نص الرسالة:
«إنه من خادم المسلمين عمر المختار إلى المجاهد الأمير الخطير أخينا في الله وزميلنا في سبيل الله الأمير شكيب أرسلان حفظه الله. بعد السلام الأتم، والرضوان الشامل الأعم، ورحمة الله وبركاته: قد قرأنا ما دبجه قلمكم السيال عن فظائع الطليان، وما اقترفته الأيدي الأثيمة من الظلم والعدوان بهذه الديار، فإني وعموم إخواني المجاهدين نقدم لسامي مقامكم خالص الشكر، وعظيم الممنونية. كل ما ذكرتموه عما اقترفته أيدي الإيطاليين هو قليل من كثير، وقد اقتصدتم واحتطتم كثيراً، ولو يذكر للعالم كل ما يقع من الإيطاليين لا توجد أذن تصغي لما يروى من استحالة وقوعه، والحقيقة والله وملائكته شهود أنه صحيح، وإننا في الدفاع عن ديننا ووطننا صامدون، وعلى الله في نصرنا متوكلون، وقد قال الله تعالى:{حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الرُّوم: 47]، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، في (20 ذي الحجة 1349 هـ). [حاضر العالم الإسلامي (2/84].
وقد علق شكيب أرسلان على تلك الرسالة فقال: وما لاحظه الشهيد المشار إليه هو عين الحقيقة؛ فإن الناس يصعب عليهم أن يصدقوا الشناعات والدناءات والنذالات التي أقدم عليها الطليان في طرابلس، ولا سيما الفاشيست منهم. [حاضر العالم الإسلامي (2/84].
إن رسالة عمر المختار للأمير شكيب أرسلان نستخلص منها فوائد جمّة: ففي قوله: من (خادم المسلمين)؛ دليل على تواضعه وافتخاره بكونه من خدّام المسلمين، وهذا المعنى له مدلول عند الشيخ عمر المختار، فهو يتقرب إلى الله تعالى بخدمة المسلمين؛ وهي من أعظم القربات عند الله تعالى، وفي قوله: (إلى المجاهد الأمير الخطير) وصف الأمير شكيب بالمجاهد، وهو بالفعل جاهد مع الليبيين بجانب جنود الأتراك ضد الطليان، وفيه دلالة على اهتمام عمر المختار بالمصطلحات الشرعية فلم يقل: مناضل، أو مكافح، أو ثائر.. وإنما تقيد بوصفه مجاهداً ؛ لدلالة هذه الكلمة وعمقها في أوساط المسلمين، ووصفه بالخطر ؛ كيف لا وقد كانت مقالاته أنفذ من الرصاص في قلوب الإيطاليين، وساهمت في تشكيل تعاطف إسلامي وعربي كبير مع القضية الليبية العادلة، وفي قوله (أخينا في الله) فيه دلالة رابطة العقيدة التي جعلت المسلمين إخوة، فهي فوق كل الروابط الأرضية، وفي قوله: (بعد السلام الأتم والرضوان الشامل الأعم) فيها قوة العبارة، وبلاغة الأسلوب، وروعة المدخل، وفي قوله: (قد قرأنا ما دبجه قلمكم السيال عن فظائع الطليان) دليل على متابعة المجاهدين لما يجري خارج البلاد، وله علاقة بقضية شعبنا، وأما بقية الرسالة ففيها تأكيد للأمير شكيب عن المعلومات التي وصلت إليه وقام بنشرها، وفيها إصرار قوي على مواصلة الجهاد والدفاع عن الدين والوطن، وفيها توكل على الله عظيم.
قام الأمير شكيب أرسلان بدور مشكور في كتابة المقالات عما حدث في برقة وطرابلس، ورسالة الشكر التي أرسلها عمر المختار إليه هي بمثابة ترجمة لمشاعر الاحترام والتبجيل على أهمية دوره الذي قام به، مستشعراً رابطة الدين والعقيد التي جمعت بينهم، والتي فاقت كل الروابط الأخرى.
المراجع:
· عمر المختار نشأته وجهاده من 1862 م إلى 1931 م، دراسات في حركة الجهاد الليبي، أعمال الندوة العلمية التي عقدها مركز دراسة جهاد الليبين ضد الغزو الإيطالي بمناسبة الذكرى الخمسين لاستشهاد عمر المختار، إشراف الدكتور عقيل محمد البربار، كلية الآداب والتربية ـ جامعة قاريونس.
حاضر العالم الإسلامي، تأليف لوثروب ستودارد الأمريكي، ترجمة: عجاج نويهض، تعليق: شكيب أرسلان، دار الفكر.
الثمار الزكية للحركة السنوسية في ليبيا، د. علي محمد الصلابي، دار ابن كثير، الطبعة الأولى، 2005م.