جابر عصفور بهذا الصنيع تنكر لتاريخه، هو المنتمي إلى الاتجاه الناصري، وهو الذي يزعم أنه مثقف حداثي تنويري تقدمي، وهي فيما يبدو كانت مجرد شعارات، أو واجهة لمعايشة الحياة الثقافية والتودد إلى المثقفين المصريين الذين يغلب عليهم الاتجاه اليساري التقدمي.
ينتمي جابر عصفور (ولد بالمحلة الكبرى 1944) إلى جيلي الستينيات والسبعينيات، وهما الجيلان اللذان عايشا فترة المد الناصري وفترة النكسة ثم النصر والانفتاح الاقتصادي الفاسد وفترة التسلط الساداتي، وكما يجيء في أدبيات هذين الجيلين المكتوبة شعرا ونثرا فإن ثمة موقفا مضادا من النظام، ومن السلطة الرسمية، هذا هو الموقف الذي تجسده الدواوين الشعرية السبعينية، والروايات والقصص القصيرة، والكتابات النقدية، مع ذلك فإن البعض لا يتورع في قبول أي منصب قد يعرض عليه في المؤسسة الثقافية الرسمية، ومن هنا لا نستغرب قبول عصفور أولا بمنصب الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، وقد لعب فيه – حقيقة- دورا متميزا في تنشيط الفعل الثقافي، ثم قبوله في هذه الأيام العاصفة منصب وزير الثقافة.
بيد أن هذا المنصب العصفوري الجديد قد يطير به إلى الهاوية، فالشارع المصري مشتعل بالثورة الشبابية التي انطلقت في 25 يناير 2011، ويد النظام ملطخة بمئات القتلى والجرحى من شباب مصر، والشوارع المصرية في القاهرة بأحيائها الراقية والشعبية وفي السويس والإسماعيلية والإسكندرية والمحلة والمنصورة والمنيا وأسيوط تقاسي من عناء المعيشة، وحين يأتي صاحب " المرايا المتجاورة" و" هوامش على دفتر التنوير" ليسقط تاريخه الأدبي والثقافي بقبوله الانتماء إلى حكومة نظام يتداعى فإنه يسيء إلى تاريخه الأدبي والثقافي، ويقدم لنا صورة مشوهة للمثقف العصري الذي يتخلى عن مبادئه ومواقفه.
فما الذي ينتظره عصفور من حكومة لا مستقبل لها، حكومة تدار من قبل رجل عسكري، ومن قبل نظام لا يعمل سوى لتمجيد ذاته وتمكينها ولو على جثث أبناء الشعب المصري؟
إن اعتلاء كرسي وزارة الثقافة، والانضمام إلى مجلس وزراء مازالت أيادي بعض وزرائه ملوثة بالفساد، والسرقة، والنهب، وملوثة بدماء الأحرار، وملوثة بالزيف والظلم، ليس مجدا للمثقف، وليس حلما زاهيا لناقد ظل يتصدر الساحة الثقافية لأكثر من عشرين عاما، وظل يطنطن بمبادئه الثقافية، وتجاربه الأدبية أوقاتا طويلة.
لقد كتبت مقالات ونشرت استطلاعات ثقافية تندد بهذه الخطوة من قبل جابر عصفور، وتسعى لتذكيره بمواقفه السابقة، ومبادئه المعارضة لتكلس النظام، ونضيف هنا تساؤل جلي: كيف ينضم لحكومة تتبع الحزب الوطني الديمقراطي، وهو المثقف التنويري الليبرالي التقدمي كما يدعي في كتاباته؟
كيف يمكن له أن يوائم بين الانضواء تحت حكومة الحزب الوطني وبين ضميره الثقافي؟ كيف سينظر في وجوه زملاء الدرب الثقافي؟ وكيف سينظرون له؟
إنه موقف عصيب وضع فيه الدكتور جابر عصفور نفسه، وهو موقف سوف يتحرر منه بلا ريب حين يتذكر مبادئه الأولى، وقيمه التي كان يدعو إليها، لأن العمل الثقافي الحر شيء، وتنفيذ سياسة السلطة الرسمية في هذه المرحلة التاريخية شيء آخر.
وإذا كان فاروق حسني الوزير السابق استمر طيلة عشرين عاما يتحدث عن " حظيرة المثقفين" فإننا نأمل من الدكتور جابر عصفور ألا يساعد في بناء هذه الحظيرة المتهاوية من جديد، وأن يعود إلى صفوف المثقفين، خاصة وأن القضبان قد انكسرت، وطارت من قفص الحياة المصرية كل مفاهيم التسلط العتيقة.
