لقد تمكن الإخوان المسلمون في السنوات الأخيرة من السيطرة جزئيا على الشارع المصري لا لأن الشارع المصري كان يرغب في سلطة دينية ودولة دينية يقودها الإخوان، بل بسبب الاستبداد السياسي والاجتماعي وازدياد عمليات القمع وتفشي الفساد في كافة مرافق البلاد وتدني الأحوال المعيشية وتدهور التعليم والصحة والثقافة.
لقد رفض العديد من القوى السياسية التقليدية، ومن بينها الإخوان المسلمون، المشاركة في احتجاجات 25 يناير. وسمحت هذه القوى لبعض أعضائها بالمشاركة بشكل فردي أو شخصي. وبالتالي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتصور أحد بأن قوى اليسار أو الإخوان المسلمين كانت وراء هذه الثورة. أما الغرب فقد ظل لفترة طويلة يعتمد نظرية المؤامرة ويلجأ إلى الاستسهال والتبسيط، معتبرا أن النظام الاستبدادي في مصر هو الضمانة الوحيدة لعدم وصول الإخوان أو حتى اليسار إلى السلطة. وكان بذلك يدعم الأنظمة الديكتاتورية الموالية له. هذا الإصرار من جانب الغرب فوَّت عليه فرصة المتابعة الحقيقية لما يجري، وحرمه من تحكمه التاريخي في الإمساك بمقاليد الأمور وتسيير الأوضاع السياسية بما يخدم مصالحه ويحافظ على الأنظمة الموالية له.
وسرعان ما تنبهت القوى السياسية التقليدية، ومن ضمنها الإخوان المسلمون، لأهمية ما يحدث. فحاولت هذه القوى اللحاق بقاطرة الثورة مستخدمة آلياتها العتيقة وأساليبها المراوغة والتآمرية. كما حاول النظام السياسي قبل سقوطه استخدام هذه القوى، لكن كل تلك المحاولات باءت بالفشل بنتيجة الوعي الشديد الذي أظهرته القوى السياسية الشبابية التي شكلت ما يعرف بـ "ائتلاف شباب ثورة 25 يناير": (شباب 6 أبريل، شباب من أجل العدالة والحرية، وحملة دعم البرادعي ومطالب التغيير/معا سنغير، وشباب الإخوان المسلمين، وشباب حزب الجبهة الديمقراطية، وشباب الجمعية الوطنية للتغيير، وبعض المدونين والمستقلين). وظهرت انشقاقات حقيقية في حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي وانقلب شباب الحزب ضد القيادات القديمة. كما قدمت بعض القيادات الكبيرة استقالاتها من هذا الحزب لتشكل حزبا يساريا أطلقت عليه "حزب التحالف الشعبي الاشتراكي" يضم كافة فصائل اليسار. والمثير في الأمر أن الدعوة بالنسبة لتأسيس هذا الحزب جاءت في البداية كشكل من أشكال عدم الاتفاق مع الأحزاب والتنظيمات اليسارية القديمة التي إما تواطأت مع النظام السابق أو فشلت في العمل السياسي لأسباب كثيرة. ولكن سرعان ما تبين أن غالبية قادة حزب "التحالف الشعبي الاشتراكي" هم أنفسهم الناشطون السياسيون اليساريون القدامى، وبعض الذين أصبحت تحوم حولهم الشبهات بالنسبة لنشاطاتهم في مجال البيزنس والبيزنس السياسي. وحامت الشكوك حول لعبة سياسية يديرها قادة اليسار العتيق المترهل لتغيير جلد حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، والحزب الشيوعي المصري، وحزب العمال الشيوعي. واجتمع قادة الأحزاب والتنظيمات اليسارية القديمة ليستمدوا شرعيتهم الجديدة من بعض شباب التنظيمات اليسارية الشبابية التي انشقت على الأحزاب القديمة وشاركت في الثورة فعليا إلى جانب التيارات والقوى الشبابية الأخرى. ونظرا لأن شباب الثورة من التنظيمات اليسارية الجديدة لا يدرك بعد مدى قيمته الوطنية وما قدم فعليا للثورة، فقد خدعته لعبة اليساريين القدامى والأحزاب العتيقة المترهلة واعتقد البعض أن وجود الكوادر القديمة سوف يكسب شباب الثورة اليساري وتنظيماته الجديدة التي تعمل بآليات جديدة ومختلفة تماما شرعية ما.
وكانت المفاجأة التي لمح الكثيرون بوادرها، وهي إصدار الإعلان التأسيسي لـ "جبهة القوى الاشتراكية" في 10 مايو 2011 والذي ضم خمسة أحزاب: (الحزب الشيوعي المصري، والحزب الاشتراكي المصري، والاشتراكيين الثوريين، والتحالف الشعبي الاشتراكي، وحزب العُمال الديمقراطي). واتفقت الأحزاب الخمسة، التي كانت تعمل إما ضمن إطار حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي أو بالتنسيق معه، على توحيد جهودها تحت اسم "جبهة القوى الاشتراكية". وذكر الإعلان التأسيسي أن "الجبهة تهدف للدفاع عن حقوق الطبقات الشعبية والمصالح الوطنية في مواجهة القوى المضادة للثورة، ومواجهة الاتجاهات المتطرفة والرجعية والطائفية والتي تهدد الثورة ووحدة الوطن ومستقبله. وأعلنت الجبهة أنها تسعى دائماً للعمل المشترك مع كل القوى التقدمية والديمقراطية من أجل تحقيق الأهداف الوطنية المشتركة".
هذه الخطوات من جانب القوى اليسارية القديمة خيبت آمال الكثير من النخب والمثقفين والمواطنين والمتعاطفين مع اليسار عموما، لأن الجبهة الجديدة جمعت كل الوجوه والأحزاب والتنظيمات القديمة التي فشلت في القفز على الثورة في البداية. ومن خلال العلاقات الشخصية (على مستوى القاهرة والمدن الأخرى) والأسرية والقبلية (في القرى والأقاليم البعيدة عن العاصمة) تم تشكيل تلك الجبهة لتبتلع التنظيمات الجديدة التي كان لها نصيب لا بأس به في قيام الثورة، والتي عملت بأساليب ومناهج وآليات جديدة بعيدا عن الفساد والصراعات الإدارية والتنظيمية التي سادت في الأحزاب اليسارية القديمة سواء الرسمية أو غير الرسمية، وعلى رأسها حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي الذي كان يمثل اليسار الرسمي طوال سنوات حكم مبارك. ورأى البعض أن التئام شمل اليسار في تلك الجبهة تحقيقا لحلم طال انتظاره وانتصارا لجميع القوى اليسارية التي تشرذمت طوال العقود السابقة. هذا في الوقت الذي لم ير فيه أحد غضاضة أو مشكلة في أن تتسلل الكوادر القديمة التي أفسدت الحياة السياسية وأصحاب البيزنس والبيزنس السياسي إلى صفوف الأحزاب التي تشكل تلك الجبهة الجديدة/القديمة. وبرر الكثيرون ذلك بأن هؤلاء سوف يقومون بتمويل الجبهة من جهة، وسيتم الاعتماد عليهم جماهيريا من جهة أخرى بسبب علاقاتهم الأسرية والقبلية في صعيد مصر والأقاليم والمناطق النائية. وهي نفس الأسباب التي كان يتم الترحيب بهم على أساسها في أي نشاطات يقوم بها حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي وغيره من التنظيمات والأحزاب اليسارية غير الرسمية.
