.
بدأ فؤاد حميرة نشاطه الفني في مسرح الشبيبة التابع لاتحاد شبيبة الثورة، وبعد دخوله الجامعة تابع نشاطه ممثلا وكاتباً من خلال المسرح الجامعي، الذي كان في النصف الثاني من ثمانينات القرن العشرين وبداية التسعينيات يمر بأسوأ مراحله بسبب هيمنة الاتحاد الوطني لطلبة سوريا، الذي لم يكن أكثر من فرع مخابراتي، والرقابة التي كانت تفرضها السلطة المتكلسة في استبدادها على الفن والإعلام والمسرح وأنفاس الناس… ولهذا لم يقدم المسرح الجامعي في التسعينيات لفؤاد حميرة، ما قدمه في السبعينات لرشيد عساف وعباس النوري وسلوم حداد وسواهم بنصوص كتاب كحسيب كيالي وممدوح عدوان ومحمود دياب وإدارة مخرجين من أمثال فواز الساجر ونائلة الأطرش وبسام العيد وسواهم
“كتاب (حوادث دمشق اليومية) لا يمثل دمشق… ومؤلفه حلاق ثرثار شبه أمي، كان يحكي القصص كي يسلي زبائنه… وفي حكاياته تلك الكثير من القيل والقال وعدم تقصي الحقيقة من مصادرها… إنه باختصار (ثرثرة حلاق) وهو ربما يعطي تصوراً عن حياة شريحة ضيقة أو حكايات ونوادر استثنائية ولكنه لا يمثل دمشق… وقد تكون بعض أحداثه حدثت لكن ليس بهذا الشر والسوء… واستلهامه في مسلسل أكبر إساءة لدمشق…”
لم يكترث السوريون لمسلسل (الحصرم الشامي) كثيراً، حتى بعد ما أصبح مؤلفه مشهورا إثر ظهور عمليه الأوليين (رجال تحت الطربوش) إخراج هشام شربتجي عام 2004، و(غزلان في وادي الذئاب) إخراج ابنة هشام شربتجي عام 2006، وحتى عندما علموا أن الجزء الأول كان موقوفا من قبل الرقابة لسنوات، مشردا بين شركات الإنتاج قبل أن يرى النور عام 2007 … فشتان بين حرفية بسام الملا الذي كان متسيدا البيئة الشامية في تلك الفترة شاغلا الجمهور، وبين مسلسل يخرجه مخرج مبتدئ كسيف الدين السبيعي، ويكتبه كاتب لا يعرف من دمشق إلا أحياء الدحاحيل وعشوائيات مزة 86 وعش الورور… ولهذا لم يضف المسلسل كثيرا لا إلى مسيرة فؤاد حميرة، ولا إلى مسيرة دراما البيئة الشامية، حتى بعد أن استكلموا جزأه الأول، بجزأيه الثاني والثالث (2008- 2009)
كان هيثم حقي مطمئنا إلى أن شبكة أوربت هي منتجة العمل وهي ستعرضه على شاشاتها ولن يعذب نفسه في تسويقه كي يستعيد رأسماله ومرابحه، ولم يجر الحديث عن أهمية المسلسل خارج دائرة من استفاد بالتمثيل والعمل فيه، أو في أذهان بعض المثقفين من شلة اليسار الشيوعي الذي يشكل مجتمع دمشق وتجار دمشق عدوا أزليا لهم، سواء تواجدوا في العهد العثماني أو في عهد وريث حافظ الأسد!
قبل أن يخرج من سوريا حاول فؤاد حميرة أن يكون صوتا داعماً للتغيير من الداخل، استفاد من علويته في هذه النقطة، وسعى لرفع سقف الحوار قليلا كما حين شارك في المنتدى الحواري الذي دعت إليه مخابرات الأسد ثلة من الفنانين والمثقفين في فندق سمير أميس، والذي انبرى يطلق فيه النكات حول حال البلد، وسط صرير أسنان ثيران الطائفة الهائجين في أفرع المخابرات، أو في بعض التصريحات والكتابات الخجولة على السوشال ميديا، التي أودت به إلى السجن.
