تاريخ أسود لصعود السلطة الحاكمة في سوريا منذ أربعين عاما يعود إلى الظهور، بدءً من تصفية حافظ الأسد لزملائه ومنافسيه في اللجنة العسكرية منذ عهد الوحدة مع مصر وما بعد الانفصال، ومروراً بالتفريط بالجولان في صفقة بات من شبه المؤكد وقوعها، والاتفاق على حالة اللاحرب واللاسلم مع الكيان الصهيوني تحت غطاء الدعاية القومية التي تداعب مشاعر الأمة العربية كي يسهل ابتلاع تحكم أقلية طائفية بشعب مختلط الأعراق، ووصولاً إلى الإصرار على التوريث عبر سلسلة رفعت ثم باسل فبشار فضلا عن حصر السلطة والجيش والاقتصاد في يد العائلة وأعوانها.
الأغلبية الساحقة التي نزلت إلى شوارع حمص وحماة ودير الزور ودرعا تؤكد رغبة الشعب الأكيدة في الخلاص عندما يُكسر حاجز الخوف، وإصرار السلطة على احتكار الإعلام لتغطية الثورة مع رفضها المستمر لدخول البعثات الدولية الحقوقية والوقوف على حقيقة ما يجري هي أبلغ المؤشرات على سوء نوايا النظام الذي يقصف شعبه كل يوم بالمدافع ويقتل معتقليه داخل السجون ويعتقل الأطباء الذين يعالجون ضحايا بطشه.
وفي المقابل، تخاذل عربي لم يتجاوز سحب بعض السفراء مع إجماع على منح الأسد فرصة أخرى تمتد إلى نهاية فترة ولايته غير الشرعية وإصرار على انتهاج سياسة الإصلاح المستحيلة، وتقاعس غربي عن اتخاذ خطوات حاسمة تتجاوز العقوبات التي لا تضر سوى الشعب كما في مقولة دونالد رمسفيلد "يمكننا الربح في العراق" بالرغم من الحصار، والاكتفاء بالتنديد الإعلامي بالرغم من اضطرارهم أحيانا لإعلان فقدان الشرعية، وتواطؤ صيني وروسي وإيراني لتحقيق مصالح استراتيجية وطائفية على حساب الشعب.
وفي ظل هذا الواقع المرير، يستمر خروج آلاف المتظاهرين العفوي يومياً في كل المحافظات السورية لتأكيد الصمود ورفض الذل, ويستمر حمام الدم في التدفق بلا انقطاع دون أي مؤشر يُذكر حتى الآن على تحقيق مطالبهم بالرغم من استنجادهم بالحماية الدولية والتدخل الدولي وتحرك المعارضة، مما يدفع بعض المحللين إلى التجرؤ على مصارحة الشعب البائس بأن هذه المأساة قد تستمر ستة شهور أخرى قبل أن تظهر أي بوادر للخلاص.
خلصوا أنفسكم بأيديكم
هكذا صارحت هيلاري كلينتون الشعب السوري، فالعالم يدرك تماما حقيقة ما يجري من مذابح في سوريا، غير أنه لن يضحي بحالة الاستقرار في هذه النقطة الساخنة من أكثر مناطق العالم خطورة من أجل عيون الشعب، مما يعني ضرورة إعادة التركيز على خطة الخلاص والتي أعتقد أنها ستنحصر في النقاط التالية خلال المرحلة المقبلة:
1- تسريع الإعلان عن المجلس الانتقالي: إذ لا يمكن للضغط الدولي أن يكون مجديا ما لم يتفق الشعب السوري على سلطة شرعية بديلة عن النظام الدموي، بحيث يلعب المجلس دور الممثل الشرعي في المفاوضات التي يُرجى منها أن تطمئن القوى الغربية والدولية بأن استمرار الأزمة ستكون عواقبه أسوأ من حلها، وخصوصا فيما يتعلق بمخاوف روسيا المعلنة من وصول الإسلاميين إلى السلطة، فالتشدد الإسلامي لم يكن له وجود يستحق الذكر في سوريا، لكنه سيلقى تربة خصبة للنمو في ظل تواطؤ العالم على استعداء الشعب المستضعف وطول أمد القمع الطائفي الذي يتهم كل من يخالفه بالسلفية!
