الكاتب أمام خيمة الإسعاف القريبة من خيمة المستشفى الميداني في ميدان التحرير - تصوير الفنان سعيد الفرماوي
لم يعد هناك ممنوعات في القاهرة إذن لا عسكرية ولا أمنية - وأمام الثانية لابد من تحفظ – المهم لم يعد العسكر يتجهمون كسالف الأيام أو يعبسون ليؤكدوا أهميتهم ويخيفوا فقد أعادت الثورة الثقة الى النفوس والواثق أكثر رحابة في الروح وتفاؤله يشجع ويعدي لذا صرت تمشي وكأنك في مدينة أخرى غير هذه التي تعرفها منذ أزل جميل وما أجمل أن يمشي الإنسان بعد عمر من الرعب في العظام في مدن لا خوف فيها
خطوات من الدبابة الى جامع عمر مكرم حيث هناك دبابة ثانية تسد طريق سفارة ودبابة ثالثة أمام المسجد تصلي لربها شاكرة ومدفعها منكس للأسفل خشوعا لجلال الصباح وجلال المكان فعلى بعد أمتار منها سقط الشهر الماضي والذي قبله شباب بعمرالورود ليصنعوا مجد هذه المدينة وألق ذلك الميدان ودرس التاريخ ما يزال – كما علمونا - هو الدرس الأصح فورود المستقبل لا تتفتح دون دماء طاهرة وما أجمل المصريين البسطاء الذين صاغو ذلك المعنى وكتبوا على أول خيمة تصادفك في ميدان التحرير وأنت قادم من جامع عمر مكرم " دم الشهدا هو الورد اللي فتح في جناين مصر "
كان الميدان مختلفا عما رأيته ليلة شين شين - ليلة مغادرة شفيق وتعيين شرف – وهي الليلة التي تعرفت خلالها على أسلوب شباب الميدان في التعامل مع صغير الأزمات بذات العزيمة التي تعاملوا فيها مع الجلائل فقد شهدت صدفة في تلك الليلة ومع كل الشعارات الكبرى المرفوعة عن فساد وأمن ومحاسبة ومشانق أقول شهدت ردم بقعة موحلة في الميدان برمل ابيض ألقته سيارة عابرة ومضت وما هي إلا دقائق حتى كان شباب الميدان ينقلونه بقمصانهم وبطانياتهم وكفوفهم ليجملوا البقعة الموحلة كما فعلوا بشوارع كثيرة محيطة بالميدان الامر الذي جعل الجميع يحترمونهم لا لشجاعتهم في مواجهة الرصاص الحي بصدور مفتوحة وحسب بل لإحساسهم الشديد بالمسؤلية إتجاه البلد والملكيات الخاصة والعامة ومع كل هذا الإحترام فإنهم ينكرون عليهم حقهم في أن يحكموا لأنهم كما يقال في تبرير منعهم من قطف ثمار ثورتهم ما زالوا صغارا لم يبلغوا الأربعين .
هؤلاء " الحكماء" الرافعون لسيف الخبرة في وجه الشباب ينسون إن دانتون فجر مع جيله الثورة الفرنسية حين كان في التاسعة والعشرين وذهب مقصولا في الخامسة والثلاثين ونابليون كان في مثل سنه حين أدار إمبراطورية ولماذا نذهب بعيدا ألم يكن عبد الناصر في الثلاثينات حين فجر "ثورة – إنقلابا" وتم تغيير الدستور لأجل أن يحكم قبل بلوغه الأربعين وقد حصل الأمر ذاته قبل سنوات قليلة في سورية ولكن – ويا لسواد التاريخ ويا لبئس المقارنة – ليس في ظروف ثورة إنما في تكريس وراثة عصا الإستبداد وادارته بأسلوب آخر لإدامة أجله وما هذه الا صفحة من تاريخ كئيب قريب ستمحوه إرادات أخرى فسورية شقيقة مصر وحدة وانفصالا وثورة وما فجرالتغييرعنها ببعيد .
شباب ميدان التحرير الذي لم ينجز إلا الخطوة الأولى من ثورته لا يفكر بالحكم الآن بل بإكمال إسقاط نظام ذهب رأسه وترك أذنابا كثيرة ما تزال تحكم بإسمه وأسلوبه رغم أنف الثورة ولا يتوقف الأمر عند الشعارات بل عند الكثير من التفاصيل فالشباب يريد أن يرى الرسالة – اللغز التي تثبت تنحي مبارك واوتخليه , لذا ما أن يصعد شاب على أكتاف زملاء له ويهتف : الرسالة فين ؟حتى تتعالى الأصوات متسائلة عن تلك الأسطر القليلة التي تلاها عمر سليمان في 22 ثانية ويشكك الجميع بوجودها فمبارك برأي الكثيرين لم يتنازل او يتنحى او يتخلى ولو كان هناك رسالة مكتوبة فعلا بالتخلي عن السلطة لنشرها المجلس الأعلى العسكري ليزيل تلك الشكوك فما حكاية تلك الخدعة الكبرى .
