نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

إيران وتجرّع كأس السم

30/10/2024 - هدى الحسيني

كيف صارت إيران الحلقة الأضعف؟

23/10/2024 - مروان قبلان

الأسد والقفز بين القوارب

20/10/2024 - صبا مدور

هل ستطول الحرب الإسرائيلية نظام الأسد؟

20/10/2024 - العقيد عبد الجبار عكيدي


عربي في ميدان التحرير "2"حكايات عن إختلاط مصالح المخابرات بأصحاب المليارات




محيي الدين اللاذقاني يكتب من القاهرة - ما أصعب أن تكون أعمى في غرناطة ...عبارة موحية نثرها الشاعر الفرنسي أراغون المتعاطف بقسوة الشفقة مع آخر ملوك العرب في جنوب أسبانيا أثناء حديثه عن مأساة غرناطة زمن الخروج العربي من الأندلس ومن التاريخ ايضا وتذكرتها وأنا أحس بعودتهم القوية الى التاريخ حين وقفت أمام مناضل مصري خمسيني أعمى يقتعد سورالحديقة الدائرية التي تضم خيام المعتصمين في ميدان التحرير وينغم شعاره المفضل بأسلوب المقرئين حول الأزهر والحسين .. إعتصام ..إعتصام ..حتى يسقط النظام


متظاهر يكتب لافتات ضد الفساد في ميدان التحرير - تصوير الفنان سعيد الفرماوي
متظاهر يكتب لافتات ضد الفساد في ميدان التحرير - تصوير الفنان سعيد الفرماوي

