وأضاف أن المشكلة في الحروب الماضية، أنها كلها انتهت بالعودة للوضع الراهن، ولا رأي آخر يدعونا للتفكير أن الجولة الحالية ستكون مختلفة. فالحروب بين إسرائيل وحماس في 2008 و2012 و2014 كلها انتهت بوقف إطلاق نار لم يفعل الكثير لحل النزاع.
وكانت النتيجة هي مناوشات مستمرة وصواريخ على إسرائيل وغارات جوية إسرائيلية على غزة ومواجهات مع المقاتلين، كلها أدت لقتل المدنيين. وعليه، فهناك حاجة لتغير في النظام الإقليمي، إما من خلال عملية سياسية بين إسرائيل وحماس أو تدمير كامل للأخيرة. ولا يمكن تحقيق أي سيناريو من هذه على الأرجح، إلا في حالة قرر الدبلوماسيون رفض الأشكال القديمة واستبدالها بجديدة.
ولماذا سننتهي بنفس السيناريو هذه المرة؟ يقدم ساسلي عدة أسباب:
أولا، فرغم الزعم بأنها قتلت أعدادا كبيرة من الأرواح، إلا أن حماس لا تمثل تهديدا وجوديا على إسرائيل. فالأخيرة هي دولة مندمجة بشكل كامل في المجتمع الدولي ولديها أقوى جيش بالمنطقة ومظلة أمنية أمريكية. وبناء على هذه الظروف، فكل ما تستطيع حماس عمله هو الدخول في هجمات متقطعة و”صغيرة” ضد إسرائيل، وكل ما تريده هو النجاة من الهجوم الإسرائيلي الأخير لتعود إلى موقع تكون فيه قادرة على الضرب من جديد. وهذا يعني أن حماس لن تكون في وضع قوي لإجبار إسرائيل على تقديم تنازلات حقيقية. وكل ما يمكن لحماس عمله هو تبادل مئات الأسرى الإسرائيليين بفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، لكن هذا لا يفعل أي شيء لإخماد الخلاف الحقيقي بينهما.
السبب الثاني، لم يعبر أي من الطرفين عن رغبة في الحل السياسي الحقيقي، فقد بنت حماس سمعتها بناء على قدرتها في مقاومة إسرائيل، كما أن حكمها في غزة حرمها من الشرعية التي كانت لديها كبديل سياسي حقيقي عن فتح، مخلفة شرعيتها المرتبطة بالمقاومة.
وكشفت الدراسات أن جماعات التمرد توافق فقط على المشاركة في العملية الدبلوماسية لو سُمح لها بالمشاركة في الحكم. ولكي تفعل هذا، فيجب على حماس التخلي عن تركيزها على العنف كسبب وحيد لوجودها. وكل ما عبّرت عنه الحركة باستعدادها لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى عبر وسطاء.
ومن جانب إسرائيل لم تعبر أي حكومة من داخل الطيف السياسي عن أية رغبة للتفاوض مع حماس، وهي مثل الأخيرة، عبّرت عن رغبة بمحادثات محدودة للتفاوض على تبادل الأسرى أو وقف إطلاق النار.
السبب الثالث، كان الوضع الراهن في غزة مفيدا للحكومة المتطرفة في إسرائيل؛ لأنه حللها من أي مفاوضات ذات معنى مع حركة فتح، طالما ظلت حركة إرهابية على حدودها، في إشارة إلى حماس. حيث قالت هذه الحكومات إن العملية السلمية مستحيلة ولا تفاوض على دولة فلسطينية قابلة للحياة.
وهناك تقارير تقول إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان واضحا بشأن هذه الإستراتيجية. ونقل عنه قوله عام 2019 إن أي شخص يعارض الدولة الفلسطينية عليه تقوية حماس على حساب فتح.