الأمر وكما يشرحه ببساطة أكثر من خبير بخفايا الأمور – وكل من في الميدان يزعم إنه ذاك الخبير - إن مصر تواجه حالة غير مسبوقة على صعيد إنتقال السلطة في ظروف ثورة لم يشهد لها التاريخ مثيلا فمبارك بالتعبير الشعبي مشى دون أن يكترث حتى ل"قفل الدكان" تاركا ذلك لنائبه الذي تسلم السلطة دون صلاحيات ثم غادرها مرغما في إطار صفقة غير واضحة الأبعاد والمعالم وخلفها الكثير من الكواليس المخفية بعناية والأسرار .
والى هذه اللحظة لا يزال بعض المعسكرين في خيم الميدان يعتقدون أن الشخص الذي كان يقف خلف عمر سليمان أثناء إذاعة الرسالة - الخفية المخفية – كان يمسك ب "طبنجة" ليجبره على القراءة وطبعا لم تكن الرسالة التاريخية تذاع مباشرة على الهواء لتبرر هذا الظن بل بعد أذيعت كبقية خطب الرئيس المخلوع بعد التسجيل والبرمجة والمنتجة لكن هات من يصدق كلمة واحدة عن إعلام كذب ثلاثين عاما بإقتدار وفهلوة وفجأة صار ثوريا شبابيا متطرفا في ثورته ينطق بأسم الميدان وشبابه بذات البوق وذات اللسان وهكذا لم يكن غريبا أن يضع أحد الشباب على خيمته الشعار التالي " التلفزيون المصري متخصص في الكذب الحصري ".
ولا يوازي سقوط التلفزيون المصري في وحل الأكاذيب من حيث الصدمة إلا سقوط الأهرام أعرق وأقدم صحيفة عربية في الأوحال ذاتها فالجريدة التي تصدر منذ 136 سنة روجت لملايين الأكاذيب ضد الثورة ثم جاءت بعد أن قضي الأمر وبراءة الأطفال في عينيها لتصدر ملحقا خاصا للتعبير عن شباب الميدان بذات المحررين الذين ما يزال يقودهم " خفير السرايا" الذي قال عنهم حين كانوا بمئات الألوف إنهم عشرات من الغوغائيين وهو اليوم وكما كان بالأمس لا يستطيع السير في الشوارع دون حراسة فليس سهلا أن تكذب علنا في ظروف تغرق فيه الأرض بالدم في سبيل كرامة الشعب وحريته ثم تمضي آمنا كأن شيئا لم يكن .
لقد ذهب مبارك لكن التدخل بالاعلام وشؤؤنه لم يتوقف فأحمد شفيق وقبل ايام من إستقالته أو إقالته تدخل في قناة دريم ليمنع إعادة حلقة قدمتها منى الشاذلي على الهواء مع إبراهيم عيسى الذي لم يفعل أكثر من كشف تاريخ شفيق نفسه فتاريخ الأشخاص كتاريخ الوسائل الإعلامية يصعب ستره او إخفائه في ظرف سنوات فما بالك في ظرف أسابيع وشهور وهذا ما يجعل حياة الأذناب الباقية للنظام المنهار صعبة عسيرة ففي الميدان شباب على درجة عالية من الوعي لا يوازيها الا علو في الارادة وسقف المطالب ومما يزيد وضع الأذناب صعوبة إن أدوات التزييف والقمع تتبخر من بين أيديهم بعد سقوط الاهرام والتلفزيون وتعطيل مباحث أمن الدولة التي تبذل قصارى جهدها لتحرق وثائق إدانتها وسط حصار جماهيري لا يشي بكلل أو ملل من الملاحقة.
