تولى السلطان عبد الحميد الثاني مقاليد السلطة في الدولة العثمانية (1876-1909)، في ظل حزمة من الصعوبات والأزمات التي واجهتها الدولة.
فبعد وفاة عمه عبد العزيز في ظروف غامضة, قيل إنه قتل وقيل إنه انتحر, تولى السلطان مراد الخامس والذي لم يزد حكمه عن 93 يوماً حيث تعرض لظروف صحية صعبة، اعتلى بعدها عبد الحميد العرش.
وإضافة إلى الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي وجد السلطان عبد الحميد نفسه أمامها لدى توليه الحكم، فقد كانت الدولة تمر بفترة من الضعف، كما أن أوروبا قد مارست ضغوطاً قوية على الدولة للتحكم في سياساتها.
إزاء هذه الأحوال، سعى السلطان إلى تصحيح الأوضاع وإعادة بناء الدولة، فارتكز في مشروعه الإصلاحي على الجامعة الإسلامية، وهو مشروع يهدف إلى جمع كلمة المسلمين والاصطفاف تحت راية الخلافة العثمانية الجامعة للوقوف في وجه الأطماع الاستعمارية. كما ركز على العمق العربي باعتبار العرب هم أصل الإسلام ومادته، ومن هذا المنطلق اتجه السلطان إلى الإصلاح في الولايات العربية التابعة للخلافة، ومنها اليمن.
اهتم عبد الحميد باليمن اهتماماً كبيراً، ووكل إدارتها إلى أفضل الولاة العثمانيين وهو عثمان نوري باشا والذي سبق له أن تولى عدة ولايات أبرزها الحجاز وترك بصمة واضحة في كل منها، ثم عهد إليه بولاية اليمن.
وكان عثمان نوري باشا حسن السيرة، حتى أن المؤرخ اليمني "الواسعي" قد امتدحه في كتاب تاريخ اليمن بقوله: "وأجمع الناس أنه لم يأت والٍ في اليمن مثله"، وظل يعدد فضائله من التواضع والزهد، لدرجة أنه كان يتصدق بمعاشه، ويمشي في الطرقات بين الناس على غير عادة الولاة، وحارب الرشوة، وأمنت البلاد في عهده وخمدت الفتن.
وخلال دراسة بعنوان "الإصلاحات العمرانية في الولايات العربية في عهد السلطان عبد الحميد"، سرد الدكتور محمد بن عبد الله آل زلفة الإنجازات التي حققها عثمان نوري باشا ومنها بناء القلاع، والدور الصحية، ومقار لإيواء الغرباء (مسافر خانة)، ومستشفى لعلاج ما يعرف بالأمراض الأجنبية، وأنشأ أول مدرسة للصنائع، كما أنشأ بعض المقار الحكومية في صنعاء.
وفي عهد السلطان عبد الحميد، أقيم في اليمن مشروع ميناء كبير في الحديدة على ساحل البحر الأحمر، حيث تعاقدت الدولة العثمانية مع شركة إيطالية لإقامته بمواصفات متقدمة، وذلك لجلب التجارة مرة أخرى إلى الموانئ اليمنية بعد تنامي ميناء عدن تحت الحكم البريطاني الذي تحولت إليه كل تجارة اليمن.
كما كان هناك مشروع وضع كامل دراسته بمد خط الحديد الحجازي – الذي توقف في المدينة المنورة – ليمتد إلى الحديدة في اليمن ثم يمتد مخترقاً الجبال إلى صنعاء ثم إلى صعدة، فنجران، ثم أبها في عسير، ثم إلى الحجاز، وقد شاهد الدكتور آل زلقة إبان زيارته للحديدة في مطلع الثمانينيات أكوام الحديد التي كانت معدة للبناء.
وكان من الولاة العثمانيين الإصلاحيين الذين ولاهم عبد الحميد على اليمن حسين حلمي باشا، وكان محباً للعلم والعلماء، فأسس في اليمن إدارة للمعارف، وداراً للمعلمين، وجعل التعليم في اليمن إجبارياً، وأكرم العلماء والفقهاء اليمنيين.
وعلى الرغم من أن الدكتور فاروق عثمان أباظة كان شديد التحامل في كتابه "الحكم العثماني في اليمن 1872-1918"، على الدولة العثمانية، إلا أنه لم يغفل الإنجازات الإصلاحية التي نفذها الولاة العثمانيون في اليمن.
وذكر أباظة أن حسين حلمي باشا أنشأ إلى جواره هيئة من أهل العلم والسياسة لمشاورتها في مساره الإصلاحي في اليمن، وجمع رئيس هذه الهيئة من اليمن مكتبة نفيسة من المخطوطات واستنسخ كثيراً من الكتب التي تعذر اقتناؤها، كما تعقب الموظفين المرتشين وشن بحملة لتطهير مؤسسات البلد من الفساد.
ولم يكن السلطان عبد الحميد يهتم بأهل اليمن داخل حدود بلدهم فحسب، بل أنشأ في إسطنبول مدرسة العشائر العربية، وهي مدرسة داخلية من أجل تعليم وإعداد العشائر العربية، كان من بينهم أبناء اليمن، وكانت مدة الدراسة فيها خمس سنوات، تتكفل الدولة العثمانية بكل مصروفات الطلاب، ولكل طالب إجازة كل عامين تسمى "إجازة صلة الرحم" يسافر فيها الطالب على نفقة الدولة.
ونجح السلطان عبد الحميد في صراعه مع بريطانيا في اليمن كما قال المؤرخ المصري محمد حرب في كتاب "السلطان عبد الحميد آخر السلاطين العثمانيين الكبار"، حيث أنشأ فرقة عسكرية في اليمن قوامها ثمانية آلاف جندي، ووصل اهتمامه باليمن إلى إرسال مشاهير قادته ليقودوا هذه الفرقة.