نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني

اليونيسيف ومافيا آل كابوني دمشق

12/11/2024 - عبد الناصر حوشان

هل يشعل العراق حرباً إقليمية؟

09/11/2024 - عاصم عبد الرحمن


(عن الحرب بصفتها "الأهلية" ولكن!)






تمهَّلْ لا تشهر سيفك، وتوقد نار "فيسبوك"، وكلّ ما خلَّفه من وسائل تواصل اجتماعي، ولا تراهن على إفساد ما أنوي كتابته، حول الحرب التي أكلت للتوّ آخر ما أستطيعه من صبر على الحنين، فأنا على بعد مئات آلاف الكيلومترات أخوض تلك الحرب سواء سمَّيتها ثورة، أو حربًا أهلية، أو إنسانية، هي على كلّ حال، وبأيّ تسمية، مواجهة ليس فيها رابح، خسائرها نحن، والمنتصر فيها خاسر.



هناك من أهلي وبعض عائلتك، من يرفع اليوم سلاحه في وجه أفكاري وانحيازاتي، هو ليس فقط جيش النظام الحاكم، ولا ابن مؤسسات الدولة، ولا جيوشًا منظَّمة خارجية، هو ابن عائلتي وعائلتك، قريب قد لا تستطيع الهروب من صلة رحم معه، يصطفّ بلا منافع مع عدوّ أفترضه عدوَّه أيضًا، وأقاوم سطوته وتسلُّطه على حقوق هي لي، وله، فكيف أسمّي مواجهته لي، وهو أخ وابن عمّ أو خال أو شقيق أمّ وأب، ماذا يكون نكرانه حقَّ حرية رأيي، إذا لم تكن تلك حربه، ولم تكن حربي، فما هي هذه الحرب التي تضعني وتضعه في مواجهة أهلي وأهلك؟
هذه الحروب التي تعتاش على أجساد أهالينا، وتمزّق أواصر علاقاتنا التي نشأنا عليها، وتهدم دواخلنا، وتشتّت أوطاننا، وتضع ذات الشعب، صاحب الأرض، على حافتَي اصطفاف سياسي وقانوني ووطني، هي حروبنا نحن، لا يقلّل من وحشيّتها التي تتغذّى على أولادنا أنّها وليدة ثورة حقّ، أو أنّها بمواجهة نظام مستبدّ، فالسلاح لا يعرف الرأفة، ومموِّله هو سيّد حامله، وصانع الضغينة، على حدّه يتساوى ضحايا الشعب، المهزوم منهم، والمنتصر، نصبح جميعًا حطب النار المتَّقدة، لا ينقص سعيرها التسميات، ولا يداوي حروقها الشعارات.
الحرب هي الحرب، لا يهمّ إذا لحقتها لاحقة، أو سبقتها، وهي اسم مختصر للقتل والتدمير والاقتلاع والتشريد والإفناء والمحو والتوحُّش، إنّها نقيض الحياة، والإنسانية، وهي اختراع التجبُّر، والهيمنة، والاستعباد.
يقولون عن بعض الحروب إنّها عادلة، والسؤال هنا عن العدالة نسبي، أيضًا، إذ ما هي العدالة في قتل إنسان لآخر، أو حرمانه من أحبابه، ومن أملاكه، ومن هويّته، ومن وطنه وعالمه؟ وأين تبدأ الحروب العادلة، وأين تنتهي؟
آخر بِدَع الحرب هو الشروع في حرب أهلية لنفي صفة "الحرب الأهلية"، أو قبولها، فتلك أيضًا حرب أهلية جرى فيها إسالة الدماء الافتراضية، بينما لصق التخوين، والترهيب، بأسماء المتحاربين حولها، وإن كانت في "فيسبوك"، وفي "إكس" و"تويتر" و"تيك توك" وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي. كأنّ القول بحرب أهلية، أو نفي تلك الحرب في واقعنا، يحجب حقيقتها ووحشيّتها، وكلّ ذلك القتل والدمار، وكلّ ذلك البؤس الذي شلّ وجداننا، قبل حياتنا.
لا توجد حروب بيضاء في العالم، أي حروب نظيفة، مهما كان يراها الطرفان أو الأطراف المنخرطة فيها حتى العظم، فالحروب دائمًا حمراء بالدماء، وسوداء بالمصائر التي تأخذ الناس إليها.
بهذا المعنى فكلّ حرب هي مأساة، وكلّ حرب عندما تكون بين ذات الشعب تنطوي على شكل من أشكال الحرب الأهلية، أو تتضمّنه، بغضّ النظر عن غاياتها... هذا حصل في الثورة الفرنسية، وحصل في الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر، وفي ثورة أكتوبر في روسيا، بعد إسقاط القيصرية، التي قادها لينين، ونجم عنها إقامة الاتحاد السوفياتي. أيضًا، حدث مثل ذلك في فيتنام، درّة حركات التحرُّر الوطني، وحصل في الجزائر، في حرب التحرير، وحصل في جنوب أفريقيا وزيمبابوي، أي في حروب الاستقلال الوطني، ومقاومة الاستعمار.
وبديهي أنّ ذلك يحصل، بشكل أقسى وأكبر وأكثر إيلامًا، في الحروب الداخلية، التي ينقسم فيها الشعب الواحد والوطن الواحد، ويقف كلّ قسم على طرف خندق، وهو يشهر سلاحه ضدّ الطرف الثاني، حصل ذلك في اليمن، وفي السودان، وفي ليبيا، وشئنا أم تعامينا عن الحقيقة حصل ذلك في سورية، حيث ثمّة أطراف عديدة، وجيوش، مع هويّات، وأيديولوجيات، وتبعيّات مختلفة، لذا فالقول بذلك، أو الاعتراف بالواقع، هو الذي ينزع عن تلك الحرب طابعها، كحرب أهلية، أو يطمسه.
لا يقلّل من قيمة، أو شرعية، أو عدالة، الثورة السورية انجرار أطراف سورية إلى حرب محلية أيًّا كانت تسميتها، لأنّ الواقع هو الذي يفرض تلك التسمية، والواقع أصعب وأقسى وأشدّ مرارة من محاولة وصفه. فقط الثورات، التي تفضي إلى إحداث قطيعة مع كلّ الحروب الهويّاتية، والتي تفضي إلى المواطنة، وحقوق المواطن، في الحرية والكرامة والمساواة، هي التي تستحقّ شرعية فتح صفحة جديدة، وتستحقّ التضحيات الجسام وليس الوصول إلى حرب أهلية، كما هو الواقع الذي يقول: بعض من الكرد السوريين وبعض من العرب السوريين في حالة حرب معلنة تارة ومستترة أخرى، وكذلك الأمر بين سوريين وسوريين، وبعض من الشعب الثائر يقتله جيش النظام، الذي ولا شكّ هو أي الجيش من أبناء هذا الشعب، فماذا يمكن أن تكون هذه الحروب، إن لم تكن هي وقود الحروب الأهلية والتي لا علاقة لها بمنشأ ثورة الحرية؟
-----------------------
 ( ضفة ثالثة ) -
*كاتبة وصحافية سورية.
 

سميرة المسالمة *
السبت 7 سبتمبر 2024