أعمى أراغون الغرناطي كان في مدينة مهزومة ومستباحة للغزاة ومن الطبيعي ان يثير الشفقة ويعيش الخوف من كل حركة أما أعمى ميدان التحريرالقاهري ابن العاصمة التي تعمدت بالدم لتدفع ثمن حريتها فيعطيك الإحساس بالزهو والثقة بالمستقبل خصوصا حين تسمع شعاره المفضل يتردد بعد يومين في صنعاء باليمن فالثورات العربية متلاحمة ومتناغمة وكما أنتقل شعار " الشعب يريد..." من تونس لمصر وبعدها الى ليبيا واقطار عربية اخرى وتردد صداه من المنامة الى نواكشوط ستنتقل شعارات وسيناريوهات أخرى الى كل عاصمة عربية لأن النظام الرسمي العربي الذي تحنو عصاباته على بعضها البعض وحد الشعوب العربية ضد الظلم وجعل ايقاع تحركها متزامنا ومتناغما لذا لم يكن غريبا مساء الثالث من مارس أن تكون ثورة ليبيا مثار حديث المتعاطفين في الميدان دون نسيان الهم الداخلي الذي يستأثر عادة بمعظم خطب الميدان ونقاشاته .
المواطن المصري وحيد محمد عبد المنعم العائد لتوه من ليبيا عن طريق تونس أخرج جواز سفره الأخضر شبه الممزق وبدأ يحكي للناس في الميدان عن هول ما شاهد في جماهيرية العقيد المبشر بالخلع وما هي الا دقائق حتى كانت حلقته تتسع وشعارات التأييد لثوار ليبيا تصدح في أرجاء المكان وتبدأ المطالبات بالتحقيق في ذمة شركاء أحمد قذاف الدم الذي يطلقون عليه في القاهرة على سبيل التندر لقب "المندوب السامي للقذافي في مصر "وما بين رأي هنا وآخر هناك تتشعب الأحاديث في كل الإتجاهات وتعود الى الموضوع الأثير لدى الشعب المصري وإعلامه وهو قضايا الفساد المتشابكة عربيا كتشابك جرائم أجهزة المخابرات العربية التي كانت تتبادل الخدمات والمنافع على حساب مصالح دولها وشعوبها .
في القاهرة يحمل الناس جهاز مباحث أمن الدولة الذي كانوا يطالبون بحله قبل إقتحام مقراته ألوف الممارسات ذات الطبيعة الاجرامية والتي تنحدر الى مستوى عصابات المرتزقة ومنها جريمة قتل المطربة التونسية ذكرى وزوجها خدمة للمخابرات السعودية التي كانت تصفي حساباتها مع المخابرات الليبية في القاهرة وخلف تلك القصة الحزينة الخلاف السياسي المعروف الذي وصل الى مرحلة الشتائم العلنية بين القذافي والملك عبدالله بن عبد العزيز .
ويقال في التفاصيل إن الشاعر الشعبي علي الكيلاني الذي ولاه القذافي ادارة الاذاعة والتلفزيون لسنوات طويلة أراد أن يساعد سيده في الإنتقام من الملك السعودي فكتب كلمات أغنية "من يجرا يقول " ومنها :
مكة حاميها حراميها خلي في صدري باقيها
مين يجرى يقول للحاكم كرسيه يزول
وطبعا غنتها ذكرى دون تبصر بالنتائج وكلها عن "ملك مش فاهم" يتسلح بالمليارات ليحمي الأساطيل الأجنبية ويقمع شعبه وكما هو متوقع لم يكن وقع الأغنية طيبا على المخابرات السعودية التي تنطحت هي الأخرى للدفاع عن ملكها مستعينة بجهاز أمن الدولة المصري الذي تربطها به علاقات جيدة وما تزال تفاصيل الاتفاق مغيبة لكن المهم أن ذكرى صفيت مع زوجها وخادمتها في ليلة ليلاء لم يبق فيها من ينقل الخبر وحبذا لو تكون الوثائق الخاصة بمقتل هذه المسكينة التي لعبت في ميدان لا تعرفه بين الوثائق التي لم تحرق لتطلع الأجيال العربية على هذا المستوى الراقي من التعاون الأمني بين العصابات العربية المتحدة .
ومهما تشعب الحديث في ميدان التحرير الذي يتحول تدريجيا الى " هايدبارك " فإنه لا يخرج عن إطار القمع السياسي والأمني والفساد فغير حكاية السبعين مليار المنسوبة لمبارك وحده هناك مليون قصة عن مليارات اخرى نهبتها شريحة محدودة العدد حول بضعة أشخاص ؛ وفي ما كنت أسمع العجب العجاب عن أسماء ؛وأرقام فلكية نهبت من بلد لا يصنف بين الأقطار الغنية أنتبهت الى لافتة كرتونية مرفوعة الى جانب خيمة قافلة طنطا الخضراء أسمها " منتخب الفاسدين " وفي وسطها صورة أقوى فريق فساد في العالم وهي صورة من نوع "الكولاج" مركبة بعناية لتحل وجوه مبارك وزوجته واولاده واحمد عز وزهير جرانة واحمد المغربي وبطرس غالي وآخرين مكان وجوه لاعبي فريق رياضي وعيب هذه الصورة إنها لم تأخذ تشابك الفساد العربي بعين الإعتبار لتضيف وجوها عربية الى ملفات الفساد المصرية وهو عيب لم يرتكبه الإعلام المصري الذي يبرز أسماء عربية ولغت في الفطيرة المصرية التي كانت مباحة قبل الثورة للجميع عربا وأجانب .
الأمير الوليد بن طلال - مثلا - له في الطيب نصيب فهناك تركيز في أكثر من قضية على "شركة المملكة للتنمية الزراعية" التي يملكها وتنظر احدى المحاكم في قضية منح الأمير السعودي الذي لم يعرف عنه التخصص في استصلاح الأراضي مائة الف فدان في توشكي وما أن تأتي سيرته في الميدان أو غيره حتى تثار قصة رمي جثة من احدى شرفات فندق "الفورسيزون " الذي يملكه ولو كانت الجثة عادية لهان الأمر لكنها جثة مرتبطة بالحكاية المعقدة لهشام طلعت مصطفى وعائلة سوزان تميم وكالعادة العربية في الاستطراد ما أن يتشعب الموضوع حتى ينسى المتحاورون الأمير السعودي ويتساءلون : أين هو هشام طلعت ؟وهل خرج في جملة من خرج من السجون المصرية في الأيام الأولى للثورة حين حاول العادلي بالتفاهم مع الرئيس السابق إرهاب الشعب المصري بإطلاق المجرمين من السجون .
ومع تفاصيل تلك الأيام المتزامنة مع "موقعة الجمل" سألت الصديق الفنان سعيد الفرماوي ونحن نقف أمام "كنتاكي" الذي صار سبة للمتظاهرين في الايام الأولى للثورة وهو الآن يحتل موقع مقهى "ايزافيتش" الأثير على قلب الشاعر الراحل أمل دنقل ؛ هناك وفي ذلك الموقع الذي يكشف جهات الميدان وتشعباته سألت الفرماوي: من أية جهة أتت الجمال بالبلطجية ؟؛ فأشار الى جهة المتحف والى موقعين معينين تم فيهما الإمساك بالبلطجية الذين أشبعوا ضربا في مشهد أعادته القنوات التلفزيونية مئات المرات وظل السؤال عالقا عمن يقف خلف هؤلاء ؟ هل هو صفوت الشريف ؟ وتأتي الإجابة نفيا فشريف ومنذ إرهابه لفاتن حمامة ومجموعة من الفنانات والفنانين في عهد صلاح نصر يقصر "بلطجته" على الفن والثقافة والإعلام وآخر مآثره أنه أتى للوزارة التي تركها بأكبر بلطجي عرفه الإعلام المصري وذلك حتى تظل الوزارة تحت أبطه ولم يكتف بذلك بل سلم موقعا هاما في التلفزيون للصحفي المرتزق الذي سلمه مسودة مذكرات الفنانة سعاد حسني قبل إلقائها من الشرفة اللندنية وذاك ملف يجب الاسراع في فتحه هذا ان لم تكن النيران قد ألتهمته في جملة ما التهمت في الأيام الأخيرة من ملفات فساد واستبداد وجرائم وسرقات .
مع إستعادة تفاصيل "موقعة الجمل الثانية" التي تشير الى فتنة كبرى اخرى يحضر لها أقطاب الثورة المضادة نغادر موقعنا أمام "كنتاكي" ونقطع الشارع بإتجاه الحديقة الدائرية وهناك نقابل شبابا وشابات كلهم دون العشرين يرددون :
أهتف أهتف علي الصوت
اللي بيهتف ما بيموت
علي الصوت كمان وكمان
ضد الظلم والطغيان
عنده الحق هذا الجيل الجميل النبيل ففعلا "اللي بيهتف ما بيموت " والذي يرفع الصوت مطالبا بحقوقه سيحصل عليها كما أثبتت مصر وتونس وتثبت ليبيا حاليا فهناك في العالم العربي وفي أكثر من مكان من يجرؤ على القول للملوك والحكام والرؤساء إن كراسيهم ستزول فالشعب الذي حرم من أبسط حقوقه على مدار القرون يريد ؛ويريد ؛ويريد ...ولن تتوقف المطالبات سلما أو عنفا حتى تستكمل شعوب المنطقة العربية عودتها الى التاريخ الفاعل الذي غيبتها عنه فئة باغية من أبنائها إستطابت النظر الى الظهور المحدودبة والرقاب المحنية دون أن تنتبه الى النار المقدسة - المباركة التي كانت تتفاعل بهدوء وصبرعنيدين بين رماد الظلم والقهر والطغيان .


محيي الدين اللاذقاني
الخميس 10 مارس 2011