على نحو آخر وقعت خلافات شديدة الوطأة في صفوف الإخوان المسلمين. فقد انقلب شباب الإخوان ضد القيادات القديمة التي أظهرت توطأ مثيرا مع النظام السابق وتعجلت الحصول على مكاسب مؤقتة. كما انقلبت بعض القيادات الإخوانية الكبيرة على التنظيم وشرعت في تشكيل أحزاب ومجموعات منفصلة عن الإخوان. فانشق عبد المنعم أبو الفتوح ليشكل حزبا جديدا، ثم أعلن أنه سيخوض انتخابات الرئاسة. وبشكل مفاجئ أعلن الإخوان تأييدهم للسلفيين في تطور ملفت يهدف إلى ضمان أصوات التيار السلفي في أي انتخابات برلمانية أو رئاسية مقبلة.
كان من الواضح أن الثورة هزت أركان كل القوى السياسية التقليدية التي لم تتمكن، حتى بعد رحيل مبارك عن السلطة، من اللحاق بقاطرة الثورة. وقام المجلس الأعلى العسكري بمحاولات عديدة لتهدئة الوضع في البداية والحفاظ على البناء القديم جزئيا بإبعاد بعض رموز النظام السابق. ولكن الضغوط المتواصلة لائتلاف شباب الثورة والشارع المصري عموما أجبرته على التقدم إلى الأمام، وخاصة بعد أن بدأت تتشكل قيادات واعية قادرة على القيادة من شباب الثورة.
على الجانب الآخر كانت الثورة المضادة تعمل بقوة المال والبلطجة والعبث بالملف الطائفي. وتمثلت القوى المضادة في جهاز مباحث أمن الدولة ووزارة الداخلية ورجال الأعمال وقيادات الحزب الوطني ووسائل الإعلام الحكومية والإنتلجنسيا المأجورة. وبعد ذلك بدأ السلفيون بالانضمام إلى قاطرة الثورة المضادة حيث جرى استخدامهم في تفجير الملف الطائفي. وظهرت مراوغات من جانب الإخوان المسلمين تمثلت في استنكار ما يقوم به السلفيون وإعلان تأييدهم المبطن تارة والصريح تارة أخرى لهم. وظهرت تناقضات بين الرعيل الأول من السلفيين وبين جيل الشباب. فالأول يحاول الالتفاف على ما يجري بالانتقاد ونفي التهمة عن التيار السلفي، بينما شباب السلفيين يندفع نحو التطرف إزاء المجتمع بشكل عام، ويزداد راديكالية بالنسبة للملف الطائفي.
لا شك أن الإخوان المسلمين يحاولون الاستفادة من تطرف التيار السلفي والحصول على أكبر قدر من المكتسبات السياسية. بل ويمعن الإخوان في المقارنة بين تنظيمهم والمجموعات السلفية المتطرفة على اعتبار أن الإخوان أخف وطأة وليسوا متطرفين وفي الوقت نفسه يدعمون التيار السلفي بمختلف الطرق والأساليب.
أما المجلس الأعلى العسكري الذي تولى قيادة مصر في فترة صعبة، فلم يتمكن من ضبط الأمور كما كان مخطط لها. أي الحفاظ على النظام القديم بإجراء تغييرات شكلية. وتوالت الضغوط، سواء من جانب ائتلاف شباب الثورة والقوى السياسية الأخرى التي بدأت تنشط بقوة، أو من جانب قوى الثورة المضادة. واضطر المجلس إلى حل جهاز أمن الدولة والحزب الوطني الديمقراطي واعتقال رجال الأعمال المشبوهين وقيادات الحزب الوطني وقيادات جهاز أمن الدولة ووزارة الداخلية إلى أن وصل الأمر إلى التحقيق مع رئيس الدولة السابق واحتجازه رهن الاعتقال. غير أن المجلس العسكري لم يمس الشركات والمؤسسات التابعة لأركان النظام السابق، الأمر الذي لم يغلق قنوات تمويل الثورة المضادة من جهة، ودفع بالتيار السلفي المتشدد إلى الظهور للعبث بالملف الطائفي.
بعض التقارير لم تبرئ المجلس الأعلى العسكري من التواطؤ. فالقوات المسلحة المصرية تضم بطبيعة الحال أفراد لهم علاقة بالإخوان المسلمين. وهناك أيضا في صفوفها من له ميول تجاه الإخوان. ولاحظت هذه التقارير بطئا يكاد يكون متعمدا من جانب المجلس العسكري إزاء بعض الأمور مثل عبث جهاز أمن الدولة بالملفات الموجودة في مقراته قبل حل الجهاز وبعده. وكذلك العبث بالملف الطائفي واستخدام المعلومات القديمة والكوادر التي كانت تعمل لحساب الجهاز في السابق. وهذه الكوادر قد تكون من بين العاملين السابقين في الجهاز أو المتعاونين من المدنيين وأعضاء بعض التنظيمات المتطرفة.
من جهة أخرى صمم المجلس العسكري على إجراء تعديلات دستورية، رافضا بشكل قاطع وضع دستور جديد. وفي 19 مارس 2011 أجرى استفتاء على التعديلات الدستورية التي وافق عليها أكثر من 70% من الناخبين. وقام السلفيون والإخوان المسلمون وقوى الثورة المضادة بحملة دعائية قبل الاستفتاء مصورين الأمر على أن القوى المدنية والعلمانية تريد إلغاء المادة الثانية من الدستور ومحو هوية مصر الإسلامية، الأمر الذي دفع الكثير من الناخبين البسطاء للتصويت بنعم على التعديلات الدستورية.
على الرغم من أن المجلس الأعلى العسكري وعد بأنه سيعود إلى ثكناته بعد تسليم السلطة إلى حكومة مدنية، إلا أن بعض القوى السياسية يرى أن المجلس يحاول أن يجد لممثلي القوات المسلحة موطئ قدم في النظام المدني المقبل. فمنذ عام 1952 والقوات المسلحة هي التي تجلس على سدة الحكم ومن الصعب أن تتنازل عنها هكذا بسهولة. وقد يكون ذلك أحد أسباب رفض المجلس العسكري وضع دستور جديد وفقا للشرعية الثورية وليس الشرعية الدستورية التي انتهت بانتصار الثورة.
ورأت قوى سياسية أخرى أن الانتخابات البرلمانية في سبتمبر 2011 ستجري وفقا للنظام القديم مع إجراء بعض التعديلات الشكلية. وسينسحب ذلك على الانتخابات الرئاسية. الأمر الذي سينطوي على مزايا غير عادلة لتيار الإسلام السياسي المتمثل أساسا في جماعة الإخوان ولطواغيت المال، ليس فقط في البرلمان المقبل ولكن في مستقبل البنية القانونية والمؤسسية للحكم في مصر بوجه عام التي سيقوم البرلمان المقبل على صياغتها. وبالتالي سيكون من الصعب وضع دستور جديد لدولة مدنية حقيقية. وفي حال وضع دستور جديد بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية سيكون بمثابة وثيقة تحافظ على مصالح تيار الإسلام السياسي (الإخوان المسلمين) وطواغيت المال والقوات المسلحة.
