لكن المفاجأة الكبرى لم تكن في الاعتراف بتعقيد الوضع، بل في تشخيص جذور المشكلة. فالوزير، في لحظة من الشفافية النادرة، أشار إلى أن “المشاكل عمرها أكبر من الحرب”. بهذه العبارة، يقلب الوزير الطاولة على الخطاب الرسمي الذي طالما ألقى باللائمة على الحرب في كل ما يعانيه البلد.
الصدمة الحقيقية جاءت حين كشف الوزير عن جذور الداء. فبينما يسود الاعتقاد بأن الحرب هي المسؤولة الأولى عن المآزق الاقتصادية، يشير الخليل إلى وجهة نظر مغايرة تماماً. يقول: “بعض [المشاكل] يعود إلى خلل في بنية الاقتصاد السوري عمره أكبر من عمر الحرب”. إنه تصريح يدعو السوريين إلى إعادة قراءة تاريخهم الاقتصادي، موحياً بأن الاقتصاد كان يعاني من تشوهات هيكلية قبل أن تشتعل فتيل الأزمة.
لكن تشخيص الداء ليس كافياً، إذ يقدم الوزير رؤيته للعلاج. يرى الخليل أن “معالجة التعقيدات التي تشوب المشهد الاقتصادي لا يمكن أن تتم من خلال الإجراءات والقرارات” المجتزأة. إذ إنه ينتقد نهج “الترقيع” الذي طالما اعتمدته الحكومات السورية المتعاقبة، داعياً إلى تغيير جذري في النهج، يبدأ من “رسم السياسات” بشكل شامل ومتكامل.
ويختم الوزير بنبرة تحذيرية، قائلاً: “من غير الطبيعي ومن غير المنطقي أن نستمر بالرؤى نفسها التي أنتجت بعض السياسات غير المجدية”. وهذا إعلان صريح بأن الاقتصاد السوري يقف على مفترق طرق، وأن الاستمرار في النهج الحالي قد يقود إلى كارثة. فهل ستكون هذه التصريحات بداية لـ ثورة إصلاحية في الاقتصاد السوري، أم ستبقى مجرد صرخة في واد؟
ثم انتقل الوزير إلى مشهد آخر، هذه المرة في عام 2012. يقول: “تضررت البنية التحتية والخدمية بشكل كبير”. لكن المأساة لم تقف عند هذا الحد. فمع “خروج الكثير من المناطق السورية عن السيطرة، ولاسيما تلك التي تتواجد فيها الثروات النفطية والغذائية”، وجدت الدولة نفسها في مواجهة شح موارد حاد. أضف إلى ذلك “انخفاض عدد السياح بشكل كبير، وتراجع الإنتاج والتصدير”، لتتشكل صورة لاقتصاد يقف على الحافة. في هذه اللحظة الحرجة، اتخذت الحكومة قراراً جريئاً. يشرح الخليل: “كان لا بدّ من انتهاج سياسة تجارية تقشفية ومنضبطة ومتوازنة”. إنه اعتراف بأن الظروف الاستثنائية تتطلب إجراءات استثنائية، في محاولة للحفاظ على توازن هش.
