وإذا كان الرئيس السوري، يروي هذه الحادثة لدلالة على تقشف والده، وحرصه على عدم الانجرار وراء التغيرات المتسرعة، فإن هذه القصة تصلح في ذات الوقت للدلالة على حال "سورية أخرى" تم وضعها على الرف وتم تناسيها على مدى عقود طويلة تحت مسميات الاستقرار والممانعة بوجه إسرائيل، وهاهي اليوم تطل علينا من جديد لتذكرنا أن سورية الحقيقية ليست زجاجة كولونيا وأن أبنائها ليسوا من أهل الكهف! ولكنهم كبقية شعوب الأرض، شعب حي يطمح للعيش بحرية وكرامة في وطن عادي كبقية الأوطان.
في كل مرة أتذكر هذه القصة، تصيبني غصة وأتذكر والدي الرئيس السوري السابق نور الدين الأتاسي الذي أمضى 22 عاما في زنزانة ضيقة في سجن المزه من دون أن يحاكم أو توجه له أي تهمة.
22 عاما وزجاجة الكولونيا لا تتحرك من مكانها على الرف ووالدي لا يتحرك من مكانه في السجن، ومأساتنا ومآسي آلاف السورين تزداد إتساعا.
22 عاما من القهر والعجز عن فعل أي شيء.
22 عاما والأيام تمضي هاربة من عمرنا على إيقاع زياراتنا له في السجن مرة واحدة كل أسبوعين ولمدة ساعة واحدة في كل مرة.
22 عاما غادرت فيها أنا وأختي طفولتنا وغادر والدي الحياة بعد أن أصيب بالسرطان ومنع عنه العلاج وأطلق سراحه في النهاية ليموت في باريس في كانون الأول 1992 بعد أسبوع من وصوله إليها محمولا على نقالة.
22 عاما هي عمرنا المسروق وهي زجاجة الكولونيا المهملة على الرف وهي سوريتنا المنسية.
أما سورية المنسية بالنسبة لمعظم الشعب فمعناها، الدولة البوليسية والبلد الممسوك بقبضة من حديد.
سورية المنسية معناها سنوات الثمانينات المشرعة كغطاء دم على الذاكرة السورية.
سورية المنسية معناها، بلد ملّزم دوليا بقضه وقضيضه إلى سلطة مستبدة، حرصا على الإستقرار الإقليمي.
سورية المنسية معناها أمن إسرائيل المستتب على حدود هضبة الجولان المأمنة والباردة كبرودة ثلوج جبل الشيخ.
سورية المنسية معناها ألوف المعتقلين السياسيين الذين زجوا لعشرات السنيين في غياهب السجون والمعتقلات.
سورية المنسية معناها، ألوف المفقودين الذي لا يعرف أهاليهم عنهم شيئا إلى يومنا هذا ولا يملكون من أثرهم ولا حتى شهادة وفاة.
سورية المنسية معناها، آلام ودموع آلاف الأمهات والزوجات اللواتي ينتظرن منذ الثمانيات وإلى اليوم عودة أبنائهم المختفين ولو في أكفان.
سورية المنسية معناها إذلال يومي وكرامات مستباحة وعصا غليظة وعبادة فرد وصمت مطبق وخوف مستشري.
سورية المنسية معناها قرارات مؤجلة وخطوات ناقصة وشبكات فساد ومحسوبية وبيروقراطية مترهله وأجهزة أمن مطلقة اليدين من دون حسيب ولا رقيب.
سورية المنسية معناها إقصاء السياسة عن المجتمع و تدجين القضاء وخنق المجتمع المدني وسحق المعارضة.
سورية المنسية معناها هذا الشعار المخيف في دلالاته " قائدنا إلى الأبد الأمين حافظ الأسد"، الذي ظل يزين مداخل المدن وواجهات الأبنية الرسمية ليقول للشعب السوري أن التاريخ مات على حدود بلدهم.