2- تكثيف الجهد الإعلامي الخارجي: والتواصل مع كبار الإعلاميين لإطلاع الرأي العام الغربي على حقيقة ما يجري وزيادة إحراج الحكومات الصامتة أمام شعوبها، فمن المؤسف حقا أن تتسم معظم المقالات التي تتناول الثورة السورية في كبرى الصحف الغربية بالسطحية الشديدة، حيث ينظر معظم الكتاب للأمر من زاوية فهمهم التقليدي لصراع الإسلام مع الغرب، ولا يكاد يخلو مقال من التساؤل عن مصير "إسرائيل" في حال سقوط الأسد.
ويجدر بالذكر أن ما يسمى بالجيش الإلكتروني السوري -الذي تديره أجهزة الأسد الأمنية- يقوم يوميا بحملات إعلامية لنشر أكاذيب النظام حول الجماعات الإرهابية، معتمدا على إغراق المواقع الإلكترونية وصفحات الفيسبوك لمؤسسات وشخصيات غربية معروفة بسيل من الرسائل والتعليقات للفت الأنظار، ومع أن أسلوب هذا "الجيش" يحمل سمات الجهالة ذاتها التي جُبل عليها "الشبيحة"؛ إلا أن المعارضة المؤمنة بعدالة قضيتها ما زالت -حسب علمي- تفتقر إلى نشاط مماثل.
3- دعم الشباب العاملين في مجال الإعلام الجديد: إذ بات "المواطن الصحفي" مصدراً رئيساً للمعلومات في كبرى وسائل الإعلام ووكالات الأنباء، وخصوصاً في ظل سياسة منع الصحفيين من العمل المطبقة في سوريا منذ بدء الثورة، ويشمل هذا التوجه أيضا جميع الشباب الناشطين في مجالات الفن والتدوين وحقوق الإنسان الذين يجدون في وسائل الاتصال الحديثة منفذا للتمرد على الحظر وإيصال صوتهم للخارج.
غير أن حداثة تجربة الشباب السوري في مجالات الإعلام الجديد -قياسا إلى التجربة المصرية على سبيل المثال- ما زالت تقف عائقا في قدرتهم على إيصال صوتهم للعالم الغربي، فعدد المدونات السورية الناشطة باللغة الإنجليزية ما زال ضئيلا للغاية لتواضع مستوى تعليم اللغات الأجنبية في سوريا، ومن المأمول أن يتجاوز الناشطون هذه الفجوة بتوثيق العلاقات بين الشباب السوري في الداخل والخارج للاستفادة من مهارات الشباب المغترب في مخاطبة الغرب بما يناسب ثقافته.
3- توسع حركة الانشقاق عن الجيش: فبنية السلطة والشعب في سوريا تختلف جذريا عن تونس ومصر، إذ اعتمد حافظ الأسد منذ خطواته التمهيدية الأولى للاستيلاء على السلطة على تأسيس نظام أمني طائفي عقائدي، بحيث يضمن ولاء حرس النظام من خلال التبعية العرقية والمذهبية دون أن يخشى تحولهم إلى مرتزقة في يد خصومه، وقد لا يتحقق للثوار هدف خلخلة هذا النظام بأقل قدر من الدماء دون انشقاق أقطاب السلطة ذاتها بما يضمن انشقاق أتباعهم من العناصر والشبيحة، وهو أمر سبق وقوعه مع انشقاق رفعت الأسد عن أخيه حافظ، وما زالت بوادره قائمه مع تعصب بقايا سرايا الدفاع (أتباع رفعت) لماهر الأسد عندما بدؤوا التململ من أخيه بشار هاتفين ضده في بعض القرى الساحلية وأحياء حمص في الفترة الأخيرة.
