ومثل هؤلاء لم ينتخبهم أحد لأداء هذه المهمة، وليس بيدهم دليل وثائقي يبرز علاقتهم بالسماء ولا صكاً يفيد بتعيين السماء لهم في الأرض ليصدروا التشريعات نيابة عنها ويوقعوا باسمها، كما أسس ابن تيمية وأفرد لها كتابة (أعلام الموقعين عن رب العالمين)، لأن ابن تيمية نفسه الذي أجاز التوقيع نيابة عن الله هو من آحاد البشر، وليس نائباً لله في الأرض ووكيلاً عنه، لأن النبي نفسه ليس عليهم بوكيل بصريح القرآن، ولم يكن مثل النبي توحي له السماء حتى يشير إلينا بقبول هذه الفتوى ورفض تلك، ولا اختاره الله ولا الناس مُوقعاً عن رب العالمين، وعليه فإن الفتوى التي تقوم بالتشريع تفتقر هي ذاتها إلى الشرعية سماوية كانت أم أرضية. ورغم ذلك ينهمر على المسلمين سيل الفتاوى اليومي رغم أنف المواطنين ورغم أنف المجالس النيابية ورغم أنف الحكومة ورغم أنف الدين نفسه، ويأخذ بها المواطن ويعمل بها حتى لو عارضت مصالح وقوانين الدولة مجتمعة.
وتتفاوت الفتاوى في عبثيتها وتفاهتها أو استخفافها بعقول الناس أحياناً، وفي خطورتها وضررها على الوطن بل وأمن الوطن وسياساته، أو خطورتها على العالمين أحياناً، أخرى ونماذج لذلك: لجنة الإفتاء السعودية التي أفتت بتحريم إهداء الزهور، وتحريم تعلم اللغة الإنجليزية، وناصر الفهد افتى بتحريم التصفيق سواء في محاضرة أو حفل أو مباراة، وتحريم أداء التحية العسكرية للشرطة والجيش، وعبد الله النجدي أفتى بتحريم رياضة كرة القدم، ومجمع البحوث الأزهري افتى بتحريم التدخين، وتحريم الولاية العامة للمرأة، وفوائد البنوك والتأمين، وعلى جمعة أفتى بتحريم فن النحت وتحليل بول الرسول والمنجد أفتى بوجوب قتل ميكي ماوس لأنه الفويسقة والداعية الشهيرة أم أنس أفتت أن جلوس المرأة على الكراسي يخرجها من الملة لما فيه من مدعاة للفتنة والتبرج، لذلك فالجلوس على الكرسي رذيلة وزنا لا شبهة فيه. وبين سيل التحريمات تجد بعض فتاوى التحليل كشرب بول النياق للعلاج من كل داء، وفتوى أحمد المعبي بحلالية الزواج من الطفلة الرضيعة بشرط المفاخذة حتى ينضج جسمها ويسمح بالإيلاج، وأفتى على الخضير بجواز الكذب وشهادة الزور ضد العلمانيين وأصحاب الديانات الأخرى لأن ذلك في صالح الإسلام، وأفتى سليمان الخراشي بحلالية نهب أموال العلمانيين وانتهاك حرماتهم والتلفيق لهم كذباً بحرب الإشاعة، كذلك ضد أصحاب الأفكار المنحرفة لصرف المسلمين عنهم فلا يستمعوا إليهم، وقد نال صاحب هذا القلم النصيب الأوفر من الإشاعات والاتهامات الملفقة والتبخيس والتسخيف وهدر الكرامة بموجب هذه الفتاوى. وأفتى عزت عطية برضاع زميلة العمل وأكدها المنجد والعبيكان بحديث رضاع الكبير. ووصل عدد الفتاوى التي أصدرتها دار الإفتاء المصرية إلى ألف فتوى سنوياً، أما الهاتف الإسلامي (وهو لون من البزنيس الرديء) متوسط عشرة آلاف استفتاء شهرياً.
وبعد أن كانت أوامر التحريم والتحليل تهبط من السماء على الأرض وحياً، أصبحت هذه الأوامر تصعد وحياً من الأرض إلى السماء، ففتوى تحريم التدخين لم تأت في دين المسلمين وليس عليها حد في القرآن ولا السنة، وهكذا تبدو الفتوى توجيهاً للسماء وتنبيهاً لها بل وأمر لها لتعاقب المدخن وتدخل غير المحجبة إلى النار وأن تعذب من عالج نفسه بالخلايا الجذعية، دون وجود أي نصوص في المقدس الإسلامي حول مثل هذه الشئون.