وإذا كان صحيحا أن التاريخ لم يمت، بل كان يطل برأسه بين الفينة والأخرى على الواقع السوري مذكرا ومحذرا بأن هذا البلد لا يمكن أن يكون خارج التاريخ، فإن السلطة كانت تسارع في كل مرة إلى دفن رأسها بالرمال متوهمة أنه باستخدام الأساليب الفظة ستتمكن من إيقاف مجرى التاريخ على عتبات السجن السوري الكبير.
حدث هذا الأمر خلال أحداث الثمانيات الدموية التي انتهت بمجزرة حماه.
وحدث في بداية التسعينات مع انهيار الكتلة السوفيتية وسقوط نموذج الحزب الواحد في العالم والإصرار على استمرار تطبيقه في سورية.
وحدث مع وفاة الرئيس حافظ الأسد في العام 2000 وابتداع سيناريو التوريث في محاولة للهروب إلى الأمام في مواجهة استحقاق الموت والحياة.
وحدث مع وأد "ربيع دمشق" وسجن أبرز ناشطيه كجواب على مطالبتهم بطي صفحة الماضي والبدء في عملية التحول الديمقراطي.
لقد عاندت السلطة على مدى الأربعة عقود الماضية، وتمنعت عن إدخال أي تعديلات جدية على بنيتها السياسية والأمنية، وأتى سيناريو التوريث من الأب إلى الابن ليبين بما لا يدع مجالا للشك، إصرار الدوائر الضيقة في السلطة على أبقاء التوازنات السلطوية وآلية صنع القرار وهالة القداسة على حالهم من حول أعلى هرم السلطة.
في مقابل هذا الجمود السياسي، حدثت تغيرات هائلة في البنى الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية للمجتمع السوري، وتضاعف عدد السكان عدة مرات وتوسعت الفئة الشبابية على حساب بقية الشرائح العمرية، إلى الحد الذي وصل فيه عدد شباب سورية ما دون العشرين عاماً إلى حدود 60 % من إجمالي عدد السكان.
وترافق هذا مع هجرة ريفية واسعة وانفجار سكاني في ضواحي المدن الكبرى كدمشق وحلب وتفشي كبير للبطالة، وخلل واسع في توزيع الثورات من جهة وتمركز الجزء الأكبر منها في يد فئة قليلة من رجالات السلطة وحاشيتهم.
لقد اعتادت بعض الأوساط الدبلوماسية الغربية وبعض الأقلام الإستشراقية، أن تشكك على الدوام في إمكانية أن يثور الشعب السوري للمطالبة بحريته وحقوقه، وكأن هذا الشعب لا ينتمي إلى الإنسانية بل إلى فصيلة غريبة من الكائنات الفضائية، وبالتالي لا يحق له ما يحق لغيره من شعوب الأرض.
وعمدت هذه الدوائر إلى التقليل من شأن مظاهر المقاومة الخفية والانشقاق السياسي التي لم ينفك المجتمع السوري يظهرها بشكل متقطع على مدى العقود الماضية. لكن كون سورية لا تقع على كوكب المريخ، وأبنائها كما بقية البشر العاديين يطمحون أن يعيشوا بكرامة وحرية في بلد ديمقراطي، فكان طبيعيا عندما أتت ساعة الحقيقة أن يفتحوا قلوبهم وعقولهم لرياح الربيع العربي التي هبت مع تداعي حائط برلين العربي الذي شيِّد بالقمع والخوف ليفصل بين الشعوب العربية وبين الديمقراطية، بخيارات واهية من مثل الاستقرار أو الفوضى، الإستبداد أو الإسلاميين.
إن سورية الأخرى التي تناستها السلطة، لم ينسها التاريخ! وهاهي تعود اليوم لتطالب بحقوقها المستلبة ويعود التاريخ معها ليطالب بفواتيره المستحقة. وإذا كانت الثورة السورية هي الأقسى من بين الثورات العربية لجهة وحشية السلطة واستعدادها لارتكاب الفظائع بحق أبناء شعبها وتهديدها له بالحرب الأهلية، فمما لا شك فيه أن إصرار الشعب السوري على الطابع السلمي لتحركه وعلى وحدة مكوناته الوطنية سيكون كفيلا في النهاية بتمكينه من استعادة حريته وبناء تجربته الديمقراطية.