ولعل مسؤولية شق صفوف الأمن والجيش تقع على المجلس الانتقالي المنتظر من خلال قدرته على مفاوضة كبار الضباط وتبديد مخاوفهم مما قد يتعرضون له عقب سقوط النظام، وتجدر الاستفادة من التجربة المصرية في تفاوض المجلس العسكري الأعلى مع الإخوان المسلمين عندما بدأت الكفة ترجح لصالح الثوار في ميدان التحرير، وكان للاتفاق السري بين الطرفين دور كبير في تعجيل سقوط مبارك.
4- البدء الفوري في التحضير للاعتصام بالعاصمة: فمع أهمية المظاهرات التي تخرج في معظم المدن والقرى السورية؛ إلا أن التاريخ الحديث يؤكد على عدم نجاح أي ثورة في إسقاط السلطة سلميا دون الاعتصام الجماهيري الحاشد في العاصمة نفسها إلى جانب المدن الرئيسة الأخرى، ونخشى أن يؤدي استمرار الهدوء النسبي في دمشق إلى استنزاف بضعة آلاف أخرى من دماء الشهداء والمعتقلين في المحافظات الأخرى دون أن يخسر النظام شيئا من سيطرته على مقاليد الحكم والجيش والاقتصاد.
قد لا يكون الانتظار مجديا ريثما يتمكن سكان العاصمة من كسر حاجز الخوف، فالتركيبة الديمغرافية تجعل من الصعب الاتفاق على الخروج والتظاهر لعدم تجانس سكان الأحياء بالمقارنة مع سكان الأرياف والمدن الأخرى، كما يصعب الوثوق بإقناع الأغلبية الصامتة من الدمشقيين -وكاتب هذه السطور ينتمي إلى دمشق- بالتضحية بأرواحهم لعدم شعورهم بضرورة قلب النظام قياسا إلى شعور مواطنيهم في المحافظات الأخرى الأقل تنمية والأكثر معاناة اقتصاديا وإنسانيا.
وفي المقابل، لم تنجح محاولة الثوار في بلدات ريف دمشق المشتعلة بالنزول إلى العاصمة عندما قرروا حمل مسؤولية الاعتصام على ظهورهم في الأيام الأخيرة من رمضان، إذ استقبلتهم عصابات الأسد في حمورية وغيرها بالرصاص الحي وأبقت العديد من القرى المجاورة في حصار عسكري حتى نهاية العيد.
وعليه، فقد لا يبقى أمام منظمي الثورة سوى التنسيق لحشد بضعة آلاف من الثوار القادمين من ريف دمشق والمحافظات المجاورة على نحو متقطع، بحيث يخرج الثوار الذين لم تُسجل أسماؤهم بعد في قوائم المطلوبين على الحواجز في دفعات متتالية إلى دمشق وخلال أيام أو أسابيع لتجنب لفت أنظار السلطات، وعلى أن يُحجب موعد الاعتصام حتى عن الثوار أنفسهم، ثم يجري التنسيق بين جميع العاملين في الميدان من داخل دمشق وبكامل السرية للتأكد من جاهزية الحشود ووصول العدد المتواجد في دمشق للكتلة الحرجة التي يصعب قمعها، ويُطلب من الجميع في صباح أحد أيام الجُمع النزول إلى ساحة محددة -وأقترح أن تكون ساحة العباسيين أو كفر سوسة- مع خروج مظاهرات مماثلة في أكبر عدد ممكن من مساجد العاصمة عقب صلاة الجمعة، على أن يترافق ذلك مع تحضير مسبق لبث مباشر يُنقل فورا إلى القنوات الفضائية الخارجية بما يضمن إحراج العصابات ومنعها من إطلاق النار، والتأكيد على حضور عدد من الشخصيات البارزة ذات الثقل الإعلامي والشعبي وعلى رأسهم المشايخ المؤيدين للثورة.