الصديق الفنان سعيد الفرماوي الذي رافقني في ميدان التحرير ليلة – شين شين – يعتقد كما سمع عن ثقات إن الرجل الذي كان يقف خلف عمر سليمان في لقطات الثواني العشرين التي ستذاع مليون مرة وتظل لغزا هو قائد قوات الصاعقة التي أنتدبها الجيش لحماية عمر سليمان بعد محاولة أغتياله بسيارة إسعاف أما لماذا الإغتيال لسليمان وهو الرأس المدبر ؟ للمخابرات والمؤامرات والتجاوزات فليس الجواب واضحا عند البعض واوضح من أن يخفى عند آخرين ففي ظروف الصفقات الكبرى يجري إخفاء الشهود بسرعة لكن كيف تخفي من تعود على إخفاء الآخرين ؟ الإجابة قطعا غامضة ومعقدة ....وغدا نكمل جولتنا العربية في ميدان التحرير
خطوات من الدبابة الى جامع عمر مكرم حيث هناك دبابة ثانية تسد طريق سفارة ودبابة ثالثة أمام المسجد تصلي لربها شاكرة ومدفعها منكس للأسفل خشوعا لجلال الصباح وجلال المكان فعلى بعد أمتار منها سقط الشهر الماضي والذي قبله شباب بعمرالورود ليصنعوا مجد هذه المدينة وألق ذلك الميدان ودرس التاريخ ما يزال – كما علمونا - هو الدرس الأصح فورود المستقبل لا تتفتح دون دماء طاهرة وما أجمل المصريين البسطاء الذين صاغو ذلك المعنى وكتبوا على أول خيمة تصادفك في ميدان التحرير وأنت قادم من جامع عمر مكرم " دم الشهدا هو الورد اللي فتح في جناين مصر "
كان الميدان مختلفا عما رأيته ليلة شين شين - ليلة مغادرة شفيق وتعيين شرف – وهي الليلة التي تعرفت خلالها على أسلوب شباب الميدان في التعامل مع صغير الأزمات بذات العزيمة التي تعاملوا فيها مع الجلائل فقد شهدت صدفة في تلك الليلة ومع كل الشعارات الكبرى المرفوعة عن فساد وأمن ومحاسبة ومشانق أقول شهدت ردم بقعة موحلة في الميدان برمل ابيض ألقته سيارة عابرة ومضت وما هي إلا دقائق حتى كان شباب الميدان ينقلونه بقمصانهم وبطانياتهم وكفوفهم ليجملوا البقعة الموحلة كما فعلوا بشوارع كثيرة محيطة بالميدان الامر الذي جعل الجميع يحترمونهم لا لشجاعتهم في مواجهة الرصاص الحي بصدور مفتوحة وحسب بل لإحساسهم الشديد بالمسؤلية إتجاه البلد والملكيات الخاصة والعامة ومع كل هذا الإحترام فإنهم ينكرون عليهم حقهم في أن يحكموا لأنهم كما يقال في تبرير منعهم من قطف ثمار ثورتهم ما زالوا صغارا لم يبلغوا الأربعين .
هؤلاء " الحكماء" الرافعون لسيف الخبرة في وجه الشباب ينسون إن دانتون فجر مع جيله الثورة الفرنسية حين كان في التاسعة والعشرين وذهب مقصولا في الخامسة والثلاثين ونابليون كان في مثل سنه حين أدار إمبراطورية ولماذا نذهب بعيدا ألم يكن عبد الناصر في الثلاثينات حين فجر "ثورة – إنقلابا" وتم تغيير الدستور لأجل أن يحكم قبل بلوغه الأربعين وقد حصل الأمر ذاته قبل سنوات قليلة في سورية ولكن – ويا لسواد التاريخ ويا لبئس المقارنة – ليس في ظروف ثورة إنما في تكريس وراثة عصا الإستبداد وادارته بأسلوب آخر لإدامة أجله وما هذه الا صفحة من تاريخ كئيب قريب ستمحوه إرادات أخرى فسورية شقيقة مصر وحدة وانفصالا وثورة وما فجرالتغييرعنها ببعيد .
شباب ميدان التحرير الذي لم ينجز إلا الخطوة الأولى من ثورته لا يفكر بالحكم الآن بل بإكمال إسقاط نظام ذهب رأسه وترك أذنابا كثيرة ما تزال تحكم بإسمه وأسلوبه رغم أنف الثورة ولا يتوقف الأمر عند الشعارات بل عند الكثير من التفاصيل فالشباب يريد أن يرى الرسالة – اللغز التي تثبت تنحي مبارك واوتخليه , لذا ما أن يصعد شاب على أكتاف زملاء له ويهتف : الرسالة فين ؟حتى تتعالى الأصوات متسائلة عن تلك الأسطر القليلة التي تلاها عمر سليمان في 22 ثانية ويشكك الجميع بوجودها فمبارك برأي الكثيرين لم يتنازل او يتنحى او يتخلى ولو كان هناك رسالة مكتوبة فعلا بالتخلي عن السلطة لنشرها المجلس الأعلى العسكري ليزيل تلك الشكوك فما حكاية تلك الخدعة الكبرى .