إن شعبا لا يزال يواجه بشجاعة نادرة وصدور عارية رصاص القناصة الذي ينهمر عليه من كل حدب وصوب كلما خرج ينادي بالحرية، هو أول من يعرف معنى هذه الحرية لأنه دفع غاليا ثمنها من أرواح أبنائه، وهو قادر أن يمارس هذه الحرية بمسؤولية ورشد من دون أي أستذة أو وصاية من أحد.
عندما سجن والدي في العام 1970 في أعقاب الانقلاب الأبيض الذي نفذه الجنرال حافظ الأسد على رفاقه في حزب البعث، كان لي من العمر ثلاث سنوات. كطفل استغرقني الأمر فترة قبل أن استوعب أن السجن ليس للمجرمين فقط ولكن أيضا لسجناء الرأي والضمير.
لم أرث من والدي الذي حكم أربع سنوات لا سلطة ولا جاه، كان كل ما ورثته منه كان عبارة عن حقيبة ثياب صغيرة أعيدت لنا من السجن بعد وفاته، وكانت هذه الحقيبة هي كل ما يملك حرفيا بعد 22 عاما قضاها في ذات الزنزانة وذات السجن. كل ما أتذكره من هذه الحقيبة اليوم هو رائحة رطوبة السجن التي تغلغلت في نسيج ثيابه وحوائجه.
في مقابلته مع المجلة الأميركية فات الرئيس السوري أن يخبر ما الذي فعله بزجاجة الكولونيا المنسية على الرف في مكتب والده! والحقيقة أن الجواب لم يعد يعني الكثير بعد اندلاع الثورة السورية.
من جهتي سأخبر والدي في المرة القادمة التي أزور قبره فيها أن الحرية انبعثت من جديد في الشعب السوري، وهي أكبر بكثير من القبور التي حاولوا دفنه فيها.
وسأطمئنه أن هذا الشعب تمكن أخيرا من كسر زجاجة الكولونيا، فإذا بعطر الحرية الذي فاح منها، أقوى بكثير من روائح الدم الذي يحاولوا إغراقه فيه.
سورية المنسية - محمد علي الأتاسي
النص العربي لمقالة محمد علي الأتاسي - ابن الرئيس السابق نور الدين الأتاسي - والمنشورة في جريدة "نيويورك تايمز" الأمريكية
في كل مرة أتذكر هذه القصة، تصيبني غصة وأتذكر والدي الرئيس السوري السابق نور الدين الأتاسي الذي أمضى 22 عاما في زنزانة ضيقة في سجن المزه من دون أن يحاكم أو توجه له أي تهمة.
22 عاما وزجاجة الكولونيا لا تتحرك من مكانها على الرف ووالدي لا يتحرك من مكانه في السجن، ومأساتنا ومآسي آلاف السورين تزداد إتساعا.
22 عاما من القهر والعجز عن فعل أي شيء.
22 عاما والأيام تمضي هاربة من عمرنا على إيقاع زياراتنا له في السجن مرة واحدة كل أسبوعين ولمدة ساعة واحدة في كل مرة.
22 عاما غادرت فيها أنا وأختي طفولتنا وغادر والدي الحياة بعد أن أصيب بالسرطان ومنع عنه العلاج وأطلق سراحه في النهاية ليموت في باريس في كانون الأول 1992 بعد أسبوع من وصوله إليها محمولا على نقالة.
22 عاما هي عمرنا المسروق وهي زجاجة الكولونيا المهملة على الرف وهي سوريتنا المنسية.
أما سورية المنسية بالنسبة لمعظم الشعب فمعناها، الدولة البوليسية والبلد الممسوك بقبضة من حديد.
سورية المنسية معناها سنوات الثمانينات المشرعة كغطاء دم على الذاكرة السورية.
سورية المنسية معناها، بلد ملّزم دوليا بقضه وقضيضه إلى سلطة مستبدة، حرصا على الإستقرار الإقليمي.