اعتقل فؤاد حميرة لمدة 15 يوماً. في عرف السجن الأسدي السوري، هذه تسمى “لمحة بصر”، لكن مع ذلك حين قابلته في دبي، ودعوته إلى إفطار صباحي اعتاد فيه أن يتناول الكوارع، في مطعم ساروجا الدمشقي الطراز في منطقة الجي بي آر، استفاض وهو يحدثني عن أثر الزنزانة عليه، وعن كوابيسه الليلية التي لم تفارقه منذ أفرج عنه… ولم أستطع – حينها – أن أمنع نفسي من التعاطف معه!
أما مسلسل (رئيس ونساء) وهو مسلسل قصير بث على اليوتيوب مطلع العام 2014 فقد قفز فيه فؤاد حمرة على وقائع إعداد بشار الأسد للتوريث خلال ست سنوات منذ وفاة باسل عام 1994 وتنسيبه إلى الجيش وترقيته إلى رتبة عقيد، وترؤسه إدارة الجميعة المعلوماتية وحملة مكافحة الفساد لتسويق صورته شعبيا، قفز على هذا كله، وصوره وهو يتلقى خبر وفاة والده وهو يلعب البلاي سيتشن، ويدعى على عجل لتولي الرئاسة!
كانت مشكلة العمل الأساسية تكمن في غياب فهم صنّاعه لطبيعة ما يقدمونه. فلا هو فارس، ولا هو كوميديا سوداء ولا هو عمل ساخر، لأن السخرية بما هي قول الحقيقة بنقيضها تقتضي جدية بالغة في الأداء لتشريح تناقضات صارخة في البنية… أما ما قدمه فؤاد حميرة، فهو يحمل تطلعات مخرج مسرحي كانت له محاولات في المسرح الجامعي، وأراد أن يقارب الأداء المسرحي على الشاشة، فانتج كارثة فنية قبل أن تكون في طريقة رؤيته للأحداث والزاوية التي أراد فيها تشريح بنية نظام الأسد العائلي. وأذكر أن الكثير من المعارضين الذين يفترض أن هذا العمل يسخر من بشار الأسد قد رفضوا مستواه الفني وصورته الهزيلة، إلى حد دفع بالباحث والمترجم السوري الراحل صخر حاج حسين إلى القول على صفحته على الفيسبوك: “مي سكاف وفؤاد حميرة أنتما مطالبان باعتذار علني من الثورة السورية على تفاهة مسلسلكم: رئيس ونساء”. أما الصحفية والكاتبة الدرامية كوليت بهنا فقد وصفت العمل بـ ‘المهزلة’ وكتبت على صفحتها تقول: “شفت الحلقة الأولى من (رئيس ونساء).. الصديق فؤاد حميرة.. لأنك بتعرف مكانتك عندي.. حتى لو زعلت مني بس اللي كتب (الحصرم الشامي) ما بصير يكتب هيك شي.. ومي سكاف معقول؟ والله شو ما حكوا عليكم المنحبكجية ما رح نقدر ندافع عن هالمهزلة”.
باختصار لم تكن مسيرة فؤادج حميرة الفنية مع الثورة موفقة على الإطلاق، ولاندري هل كانت المشكلة فيه، أم في المؤسسات التي أنتجت له، أم في المناخ العام المضطرب الذي لم ينتج فناً يحسب للثورة رغم وجود أناس لهم تجارب سابقة…!
كانت آخر مرة التقيت فيها فؤاد حميرة في حوار عبر ندوة نظمها مركز حرمون عن الطائفية عن طريق برنامج (الزوم) وأدارها الأستاذ نادر جبلي… يومها سبقنا فؤاد حميرة إلى القول بحماسة وحنق إنه لن يسامح العلويين الذين وقفوا مع بشار وتسببوا في تشريده خارج البلد، وعيشه على التسول والديْن بعد أن كانت نصوصه التلفزيونية تباع بالملايين، قبل أن ينقلب خلال الندوة ويقول إن المسألة الأساس هي في المصلحة، والمعارضة لم تقدم للعلويين ما يجعلهم يرون أن مصلحتهم هي سقوط بشار لا بقاءه!
كنت أرثي لفؤاد حميرة وأنا أراقب حديثه المتقلب على مدار الندوة صامتا ومبتسماً… وكنت أراه نتاج حالة مضطربة آمنت بالثورة، وحلمت بالتغيير، لكنها ظلت تلوك مرارة التشرد وتندب الأثمان الضئيلة التي لم تشبع هذا الإيمان!
