وفي مقابل هؤلاء "العامة"، تقتضي المقارنة البحث عن صورة "النخبة" التي تجسد جانباً منها الأديبة كوليت خوري، لنتبين كيف أن المقدسي يفخر بأحفاده اليوم، بينما يشعر الزعيم الشعبي فارس الخوري بالخيبة والخجل من حفيدته التي شطحت بعيداً في تحليل "المؤامرة الكونية" على سورية، تماماً كما يقتضي منصبها كمستشارة للرئيس.
وإذا كانت الرسالة التي كتبها مقدسي إلى الرئيس السوري ونشرتها "الحياة" عام 2000م هي بداية ربيع دمشق، فإن تصريحات كوليت ليست إلا علامة على تهاوٍ فاضح اعترى عدداً من المثقفين اعتادوا أن يروجوا للحرية والعدالة في أوقات فراغهم لكنهم لم يصمدوا أمام أول امتحان يطابق "إجاباتهم" على "الأسئلة الوجودية" مع واقع مشتعل يُفترَض أن يكونوا من صنّاعه لا مجرد جمهورٍ متفرج أو محبِط! لكنهم لم يصدقوا أعينهم وهم يرون الجماهير، التي جرت العادة على وصمهم بـ "التخلف والرجعية والانحطاط"، تطلب الحرية، وهو حدثٌ يعتبر في مقاييس هؤلاء خروجاً سافراً على تعاليم هذه النخبة الوصية على المجتمع، والحديث هنا منحصر في فئة من النخبة لم تكن محسوبة على المعارضة قبل منتصف آذار، لكن الظرف التاريخي الذي تمر به البلاد يستدعي موقفاً حاسماً بين الانحياز للحرية أو الصمت في أدنى الدرجات، مع التسليم بظهور استثناءات أبرزت أصوات أفصحت عن رأيها بوضوح، وقد يعد سرد أسماء بعضهم هنا إجحافاً لآخرين، لكن يجدر التنويه إلى أكثرهم نشاطاً وفق ملاحظة شخصية، منهم سمر يزبك وعلاء الدين عبدالمولى ونسرين طرابلسي وريما فليحان ومي سكاف وأسامة محمد وهيثم حقي، وغيرهم.
وقد يجد المواطن السوري عذراً لمثقفي الداخل ممن أرهبهم بطش النظام فآثروا الصمت، (وإن كان القمع لم يردع آخرين ممن قضوا شطر أعمارهم في السجن عن الصدع بآرائهم، لكن معظمهم من المعارضة التقليدية التي لا يناقشها المقال)، لكن هذا المواطن لن يغفر لرجل مثل أدونيس يعيش في عاصمة النور ويكتب رسالة إلى الرئيس السوري "المنتخَب" يدعوه فيها إلى إنقاذ البلاد والتخلص من حزب البعث الذي اعتبرته الرسالة مسؤولاً عن كل ما يحدث، دون أي إشارة للدور الذي أدته أجهزة الأمن!
ولن يغفر المواطن أيضاً لمثقف مثل فراس السواح، الذي يعيش خارج قبضة الأمن أيضاً، إحجامه عن تأييد الانتفاضة بسبب "ميولها الطائفية" بعد أن استمع إلى مقطع مصور ينادي فيه المتظاهرون: "علوية ما بدنا نشوف"، وهي انتقائية مكشوفة لأن مقطعاً أو اثنين أو ثلاثة –إن افترضنا صحتها – لا تكفي لإسباغ حكم بهذه القطعية على انتفاضة تعلوها بيقينٍ واضحٍ نغماتُ الوحدة الوطنية. (بالمناسبة، تبين أن المتظاهرين في المقطع المذكور ينادون: حرامية ما بدنا نشوف! وهذا لا يعني عدم وجود نداءات طائفية تصدر عن أفراد لا صوت لهم في هدير الجموع المتوحدة بتراب الوطن).
رسالة أدونيس التي جاءت في الأصل متأخرة كثيراً، سبقها تصريح منه اعترض على خروج المظاهرات من المساجد، مع أن هناك من يجزم أن أدونيس كان ليجد عذراً يتنصل به من الوقوف إلى جانب الانتفاضة حتى لو خرجت الجموع من مقر الحزب القومي السوري الاجتماعي! مثلما لم ترق لمثقفين آخرين صيحات التكبير ونداءات الجنة والشهادة، كأن مثقفينا يتحدثون عن وليمة عشاء دعي إليها أناس فخالفوا بروتوكول الحضور، فهل هؤلاء المثقفون متأكدون أنهم يتحدثون عن سورية التي تنعدم فيها الحياة السياسية ما لم تنضوِ تحت "سقف النظام" الذي لم يترك للناس من مكانٍ يجتمعون فيه سوى المسجد؟ وهل يعقل أن تطلب من مواطن بسيط يعرف أنه على بعد خطوتين من حتفه أن يمتنع عن طلب جنةٍ يعتقد جازماً أن ذكر ربه يعزز من فرص دخولها؟
وبغض النظر عن طبيعة الشعب السوري الذي ينفر من الطائفية بكل أشكالها، أثبتت الشواهد المتتالية أن السوريين كانوا على وعي تام بمخاطر الانزلاق إلى وحل كهذا دون أن يتلقوا دروساً تنظيرية في المدنية والتعايش الحضاري، وقد يحدث أنهم تجاهلوا نداءات هذه النخبة، لا لأنها لا تستحق الرد، بل لأن أحداً من هؤلاء المتظاهرين، للأسف أو لحسن الحظ، لم يسمع بأدونيس ولا فراس السواح، لكنه يعرف بالتأكيد أنه حفيد مقدسي والخوري، وإن تنكرت للأخير حفيدتـُه.