ورأت قوى ثالثة أن القوات المسلحة قد تقوم فعليا بالتنسيق مع تيار الإسلام السياسي (الإخوان المسلمين) وبعض الأحزاب والقوى السياسية المحافظة، من بينها حزب جديد قد يظهر على أنقاض الحزب الوطني الديمقراطي (حزب النظام السابق)، وطواغيت المال لإقرار نظام حكم معين يفرغ الثورة من مضمونها ويرضي بعض الأطراف الإقليمية والدولية. غير أن النتيجة الفعلية لكل ذلك، مع افتراض حسن النية أو حتى التوطؤ، لا تصب في مصلحة الانتقال الآمن نحو حكم ديمقراطي ودولة (مدنية أو علمانية) في مصر ما بعد 25 يناير.
وفقا لهذه الرؤى اعتبر البعض أن النظام المقبل في مصر قد يكون شبيها بالنظام الباكستاني، ما يشير إلى الرغبة في إرضاء الولايات المتحدة ويحافظ على الصورة النمطية التي اعتمدها الغرب للدول العربية والإسلامية. ورأى البعض الآخر إمكانية تأسيس نظام حكم في مصر شبيه بالنموذج التركي العلماني مع الحفاظ على هوية الدولة الإسلامية.
النموذج الباكستاني قد يروق للإخوان المسلمين وقادة القوات المسلحة. وبالتالي يجري التعامل ببطء ملحوظ مع الأحداث الطائفية، بل والتعمد الواضح في عدم مواجهة التيارات السلفية المتطرفة. ويفسر البعض ذلك بأن القوات المسلحة والمجلس الأعلى العسكري يعملان على خلق تناقضات سياسية واجتماعية جديدة تفسح المجال للقوات المسلحة بإحكام قبضتها على مصر حتى في ظل حكم مدني.
أما النموذج التركي فلا يروق إطلاقا للإخوان المسلمين ولا للسلفيين وبقايا الموالين للنظام السياسي السابق. ولكن في حال الاتفاق بين المجلس الأعلى العسكري والإخوان المسلمين، قد يتنازل الإخوان ويوافقون على هذا النموذج (مع عدم معالجة المادة الثانية في الدستور المصري القديم) مقابل حصولهم على ضمانات للوصول إلى السلطة. لكن كل ذلك مرتبط بشكل الدستور الجديد وشكل الدولة (مدنية أم علمانية؟ رئاسية أم برلمانية؟). وفي كل الأحوال سيتم تشويه النموذج التركي لصالح القوات المسلحة والإخوان المسلمين والسلفيين، ما سيشكل خدمة تاريخية للولايات المتحدة والغرب.
هناك محاولات واضحة من جانب المجلس الأعلى العسكري لترسيخ فكرة أن القوات المسلحة هي الضامن الوحيد لنجاح الثورة والحفاظ على مكتسباتها. ما يفسر بقدر كبير البطء المتعمد في اتخاذ الإجراءات، والتأخر الواضح في ملاحقة الأحداث عموما، وأحداث الملف الطائفي على وجه الخصوص. علما بأن الثورة كشفت عن أن الملف الطائفي كان ملفا أمنيا قبل أن يكون ملفا اجتماعيا وثقافيا وإنسانيا. وكشفت الثورة أيضا أن الملف الطائفي في مصر كان بتدبير من جهاز أمن الدولة.
إن محاولات المجلس الأعلى العسكري ترسيخ الفكرة السابقة تمنحه فرصة للمناورة في المستقبل، وتعطيه الإمكانية للتدخل في شؤون الدولة، سواء كانت مدنية أو علمانية. وقد يكون الملف الطائفي هو الورقة الأقوى في توزيع موازين القوى في الدولة المصرية الجديدة إذا لم يتم اعتماد صيغة المواطنة كقاعدة رئيسية في الدستور الجديد والحرص على تفعيل بنود الحريات المدنية وإلغاء خانتي الديانة والمهنة في الهويات الشخصية ووضع نصوص رادعة للفتنة الطائفية. كما أن الملف الطائفي قد يكون أحد أهم وأخطر الأسباب لتدخلات خارجية، الأمر الذي يثير الشكوك حول أدوار إقليمية ودولية لتفجير هذا الملف في مصر وإشعال نار الفتنة الطائفية ووضع كل التحولات في إطار يحقق وجهة النظر الغربية ويبرر وصفات ومقولات بعض الصحفيين والباحثين الغربيين بأن ما جري في مصر انقلاب وراءه الإخوان المسلمون وبأن الإسلام السياسي سوف يستولي على السلطة في مصر.
من الواضح ووفقا للعديد من الشواهد أن ما حدث في مصر هو "ثورة وطنية ديمقراطية" أفرزت بعض المطالب الاجتماعية. هذا ما يجعلنا نتحدث بقوة حول أن هذه الثورة، التي قامت بمعايير تختلف عن معايير وأطر الثورات الكلاسيكية، ليست ثورة اجتماعية بأيديولوجية ومطالب محددة. وبالتالي يحيلنا ذلك إلى مدى المقاومة الصلبة التي يبديها المجلس العسكري وتيار الإسلام السياسي، والثورة المضادة عموما، للمطالب الفئوية والاجتماعية واحتجاجات العمال والعاملين في مؤسسات الدولة عموما. هذه القوى الثلاث تعمل على إبقاء ما جرى في إطار "تحول وطني ديمقراطي بعيد عن التحولات الاجتماعية والاقتصادية الشاملة"، ما يتيح لها فرصة البقاء على رأس المؤسسات السياسية والعسكرية والاقتصادية والسيطرة التامة على مسار الحكم وتوجيه البلاد في الاتجاهات التي تخدم مصالحها.
هكذا يمكن تبرير عمليات الفرملة والإبطاء في اتخاذ الإجراءات اللازمة والقانونية ضد أركان النظام السابق الذين اعتقلوا، وضد المؤسسات التي يملكونها أو يديرونها، وضد رؤوس الأموال العربية أو الأجنبية المشبوهة والتي لعبت دورا هاما في هدم الاقتصاد المصري والاستيلاء على المؤسسات الوطنية منذ منتصف سبعينيات القرن العشرين.