سورية المنسية معناها أمن إسرائيل المستتب على حدود هضبة الجولان المأمنة والباردة كبرودة ثلوج جبل الشيخ.
سورية المنسية معناها ألوف المعتقلين السياسيين الذين زجوا لعشرات السنيين في غياهب السجون والمعتقلات.
سورية المنسية معناها، ألوف المفقودين الذي لا يعرف أهاليهم عنهم شيئا إلى يومنا هذا ولا يملكون من أثرهم ولا حتى شهادة وفاة.
سورية المنسية معناها، آلام ودموع آلاف الأمهات والزوجات اللواتي ينتظرن منذ الثمانيات وإلى اليوم عودة أبنائهم المختفين ولو في أكفان.
سورية المنسية معناها إذلال يومي وكرامات مستباحة وعصا غليظة وعبادة فرد وصمت مطبق وخوف مستشري.
سورية المنسية معناها قرارات مؤجلة وخطوات ناقصة وشبكات فساد ومحسوبية وبيروقراطية مترهله وأجهزة أمن مطلقة اليدين من دون حسيب ولا رقيب.
سورية المنسية معناها إقصاء السياسة عن المجتمع و تدجين القضاء وخنق المجتمع المدني وسحق المعارضة.
سورية المنسية معناها هذا الشعار المخيف في دلالاته " قائدنا إلى الأبد الأمين حافظ الأسد"، الذي ظل يزين مداخل المدن وواجهات الأبنية الرسمية ليقول للشعب السوري أن التاريخ مات على حدود بلدهم.
وإذا كان صحيحا أن التاريخ لم يمت، بل كان يطل برأسه بين الفينة والأخرى على الواقع السوري مذكرا ومحذرا بأن هذا البلد لا يمكن أن يكون خارج التاريخ، فإن السلطة كانت تسارع في كل مرة إلى دفن رأسها بالرمال متوهمة أنه باستخدام الأساليب الفظة ستتمكن من إيقاف مجرى التاريخ على عتبات السجن السوري الكبير.
حدث هذا الأمر خلال أحداث الثمانيات الدموية التي انتهت بمجزرة حماه.
وحدث في بداية التسعينات مع انهيار الكتلة السوفيتية وسقوط نموذج الحزب الواحد في العالم والإصرار على استمرار تطبيقه في سورية.
وحدث مع وفاة الرئيس حافظ الأسد في العام 2000 وابتداع سيناريو التوريث في محاولة للهروب إلى الأمام في مواجهة استحقاق الموت والحياة.
وحدث مع وأد "ربيع دمشق" وسجن أبرز ناشطيه كجواب على مطالبتهم بطي صفحة الماضي والبدء في عملية التحول الديمقراطي.
لقد عاندت السلطة على مدى الأربعة عقود الماضية، وتمنعت عن إدخال أي تعديلات جدية على بنيتها السياسية والأمنية، وأتى سيناريو التوريث من الأب إلى الابن ليبين بما لا يدع مجالا للشك، إصرار الدوائر الضيقة في السلطة على أبقاء التوازنات السلطوية وآلية صنع القرار وهالة القداسة على حالهم من حول أعلى هرم السلطة.
في مقابل هذا الجمود السياسي، حدثت تغيرات هائلة في البنى الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية للمجتمع السوري، وتضاعف عدد السكان عدة مرات وتوسعت الفئة الشبابية على حساب بقية الشرائح العمرية، إلى الحد الذي وصل فيه عدد شباب سورية ما دون العشرين عاماً إلى حدود 60 % من إجمالي عدد السكان.
وترافق هذا مع هجرة ريفية واسعة وانفجار سكاني في ضواحي المدن الكبرى كدمشق وحلب وتفشي كبير للبطالة، وخلل واسع في توزيع الثورات من جهة وتمركز الجزء الأكبر منها في يد فئة قليلة من رجالات السلطة وحاشيتهم.