وكسياسي ماهر في الحفاظ على الوضع الراهن بدلا من أن يكون رجل دولة برؤية ويتحرك نحو السلام، فليس من المحتمل أن يعرقل نتنياهو النظام الذي جنّبه تقديم تنازلات في العملية السلمية. والرد العسكري يعطيه القدرة على الزعم بأنه وقف ضد حماس بدون تقديم تنازلات بشأن الدولة التي لا يريد السماح بها. وهو مستعد لأن يدفع ثمن الإرهاب الذي تمثله حماس.
وإذا كان هجوم الحركة الأخير وحشيا وأجبر إسرائيل على التفكير بأن الوضع الراهن لا يمكن الحفاظ عليه، بدون تدمير حماس عسكريا، لكن عمل هذا سيكون معقدا، وهذا هو السبب الرابع الداعي للقول إن حدوث تغير في الوضع، غير محتمل.
فقد اعتمدت إسرائيل في حروبها السابقة على الغارات الجوية، وهي وإن كانت قادرة على تدمير البنى التحتية للحركة، إلا أن هناك شبكة واسعة من الأنفاق التي يمكن أن تتخذها حماس كقاعدة عمليات لشن حرب عصابات. والطريقة الوحيدة لتدمير حماس هي عبر غزو بري، تتحرك فيه القوات الإسرائيلية ببطء في الأماكن المفتوحة والحضرية وبخسائر محتملة بين الجنود والمدنيين الفلسطينيين، وهي تحاول قتل أو القبض على قادة حماس، وهي مخاطرة يحاول نتنياهو تجنبها. وكلما طال أمد العملية، كلما زادت الضغوط الدولية على إسرائيل لوقفها قبل أن تحقق أهدافها.
السبب الخامس، أن هزيمة حماس في ساحة المعركة لن يكون كافية لتغيير الوضع القائم، لأن الظروف التي قوّته على مدى السنين ستظل في مكانها. وأكدت معظم الدراسات المتعلقة بحملات مكافحة التمرد والإرهاب على أهمية التخطيط المدروس لمرحلة ما بعد الحرب. وعلى ما يبدو، لا القيادة الإسرائيلية ولا الجيش لديهما خطة لما بعد الحرب، ولا توجد شهية لدى الإسرائيليين حكومة وشعبا لإدارة غزة لمدة طويلة أو احتلال منطقة دُمرت بسبب سنوات من الحروب والحصار. والبديل هو تحالف من دول عربية وحركة فتح ودول أوروبية والجامعة العربية والأمم المتحدة. لكن مسحة الاستعمار ستضعف هذه المحاولة التي سيتعامل معها الفلسطينيين بأنها إهانة.
ولعل البديل الأفضل هي عملية متعددة الوجوه، كل مرحلة تبنى على الأخرى. وتبدأ المرحلة الأولى بمحاولة إسرائيل إقناع حماس بأن تدميرها محتوم إلا إذا وافقت على عملية سياسية، وذلك من خلال عملية عسكرية تستهدف حماس في غزة، ودبلوماسية تقطع التمويل عنها ومنع استقبال قادة حماس. وعملية كهذه تقتضي موافقة الحكومة الإسرائيلية على تخفيض الاستيطان في الضفة الغربية ووقف الاقتحامات للمسجد الأقصى، ورفع الحصار عن غزة، وكل هذه السياسات أقنعت الفلسطينيين أن إسرائيل غير معنية بالسلام.
ويمكن رفع الحصار تدريجيا وبالترادف مع موافقة حماس على التخلي عن العنف وتحسين الحكم في غزة. ومع أن الدعوات لهذه العملية بين الإسرائيليين والفلسطينيين غير ممكنة في أعقاب الهجوم على إسرائيل ومقتل المدنيين الفلسطينيين نتيجة للغارات الجوية الإسرائيلية، ولكن حجم الخسائر بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، قد يجبر القادة والرأي العام على الجانبين بأن هناك حاجة للتغيير.