الأمر وكما يشرحه ببساطة أكثر من خبير بخفايا الأمور – وكل من في الميدان يزعم إنه ذاك الخبير - إن مصر تواجه حالة غير مسبوقة على صعيد إنتقال السلطة في ظروف ثورة لم يشهد لها التاريخ مثيلا فمبارك بالتعبير الشعبي مشى دون أن يكترث حتى ل"قفل الدكان" تاركا ذلك لنائبه الذي تسلم السلطة دون صلاحيات ثم غادرها مرغما في إطار صفقة غير واضحة الأبعاد والمعالم وخلفها الكثير من الكواليس المخفية بعناية والأسرار .
والى هذه اللحظة لا يزال بعض المعسكرين في خيم الميدان يعتقدون أن الشخص الذي كان يقف خلف عمر سليمان أثناء إذاعة الرسالة - الخفية المخفية – كان يمسك ب "طبنجة" ليجبره على القراءة وطبعا لم تكن الرسالة التاريخية تذاع مباشرة على الهواء لتبرر هذا الظن بل بعد أذيعت كبقية خطب الرئيس المخلوع بعد التسجيل والبرمجة والمنتجة لكن هات من يصدق كلمة واحدة عن إعلام كذب ثلاثين عاما بإقتدار وفهلوة وفجأة صار ثوريا شبابيا متطرفا في ثورته ينطق بأسم الميدان وشبابه بذات البوق وذات اللسان وهكذا لم يكن غريبا أن يضع أحد الشباب على خيمته الشعار التالي " التلفزيون المصري متخصص في الكذب الحصري ".
ولا يوازي سقوط التلفزيون المصري في وحل الأكاذيب من حيث الصدمة إلا سقوط الأهرام أعرق وأقدم صحيفة عربية في الأوحال ذاتها فالجريدة التي تصدر منذ 136 سنة روجت لملايين الأكاذيب ضد الثورة ثم جاءت بعد أن قضي الأمر وبراءة الأطفال في عينيها لتصدر ملحقا خاصا للتعبير عن شباب الميدان بذات المحررين الذين ما يزال يقودهم " خفير السرايا" الذي قال عنهم حين كانوا بمئات الألوف إنهم عشرات من الغوغائيين وهو اليوم وكما كان بالأمس لا يستطيع السير في الشوارع دون حراسة فليس سهلا أن تكذب علنا في ظروف تغرق فيه الأرض بالدم في سبيل كرامة الشعب وحريته ثم تمضي آمنا كأن شيئا لم يكن .
لقد ذهب مبارك لكن التدخل بالاعلام وشؤؤنه لم يتوقف فأحمد شفيق وقبل ايام من إستقالته أو إقالته تدخل في قناة دريم ليمنع إعادة حلقة قدمتها منى الشاذلي على الهواء مع إبراهيم عيسى الذي لم يفعل أكثر من كشف تاريخ شفيق نفسه فتاريخ الأشخاص كتاريخ الوسائل الإعلامية يصعب ستره او إخفائه في ظرف سنوات فما بالك في ظرف أسابيع وشهور وهذا ما يجعل حياة الأذناب الباقية للنظام المنهار صعبة عسيرة ففي الميدان شباب على درجة عالية من الوعي لا يوازيها الا علو في الارادة وسقف المطالب ومما يزيد وضع الأذناب صعوبة إن أدوات التزييف والقمع تتبخر من بين أيديهم بعد سقوط الاهرام والتلفزيون وتعطيل مباحث أمن الدولة التي تبذل قصارى جهدها لتحرق وثائق إدانتها وسط حصار جماهيري لا يشي بكلل أو ملل من الملاحقة.
الصديق الفنان سعيد الفرماوي الذي رافقني في ميدان التحرير ليلة – شين شين – يعتقد كما سمع عن ثقات إن الرجل الذي كان يقف خلف عمر سليمان في لقطات الثواني العشرين التي ستذاع مليون مرة وتظل لغزا هو قائد قوات الصاعقة التي أنتدبها الجيش لحماية عمر سليمان بعد محاولة أغتياله بسيارة إسعاف أما لماذا الإغتيال لسليمان وهو الرأس المدبر ؟ للمخابرات والمؤامرات والتجاوزات فليس الجواب واضحا عند البعض واوضح من أن يخفى عند آخرين ففي ظروف الصفقات الكبرى يجري إخفاء الشهود بسرعة لكن كيف تخفي من تعود على إخفاء الآخرين ؟ الإجابة قطعا غامضة ومعقدة ....وغدا نكمل جولتنا العربية في ميدان التحرير