لقد أصبحت الخريطة السياسية المصرية أكثر تعقيدا بعد ثورة 25 يناير. فهناك القوات المسلحة والمجلس الأعلى العسكري، والإخوان المسلمون، والتيار السلفي، وجبهة البرادعي (الحملة الشعبية لدعم البرادعي والجمعية الوطنية للتغيير)، وجبهة القوى اليسارية، وحزب الوسط، وحزب الوفد، والحزب الناصري، وحزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، وحزب الغد، وأحزاب وتكتلات وجبهات أخرى. لكن القوى الواضحة التي يمكن أن تشارك بقوة في العمليات السياسية والتشريعية من بين كل ذلك هي بالترتيب، القوات المسلحة والمجلس الأعلى العسكري، والإخوان المسلمون، وجبهة البرادعي. بعد ذلك يأتي جبهة القوى اليسارية والناصريون وحزب الغد (بقيادة أيمن نور) والأحزاب والتظيمات والجمعيات الأخرى. لكن الواضح أن الإسلام السياسي (الإخوان المسلمون) والقوى اليسارية والقومية (جبهة القوى اليسارية وحزب التجمع والناصريون) يعملون بآليات واحدة وبشكل متوازي. فهناك انشقاقات حادة وخلافات في صفوف الإخوان المسلمين. وبالتالي ظهر شباب الإخوان ليعلن عن أشكال وآليات جديدة ملائمة لما بعد ثورة 25 يناير وبالتالي حاز على إعجاب كبير من جانب القوى الليبرالية واليسارية والنخبة السياسية والفكرية. ولكن قد تستثمر قيادات الإخوان القديمة هذا النجاح للتطهر ومسح خطاياها وتآمراتها. أما الأحزاب اليسارية العلنية والسرية التي تعاني ترهلا وأزمات تنظيمية وفكرية حولتها إلى ساحة من الصراعات والفضائح المالية والأخلاقية (بما في ذلك كوادر اليسار العاملة في مجالي البيزنس والبيزنس السياسي التي تدور حولها تساؤلات كثيرة بشأن تحولاتها السياسية والفكرية وسلوكياتها وتصرفاتها طوال السنوات الماضية)، فقد نجحت بدرجات ما في استثمار نجاحات التنظيمات السياسية الشبابية اليسارية التي عملت في السنوات الأخيرة إلى جانب التيارات الليبرالية وشباب الإخوان وفي أوساط العمال والنخب وحقق بعضها انجازات تنظيمية وفكرية ملموسة.
كل المؤشرات تؤكد أن المعركة السياسية والتشريعية الحقيقية ستكون بين الإخوان وجبهة القوى اليسارية. غير أن النجاح قد يكون من نصيب الإخوان المسلمين بدعم غير معلن من المؤسسة العسكرية وبسبب الفساد المستشري في الأوساط اليسارية عموما، وتواطؤ هذه القوى مع النظام السابق وإسهامها في تضليل الرأي العام بالتضخيم في حجم قوة الإسلام السياسي، وتركيز هذه القوى على العمليات التنظيمية والصراعات الداخلية، وتكوين الثروات والتآمر الداخلي. تبقى جبهة البرادعي التي تدير معاركها السياسية بآليات جديدة معتمدة على تاريخ البرادعي وعلاقاته الدولية وسمعته العالمية من جهة. وكذلك بالاعتماد على الأفكار الليبرالية التي تروج لها العديد من النخب السياسية والفكرية والثقافية من جهة أخرى.
إن المجلس الأعلى العسكري استفاد جيدا من تجربة النظام السابق في تجييش القوى السياسية، وخاصة اليسار، ضد الإسلام السياسي (الإخوان المسلمون والسلفيون). وبالتالي سيكون الصراع بين الإخوان واليسار. وسيخرج الإخوان المسلمون من أي معركة سياسية أو انتخابية منهكين تماما، الأمر الذي سيسهل مهمة القوات المسلحة وممثليها في السيطرة على مقدرات البلاد إما بشكل مباشر أو غير مباشر وبالتحالف مع هذه القوة المنهكة. بينما جبهة البرادعي ستعمل على عدد من المحاور الجديدة وعلى مستوى كافة شرائح الشعب المصري. وسيساعدها في ذلك أنها بعيدة عن الخطايا السياسية للإخوان واليسار، وليس لها تاريخ في التواطؤ مع النظام السابق، وأنها أول التيارات السياسية التي دعت للثورة بينما امتنع حزب التجمع وبعض الأحزاب اليسارية الأخرى والإخوان المسلمون عن المشاركة في احتجاجات 25 يناير. وعندما انتبهوا لما يحققه الشباب بداية من 28 يناير، حاول الإخوان وحزب التجمع وحزب الوفد القفز على الثورة بالتفاوض مع ممثلي النظام السابق. ولكن المفاوضات فشلت لأسباب تعود إلى السقف العالي لمطالب ممثلي النظام الذين تعودوا على التعامل مع هذه الأحزاب والجماعات ومنحها الرشاوي السياسية والمالية والإدارية. ويبدو أن ممثلي النظام السابق حاولوا استخدام هذه القوى ضد الثورة، ولكن كان من الصعب أن تستجيب وإلا فقدت ورقة التوت الأخيرة بعد أن فقدت كل ثيابها الداخلية طوال السنوات الأخيرة.
إن محاولات الإخوان المسلمين وما يسمى بجبهة القوى اليسارية جارية للقفز على ثورة الشباب على الرغم من عدم علم أي منهما بتلك الثورة، ورفضهما المشاركة فيها منذ البداية. وإذا كان الأمل يراود جماعة الإخوان المسلمين في قيادة مصر فهذا أمر مشروع باعتبارها قوة سياسية واجتماعية لها امتداداتها الداخلية والإقليمية والدولية. لكن ذلك لن يأتي إلا بالتنسيق مع المجلس الأعلى العسكري، لأن كافة القوى السياسية ترفض العمل مع الجماعة بشكلها ومنهجها الحاليين. كما أن الجماعة تترفع عن العمل مع القوى السياسية الأخرى وفقا لحسابات المكسب والخسارة انتهازيا وليس سياسيا. أما ما يسمى بجبهة القوى اليسارية المؤلفة من خمسة أحزاب (منها العلني وغير العلني) فهي غائبة عن الساحة السياسية، وليس لها وجود في الأوساط والساحات التي تدعي أنها مجالها الحيوي للعمل والتأثير السياسي والفكري. إضافة إلى تغير الأوضاع الدولية وانحسار المد اليساري وتجذر التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إقليميا ودوليا في اتجاهات ليبرالية أو ليبرالية ديمقراطية.
من الواضح أن الإخوان المسلمين يشعرون بزهوة انتصار خادع لا لأن الشارع المصري معهم، بل لأنهم تمكنوا من نيل رضاء الغرب عموما، والولايات المتحدة على وجه الخصوص. كما أن الدعم غير المعلن من جانب المجلس العسكري يجعل تيار الإسلام السياسي يتقدم الصفوف باعتباره صاحب الحق في الحكم. ما يمكن أن نستثنيه من هذه المعادلة التي تمثل خطرا على الشعب المصري ومصالحه الآنية والبعيدة الأمد، هو شباب الإخوان الذين يجب أن يقولوا كلمتهم النهائية: هل هم مع الشعب المصري والثورة المصرية أم مع الإخوان المسلمين والسلفيين؟ على إجابتهم سيتوقف مستقبل تأسيس تيار إسلام سياسي واع بمصالح الوطن وشريك أصيل مع بقية القوى السياسية والاجتماعية في قيادة البلاد.
إذا كان التاريخ لم يأخذ الأخطاء التاريخية الفادحة للإخوان بعين الاعتبار ولأسباب كثيرة، فما يفعله الإخوان في الوقت الراهن لن يمر مرور الكرام، لأن السقطة التاريخية الآن تعادل كل سقطاتهم وسقطات كل من تخرج من مدرستهم بداية من ثلاثينيات القرن العشرين. فمن الواضح أنهم مصممون على دخول معركة "تكسير عظام" مع الشعب المصري، وأنهم كانوا الحلقة الأضعف لتمرير سيناريو في غاية الخطورة سيؤثر على مستقبل المصريين ومصالح البلاد. والأخطر من ذلك أنهم على استعداد تام لإعادة كل شيء إلى المربع الأول حتى وإن كانت دماء المصريين هي الثمن. ولا شك أن الولايات المتحدة وإسرائيل هما المستفيدان الأكبران والأولان من تطبيق النموذجين، سواء الباكستاني أو التركي المشوه في مصر.