=====================
ايلاف الاليكترونية
ينتمي جابر عصفور (ولد بالمحلة الكبرى 1944) إلى جيلي الستينيات والسبعينيات، وهما الجيلان اللذان عايشا فترة المد الناصري وفترة النكسة ثم النصر والانفتاح الاقتصادي الفاسد وفترة التسلط الساداتي، وكما يجيء في أدبيات هذين الجيلين المكتوبة شعرا ونثرا فإن ثمة موقفا مضادا من النظام، ومن السلطة الرسمية، هذا هو الموقف الذي تجسده الدواوين الشعرية السبعينية، والروايات والقصص القصيرة، والكتابات النقدية، مع ذلك فإن البعض لا يتورع في قبول أي منصب قد يعرض عليه في المؤسسة الثقافية الرسمية، ومن هنا لا نستغرب قبول عصفور أولا بمنصب الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، وقد لعب فيه – حقيقة- دورا متميزا في تنشيط الفعل الثقافي، ثم قبوله في هذه الأيام العاصفة منصب وزير الثقافة.
بيد أن هذا المنصب العصفوري الجديد قد يطير به إلى الهاوية، فالشارع المصري مشتعل بالثورة الشبابية التي انطلقت في 25 يناير 2011، ويد النظام ملطخة بمئات القتلى والجرحى من شباب مصر، والشوارع المصرية في القاهرة بأحيائها الراقية والشعبية وفي السويس والإسماعيلية والإسكندرية والمحلة والمنصورة والمنيا وأسيوط تقاسي من عناء المعيشة، وحين يأتي صاحب " المرايا المتجاورة" و" هوامش على دفتر التنوير" ليسقط تاريخه الأدبي والثقافي بقبوله الانتماء إلى حكومة نظام يتداعى فإنه يسيء إلى تاريخه الأدبي والثقافي، ويقدم لنا صورة مشوهة للمثقف العصري الذي يتخلى عن مبادئه ومواقفه.
فما الذي ينتظره عصفور من حكومة لا مستقبل لها، حكومة تدار من قبل رجل عسكري، ومن قبل نظام لا يعمل سوى لتمجيد ذاته وتمكينها ولو على جثث أبناء الشعب المصري؟
إن اعتلاء كرسي وزارة الثقافة، والانضمام إلى مجلس وزراء مازالت أيادي بعض وزرائه ملوثة بالفساد، والسرقة، والنهب، وملوثة بدماء الأحرار، وملوثة بالزيف والظلم، ليس مجدا للمثقف، وليس حلما زاهيا لناقد ظل يتصدر الساحة الثقافية لأكثر من عشرين عاما، وظل يطنطن بمبادئه الثقافية، وتجاربه الأدبية أوقاتا طويلة.
لقد كتبت مقالات ونشرت استطلاعات ثقافية تندد بهذه الخطوة من قبل جابر عصفور، وتسعى لتذكيره بمواقفه السابقة، ومبادئه المعارضة لتكلس النظام، ونضيف هنا تساؤل جلي: كيف ينضم لحكومة تتبع الحزب الوطني الديمقراطي، وهو المثقف التنويري الليبرالي التقدمي كما يدعي في كتاباته؟
كيف يمكن له أن يوائم بين الانضواء تحت حكومة الحزب الوطني وبين ضميره الثقافي؟ كيف سينظر في وجوه زملاء الدرب الثقافي؟ وكيف سينظرون له؟
إنه موقف عصيب وضع فيه الدكتور جابر عصفور نفسه، وهو موقف سوف يتحرر منه بلا ريب حين يتذكر مبادئه الأولى، وقيمه التي كان يدعو إليها، لأن العمل الثقافي الحر شيء، وتنفيذ سياسة السلطة الرسمية في هذه المرحلة التاريخية شيء آخر.
وإذا كان فاروق حسني الوزير السابق استمر طيلة عشرين عاما يتحدث عن " حظيرة المثقفين" فإننا نأمل من الدكتور جابر عصفور ألا يساعد في بناء هذه الحظيرة المتهاوية من جديد، وأن يعود إلى صفوف المثقفين، خاصة وأن القضبان قد انكسرت، وطارت من قفص الحياة المصرية كل مفاهيم التسلط العتيقة.
=====================
ايلاف الاليكترونية