دمشق (ا ف ب) - عرضت في دمشق مساء السبت مسرحية "فاروم فاروم" (لماذا؟ لماذا؟) العمل الاحدث للمخرج البريطاني الشهير بيتر بروك في ختام اربعة عروض جرت في اطار احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية 2008.
وقد عرض هذا العمل للمرة الاولى في زيوريخ الالمانية منتصف نيسان/ابريل الفائت.
واستضاف مسرح "فواز الساجر" المسرح الدائري الصغير في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق عروض المسرحية. وهو لا يتسع لأكثر من 150 شخصا حيث جلس البعض على الادراج فيما تابع آخرون المسرحية وقوفا.
وبما ان العرض هو الانتاج الاحدث للمخرج ساد الترقب بين الحضور لما وصله بيتر بروك بعد مسيرة ستين عاما في العمل المسرحي. وهو ترقب امام فضاء مسرحي خال الا من كرسيين منخفضين وضعا بجوار بعضهما البعض.
وفي لحظة خاطفة جاء صوت من بين الحضور متحدثا بالالمانية وبحثت عيون الحضور عن مصدره الذي كان قريبا منهم او بينهم. كانت الممثلة ميريام غولد شميت تبدأ حوارات المسرحية وهي تدخل من بين الجمهور لتصير قبالته وسط الخشبة.
الترقب لم ينته هنا لان الجمهور كان يتوقع عزفا حيا يرافق الممثلة الوحيدة (شميت) في العرض. بداية جاءت نغمات الموسيقى من الكواليس تاركة لمخيلة الحضور ان تخمن شكل الآلة الموسيقية التي تصدرها.
ومع ان النغمات كانت قريبة مما تصدره آلة وترية الا ان العازف فرنشيسكو آنجيلو فاجأ الحضور بآلة "الهانغ" السويسرية التي كانت بين يديه. بدت آلة نحاسية وعبارة عن غطاءين كبيرين ملتصقين السفلي منهما بفتحة في الوسط. تقنية اصدارها للنغمات غامضة وكان مذهلا كيف ان مجرد النقر على بروزات او تقعرات كروية على سطحها كفيل باصدار هذه النغمات.
وعلى شاشتين لنقل الترجمة من الالمانية الى العربية على الجانبين وشاشة كبيرة في صدر الخشبة كانت تظهر ايضا عناوين الاقتباسات التي استحضرها بروك من نصوص عمالقة المسرح ليشكل عبرها نصه الخاص.
و"فاروم فاروم" هي المسرحية الثانية التي يقدمها بروك في دمشق بعد ان كان قدم قبل اشهر مسرحية "المفتش الكبير" المقتبسة عن رواية دوستويفسكي "الاخوة كارمازوف".
والمسرحية الاحدث له صاغها بروك وماري إلين استيين كعمل تركيبي يتضمن مقاطع من نصوص مجموعة من اهم مبدعي المسرح الحديث: أنطون آرتو ادوارد غوردن كريغ شارل دولان فزيفولد مايرخولد ومستحضرا صوت زيامي موتوكيو معلم مسرح "النو" الياباني وكذلك لتترجمها الى الالمانية الممثلة ميريام غولدشميت التي لعبت الشخصية الوحيدة فيها قبل ان ينتجها مسرح شاوشبيلهاوس في زيوريخ ويحتضن عروضها الاولى.
ومتجولة بين النصوص المختلفة والحالات التي وضعتها فيها كانت الممثلة شميت تستخدم اغراضا مسرحية باقتصاد شديد. وهكذا جاءها الكرسي المتحرك من الكواليس لتجلس عليه منتقلة الى حوار آخر. وكذلك الباب الذي كان في هيئة مجسم خشبي متحرك ايضا. وتجوال شميت في حواراتها كان بمثابة "بحث مسرحي" (وهو عنوان جانبي للعرض) في نشوء المسرح وتطوره مرت فيه على مدارس متنوعة ورؤى مختلفة لهذا "الفن الوجودي" كما عبرت عنه في احد الحوارات.
وبدت بعض حوارات شميت اقرب الى هلوسات ممثل "متقاعد" وهي تنتقل من الحديث عن مسرح الآلهة الاول في المعابد الوثنية القديمة الى مسرح يعلي شأن الدمى. تحكي عن ممثلين اختفوا وحلت مكانهم دمى شمعية وجمهور ياتي بمشاعل الى الصالة وتبدأ تلك الدمى بالذوبان. وتنتقل للتساؤل مع انتقالها الى اقتباسات من نصوص اخرى "كيف امثل شعورا لا امتلكه" لتسخر من "الميلودراما" كاسلوب لاداء الممثل المسرحي.
ورغم انه بدا عرضا "بحثيا" اكثر منه عرضا معدا للفرجة الا ان الممثلة المخضرمة استطاعت توليد تفاعل لدى الجمهور مع ادائها. ففي بعض الحوارات كان الجمهور يقهقه وخصوصا تلك الحوارات التي تسخر من تقنيات التمثيل الميلودرامي.
ويحضر شكسبير بوصفه محطة رئيسية تمر بها المسرحية. تمر مشاهد من مسرحيات "حلم ليلة منتصف صيف" و"الملك لير". وفي الختام يأتي مقطع من بيتر بروك ليجسد رؤيته عن خلق المسرح اذ يقول انه جاء من ملل الناس في اليوم السابع للخلق فوهبهم الاله المسرح. وبعد زمن تشاكلوا على من يكون العنصر الاهم فيه (هل الممثل ام المنتج ام المخرج ام...) ليستعينوا بالاله ويرسل لهم مع ملاكه رسالة من كلمة واحدة "لماذا؟".
الرسالة ينساها الناس مع الوقت لكن صبيا يعود ليسأل عنها ويجدها ويقوم بتخبئتها في صدره او قلبه مثل تعويذة ابدية. هذا الصبي بدا الاحالة التي اراد ان يعطيها بروك عن نفسه ويعنون بها مسرحيته.
وبروك ولد في لندن عام 1925 وهو من اكثر الفنانين تاثيرا في المسرح المعاصر. من اعماله التي صارت من كلاسيكيات المسرح العالمي "الايك" و"الهابهارتا" و "الرجل الذي". عمل طويلا مع الفرقة الملكية الشكسبيرية واسس سنة 1971 الرمز الدولي للمسرح في باريس.
وله مؤلفات عديدة في المسرح منها "المساحة الفارغة" (1968) و"ليس هناك اسرار" عام 1993 كما اخرج للسينما افلاما منها "اله الذباب" و"لقاء مع رجال متميزين".