وداعا فؤاد حميرة… سورياً يشبه المرحلة تماماً بكل تلوناتها وصدماتها وربما ضروراتها المفرطة مرارةً.
---------
العربي القديم
طفولة بائسة وأحلام مسرحية
لأب عسكري ينتمي للطائفة العلوية من قرى الساحل السوري، ولد فؤاد حميرة عام 1965، وبسبب عمل والده عاش فؤاد حميرة طفولته في منطقة الدحاديل الشعبية جنوب دمشق، الملاصقة لحي الميدان الدمشقي العريق. انخرط في طفولته في مهن عدة بسبب الفقر، وتابع تحصيله العلمي فدرس الإعلام في جامعة دمشق…. وتخرج حاملا الإجازة في الإعلام عام 1991بدأ فؤاد حميرة نشاطه الفني في مسرح الشبيبة التابع لاتحاد شبيبة الثورة، وبعد دخوله الجامعة تابع نشاطه ممثلا وكاتباً من خلال المسرح الجامعي، الذي كان في النصف الثاني من ثمانينات القرن العشرين وبداية التسعينيات يمر بأسوأ مراحله بسبب هيمنة الاتحاد الوطني لطلبة سوريا، الذي لم يكن أكثر من فرع مخابراتي، والرقابة التي كانت تفرضها السلطة المتكلسة في استبدادها على الفن والإعلام والمسرح وأنفاس الناس… ولهذا لم يقدم المسرح الجامعي في التسعينيات لفؤاد حميرة، ما قدمه في السبعينات لرشيد عساف وعباس النوري وسلوم حداد وسواهم بنصوص كتاب كحسيب كيالي وممدوح عدوان ومحمود دياب وإدارة مخرجين من أمثال فواز الساجر ونائلة الأطرش وبسام العيد وسواهم
الحصرم الشامي: صورة دمشق السوداء
اتجه فؤاد حميرة إلى الكتابة التلفزيونية، وكان أول مشروع عمل به هو مسلسل (الحصرم الشامي) الذي تأخر في الظهور لسنوات، فقد وجد فؤاد حميرة في كتاب البديري الحلاق (حوادث دمشق اليومية) الذي أرخ فيه للطبقة الشعبية في دمشق في القرن السابع عشر، مقاربة ما لحال عايشها في أحياء العشوائيات التي كان يسكن فيها عسكر الساحل السوري وأسرهم حول المدينة وعلى تخومها. لم يدرك فؤاد حميرة أن هذه ليست دمشق، بل هي صورة مشوهة عنها أوجدها البعث الطائفي المستميت على الاحتفاظ بالسلطة والذي كان يدرك ان دمشق لم تستغه ولم تستسغ ترييفه لها وتشويهه لمدينتها يوماً، ولهذا جاء مسلسل (الحصرم الشامي) الذي تحمس لإنتاجه هيثم حقي زاعماً أنه سيقدم صورة حقيقية لدمشق بعيدا عن شاميات بسام الملا ذات الشعبية الكاسحة والمزخرفة بالحنين والشغف التذكاري المذهل بالتفاصيل، جاء بعيدا عن روح دمشق، مشوها لكثير من وقائعها التاريخية. كان من خطأ حميرة ومن تحمسوا معه، أنهم تعاملوا مع كتاب البديري الحلاق الذي اعتمد عليه المسلسل، باعتباره وثيقة تاريخية، غاضين الطرف عن المآخذ الجمة التي أخذها المؤرخون على هذا المؤلف باعتبار أن كاتبه حلاق لا علاقة له بالتأليف ولا بالكتابة، ولا يعرف أصولهما وإن قدم تصورا ما عن المرحلة شعبياً إلى حد ما، تعوزه الدقة في الكثير من النواحي واستقراء الأحداث، ولهذا عندما أجريت حوارا مع الباحث المتخصص بالتراث الدمشقي، صاحب الباع الطويل والعريق بالتأليف والتوثيق، الأستاذ منير كيال قال لي حول هذا المسلسل:“كتاب (حوادث دمشق اليومية) لا يمثل دمشق… ومؤلفه حلاق ثرثار شبه أمي، كان يحكي القصص كي يسلي زبائنه… وفي حكاياته تلك الكثير من القيل والقال وعدم تقصي الحقيقة من مصادرها… إنه باختصار (ثرثرة حلاق) وهو ربما يعطي تصوراً عن حياة شريحة ضيقة أو حكايات ونوادر استثنائية ولكنه لا يمثل دمشق… وقد تكون بعض أحداثه حدثت لكن ليس بهذا الشر والسوء… واستلهامه في مسلسل أكبر إساءة لدمشق…”
