نقاط الاختلاف والتشابه بين الوثائق
من حيث المضمون، تشترك وثيقة المناطق الثلاثة مع وثيقة المبادئ الخمسة في أنَّهما تطرحان مبادئ عامة والتأكيد على وحدة سوريا، وهي ما تتشابه به مع وثائق كثيرة سابقة صدرت عن قوى الثورة والمعارضة مثل: بيان الرياض1 و2 والإطار التنفيذي لبيان جنيف1 لعام 2016.أمّا عن نقاط الاختلاف، فقال الدكتور أحمد قربي، مدير وحدة التوافق في مركز الحوار السوري، في حديث لـ”نون بوست”: “وثيقة المناطق الثلاثة عمومية أكثر، حيث ركّزت على تأميم السياسة وبناء الثقة، والتنسيق والحوار وحق السوريين في الحياة والكرامة والحرية، ورفض التقسيم والمشاريع الانفصالية، هذه المبادئ تتجاوز الانقسامات السياسية بين المعارضة والنظام، لذلك كان هناك شبه إجماع عليها من كل الأطراف”.
وأضاف أن ذلك على عكس وثيقة المبادئ الخمسة التي تمثّل وجهة نظر المعارضة بشكل أكبر، حيث أكدت على قضايا الحلّ السياسي بمرجعية قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 وبيان جنيف1، والإفراج الفوري عن المعتقلين وخروج كافة الميليشيات الأجنبية، بالتالي الوثيقة لن تُوافق عليها الجهات القريبة من نظام الأسد، باعتبار أن الأخير كان وما زال رافضًا لأيّ حل سياسي فعلي للقضية السورية.
كذلك أشار قربي إلى أن وثيقة المبادئ الخمسة حاولت أن تتدخل بهوية الدولة السورية عندما نصّت على أن سوريا دولة علمانية، وهذا ما أثار لغطًا وأدى لانسحاب الشيخ أحمد الصياصنة منها بعد أن وقّع عليها، على عكس الوثيقة الأولى التي تركت للسوريين القرار عندما تحدثت عن فكرة تأميم السياسة.
وفي هذا السياق، أوضح “تيار الحرية والتغيير” أحد الموقعين على وثيقة المبادئ الخمس في بيانه، الإثنين الفائت، أن “اللجوء لإدراج كلمة علمانية بموقع محدد فقط في المقدمة يشير بأن هذه الدولة التي ننشد ليست سلطة طغيان وتطرف وميليشيات أمر واقع وطائفية، وأن العلمانية بذلك تفي بهذا الغرض في التعاقد الاجتماعي المستقبلي والقابل للحوار المفتوح حولها”، مضيفًا “الخطأ هو أن التحديث على الوثيقة لم يصل لجميع الموقعين بذات الوقت، وحين الإعلان عن الوثيقة تم الاحتجاج على الإضافة”.
أما من حيث الجهات الموقعة، يعتقد الباحث قربي، أن القوى الموقعة على وثيقة المناطق الثلاثة حاولت الخروج من امتلاك القوى السياسية “التقليدية” لمثل هذه الوثائق، بالتالي كان التوقيع عليها من فعاليات وهيئات شعبية وناشطين سياسيين في الداخل السوري، على عكس وثيقة المبادئ الخمسة التي وقعتها قوى وهيئات وشخصيات سياسية تقليدية.
إمكانية تطبيق المبادرات السياسية
يرى الباحث في مركز الحوار السوري، أن مثل هذه المبادرات ليس لها فعالية على المدى القريب والمتوسط، لأن مسار الحلّ السياسي ليس بيد السوريين فقط، فالفعالية الأساسية للحل السياسي أضحت بيد قوى خارجية أجنبية لديها جيوشها على الأرض السورية، وهذه الدول لا تتحرك وفق تفاعلات داخلية محلية إنما تتحرك وفق مصالحها، بالتالي تأتي قضية السوريين في المرتبة الثانية أو الثالثة لمثل هذه الدول.وتابع قربي، أن مثل هذه المبادرات التي تعرّي نظام الأسد قد يكون لها أثر على المدى البعيد في تحريك الملف السياسي، مستبعدًا أن يكون لها تأثير واضح.
بدوره، أوضح الكاتب السياسي، عماد غليون، لـ”نون بوست” أن التوجه للمبادرات السياسية المطروحة ينطلق من الدعوة لتطبيق القرار الدولي رقم 2254 من أجل التوصل لحل سياسي، لكن كل المبادرات السورية لا تطرح كيفية تطبيق هذا الحل بشكل عملي، ناهيك بأن القرار نفسه عام ويحتمل تأويلات متعددة من كل الأطراف، ما يجعله شبه فاقد للأهمية وإمكانية التطبيق.
واستدرك غليون، لكن لا يوجد في الأفق السياسي عند المعارضة بديلًا عن ذلك، إلا ما يطرح من مشروع لنقل عمل لجنة التفاوض إلى دمشق، وهو طرح قريب من توجه منصة موسكو ويلقى دعمًا روسيًا، ويجري العمل على توفير مظلة لهذا المشروع وضمانات أمنية.
