحطاط شعبيته في ناظر غالبية من السوريين أحبّوه ذات حقبة، ويغمرهم حزن عميق إذْ يبصرونه اليوم يلهج بذكر قتلة الأطفال.
ولهذا فالأرجح أنّ الشعار المضادّ، "ما منحبّك!"، ليس حكراً على بشار الأسد وحده.
وحين سيتحلق الأصدقاء اللبنانيون عند تمثال 6 أيار، سوف تطوّقهم أغلب الظنّ، وكما فعلت قبلئذ، قطعان من "الشبيحة" اللبنانيين، الأعضاء في منظمات وأحزاب مناصرة للنظام؛ وكذلك قطعان أخرى من السوريين، جماعة الـ"منحبّك"، صار تعبيرهم عن حبّ رأس النظام عابراً للحدود، أو حيثما تواجد سفير "شبّيح" في هذه العاصمة أو تلك. هنا، أيضاً، ثمة نسق دعاوي ـ أمني صار كلاسيكياً، لأنه ينطوي على "برنامج" يبدأ من تخوين المتضامنين، ثمّ التحرّش بهم بقصد الإعتداء الجسدي، قبيل الطقس الوثني الشهير: الركوع أمام صورة بشار الأسد (وخاصة بعد فتوى الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، التي قضت بجواز هذه الركعة طبقاً للشريعة!)، وترديد الهتاف الهستيري الأشهر: "مطرح ما بتدوس/ نحنا بنركع/ نحنا نبوس"!
هؤلاء "شبيحة" في طباق تامّ مع الأداء المناط بوظائفهم، ولهذا فإنه لا طائل من وراء تصنيف سلوكهم في مسمّيات أخلاقية أو سياسية، فهم أدوات تنفيذية تتحرّك وفق إرادات أعلى هي الجديرة بالمساءلة والتفحّص والتمحيص، قبل التفضيح والإدانة والشجب. على سبيل المثال، ليس المرء مضطراً إلى تتبّع هذا التصريح أو ذاك، على لسان أيّ من القياديين اللبنانين المناصرين للنظام السوري، كي تتظهّر حيثيات التصريح في اهتياج "الشبّيح" على الأرض؛ بل يحدث أحياناً أن تكون اللغة، خلف العدسات وخلال المؤتمرات الصحفية، أشدّ "تشبيحاً" من الهراوة والعصا أثناء الإعتصامات، وأشدّ نفاقاً ورياء وذرّاً للرماد في العيون، غنيّ عن القول!
إلى هذا، ثمة أنساق متباينة في تسجيل التضامن مع النظام السوري (أي: مع آلته الأمنية والعسكرية التي قتلت أكثر من ألفَيْ شهيد، والعدّ متواصل)، وتسجيل التضامن مع "الحقوق" و"المطالب المشروعة" للشعب السوري (أي: مع ما سيلقيه النظام للشعب من فتات الإصلاح، ليس أكثر)، في آن معاً. سمع الشعب السوري هذه المعزوفة من أمثال نجيب ميقاتي، ميشيل عون، نبيه برّي، وأسعد حردان؛ كما توجّب أن تصله، وإنْ في تنويعات تتوسّل الحياد أو البراءة، من دار الفتوى (حيث لم يجد مفتي الجمهورية اللبنانية، محمد رشيد قباني، غضاضة في استقبال سفير النظام السوري، ومنحه منصة إعلامية ضدّ الإنتفاضة)، أو من مجلس المطارنة الموارنة (في بياناته التي تتعامى تماماً عن عذابات الشعب السوري).
كأنهم، بأساليب تتفاوت في القليل فقط وتتفق على الجوهري، يصدحون بالهتاف ذاته: منحبّك! ذلك لا يعني أنّ مقدار ألم السوريين واحد متماثل إزاء المنخرطين في الجوقة، إذْ ليس رياء ميقاتي حول "عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى"، شبيهاً بوقاحة عون حين يجزم بأنّ الإنتفاضة السورية "أعمال شغب" يحقّ للجيش السوري "القضاء عليها". الأشدّ إيلاماً هو يقين السيد حسن نصر الله، الأمين العام لـ"حزب الله"، بأنّ إسقاط النظام السوري "خدمة جليلة" لإسرائيل؛ إذْ ليس مردّ الألم أنّ الشعب السوري فُطر على مناهضة إسرائيل، فحسب؛ بل أيضاً لأنه وقف إلى جانب المقاومة في جميع الملمات، باستقلال تامّ عن تجارة الممانعة التي ظلّت قاعدة النظام في علاقته بالمقاومة.
وهكذا، إلى جانب صورة الصديقات والأصدقاء اللبنانيين الذين سيشعلون شمعة تضامن مع الشعب السوري، تقفز صورتان موازيتان: الجنرال عون يغادر بيروت تحت جنح الظلام، بضمانة من فرنسا، فارّاً من عسكر حافظ الأسد؛ ونصر الله، يقدّم بندقية إسرائيلية غنمتها المقاومة اللبنانية، هدية إلى العميد رستم غزالي، ضابط الأمن السوري. هي بعض مفردات ذاكرة ليست للنسيان، كما قد يدرك نصر الله على نحو أشدّ حدّة من إدراك عون، قياساً إلى ما يصل "السيّد" من تقارير حول انحطاط شعبيته في ناظر غالبية من السوريين أحبّوه ذات حقبة، ويغمرهم حزن عميق إذْ يبصرونه اليوم يلهج بذكر قتلة الأطفال.
ولهذا فالأرجح أنّ الشعار المضادّ، "ما منحبّك!"، ليس حكراً على بشار الأسد وحده.