لم يكترث السوريون لمسلسل (الحصرم الشامي) كثيراً، حتى بعد ما أصبح مؤلفه مشهورا إثر ظهور عمليه الأوليين (رجال تحت الطربوش) إخراج هشام شربتجي عام 2004، و(غزلان في وادي الذئاب) إخراج ابنة هشام شربتجي عام 2006، وحتى عندما علموا أن الجزء الأول كان موقوفا من قبل الرقابة لسنوات، مشردا بين شركات الإنتاج قبل أن يرى النور عام 2007 … فشتان بين حرفية بسام الملا الذي كان متسيدا البيئة الشامية في تلك الفترة شاغلا الجمهور، وبين مسلسل يخرجه مخرج مبتدئ كسيف الدين السبيعي، ويكتبه كاتب لا يعرف من دمشق إلا أحياء الدحاحيل وعشوائيات مزة 86 وعش الورور… ولهذا لم يضف المسلسل كثيرا لا إلى مسيرة فؤاد حميرة، ولا إلى مسيرة دراما البيئة الشامية، حتى بعد أن استكلموا جزأه الأول، بجزأيه الثاني والثالث (2008- 2009)
كان هيثم حقي مطمئنا إلى أن شبكة أوربت هي منتجة العمل وهي ستعرضه على شاشاتها ولن يعذب نفسه في تسويقه كي يستعيد رأسماله ومرابحه، ولم يجر الحديث عن أهمية المسلسل خارج دائرة من استفاد بالتمثيل والعمل فيه، أو في أذهان بعض المثقفين من شلة اليسار الشيوعي الذي يشكل مجتمع دمشق وتجار دمشق عدوا أزليا لهم، سواء تواجدوا في العهد العثماني أو في عهد وريث حافظ الأسد!
غزلان في وادي الزعبي وخدام
عزف مسلسل (رجال تحت الطربوش) باكورة المسلسلات التي ظهرت لفؤاد حميرة على تيمة الرجل الشرقي، واستطاعت القصص الاجتماعية التي عالجتها مهارة هشام شربتجي الدرامية في الدراما الاجتماعية أن تقدم عملا ناجحا إلى حد ما، إلا ان اسم فؤاد حميرة ككاتب تلفزيوني لم يطرح بساط البحث ولم يدخل دائرة الاهتمام، إلا بعد مسلسله الثاني (غزلان في وادي الذئاب) الذي تعرض لمقص الرقابة بعد التصوير، بسبب حديثه عن الفساد المستشري على أعلى المستويات في سورية، وأذكر أنني كتبت عن هذا المسلسل حين عرض: ” من المعروف أنه حين كان يتم تنفيذ (غزلان في وادي الذئاب) كان يسوق في الأوساط الفنية علي أنه المسلسل الذي يصور فساد مفلح الزعبي، ابن رئيس الوزراء المنتحر محمود الزعبي… وقد نفهم هنا أن العمل أراد أن يعري ظاهرة تلصق بشخص تخلت عنه الدولة منذ زمن وأعلنت فساده بقرار رسمي… ناهيك عن أن العمل قد يمس بطريقة غير مباشرة أولاد النائب السابق عبد الحليم خدام، الذين كانت لهم الكثير من المشاريع التجارية، وهؤلاء صاروا من المغضوب عليهم أيضا… فما المانع أن يتم اختزال ظاهرة فساد أولاد المسؤولين في نموذجين، صار مسموحا حتي لرجل الشارع العادي البسيط أن يشتمهم ويحملهم كل المصائب “.من سجن النساء إلى الاعتقال لـ 15 يوماً