لقد اعتادت بعض الأوساط الدبلوماسية الغربية وبعض الأقلام الإستشراقية، أن تشكك على الدوام في إمكانية أن يثور الشعب السوري للمطالبة بحريته وحقوقه، وكأن هذا الشعب لا ينتمي إلى الإنسانية بل إلى فصيلة غريبة من الكائنات الفضائية، وبالتالي لا يحق له ما يحق لغيره من شعوب الأرض.
وعمدت هذه الدوائر إلى التقليل من شأن مظاهر المقاومة الخفية والانشقاق السياسي التي لم ينفك المجتمع السوري يظهرها بشكل متقطع على مدى العقود الماضية. لكن كون سورية لا تقع على كوكب المريخ، وأبنائها كما بقية البشر العاديين يطمحون أن يعيشوا بكرامة وحرية في بلد ديمقراطي، فكان طبيعيا عندما أتت ساعة الحقيقة أن يفتحوا قلوبهم وعقولهم لرياح الربيع العربي التي هبت مع تداعي حائط برلين العربي الذي شيِّد بالقمع والخوف ليفصل بين الشعوب العربية وبين الديمقراطية، بخيارات واهية من مثل الاستقرار أو الفوضى، الإستبداد أو الإسلاميين.
إن سورية الأخرى التي تناستها السلطة، لم ينسها التاريخ! وهاهي تعود اليوم لتطالب بحقوقها المستلبة ويعود التاريخ معها ليطالب بفواتيره المستحقة. وإذا كانت الثورة السورية هي الأقسى من بين الثورات العربية لجهة وحشية السلطة واستعدادها لارتكاب الفظائع بحق أبناء شعبها وتهديدها له بالحرب الأهلية، فمما لا شك فيه أن إصرار الشعب السوري على الطابع السلمي لتحركه وعلى وحدة مكوناته الوطنية سيكون كفيلا في النهاية بتمكينه من استعادة حريته وبناء تجربته الديمقراطية.
إن شعبا لا يزال يواجه بشجاعة نادرة وصدور عارية رصاص القناصة الذي ينهمر عليه من كل حدب وصوب كلما خرج ينادي بالحرية، هو أول من يعرف معنى هذه الحرية لأنه دفع غاليا ثمنها من أرواح أبنائه، وهو قادر أن يمارس هذه الحرية بمسؤولية ورشد من دون أي أستذة أو وصاية من أحد.
عندما سجن والدي في العام 1970 في أعقاب الانقلاب الأبيض الذي نفذه الجنرال حافظ الأسد على رفاقه في حزب البعث، كان لي من العمر ثلاث سنوات. كطفل استغرقني الأمر فترة قبل أن استوعب أن السجن ليس للمجرمين فقط ولكن أيضا لسجناء الرأي والضمير.
لم أرث من والدي الذي حكم أربع سنوات لا سلطة ولا جاه، كان كل ما ورثته منه كان عبارة عن حقيبة ثياب صغيرة أعيدت لنا من السجن بعد وفاته، وكانت هذه الحقيبة هي كل ما يملك حرفيا بعد 22 عاما قضاها في ذات الزنزانة وذات السجن. كل ما أتذكره من هذه الحقيبة اليوم هو رائحة رطوبة السجن التي تغلغلت في نسيج ثيابه وحوائجه.
في مقابلته مع المجلة الأميركية فات الرئيس السوري أن يخبر ما الذي فعله بزجاجة الكولونيا المنسية على الرف في مكتب والده! والحقيقة أن الجواب لم يعد يعني الكثير بعد اندلاع الثورة السورية.
من جهتي سأخبر والدي في المرة القادمة التي أزور قبره فيها أن الحرية انبعثت من جديد في الشعب السوري، وهي أكبر بكثير من القبور التي حاولوا دفنه فيها.
وسأطمئنه أن هذا الشعب تمكن أخيرا من كسر زجاجة الكولونيا، فإذا بعطر الحرية الذي فاح منها، أقوى بكثير من روائح الدم الذي يحاولوا إغراقه فيه.
سورية المنسية - محمد علي الأتاسي
النص العربي لمقالة محمد علي الأتاسي - ابن الرئيس السابق نور الدين الأتاسي - والمنشورة في جريدة "نيويورك تايمز" الأمريكية