وإذا كانت الرسالة التي كتبها مقدسي إلى الرئيس السوري ونشرتها "الحياة" عام 2000م هي بداية ربيع دمشق، فإن تصريحات كوليت ليست إلا علامة على تهاوٍ فاضح اعترى عدداً من المثقفين اعتادوا أن يروجوا للحرية والعدالة في أوقات فراغهم لكنهم لم يصمدوا أمام أول امتحان يطابق "إجاباتهم" على "الأسئلة الوجودية" مع واقع مشتعل يُفترَض أن يكونوا من صنّاعه لا مجرد جمهورٍ متفرج أو محبِط! لكنهم لم يصدقوا أعينهم وهم يرون الجماهير، التي جرت العادة على وصمهم بـ "التخلف والرجعية والانحطاط"، تطلب الحرية، وهو حدثٌ يعتبر في مقاييس هؤلاء خروجاً سافراً على تعاليم هذه النخبة الوصية على المجتمع، والحديث هنا منحصر في فئة من النخبة لم تكن محسوبة على المعارضة قبل منتصف آذار، لكن الظرف التاريخي الذي تمر به البلاد يستدعي موقفاً حاسماً بين الانحياز للحرية أو الصمت في أدنى الدرجات، مع التسليم بظهور استثناءات أبرزت أصوات أفصحت عن رأيها بوضوح، وقد يعد سرد أسماء بعضهم هنا إجحافاً لآخرين، لكن يجدر التنويه إلى أكثرهم نشاطاً وفق ملاحظة شخصية، منهم سمر يزبك وعلاء الدين عبدالمولى ونسرين طرابلسي وريما فليحان ومي سكاف وأسامة محمد وهيثم حقي، وغيرهم.
وقد يجد المواطن السوري عذراً لمثقفي الداخل ممن أرهبهم بطش النظام فآثروا الصمت، (وإن كان القمع لم يردع آخرين ممن قضوا شطر أعمارهم في السجن عن الصدع بآرائهم، لكن معظمهم من المعارضة التقليدية التي لا يناقشها المقال)، لكن هذا المواطن لن يغفر لرجل مثل أدونيس يعيش في عاصمة النور ويكتب رسالة إلى الرئيس السوري "المنتخَب" يدعوه فيها إلى إنقاذ البلاد والتخلص من حزب البعث الذي اعتبرته الرسالة مسؤولاً عن كل ما يحدث، دون أي إشارة للدور الذي أدته أجهزة الأمن!
ولن يغفر المواطن أيضاً لمثقف مثل فراس السواح، الذي يعيش خارج قبضة الأمن أيضاً، إحجامه عن تأييد الانتفاضة بسبب "ميولها الطائفية" بعد أن استمع إلى مقطع مصور ينادي فيه المتظاهرون: "علوية ما بدنا نشوف"، وهي انتقائية مكشوفة لأن مقطعاً أو اثنين أو ثلاثة –إن افترضنا صحتها – لا تكفي لإسباغ حكم بهذه القطعية على انتفاضة تعلوها بيقينٍ واضحٍ نغماتُ الوحدة الوطنية. (بالمناسبة، تبين أن المتظاهرين في المقطع المذكور ينادون: حرامية ما بدنا نشوف! وهذا لا يعني عدم وجود نداءات طائفية تصدر عن أفراد لا صوت لهم في هدير الجموع المتوحدة بتراب الوطن).
رسالة أدونيس التي جاءت في الأصل متأخرة كثيراً، سبقها تصريح منه اعترض على خروج المظاهرات من المساجد، مع أن هناك من يجزم أن أدونيس كان ليجد عذراً يتنصل به من الوقوف إلى جانب الانتفاضة حتى لو خرجت الجموع من مقر الحزب القومي السوري الاجتماعي! مثلما لم ترق لمثقفين آخرين صيحات التكبير ونداءات الجنة والشهادة، كأن مثقفينا يتحدثون عن وليمة عشاء دعي إليها أناس فخالفوا بروتوكول الحضور، فهل هؤلاء المثقفون متأكدون أنهم يتحدثون عن سورية التي تنعدم فيها الحياة السياسية ما لم تنضوِ تحت "سقف النظام" الذي لم يترك للناس من مكانٍ يجتمعون فيه سوى المسجد؟ وهل يعقل أن تطلب من مواطن بسيط يعرف أنه على بعد خطوتين من حتفه أن يمتنع عن طلب جنةٍ يعتقد جازماً أن ذكر ربه يعزز من فرص دخولها؟
وبغض النظر عن طبيعة الشعب السوري الذي ينفر من الطائفية بكل أشكالها، أثبتت الشواهد المتتالية أن السوريين كانوا على وعي تام بمخاطر الانزلاق إلى وحل كهذا دون أن يتلقوا دروساً تنظيرية في المدنية والتعايش الحضاري، وقد يحدث أنهم تجاهلوا نداءات هذه النخبة، لا لأنها لا تستحق الرد، بل لأن أحداً من هؤلاء المتظاهرين، للأسف أو لحسن الحظ، لم يسمع بأدونيس ولا فراس السواح، لكنه يعرف بالتأكيد أنه حفيد مقدسي والخوري، وإن تنكرت للأخير حفيدتـُه.