هذه الأرقام لا تعكس فقط ارتفاعاً في الضرائب، بل تكشف عن خلل منهجي في طريقة فرضها. يؤكد عدد من التجار أن “وزارة المالية تضع الضرائب بحسب ما تريد، دون الاستناد إلى أي نص قانوني أو دستوري”. إنها اتهامات خطيرة، توحي بأن الدولة تتصرف كمن يملك مطلق الصلاحية لجيوب مواطنيها. النتيجة؟ كارثة اجتماعية واقتصادية. فالعديد من التجار، خاصة في المناطق التاريخية بدمشق، يجدون أنفسهم مضطرين لبيع عقاراتهم – التي تمثل إرث عائلاتهم لقرون – لمجرد تسديد ضرائبهم. يقول أحدهم بحسرة: “العمل أصبح خسارة بخسارة. نحن نخسر أموالنا في التجارة، ثم نخسر جذورنا في هذه المدينة”. في هذا المشهد، تبدو دمشق وكأنها تقف على مفترق طرق تاريخي. فبينما تسعى الحكومة لترميم خزينتها بأي ثمن، يبدو أنها تخاطر بتدمير النسيج الاقتصادي والاجتماعي لعاصمتها العريقة. السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستدرك السلطات أن إنقاذ الدولة يجب ألا يكون على حساب مواطنيها؟
دمشق تفتح صندوق الأزمات
في خطوة تشبه الكشف الطبي عن مرض عضال، أزاح وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السوري، محمد سامر الخليل، الستار عن تشخيص صادم للاقتصاد السوري. فبعيداً عن الخطابات المنمّقة، اختار الوزير أن يضع المشرط على الجرح، معلناً أن المشهد الاقتصادي في سوريا ليس مجرد أزمة عابرة، بل هو نتاج “جملة من التعقيدات والمشكلات المتراكمةالصدمة الحقيقية جاءت حين كشف الوزير عن جذور الداء. فبينما يسود الاعتقاد بأن الحرب هي المسؤولة الأولى عن المآزق الاقتصادية، يشير الخليل إلى وجهة نظر مغايرة تماماً. يقول: “بعض [المشاكل] يعود إلى خلل في بنية الاقتصاد السوري عمره أكبر من عمر الحرب”. إنه تصريح يدعو السوريين إلى إعادة قراءة تاريخهم الاقتصادي، موحياً بأن الاقتصاد كان يعاني من تشوهات هيكلية قبل أن تشتعل فتيل الأزمة.
لكن تشخيص الداء ليس كافياً، إذ يقدم الوزير رؤيته للعلاج. يرى الخليل أن “معالجة التعقيدات التي تشوب المشهد الاقتصادي لا يمكن أن تتم من خلال الإجراءات والقرارات” المجتزأة. إذ إنه ينتقد نهج “الترقيع” الذي طالما اعتمدته الحكومات السورية المتعاقبة، داعياً إلى تغيير جذري في النهج، يبدأ من “رسم السياسات” بشكل شامل ومتكامل.
ويختم الوزير بنبرة تحذيرية، قائلاً: “من غير الطبيعي ومن غير المنطقي أن نستمر بالرؤى نفسها التي أنتجت بعض السياسات غير المجدية”. وهذا إعلان صريح بأن الاقتصاد السوري يقف على مفترق طرق، وأن الاستمرار في النهج الحالي قد يقود إلى كارثة. فهل ستكون هذه التصريحات بداية لـ ثورة إصلاحية في الاقتصاد السوري، أم ستبقى مجرد صرخة في واد؟
“البنية المريضة” للاقتصاد السوري
في جلسة استثنائية، بدا وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السوري، محمد سامر الخليل، وكأنه يقدم عرضاً سينمائياً لملحمة الاقتصاد السوري. فبسردٍ جديد غير معهود، استعرض الوزير مسيرة البلاد التجارية عبر عقود، راسماً لوحة ديناميكية لاقتصاد يصارع من أجل البقاء في خضم تحديات متتالية بدأت القصة في ثمانينيات القرن الماضي، حيث وجدت سوريا نفسها تحت وطأة “حصار اقتصادي خانق”. يصف الخليل هذه الفترة بقوله: “لم يكن بالمقدور التعامل معه والخروج منه دون إجراء تغيير في الفكر السياسي”. كانت هذه لحظة حاسمة، دفعت البلاد إلى “فسح المجال للقطاع الخاص بشكل أكبر لممارسة العمل التجاري الخارجي”، في تحول يشبه فتح نافذة في غرفة مغلقة.ثم انتقل الوزير إلى مشهد آخر، هذه المرة في عام 2012. يقول: “تضررت البنية التحتية والخدمية بشكل كبير”. لكن المأساة لم تقف عند هذا الحد. فمع “خروج الكثير من المناطق السورية عن السيطرة، ولاسيما تلك التي تتواجد فيها الثروات النفطية والغذائية”، وجدت الدولة نفسها في مواجهة شح موارد حاد. أضف إلى ذلك “انخفاض عدد السياح بشكل كبير، وتراجع الإنتاج والتصدير”، لتتشكل صورة لاقتصاد يقف على الحافة. في هذه اللحظة الحرجة، اتخذت الحكومة قراراً جريئاً. يشرح الخليل: “كان لا بدّ من انتهاج سياسة تجارية تقشفية ومنضبطة ومتوازنة”. إنه اعتراف بأن الظروف الاستثنائية تتطلب إجراءات استثنائية، في محاولة للحفاظ على توازن هش.