---------------------------
الدستور المصرية
لقد رفض العديد من القوى السياسية التقليدية، ومن بينها الإخوان المسلمون، المشاركة في احتجاجات 25 يناير. وسمحت هذه القوى لبعض أعضائها بالمشاركة بشكل فردي أو شخصي. وبالتالي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتصور أحد بأن قوى اليسار أو الإخوان المسلمين كانت وراء هذه الثورة. أما الغرب فقد ظل لفترة طويلة يعتمد نظرية المؤامرة ويلجأ إلى الاستسهال والتبسيط، معتبرا أن النظام الاستبدادي في مصر هو الضمانة الوحيدة لعدم وصول الإخوان أو حتى اليسار إلى السلطة. وكان بذلك يدعم الأنظمة الديكتاتورية الموالية له. هذا الإصرار من جانب الغرب فوَّت عليه فرصة المتابعة الحقيقية لما يجري، وحرمه من تحكمه التاريخي في الإمساك بمقاليد الأمور وتسيير الأوضاع السياسية بما يخدم مصالحه ويحافظ على الأنظمة الموالية له.
وسرعان ما تنبهت القوى السياسية التقليدية، ومن ضمنها الإخوان المسلمون، لأهمية ما يحدث. فحاولت هذه القوى اللحاق بقاطرة الثورة مستخدمة آلياتها العتيقة وأساليبها المراوغة والتآمرية. كما حاول النظام السياسي قبل سقوطه استخدام هذه القوى، لكن كل تلك المحاولات باءت بالفشل بنتيجة الوعي الشديد الذي أظهرته القوى السياسية الشبابية التي شكلت ما يعرف بـ "ائتلاف شباب ثورة 25 يناير": (شباب 6 أبريل، شباب من أجل العدالة والحرية، وحملة دعم البرادعي ومطالب التغيير/معا سنغير، وشباب الإخوان المسلمين، وشباب حزب الجبهة الديمقراطية، وشباب الجمعية الوطنية للتغيير، وبعض المدونين والمستقلين). وظهرت انشقاقات حقيقية في حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي وانقلب شباب الحزب ضد القيادات القديمة. كما قدمت بعض القيادات الكبيرة استقالاتها من هذا الحزب لتشكل حزبا يساريا أطلقت عليه "حزب التحالف الشعبي الاشتراكي" يضم كافة فصائل اليسار. والمثير في الأمر أن الدعوة بالنسبة لتأسيس هذا الحزب جاءت في البداية كشكل من أشكال عدم الاتفاق مع الأحزاب والتنظيمات اليسارية القديمة التي إما تواطأت مع النظام السابق أو فشلت في العمل السياسي لأسباب كثيرة. ولكن سرعان ما تبين أن غالبية قادة حزب "التحالف الشعبي الاشتراكي" هم أنفسهم الناشطون السياسيون اليساريون القدامى، وبعض الذين أصبحت تحوم حولهم الشبهات بالنسبة لنشاطاتهم في مجال البيزنس والبيزنس السياسي. وحامت الشكوك حول لعبة سياسية يديرها قادة اليسار العتيق المترهل لتغيير جلد حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، والحزب الشيوعي المصري، وحزب العمال الشيوعي. واجتمع قادة الأحزاب والتنظيمات اليسارية القديمة ليستمدوا شرعيتهم الجديدة من بعض شباب التنظيمات اليسارية الشبابية التي انشقت على الأحزاب القديمة وشاركت في الثورة فعليا إلى جانب التيارات والقوى الشبابية الأخرى. ونظرا لأن شباب الثورة من التنظيمات اليسارية الجديدة لا يدرك بعد مدى قيمته الوطنية وما قدم فعليا للثورة، فقد خدعته لعبة اليساريين القدامى والأحزاب العتيقة المترهلة واعتقد البعض أن وجود الكوادر القديمة سوف يكسب شباب الثورة اليساري وتنظيماته الجديدة التي تعمل بآليات جديدة ومختلفة تماما شرعية ما.
وكانت المفاجأة التي لمح الكثيرون بوادرها، وهي إصدار الإعلان التأسيسي لـ "جبهة القوى الاشتراكية" في 10 مايو 2011 والذي ضم خمسة أحزاب: (الحزب الشيوعي المصري، والحزب الاشتراكي المصري، والاشتراكيين الثوريين، والتحالف الشعبي الاشتراكي، وحزب العُمال الديمقراطي). واتفقت الأحزاب الخمسة، التي كانت تعمل إما ضمن إطار حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي أو بالتنسيق معه، على توحيد جهودها تحت اسم "جبهة القوى الاشتراكية". وذكر الإعلان التأسيسي أن "الجبهة تهدف للدفاع عن حقوق الطبقات الشعبية والمصالح الوطنية في مواجهة القوى المضادة للثورة، ومواجهة الاتجاهات المتطرفة والرجعية والطائفية والتي تهدد الثورة ووحدة الوطن ومستقبله. وأعلنت الجبهة أنها تسعى دائماً للعمل المشترك مع كل القوى التقدمية والديمقراطية من أجل تحقيق الأهداف الوطنية المشتركة".
هذه الخطوات من جانب القوى اليسارية القديمة خيبت آمال الكثير من النخب والمثقفين والمواطنين والمتعاطفين مع اليسار عموما، لأن الجبهة الجديدة جمعت كل الوجوه والأحزاب والتنظيمات القديمة التي فشلت في القفز على الثورة في البداية. ومن خلال العلاقات الشخصية (على مستوى القاهرة والمدن الأخرى) والأسرية والقبلية (في القرى والأقاليم البعيدة عن العاصمة) تم تشكيل تلك الجبهة لتبتلع التنظيمات الجديدة التي كان لها نصيب لا بأس به في قيام الثورة، والتي عملت بأساليب ومناهج وآليات جديدة بعيدا عن الفساد والصراعات الإدارية والتنظيمية التي سادت في الأحزاب اليسارية القديمة سواء الرسمية أو غير الرسمية، وعلى رأسها حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي الذي كان يمثل اليسار الرسمي طوال سنوات حكم مبارك. ورأى البعض أن التئام شمل اليسار في تلك الجبهة تحقيقا لحلم طال انتظاره وانتصارا لجميع القوى اليسارية التي تشرذمت طوال العقود السابقة. هذا في الوقت الذي لم ير فيه أحد غضاضة أو مشكلة في أن تتسلل الكوادر القديمة التي أفسدت الحياة السياسية وأصحاب البيزنس والبيزنس السياسي إلى صفوف الأحزاب التي تشكل تلك الجبهة الجديدة/القديمة. وبرر الكثيرون ذلك بأن هؤلاء سوف يقومون بتمويل الجبهة من جهة، وسيتم الاعتماد عليهم جماهيريا من جهة أخرى بسبب علاقاتهم الأسرية والقبلية في صعيد مصر والأقاليم والمناطق النائية. وهي نفس الأسباب التي كان يتم الترحيب بهم على أساسها في أي نشاطات يقوم بها حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي وغيره من التنظيمات والأحزاب اليسارية غير الرسمية.