استمر فؤاد حميرة بعد نجاح عمله (غزلان في وادي الذئاب) في الكتابة التلفزيونية، مقدما أعمالا تفاوت مستوى نجاحها الجماهيري، لكنها بقيت في إطار الأعمال الجيدة نسبياً، نذكر منها: (ممرات ضيقة) عام 2007 الذي دخل فيه سجن النساء ليروي قصص مجموعة من النزيلات مركزا على كيفية تعامل المجتمع معهن… وهي حالة دائماً تريح المبدع من الإيغال في انتقاد السلطة، وتوجيه سهامه للمجتمع المتخلف والمحافظ بمعاييره المزدوجه وقوانينه القاسية… ثم مسلسل (شتاء ساخن) عام 2009 وقد جاء اندلاع الثورة ليحول دون إنتاج مسلسل كان يقول إنه عاكف على كتابته عن فترة دخول القنصليات الأجنبية إلى سورية ومنطقة بلاد الشام في القرن الثامن عشر، ومثله مسلسل (حياة مالحة) الذي قال إنه كتب منه خمس حلقات، لكن كاتباً آخر سرق فكرة العمل وتابع كتابته بتكليف من الشركة المنتجة التي سلمها الحلقات الخمس دون ذكر اسمه، وهو ما دفعه للظهور على الشاشات موجها الاتهامات، ومدافعاً عن دراماه المسروقة.قبل أن يخرج من سوريا حاول فؤاد حميرة أن يكون صوتا داعماً للتغيير من الداخل، استفاد من علويته في هذه النقطة، وسعى لرفع سقف الحوار قليلا كما حين شارك في المنتدى الحواري الذي دعت إليه مخابرات الأسد ثلة من الفنانين والمثقفين في فندق سمير أميس، والذي انبرى يطلق فيه النكات حول حال البلد، وسط صرير أسنان ثيران الطائفة الهائجين في أفرع المخابرات، أو في بعض التصريحات والكتابات الخجولة على السوشال ميديا، التي أودت به إلى السجن.
اعتقل فؤاد حميرة لمدة 15 يوماً. في عرف السجن الأسدي السوري، هذه تسمى “لمحة بصر”، لكن مع ذلك حين قابلته في دبي، ودعوته إلى إفطار صباحي اعتاد فيه أن يتناول الكوارع، في مطعم ساروجا الدمشقي الطراز في منطقة الجي بي آر، استفاض وهو يحدثني عن أثر الزنزانة عليه، وعن كوابيسه الليلية التي لم تفارقه منذ أفرج عنه… ولم أستطع – حينها – أن أمنع نفسي من التعاطف معه!
تجاربه الفنية خلال الثورة!
لم يقدم فؤاد حميرة بعد خروجه من سورية عام 2013 وانضمامه لصفوف الثورة أي عمل فني يمكن أن يحسب له، لا من خلال مسلسل (نساء ورئيس) الذي أنتجه موقع زمان الوصل، وصور في الأردن عندما كان فؤاد حميرة مقيما هناك بمشاركة مي سكاف وجلال الطويل وآخرين، ولا في برنامج التوك شو (بوك) الذي قدمه لصالح تلفزيون أورينت… وسخر في أولى حلقاته دون أن يقصد من مجزرة الكيماوي، حين حاول تصويرها في الاستوديو عبر أبخرة ملونة، دفعتني لكتابة مقال عنيف عن البرنامج وقتها، سبب لي مشكلات إدارية كوني كنت اعمل في المؤسسة التي أنتجت البرنامج.أما مسلسل (رئيس ونساء) وهو مسلسل قصير بث على اليوتيوب مطلع العام 2014 فقد قفز فيه فؤاد حمرة على وقائع إعداد بشار الأسد للتوريث خلال ست سنوات منذ وفاة باسل عام 1994 وتنسيبه إلى الجيش وترقيته إلى رتبة عقيد، وترؤسه إدارة الجميعة المعلوماتية وحملة مكافحة الفساد لتسويق صورته شعبيا، قفز على هذا كله، وصوره وهو يتلقى خبر وفاة والده وهو يلعب البلاي سيتشن، ويدعى على عجل لتولي الرئاسة!