لكن الوزير لا يكتفي بسرد التاريخ، بل يتطرق إلى الحاضر بنظرة نقدية لافتة. يقول: “دعم القطاع العام في مطارح جديدة في قطاعات ليس لها جدوى اقتصادية أثر بشكل سلبي على الاقتصاد الوطني”. وهذا انتقاد مباشر لسياسات الدعم العشوائي، واصفاً إياها بأنها “في غير محلها الاقتصادي”.ويختم الخليل بإشارة إلى ما يراه خطأ استراتيجياً آخر: “الدعم للمواد بأشكاله الحالية أصبح غير مجدٍ، حيث يرهق كاهل الدولة و يستنزفها ولا يستفيد منه المواطن بشكل حقيقي”. مطلقا دعوة للتخلي عن سياسات “إطعام الطيور بإلقاء الخبز في البحر”، واستبدالها بنهج أكثر استهدافاً وفعالية.
دمشق تحت مطرقة الضرائب
في مشهد يذكّر بـ روايات ديكنز، حيث تطحن آلة الدولة البيروقراطية أحلام البسطاء، تتحول شوارع دمشق العتيقة إلى مسرح لـ دراما اقتصادية مؤلمة. فبينما تسعى الحكومة السورية، بإصرار لافت، إلى ترميم خزينتها عبر سلسلة من التعديلات الضريبية، يجد التجار الصغار أنفسهم في قلب عاصفة مالية تهدد في زمن تتهاوى فيه الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، وترتفع نسب التضخم إلى مستويات فلكية، كان يُفترض بالحكومة أن تمد يد العون للمواطن الذي يصارع لتأمين لقمة عيشه. لكن المفارقة الصادمة أن دمشق اختارت هذه اللحظة بالذات لتثقل كاهل تجارها الصغار بضرائب وصفها البعض بـ”الخيالية”.خذ مثلاً قصة صاحب متجر صغير في قلب دمشق القديمة، حيث لا تتجاوز مساحة محله 4 أمتار مربعة. هذا التاجر، الذي يكافح يومياً لتحقيق هامش ربح متواضع، وجد نفسه فجأة أمام فاتورة ضريبية بقيمة 3 ملايين ليرة. يقول بمرارة: “هذا المبلغ يفوق ما أجنيه في أشهر من العمل. كيف يُعقل أن تطالبني الدولة بهذا القدر؟”لكن هذه القصة ليست سوى غيض من فيض. ففي المناطق الراقية بدمشق، تتحول الأرقام الضريبية إلى ما يشبه الخيال العلمي. يروي أحد الحلاقين: “لقد طالبوني بدفع أكثر من 160 مليون ليرة كضريبة على صالوني. هذا في وقت لا يتجاوز فيه عدد زبائني الـ50 شهرياً”. ويضيف بسخرية مريرة: “حتى لو حلقت لهم بشفرات من ذهب، لن أتمكن من تغطية هذه الضريبة”.
هذه الأرقام لا تعكس فقط ارتفاعاً في الضرائب، بل تكشف عن خلل منهجي في طريقة فرضها. يؤكد عدد من التجار أن “وزارة المالية تضع الضرائب بحسب ما تريد، دون الاستناد إلى أي نص قانوني أو دستوري”. إنها اتهامات خطيرة، توحي بأن الدولة تتصرف كمن يملك مطلق الصلاحية لجيوب مواطنيها. النتيجة؟ كارثة اجتماعية واقتصادية. فالعديد من التجار، خاصة في المناطق التاريخية بدمشق، يجدون أنفسهم مضطرين لبيع عقاراتهم – التي تمثل إرث عائلاتهم لقرون – لمجرد تسديد ضرائبهم. يقول أحدهم بحسرة: “العمل أصبح خسارة بخسارة. نحن نخسر أموالنا في التجارة، ثم نخسر جذورنا في هذه المدينة”. في هذا المشهد، تبدو دمشق وكأنها تقف على مفترق طرق تاريخي. فبينما تسعى الحكومة لترميم خزينتها بأي ثمن، يبدو أنها تخاطر بتدمير النسيج الاقتصادي والاجتماعي لعاصمتها العريقة. السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستدرك السلطات أن إنقاذ الدولة يجب ألا يكون على حساب مواطنيها؟