على نحو آخر وقعت خلافات شديدة الوطأة في صفوف الإخوان المسلمين. فقد انقلب شباب الإخوان ضد القيادات القديمة التي أظهرت توطأ مثيرا مع النظام السابق وتعجلت الحصول على مكاسب مؤقتة. كما انقلبت بعض القيادات الإخوانية الكبيرة على التنظيم وشرعت في تشكيل أحزاب ومجموعات منفصلة عن الإخوان. فانشق عبد المنعم أبو الفتوح ليشكل حزبا جديدا، ثم أعلن أنه سيخوض انتخابات الرئاسة. وبشكل مفاجئ أعلن الإخوان تأييدهم للسلفيين في تطور ملفت يهدف إلى ضمان أصوات التيار السلفي في أي انتخابات برلمانية أو رئاسية مقبلة.
كان من الواضح أن الثورة هزت أركان كل القوى السياسية التقليدية التي لم تتمكن، حتى بعد رحيل مبارك عن السلطة، من اللحاق بقاطرة الثورة. وقام المجلس الأعلى العسكري بمحاولات عديدة لتهدئة الوضع في البداية والحفاظ على البناء القديم جزئيا بإبعاد بعض رموز النظام السابق. ولكن الضغوط المتواصلة لائتلاف شباب الثورة والشارع المصري عموما أجبرته على التقدم إلى الأمام، وخاصة بعد أن بدأت تتشكل قيادات واعية قادرة على القيادة من شباب الثورة.
على الجانب الآخر كانت الثورة المضادة تعمل بقوة المال والبلطجة والعبث بالملف الطائفي. وتمثلت القوى المضادة في جهاز مباحث أمن الدولة ووزارة الداخلية ورجال الأعمال وقيادات الحزب الوطني ووسائل الإعلام الحكومية والإنتلجنسيا المأجورة. وبعد ذلك بدأ السلفيون بالانضمام إلى قاطرة الثورة المضادة حيث جرى استخدامهم في تفجير الملف الطائفي. وظهرت مراوغات من جانب الإخوان المسلمين تمثلت في استنكار ما يقوم به السلفيون وإعلان تأييدهم المبطن تارة والصريح تارة أخرى لهم. وظهرت تناقضات بين الرعيل الأول من السلفيين وبين جيل الشباب. فالأول يحاول الالتفاف على ما يجري بالانتقاد ونفي التهمة عن التيار السلفي، بينما شباب السلفيين يندفع نحو التطرف إزاء المجتمع بشكل عام، ويزداد راديكالية بالنسبة للملف الطائفي.
لا شك أن الإخوان المسلمين يحاولون الاستفادة من تطرف التيار السلفي والحصول على أكبر قدر من المكتسبات السياسية. بل ويمعن الإخوان في المقارنة بين تنظيمهم والمجموعات السلفية المتطرفة على اعتبار أن الإخوان أخف وطأة وليسوا متطرفين وفي الوقت نفسه يدعمون التيار السلفي بمختلف الطرق والأساليب.
أما المجلس الأعلى العسكري الذي تولى قيادة مصر في فترة صعبة، فلم يتمكن من ضبط الأمور كما كان مخطط لها. أي الحفاظ على النظام القديم بإجراء تغييرات شكلية. وتوالت الضغوط، سواء من جانب ائتلاف شباب الثورة والقوى السياسية الأخرى التي بدأت تنشط بقوة، أو من جانب قوى الثورة المضادة. واضطر المجلس إلى حل جهاز أمن الدولة والحزب الوطني الديمقراطي واعتقال رجال الأعمال المشبوهين وقيادات الحزب الوطني وقيادات جهاز أمن الدولة ووزارة الداخلية إلى أن وصل الأمر إلى التحقيق مع رئيس الدولة السابق واحتجازه رهن الاعتقال. غير أن المجلس العسكري لم يمس الشركات والمؤسسات التابعة لأركان النظام السابق، الأمر الذي لم يغلق قنوات تمويل الثورة المضادة من جهة، ودفع بالتيار السلفي المتشدد إلى الظهور للعبث بالملف الطائفي.
بعض التقارير لم تبرئ المجلس الأعلى العسكري من التواطؤ. فالقوات المسلحة المصرية تضم بطبيعة الحال أفراد لهم علاقة بالإخوان المسلمين. وهناك أيضا في صفوفها من له ميول تجاه الإخوان. ولاحظت هذه التقارير بطئا يكاد يكون متعمدا من جانب المجلس العسكري إزاء بعض الأمور مثل عبث جهاز أمن الدولة بالملفات الموجودة في مقراته قبل حل الجهاز وبعده. وكذلك العبث بالملف الطائفي واستخدام المعلومات القديمة والكوادر التي كانت تعمل لحساب الجهاز في السابق. وهذه الكوادر قد تكون من بين العاملين السابقين في الجهاز أو المتعاونين من المدنيين وأعضاء بعض التنظيمات المتطرفة.
من جهة أخرى صمم المجلس العسكري على إجراء تعديلات دستورية، رافضا بشكل قاطع وضع دستور جديد. وفي 19 مارس 2011 أجرى استفتاء على التعديلات الدستورية التي وافق عليها أكثر من 70% من الناخبين. وقام السلفيون والإخوان المسلمون وقوى الثورة المضادة بحملة دعائية قبل الاستفتاء مصورين الأمر على أن القوى المدنية والعلمانية تريد إلغاء المادة الثانية من الدستور ومحو هوية مصر الإسلامية، الأمر الذي دفع الكثير من الناخبين البسطاء للتصويت بنعم على التعديلات الدستورية.
على الرغم من أن المجلس الأعلى العسكري وعد بأنه سيعود إلى ثكناته بعد تسليم السلطة إلى حكومة مدنية، إلا أن بعض القوى السياسية يرى أن المجلس يحاول أن يجد لممثلي القوات المسلحة موطئ قدم في النظام المدني المقبل. فمنذ عام 1952 والقوات المسلحة هي التي تجلس على سدة الحكم ومن الصعب أن تتنازل عنها هكذا بسهولة. وقد يكون ذلك أحد أسباب رفض المجلس العسكري وضع دستور جديد وفقا للشرعية الثورية وليس الشرعية الدستورية التي انتهت بانتصار الثورة.
ورأت قوى سياسية أخرى أن الانتخابات البرلمانية في سبتمبر 2011 ستجري وفقا للنظام القديم مع إجراء بعض التعديلات الشكلية. وسينسحب ذلك على الانتخابات الرئاسية. الأمر الذي سينطوي على مزايا غير عادلة لتيار الإسلام السياسي المتمثل أساسا في جماعة الإخوان ولطواغيت المال، ليس فقط في البرلمان المقبل ولكن في مستقبل البنية القانونية والمؤسسية للحكم في مصر بوجه عام التي سيقوم البرلمان المقبل على صياغتها. وبالتالي سيكون من الصعب وضع دستور جديد لدولة مدنية حقيقية. وفي حال وضع دستور جديد بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية سيكون بمثابة وثيقة تحافظ على مصالح تيار الإسلام السياسي (الإخوان المسلمين) وطواغيت المال والقوات المسلحة.