ردود السوريين على الوثائق المعلنة
أما فيما يتعلق بردود فعل السوريين عليها، فأوضح الباحث أحمد قربي أنه من الطبيعي أن تكون مؤيدة ومشجعة باعتبارها تركز على المشتركات التي لا يختلف عليها أي سوري غيور على مصلحة بلده وأبناء شعبه، باستثناء نقطة تحديد شكل هوية الدولة باعتبارها من النقاط التي كانت وما زالت خلافية بين القوى والتيارات السورية، حسبما تشير عدة دراسات.كذلك أكد المحامي محمد سليمان دحلا المقيم في ريف حلب، لـ”نون بوست” أنه لا يرى أي جديد في الوثيقتين، إنّما تأكيد على مبادئ وثوابت ثورة الحرية والكرامة منذ انطلاقتها وحتى اليوم والتي دفع ثمنها الأبطال الذين جاهروا بها عندما كان نظام الأسد بأشد قوته وبطشه ولا يزالون متمسكين بها وثابتين ومصممين على الاستمرار حتى تحقيقها مهما بلغت التضحيات.
وأضاف، لذلك الوثائق المطروحة لا تشكل حالة جديدة للأحرار السوريين ولا تحريك للمياه الراكدة، لكن لا بأس من تذكير العالم الخارجي بهذه المبادئ والثوابت والأهداف، فالواقع على الأرض السورية هو واقع مفروض بالتفاهمات الدولية ولن تؤثر به وثائق وتواقيع، بل يحتاج إلى فعل نضالي حقيقي على الأرض كما يجري في ساحة الكرامة في السويداء لا على غرف الدردشة.
واتفق مع دحلا، خبير العلوم السياسية محمد حمادة، وأكد أنه لا جديد بالوثائق السياسية المطروحة، وقال لـ”نون بوست”: “إنها تكرارًا لمطالب الشعب السوري من جهة، ومن جهة أخرى أغلب المبادئ منصوص عليها في قرارات مؤتمرات ومسارات دولية سابقة، إلا أنَّها تعد تحريكًا جديدًا للمياه الراكدة”.
غليون هو الآخر اتفق مع زملائه، ورأى أن الوثائق الجديدة تعمل على إعادة إنتاج القواسم المشتركة بين السوريين في الحد الأدنى، لإعادة الزخم للحراك السياسي، ثم تطويرها، وتجميع وحشد أكبر طيف من القوى والشخصيات والتيارات السياسية للعمل وفقها، بعد جمود ساد الساحة السياسية السورية. معتقدًا أن ترحيب “مسد” بوثيقة المناطق الثلاثة “خطوة مهمة، ويشكل دعمًا قويًا، وإضافة نوعية وانفتاح الإدارة على الحوار مع باقي المكونات والمناطق السورية”.
فيما ذكر الصحفي أحمد مظهر سعدو لـ”نون بوست”، أن وثيقة المناطق الثلاث جاءت نتيجة الحراك الشعبي في السويداء، المستمر منذ 17 أغسطس/آب الماضي، والذي أعاد الحياة إلى جُلّ الحراك الوطني السوري الديمقراطي، الذي كاد أن يخبو، فيما جاءت وثيقة المبادئ الخمسة بمحدّدات وأساسات وطنية يجمع عليها السوريون اليوم، يمكن الاشتغال فيها وعبرها نحو إنتاج العقد الاجتماعي الوطني السوري الذي طال انتظاره، وتقاعس الجميع ولم يتمكنوا من إنجازه بعد، لتكون بداية جديدة تسهم في إخراج القضية السورية من عنق الزجاجة في المستقبل في ضوء هذه الوثائق التي تكمل بعضها البعض.
المسارات الخمس في بيان المناطق الثلاث التي حملت شعار “حي على الوطن”، جاءت لتؤكد على مطالب قوى الثورة والمعارضة التي يتجاهلها المجتمع الدولي، وأكد تجمع العمل الوطني في الساحل السوري في بيان الانضمام للوثيقة، أنه سيكون رافدًا سوريًا وطنيًا يعمل مع أبناء الوطن كافة لتحقيق الحرية والانتقال السياسي، كذلك الحراك الوطني الديمقراطي في الجولان والحزب التقدمي الاشتراكي (لبنان) في بيان ه، ويتطلع بيان إدلب إلى “استكمال النقاش الدائر لانضمام مناطق سورية أخرى على امتداد الأرض السورية، تمهيدًا للبدء بالمرحلة الثانية من هذا المشروع السياسي”، وما يقابلها من تشكيلات سياسية جديدة في الشمال السوري، في وقت يزيد التطبيع مع بشار الأسد.
وكان المجلس الإسلامي السوري قد أطلق في 18 سبتمبر/أيلول 2015 وثيقة المبادئ الخمسة للثورة السورية (وهي غير الوثيقة الجديدة التي تحدثنا عنها في هذا التقرير)، كأحد الشروط الأساسية لأي حل سياسي أو مبادرة دولية، وشملت “إسقاط نظام الأسد، وتفكيك أجهزته الأمنية، بالإضافة إلى خروج كل القوى الأجنبية من على الأرض السورية، والحفاظ على وحدة سورية وهويتها، مع رفض المحاصصة بأنواعها”.