كانت مشكلة العمل الأساسية تكمن في غياب فهم صنّاعه لطبيعة ما يقدمونه. فلا هو فارس، ولا هو كوميديا سوداء ولا هو عمل ساخر، لأن السخرية بما هي قول الحقيقة بنقيضها تقتضي جدية بالغة في الأداء لتشريح تناقضات صارخة في البنية… أما ما قدمه فؤاد حميرة، فهو يحمل تطلعات مخرج مسرحي كانت له محاولات في المسرح الجامعي، وأراد أن يقارب الأداء المسرحي على الشاشة، فانتج كارثة فنية قبل أن تكون في طريقة رؤيته للأحداث والزاوية التي أراد فيها تشريح بنية نظام الأسد العائلي. وأذكر أن الكثير من المعارضين الذين يفترض أن هذا العمل يسخر من بشار الأسد قد رفضوا مستواه الفني وصورته الهزيلة، إلى حد دفع بالباحث والمترجم السوري الراحل صخر حاج حسين إلى القول على صفحته على الفيسبوك: “مي سكاف وفؤاد حميرة أنتما مطالبان باعتذار علني من الثورة السورية على تفاهة مسلسلكم: رئيس ونساء”. أما الصحفية والكاتبة الدرامية كوليت بهنا فقد وصفت العمل بـ ‘المهزلة’ وكتبت على صفحتها تقول: “شفت الحلقة الأولى من (رئيس ونساء).. الصديق فؤاد حميرة.. لأنك بتعرف مكانتك عندي.. حتى لو زعلت مني بس اللي كتب (الحصرم الشامي) ما بصير يكتب هيك شي.. ومي سكاف معقول؟ والله شو ما حكوا عليكم المنحبكجية ما رح نقدر ندافع عن هالمهزلة”.
باختصار لم تكن مسيرة فؤادج حميرة الفنية مع الثورة موفقة على الإطلاق، ولاندري هل كانت المشكلة فيه، أم في المؤسسات التي أنتجت له، أم في المناخ العام المضطرب الذي لم ينتج فناً يحسب للثورة رغم وجود أناس لهم تجارب سابقة…!
البحث عن موقع
لقد بقي فؤاد حميرة أسير بحثه الحثيث عن موقع له في الثورة سواء فنيا او سياسياً… ورغم فشله في الأولى إلا أن واجه خيبات في الثانية، فانضم للائتلاف ثم انسحب منه بعد ان زار مناطق سيطرة قسد وامتدحها، ودافع عن حقها في الحكم الذاتي معتبرا أن ذلك ليس انفصالا ولا تمزيقاً، ما أثار غضب شرائح من السوريين ضده، ودفع الائتلاف المٌهيمن عليه تركياً لإصدار بيان مقتضب حول فصله أو “انسحابه” من الائتلاف لدرء الحرج، وأسس تيار (الغد) كحزب معارض يمثل العلويين المعارضين، الذين كان يقول إن 80% من الطائفة ليسوا مؤيدين لبشار الأسد، لكنه لم يجد في تياره أي ثقل شعبي يعبر عما يزعمه، فتقلب غاضبا بين اعبتار التيار “علوياً” بين أطياف المعارضة بحثا عن غوتا مخصصة، وبين نفي علويته واعتباره سياسيا وطنيا محضاً… قبل أن يموت التيار سريرياً قبل وفاة مؤسسه ورئيسه بسنوات.كانت آخر مرة التقيت فيها فؤاد حميرة في حوار عبر ندوة نظمها مركز حرمون عن الطائفية عن طريق برنامج (الزوم) وأدارها الأستاذ نادر جبلي… يومها سبقنا فؤاد حميرة إلى القول بحماسة وحنق إنه لن يسامح العلويين الذين وقفوا مع بشار وتسببوا في تشريده خارج البلد، وعيشه على التسول والديْن بعد أن كانت نصوصه التلفزيونية تباع بالملايين، قبل أن ينقلب خلال الندوة ويقول إن المسألة الأساس هي في المصلحة، والمعارضة لم تقدم للعلويين ما يجعلهم يرون أن مصلحتهم هي سقوط بشار لا بقاءه!
كنت أرثي لفؤاد حميرة وأنا أراقب حديثه المتقلب على مدار الندوة صامتا ومبتسماً… وكنت أراه نتاج حالة مضطربة آمنت بالثورة، وحلمت بالتغيير، لكنها ظلت تلوك مرارة التشرد وتندب الأثمان الضئيلة التي لم تشبع هذا الإيمان!
وداعا فؤاد حميرة… سورياً يشبه المرحلة تماماً بكل تلوناتها وصدماتها وربما ضروراتها المفرطة مرارةً.
---------
العربي القديم