ومن الجدير بالذكر أن نجاح هذه الخطة مرهون بالحفاظ على سريتها بين أعضاء التنسيقيات، وعلى أن يستمر تصعيد الثوار في المحافظات الأخرى التي ستزيد من الضغط على النظام الحائر في توزيع عصاباته بين مدن وقرى البلاد المتباعدة، وقد يستفيد هؤلاء في حال تسرب أخبار الاعتصام ونقل النظام معظم جنوده إلى العاصمة بتخفيف الضغط عليهم ليحققوا مكاسب أكبر ويسيطروا على المؤسسات الحكومية في قراهم ومدنهم ويعلنوا العصيان.
الأغلبية الساحقة التي نزلت إلى شوارع حمص وحماة ودير الزور ودرعا تؤكد رغبة الشعب الأكيدة في الخلاص عندما يُكسر حاجز الخوف، وإصرار السلطة على احتكار الإعلام لتغطية الثورة مع رفضها المستمر لدخول البعثات الدولية الحقوقية والوقوف على حقيقة ما يجري هي أبلغ المؤشرات على سوء نوايا النظام الذي يقصف شعبه كل يوم بالمدافع ويقتل معتقليه داخل السجون ويعتقل الأطباء الذين يعالجون ضحايا بطشه.
وفي المقابل، تخاذل عربي لم يتجاوز سحب بعض السفراء مع إجماع على منح الأسد فرصة أخرى تمتد إلى نهاية فترة ولايته غير الشرعية وإصرار على انتهاج سياسة الإصلاح المستحيلة، وتقاعس غربي عن اتخاذ خطوات حاسمة تتجاوز العقوبات التي لا تضر سوى الشعب كما في مقولة دونالد رمسفيلد "يمكننا الربح في العراق" بالرغم من الحصار، والاكتفاء بالتنديد الإعلامي بالرغم من اضطرارهم أحيانا لإعلان فقدان الشرعية، وتواطؤ صيني وروسي وإيراني لتحقيق مصالح استراتيجية وطائفية على حساب الشعب.
وفي ظل هذا الواقع المرير، يستمر خروج آلاف المتظاهرين العفوي يومياً في كل المحافظات السورية لتأكيد الصمود ورفض الذل, ويستمر حمام الدم في التدفق بلا انقطاع دون أي مؤشر يُذكر حتى الآن على تحقيق مطالبهم بالرغم من استنجادهم بالحماية الدولية والتدخل الدولي وتحرك المعارضة، مما يدفع بعض المحللين إلى التجرؤ على مصارحة الشعب البائس بأن هذه المأساة قد تستمر ستة شهور أخرى قبل أن تظهر أي بوادر للخلاص.
خلصوا أنفسكم بأيديكم
هكذا صارحت هيلاري كلينتون الشعب السوري، فالعالم يدرك تماما حقيقة ما يجري من مذابح في سوريا، غير أنه لن يضحي بحالة الاستقرار في هذه النقطة الساخنة من أكثر مناطق العالم خطورة من أجل عيون الشعب، مما يعني ضرورة إعادة التركيز على خطة الخلاص والتي أعتقد أنها ستنحصر في النقاط التالية خلال المرحلة المقبلة:
1- تسريع الإعلان عن المجلس الانتقالي: إذ لا يمكن للضغط الدولي أن يكون مجديا ما لم يتفق الشعب السوري على سلطة شرعية بديلة عن النظام الدموي، بحيث يلعب المجلس دور الممثل الشرعي في المفاوضات التي يُرجى منها أن تطمئن القوى الغربية والدولية بأن استمرار الأزمة ستكون عواقبه أسوأ من حلها، وخصوصا فيما يتعلق بمخاوف روسيا المعلنة من وصول الإسلاميين إلى السلطة، فالتشدد الإسلامي لم يكن له وجود يستحق الذكر في سوريا، لكنه سيلقى تربة خصبة للنمو في ظل تواطؤ العالم على استعداء الشعب المستضعف وطول أمد القمع الطائفي الذي يتهم كل من يخالفه بالسلفية!