ورأت قوى ثالثة أن القوات المسلحة قد تقوم فعليا بالتنسيق مع تيار الإسلام السياسي (الإخوان المسلمين) وبعض الأحزاب والقوى السياسية المحافظة، من بينها حزب جديد قد يظهر على أنقاض الحزب الوطني الديمقراطي (حزب النظام السابق)، وطواغيت المال لإقرار نظام حكم معين يفرغ الثورة من مضمونها ويرضي بعض الأطراف الإقليمية والدولية. غير أن النتيجة الفعلية لكل ذلك، مع افتراض حسن النية أو حتى التوطؤ، لا تصب في مصلحة الانتقال الآمن نحو حكم ديمقراطي ودولة (مدنية أو علمانية) في مصر ما بعد 25 يناير.
وفقا لهذه الرؤى اعتبر البعض أن النظام المقبل في مصر قد يكون شبيها بالنظام الباكستاني، ما يشير إلى الرغبة في إرضاء الولايات المتحدة ويحافظ على الصورة النمطية التي اعتمدها الغرب للدول العربية والإسلامية. ورأى البعض الآخر إمكانية تأسيس نظام حكم في مصر شبيه بالنموذج التركي العلماني مع الحفاظ على هوية الدولة الإسلامية.
النموذج الباكستاني قد يروق للإخوان المسلمين وقادة القوات المسلحة. وبالتالي يجري التعامل ببطء ملحوظ مع الأحداث الطائفية، بل والتعمد الواضح في عدم مواجهة التيارات السلفية المتطرفة. ويفسر البعض ذلك بأن القوات المسلحة والمجلس الأعلى العسكري يعملان على خلق تناقضات سياسية واجتماعية جديدة تفسح المجال للقوات المسلحة بإحكام قبضتها على مصر حتى في ظل حكم مدني.
أما النموذج التركي فلا يروق إطلاقا للإخوان المسلمين ولا للسلفيين وبقايا الموالين للنظام السياسي السابق. ولكن في حال الاتفاق بين المجلس الأعلى العسكري والإخوان المسلمين، قد يتنازل الإخوان ويوافقون على هذا النموذج (مع عدم معالجة المادة الثانية في الدستور المصري القديم) مقابل حصولهم على ضمانات للوصول إلى السلطة. لكن كل ذلك مرتبط بشكل الدستور الجديد وشكل الدولة (مدنية أم علمانية؟ رئاسية أم برلمانية؟). وفي كل الأحوال سيتم تشويه النموذج التركي لصالح القوات المسلحة والإخوان المسلمين والسلفيين، ما سيشكل خدمة تاريخية للولايات المتحدة والغرب.
هناك محاولات واضحة من جانب المجلس الأعلى العسكري لترسيخ فكرة أن القوات المسلحة هي الضامن الوحيد لنجاح الثورة والحفاظ على مكتسباتها. ما يفسر بقدر كبير البطء المتعمد في اتخاذ الإجراءات، والتأخر الواضح في ملاحقة الأحداث عموما، وأحداث الملف الطائفي على وجه الخصوص. علما بأن الثورة كشفت عن أن الملف الطائفي كان ملفا أمنيا قبل أن يكون ملفا اجتماعيا وثقافيا وإنسانيا. وكشفت الثورة أيضا أن الملف الطائفي في مصر كان بتدبير من جهاز أمن الدولة.
إن محاولات المجلس الأعلى العسكري ترسيخ الفكرة السابقة تمنحه فرصة للمناورة في المستقبل، وتعطيه الإمكانية للتدخل في شؤون الدولة، سواء كانت مدنية أو علمانية. وقد يكون الملف الطائفي هو الورقة الأقوى في توزيع موازين القوى في الدولة المصرية الجديدة إذا لم يتم اعتماد صيغة المواطنة كقاعدة رئيسية في الدستور الجديد والحرص على تفعيل بنود الحريات المدنية وإلغاء خانتي الديانة والمهنة في الهويات الشخصية ووضع نصوص رادعة للفتنة الطائفية. كما أن الملف الطائفي قد يكون أحد أهم وأخطر الأسباب لتدخلات خارجية، الأمر الذي يثير الشكوك حول أدوار إقليمية ودولية لتفجير هذا الملف في مصر وإشعال نار الفتنة الطائفية ووضع كل التحولات في إطار يحقق وجهة النظر الغربية ويبرر وصفات ومقولات بعض الصحفيين والباحثين الغربيين بأن ما جري في مصر انقلاب وراءه الإخوان المسلمون وبأن الإسلام السياسي سوف يستولي على السلطة في مصر.
من الواضح ووفقا للعديد من الشواهد أن ما حدث في مصر هو "ثورة وطنية ديمقراطية" أفرزت بعض المطالب الاجتماعية. هذا ما يجعلنا نتحدث بقوة حول أن هذه الثورة، التي قامت بمعايير تختلف عن معايير وأطر الثورات الكلاسيكية، ليست ثورة اجتماعية بأيديولوجية ومطالب محددة. وبالتالي يحيلنا ذلك إلى مدى المقاومة الصلبة التي يبديها المجلس العسكري وتيار الإسلام السياسي، والثورة المضادة عموما، للمطالب الفئوية والاجتماعية واحتجاجات العمال والعاملين في مؤسسات الدولة عموما. هذه القوى الثلاث تعمل على إبقاء ما جرى في إطار "تحول وطني ديمقراطي بعيد عن التحولات الاجتماعية والاقتصادية الشاملة"، ما يتيح لها فرصة البقاء على رأس المؤسسات السياسية والعسكرية والاقتصادية والسيطرة التامة على مسار الحكم وتوجيه البلاد في الاتجاهات التي تخدم مصالحها.
هكذا يمكن تبرير عمليات الفرملة والإبطاء في اتخاذ الإجراءات اللازمة والقانونية ضد أركان النظام السابق الذين اعتقلوا، وضد المؤسسات التي يملكونها أو يديرونها، وضد رؤوس الأموال العربية أو الأجنبية المشبوهة والتي لعبت دورا هاما في هدم الاقتصاد المصري والاستيلاء على المؤسسات الوطنية منذ منتصف سبعينيات القرن العشرين.
لقد أصبحت الخريطة السياسية المصرية أكثر تعقيدا بعد ثورة 25 يناير. فهناك القوات المسلحة والمجلس الأعلى العسكري، والإخوان المسلمون، والتيار السلفي، وجبهة البرادعي (الحملة الشعبية لدعم البرادعي والجمعية الوطنية للتغيير)، وجبهة القوى اليسارية، وحزب الوسط، وحزب الوفد، والحزب الناصري، وحزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، وحزب الغد، وأحزاب وتكتلات وجبهات أخرى. لكن القوى الواضحة التي يمكن أن تشارك بقوة في العمليات السياسية والتشريعية من بين كل ذلك هي بالترتيب، القوات المسلحة والمجلس الأعلى العسكري، والإخوان المسلمون، وجبهة البرادعي. بعد ذلك يأتي جبهة القوى اليسارية والناصريون وحزب الغد (بقيادة أيمن نور) والأحزاب والتظيمات والجمعيات الأخرى. لكن الواضح أن الإسلام السياسي (الإخوان المسلمون) والقوى اليسارية والقومية (جبهة القوى اليسارية وحزب التجمع والناصريون) يعملون بآليات واحدة وبشكل متوازي. فهناك انشقاقات حادة وخلافات في صفوف الإخوان المسلمين. وبالتالي ظهر شباب الإخوان ليعلن عن أشكال وآليات جديدة ملائمة لما بعد ثورة 25 يناير وبالتالي حاز على إعجاب كبير من جانب القوى الليبرالية واليسارية والنخبة السياسية والفكرية. ولكن قد تستثمر قيادات الإخوان القديمة هذا النجاح للتطهر ومسح خطاياها وتآمراتها. أما الأحزاب اليسارية العلنية والسرية التي تعاني ترهلا وأزمات تنظيمية وفكرية حولتها إلى ساحة من الصراعات والفضائح المالية والأخلاقية (بما في ذلك كوادر اليسار العاملة في مجالي البيزنس والبيزنس السياسي التي تدور حولها تساؤلات كثيرة بشأن تحولاتها السياسية والفكرية وسلوكياتها وتصرفاتها طوال السنوات الماضية)، فقد نجحت بدرجات ما في استثمار نجاحات التنظيمات السياسية الشبابية اليسارية التي عملت في السنوات الأخيرة إلى جانب التيارات الليبرالية وشباب الإخوان وفي أوساط العمال والنخب وحقق بعضها انجازات تنظيمية وفكرية ملموسة.