وتكون المشكلة أكثر تعقيداً عندما تتضارب الفتاوى بتضارب المذاهب واختلاف البيئات والمجتمعات، فالسني سيفتى بخلاف الشيعي، والحنبلي سيفتى بغير الشافعي، فهل سيحير ذلك السماء كي تختار طاعة أحدهما وعدم طاعتها للآخر؟ أم ستنفذ أوامر كليهما على تناقضهما؟ وهل قصر نبي الإسلام (ص) كل هذا التقصير في تبليغ دعوته وترك دينه ناقصاً كل هذا النقص ليحتاج هذا السيل من الفتاوى؟ أم أن نبي الإسلام قد جاء بدعوته تامة كاملة مانعة، وأنه بموته انقطع التدخل في الأوامر والنواهي وتوقف التحليل والتحريم إلى الأبد؟ بعد أن أتم الله نعمته على المسلمين وأكمل لهم دينهم بصريح قرآنه قبل وفاة نبيه مباشرة؟.
أما الأخطر فهو تلك الفتاوى التي تتعلق بأمن المجتمع وسلامته وسلامة المواطنين ومعاشهم، كالفتاوى التكفيرية التي تهدر دم المختلف في المذهب أو حتى المختلف برأيه عن رأي المفتي، أو أي مختلف عن المسلمين من أي ملة أو دين، وترفع المجرم القاتل سافك الدم البريء إلى رتبة الملائكة والصديقين. وتزداد الخطورة عندما تكون الفتوى من النوع العابر للقارات والتي تتسبب في حروب دولية تزهق فيها الأرواح البريئة ممن لا علاقة لهم بالأمر، فإعلان الحرب على العالم من طالبان أو القاعدة أو الجهاد هو إعلان من غير ذي صفة، من أفراد لا علاقة لنا بهم فلا اخترناهم ولا عرفناهم ولا بايعناهم ولا عينهم أحد لأداء هذه المهمات. هو إعلان حرب على العالم والإنسانية باسمنا دون رضى منا، وتعود آثاره وعواقبه على كل المسلمين الأبرياء منهم قبل المجرمين، وسبق لصاحب هذا القلب أن حذر طويلاً وكثيراً من انعكاس ذلك على البلاد وماستؤدي إليه حتما من كوارث طائفية ، وانعكاس ذلك على المسلمين المهاجرين إلى بلاد الغرب، وها هي الأحداث تثبت صحة توقعاته . وأعتقد أنه قد آن الأوان لعودة هؤلاء من مهجرهم قبل أن يطردوا منها طرداً مُهيناً بما يلحق هذا الطرد من خسائر مادية ونفسية وعائلية.
وقد حدث ما حدث وتكاثر وتلاحق وتفاقم لأننا سمحنا من البدء حكومات وشعوب بتمرير الفتاوى التي تتحدى إرادة القانون دون توقيع العقوبات الرادعة على أصحابها،
ثم تركنا فتاوى الخراب تصدر من أزاهرة عينتهم الحكومة في مؤسساتها، وتركنا المساجد والزوايا يركبها كل من هب ودب ليكفروا تحديد النسل مباهاة للأمم فتكاثرنا تكاثراً حشرياً أدى إلى انهيار الاقتصاد والخدمات والبني التحتية، وكفروا فوائد البنوك فضربوا اقتصاد الدولة في مقتل حتى رزحت تحت الديون، وسمحوا بالبنوك الإسلامية وبيوت الأموال لتهرب بأموال الوطن إلى خارج البلاد، وخسرالوطن و الناس أموالهم، بينما احتفظ الدعاة المروجون لها بما وصلهم من أموال الفقراء من رشاوى سميت بالنفحات من صندوق البركة. وسمحنا باستمرار الاعتداء على نصف المجتمع (المرأة) وتدرجه من الحجاب إلى النقاب إلى لزوم البيت، ووقف الأزهر وشيخه الأكبر وقفةُ مصرية إلى جوار الاعتداء الجسدي الوحشي على الأطفال من بنات المسلمين بجريمة الختان، إلى جانب الاستمرار في ضرورة ولاية الذكر للمرأة عند الزواج وعدم