..ـ كثرت وفود الحضور التي تتنافس لتثبيت موجوديتها، ولعل ذلك من حقها طالما أنها تعتبر نفسها جزءاً من لوحة أطياف المعارضة، وأنه ليس من حق أحد نفي أو استبعاد أحد، بينما يتمترس البعض بأطره التي أوجدها، وبتاريخه العتيد في المعارضة .. فتتعزز عقلية الاحتكار، ويعلو الصراخ، معه الاتهامات، والبعض يريد فتح الدفاتر القديمة، ودفاتر البارحة.. وهات يا ردح، وهات يا صراخ..
يعلو الصراخ فتبحّ الأصوات، ثم يرتفع منطق التعقل.. حين يقوى صوت المصلحة العامة، وحين يصرخ أحدهم : وينكم ؟...فيسترجع كثيرهم صورة التضحيات والشهداء، ويقوى قرع ضمير الواجب وتغليب العام على الخاص، والموضوعي على الذاتي.. ويبدأ نقاش أهدأ في المتفق عليه والمختلف فيه ، وخوفاً من معاودة وتيرة الصراخ يجيء من يقترح المحورة حول المتفق عليه، وهو كثير، وتأجيل المُختلف عليه.. إلى زمن آخر..
ـ المتفق عليه ـ الآن ـ حقيقي، وكبير بالفعل : إسقاط النظام ورفض الحوار معه إطلاقاً، إلا في حالة واحدة هي التفاوض على تسليم السلطة، بعد تنحية رأس الطغمة ومحاكمة القتلة، والبدء بمرحلة انتقالية تؤسس للدولة المدنية الديمقراطية، وتخلع الاستبداد من جذوره وإلى غير رجعة ..
ـ المرحلة ليست مرحلة محاصصات، وتنافس على من ينتزع، أو يحصل على أكبر نسبة من كراسي لا تساوي، كلها، قطرة دم شهيد، ولا عذابات جريح، او صراخ معتقل في مسالخ التعذيب، لأن المهم والأهم الآن إنجاز الهدف المشترك، ولأن الجميع لا يساوون شيئاً إن لم يتحقق.. بل سنشهد مآس لها أول وليس لها آخر.. وهذا ما يجب أن يدفع الجميع إلى رمي التباينات جانباً، وعلى الأقل تجميدها في هذه التفرة، والتحلق حول أهداف ومطالب شعبنا : إسقاط النظام، وعلى أساس أن يضع كل واحد، كل حزب، كل إطار جهده في هذا المصبّ وليس في أقنية جانبية تحت هذه الذريعة أو تلك .
ـ نعم من المهم أن يلتقي الأمين العام للجامعة العربية بوفد واحد يمثل مختلف أطياف المعارضة، ومعها، وقبلها ممثلي الحراك الثوري : صناع الحدث وقادة الميادين الحقيقيين، وأن تظهر المعارضة بصورة تليق بعظمة وتضحيات الثورة السورية وشلال دمائها المتدفق ..وهذا لن يكون إلا بالارتقاء فوق الحزبويات والذاتويات والعصبويات المتخندقة في أشكال لن يكون لها أي قيمة وأي جدوى ما لم تنتصر الثورة، وتنهي طغمة الاستبداد، ومنطق الحصص والاستئثار والاحتكار والتكويش والتضخيم والتفخيم والتصدير..
ـ الاتفاق ممكن إذا كنا صادقين فيما نرفع من شعارات، وإذا كانت مصالح الشعب والثورة هي العليا، والأساس، والمحرك.. وليس غيرها . حينها سيجد الجميع، أو الأغلبية، أنفسهم في خندق واحد، وحينها يمكن الاتفاق على تنظيم الخلاف والتنوع بما لا يؤثر على الثورة، ومعركة المصير ضد الطغمة ، وحينها أيضاً يحدث الفرز في المواقف، ونرتقي بالتباينات إلى مستوى خدمة الثورة ..