2- تكثيف الجهد الإعلامي الخارجي: والتواصل مع كبار الإعلاميين لإطلاع الرأي العام الغربي على حقيقة ما يجري وزيادة إحراج الحكومات الصامتة أمام شعوبها، فمن المؤسف حقا أن تتسم معظم المقالات التي تتناول الثورة السورية في كبرى الصحف الغربية بالسطحية الشديدة، حيث ينظر معظم الكتاب للأمر من زاوية فهمهم التقليدي لصراع الإسلام مع الغرب، ولا يكاد يخلو مقال من التساؤل عن مصير "إسرائيل" في حال سقوط الأسد.
ويجدر بالذكر أن ما يسمى بالجيش الإلكتروني السوري -الذي تديره أجهزة الأسد الأمنية- يقوم يوميا بحملات إعلامية لنشر أكاذيب النظام حول الجماعات الإرهابية، معتمدا على إغراق المواقع الإلكترونية وصفحات الفيسبوك لمؤسسات وشخصيات غربية معروفة بسيل من الرسائل والتعليقات للفت الأنظار، ومع أن أسلوب هذا "الجيش" يحمل سمات الجهالة ذاتها التي جُبل عليها "الشبيحة"؛ إلا أن المعارضة المؤمنة بعدالة قضيتها ما زالت -حسب علمي- تفتقر إلى نشاط مماثل.
3- دعم الشباب العاملين في مجال الإعلام الجديد: إذ بات "المواطن الصحفي" مصدراً رئيساً للمعلومات في كبرى وسائل الإعلام ووكالات الأنباء، وخصوصاً في ظل سياسة منع الصحفيين من العمل المطبقة في سوريا منذ بدء الثورة، ويشمل هذا التوجه أيضا جميع الشباب الناشطين في مجالات الفن والتدوين وحقوق الإنسان الذين يجدون في وسائل الاتصال الحديثة منفذا للتمرد على الحظر وإيصال صوتهم للخارج.
غير أن حداثة تجربة الشباب السوري في مجالات الإعلام الجديد -قياسا إلى التجربة المصرية على سبيل المثال- ما زالت تقف عائقا في قدرتهم على إيصال صوتهم للعالم الغربي، فعدد المدونات السورية الناشطة باللغة الإنجليزية ما زال ضئيلا للغاية لتواضع مستوى تعليم اللغات الأجنبية في سوريا، ومن المأمول أن يتجاوز الناشطون هذه الفجوة بتوثيق العلاقات بين الشباب السوري في الداخل والخارج للاستفادة من مهارات الشباب المغترب في مخاطبة الغرب بما يناسب ثقافته.
3- توسع حركة الانشقاق عن الجيش: فبنية السلطة والشعب في سوريا تختلف جذريا عن تونس ومصر، إذ اعتمد حافظ الأسد منذ خطواته التمهيدية الأولى للاستيلاء على السلطة على تأسيس نظام أمني طائفي عقائدي، بحيث يضمن ولاء حرس النظام من خلال التبعية العرقية والمذهبية دون أن يخشى تحولهم إلى مرتزقة في يد خصومه، وقد لا يتحقق للثوار هدف خلخلة هذا النظام بأقل قدر من الدماء دون انشقاق أقطاب السلطة ذاتها بما يضمن انشقاق أتباعهم من العناصر والشبيحة، وهو أمر سبق وقوعه مع انشقاق رفعت الأسد عن أخيه حافظ، وما زالت بوادره قائمه مع تعصب بقايا سرايا الدفاع (أتباع رفعت) لماهر الأسد عندما بدؤوا التململ من أخيه بشار هاتفين ضده في بعض القرى الساحلية وأحياء حمص في الفترة الأخيرة.
ولعل مسؤولية شق صفوف الأمن والجيش تقع على المجلس الانتقالي المنتظر من خلال قدرته على مفاوضة كبار الضباط وتبديد مخاوفهم مما قد يتعرضون له عقب سقوط النظام، وتجدر الاستفادة من التجربة المصرية في تفاوض المجلس العسكري الأعلى مع الإخوان المسلمين عندما بدأت الكفة ترجح لصالح الثوار في ميدان التحرير، وكان للاتفاق السري بين الطرفين دور كبير في تعجيل سقوط مبارك.