كل المؤشرات تؤكد أن المعركة السياسية والتشريعية الحقيقية ستكون بين الإخوان وجبهة القوى اليسارية. غير أن النجاح قد يكون من نصيب الإخوان المسلمين بدعم غير معلن من المؤسسة العسكرية وبسبب الفساد المستشري في الأوساط اليسارية عموما، وتواطؤ هذه القوى مع النظام السابق وإسهامها في تضليل الرأي العام بالتضخيم في حجم قوة الإسلام السياسي، وتركيز هذه القوى على العمليات التنظيمية والصراعات الداخلية، وتكوين الثروات والتآمر الداخلي. تبقى جبهة البرادعي التي تدير معاركها السياسية بآليات جديدة معتمدة على تاريخ البرادعي وعلاقاته الدولية وسمعته العالمية من جهة. وكذلك بالاعتماد على الأفكار الليبرالية التي تروج لها العديد من النخب السياسية والفكرية والثقافية من جهة أخرى.
إن المجلس الأعلى العسكري استفاد جيدا من تجربة النظام السابق في تجييش القوى السياسية، وخاصة اليسار، ضد الإسلام السياسي (الإخوان المسلمون والسلفيون). وبالتالي سيكون الصراع بين الإخوان واليسار. وسيخرج الإخوان المسلمون من أي معركة سياسية أو انتخابية منهكين تماما، الأمر الذي سيسهل مهمة القوات المسلحة وممثليها في السيطرة على مقدرات البلاد إما بشكل مباشر أو غير مباشر وبالتحالف مع هذه القوة المنهكة. بينما جبهة البرادعي ستعمل على عدد من المحاور الجديدة وعلى مستوى كافة شرائح الشعب المصري. وسيساعدها في ذلك أنها بعيدة عن الخطايا السياسية للإخوان واليسار، وليس لها تاريخ في التواطؤ مع النظام السابق، وأنها أول التيارات السياسية التي دعت للثورة بينما امتنع حزب التجمع وبعض الأحزاب اليسارية الأخرى والإخوان المسلمون عن المشاركة في احتجاجات 25 يناير. وعندما انتبهوا لما يحققه الشباب بداية من 28 يناير، حاول الإخوان وحزب التجمع وحزب الوفد القفز على الثورة بالتفاوض مع ممثلي النظام السابق. ولكن المفاوضات فشلت لأسباب تعود إلى السقف العالي لمطالب ممثلي النظام الذين تعودوا على التعامل مع هذه الأحزاب والجماعات ومنحها الرشاوي السياسية والمالية والإدارية. ويبدو أن ممثلي النظام السابق حاولوا استخدام هذه القوى ضد الثورة، ولكن كان من الصعب أن تستجيب وإلا فقدت ورقة التوت الأخيرة بعد أن فقدت كل ثيابها الداخلية طوال السنوات الأخيرة.
إن محاولات الإخوان المسلمين وما يسمى بجبهة القوى اليسارية جارية للقفز على ثورة الشباب على الرغم من عدم علم أي منهما بتلك الثورة، ورفضهما المشاركة فيها منذ البداية. وإذا كان الأمل يراود جماعة الإخوان المسلمين في قيادة مصر فهذا أمر مشروع باعتبارها قوة سياسية واجتماعية لها امتداداتها الداخلية والإقليمية والدولية. لكن ذلك لن يأتي إلا بالتنسيق مع المجلس الأعلى العسكري، لأن كافة القوى السياسية ترفض العمل مع الجماعة بشكلها ومنهجها الحاليين. كما أن الجماعة تترفع عن العمل مع القوى السياسية الأخرى وفقا لحسابات المكسب والخسارة انتهازيا وليس سياسيا. أما ما يسمى بجبهة القوى اليسارية المؤلفة من خمسة أحزاب (منها العلني وغير العلني) فهي غائبة عن الساحة السياسية، وليس لها وجود في الأوساط والساحات التي تدعي أنها مجالها الحيوي للعمل والتأثير السياسي والفكري. إضافة إلى تغير الأوضاع الدولية وانحسار المد اليساري وتجذر التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إقليميا ودوليا في اتجاهات ليبرالية أو ليبرالية ديمقراطية.
من الواضح أن الإخوان المسلمين يشعرون بزهوة انتصار خادع لا لأن الشارع المصري معهم، بل لأنهم تمكنوا من نيل رضاء الغرب عموما، والولايات المتحدة على وجه الخصوص. كما أن الدعم غير المعلن من جانب المجلس العسكري يجعل تيار الإسلام السياسي يتقدم الصفوف باعتباره صاحب الحق في الحكم. ما يمكن أن نستثنيه من هذه المعادلة التي تمثل خطرا على الشعب المصري ومصالحه الآنية والبعيدة الأمد، هو شباب الإخوان الذين يجب أن يقولوا كلمتهم النهائية: هل هم مع الشعب المصري والثورة المصرية أم مع الإخوان المسلمين والسلفيين؟ على إجابتهم سيتوقف مستقبل تأسيس تيار إسلام سياسي واع بمصالح الوطن وشريك أصيل مع بقية القوى السياسية والاجتماعية في قيادة البلاد.
إذا كان التاريخ لم يأخذ الأخطاء التاريخية الفادحة للإخوان بعين الاعتبار ولأسباب كثيرة، فما يفعله الإخوان في الوقت الراهن لن يمر مرور الكرام، لأن السقطة التاريخية الآن تعادل كل سقطاتهم وسقطات كل من تخرج من مدرستهم بداية من ثلاثينيات القرن العشرين. فمن الواضح أنهم مصممون على دخول معركة "تكسير عظام" مع الشعب المصري، وأنهم كانوا الحلقة الأضعف لتمرير سيناريو في غاية الخطورة سيؤثر على مستقبل المصريين ومصالح البلاد. والأخطر من ذلك أنهم على استعداد تام لإعادة كل شيء إلى المربع الأول حتى وإن كانت دماء المصريين هي الثمن. ولا شك أن الولايات المتحدة وإسرائيل هما المستفيدان الأكبران والأولان من تطبيق النموذجين، سواء الباكستاني أو التركي المشوه في مصر.
---------------------------
الدستور المصرية