4- البدء الفوري في التحضير للاعتصام بالعاصمة: فمع أهمية المظاهرات التي تخرج في معظم المدن والقرى السورية؛ إلا أن التاريخ الحديث يؤكد على عدم نجاح أي ثورة في إسقاط السلطة سلميا دون الاعتصام الجماهيري الحاشد في العاصمة نفسها إلى جانب المدن الرئيسة الأخرى، ونخشى أن يؤدي استمرار الهدوء النسبي في دمشق إلى استنزاف بضعة آلاف أخرى من دماء الشهداء والمعتقلين في المحافظات الأخرى دون أن يخسر النظام شيئا من سيطرته على مقاليد الحكم والجيش والاقتصاد.
قد لا يكون الانتظار مجديا ريثما يتمكن سكان العاصمة من كسر حاجز الخوف، فالتركيبة الديمغرافية تجعل من الصعب الاتفاق على الخروج والتظاهر لعدم تجانس سكان الأحياء بالمقارنة مع سكان الأرياف والمدن الأخرى، كما يصعب الوثوق بإقناع الأغلبية الصامتة من الدمشقيين -وكاتب هذه السطور ينتمي إلى دمشق- بالتضحية بأرواحهم لعدم شعورهم بضرورة قلب النظام قياسا إلى شعور مواطنيهم في المحافظات الأخرى الأقل تنمية والأكثر معاناة اقتصاديا وإنسانيا.
وفي المقابل، لم تنجح محاولة الثوار في بلدات ريف دمشق المشتعلة بالنزول إلى العاصمة عندما قرروا حمل مسؤولية الاعتصام على ظهورهم في الأيام الأخيرة من رمضان، إذ استقبلتهم عصابات الأسد في حمورية وغيرها بالرصاص الحي وأبقت العديد من القرى المجاورة في حصار عسكري حتى نهاية العيد.
وعليه، فقد لا يبقى أمام منظمي الثورة سوى التنسيق لحشد بضعة آلاف من الثوار القادمين من ريف دمشق والمحافظات المجاورة على نحو متقطع، بحيث يخرج الثوار الذين لم تُسجل أسماؤهم بعد في قوائم المطلوبين على الحواجز في دفعات متتالية إلى دمشق وخلال أيام أو أسابيع لتجنب لفت أنظار السلطات، وعلى أن يُحجب موعد الاعتصام حتى عن الثوار أنفسهم، ثم يجري التنسيق بين جميع العاملين في الميدان من داخل دمشق وبكامل السرية للتأكد من جاهزية الحشود ووصول العدد المتواجد في دمشق للكتلة الحرجة التي يصعب قمعها، ويُطلب من الجميع في صباح أحد أيام الجُمع النزول إلى ساحة محددة -وأقترح أن تكون ساحة العباسيين أو كفر سوسة- مع خروج مظاهرات مماثلة في أكبر عدد ممكن من مساجد العاصمة عقب صلاة الجمعة، على أن يترافق ذلك مع تحضير مسبق لبث مباشر يُنقل فورا إلى القنوات الفضائية الخارجية بما يضمن إحراج العصابات ومنعها من إطلاق النار، والتأكيد على حضور عدد من الشخصيات البارزة ذات الثقل الإعلامي والشعبي وعلى رأسهم المشايخ المؤيدين للثورة.
ومن الجدير بالذكر أن نجاح هذه الخطة مرهون بالحفاظ على سريتها بين أعضاء التنسيقيات، وعلى أن يستمر تصعيد الثوار في المحافظات الأخرى التي ستزيد من الضغط على النظام الحائر في توزيع عصاباته بين مدن وقرى البلاد المتباعدة، وقد يستفيد هؤلاء في حال تسرب أخبار الاعتصام ونقل النظام معظم جنوده إلى العاصمة بتخفيف الضغط عليهم ليحققوا مكاسب أكبر ويسيطروا على المؤسسات الحكومية في قراهم ومدنهم ويعلنوا العصيان.