السماح لها بتزويج نفسها حتى لو كانت طبيبة أو مهندسة أو استاذة جامعية. وعندما سمحنا للشعارات الدينية الكارهة بأن تنزل الشوارع فتجدها على الحوائط واليافطات وداخل المواصلات العامة لتمزيق الوطن طائفياً (رحم الله أيام وزير الداخلية أحمد رشدي)، وعندما لم تتم معاقبة سليم العوا وأحمد منصور أمام المحاكم لأقوالهم الفلوتة والإجرامية، رغم أن كل منهما كان يجب أن يكون الآن في زمالة سلومة الأقرع حيث يودع المجرمين، ورغم أن هذا الأقرع أقل جرماً من الذين أجرموا في حق الوطن كله. لذلك يجب تسجيلهم كمسجلين خطر على الأمن القومي وجواسييس عضويين يقومون بعمليات تخريبية مدروسة . بل أن الوطن نفسه قد غاب عن العقول والأفئدة بعدما أهملنا علم الوطن ليتحول إلى خرق مخزية فوق إدارات الدولة، وعدم السماح بتعليقه على البيوت، بل وإهدار كرامته برفع المصحف في طابور الصباح بالمدارس بدلاً عن العلم مع الهتافات الطائفية الدينية عندما سمحنا بهذا كله كان من اليسير أن يأتي معه نهر الدم الذي يدفعه الأبرياء في بلادنا وبلاد غيرنا، ودون أهداف واضحة معلنة لكل هذا القتل الجماعي والتفجير والتفخيخ سوى لذة القتل التي أصبحت هدفنا في ذاتها. وكان أولى بنا كما نرفض دوماً بإباء وشمم تدخل الدول الكبرى في شئوننا الداخلية، أن نرفض فتاوى الدم وتدخل الوهابين في شئوننا الداخلية والخارجية المحلية والعالمية بذات الإباء والشمم. لكننا لازلنا نفكر بمنطق القبيلة وأنه أنا وابن عمي على الغريب، رغم أن بن عمي عاد لغزو بلادي بعد إذلالها بالتآمر عليها مع الغريب لهزيمتها بوثائق معلنة ومعلومة، واستثمر هزيمة بلادي ليفرض سلطانه بأمواله ويتمادى في ساديته ولذاته الشاذة الدموية، لينشر الخراب في كل ركن من البلاد مع كل فتوى جديدة. وحولوا المواطن المرح المنتج المبهج الشاعر الفنان صاحب النكتة الناقدة والحكمة الناضجة، إلى بائس متجهم وعبد وضيع يضع رقبته مختاراً تحت جزمة المفتي ، ويعفر جبهته في تراب نعل شيخ أفاق خائن للوطن انتهازي رخيص ومبتذل.
تخلى المواطن عن حريته عندما تخلى عن عقله وسلم روحه لتجار الدين فأصبح لا يستطيع أن يتخذ أي قرار في أبسط الشئون وفي أخص خصوصياته دون الرجوع إلى الشيخ المفتي، ليمارس المفتي لذاته السادية الشاذة مما يشعره بالسيادة ويمارس المستفتي لذته الشاذة المازوخية بعبودية ومذلة مُختارة. وبينما ذهب ابن العم إلى فنادق الخمس نجوم يأكل الطواويس والكافيار، فإنه صدر لنا الثريد مع أوامر كيف نأكل وماذا نأكل وأن تشرب قاعداً وأن تنام على أي جنب. وأن تضع كفك تحت خدك، وقنن لكل شاردة وواردة من دخول المرحاض وكيفية التبول قاعداً أم واقفاً إلى ما يحدث تحت اللحاف بين الزوجين من شروط النكاح حتى لا تشاركنا الشياطين في نكاح زوجاتنا لأن عدم الالتزام يسمح للشيطان أن يدخل أحليله مع إحليل الزوج الى فرجها وتنجب الأبالسة والشياطين وفي مثل هذه الصفقة فإن الكاسب الأول هو الزوجة بمتعة الإحليلين.
هو استبداد ابن العم الذي مارس علينا ما لم يمارسه فرعون ذي الأوتاد ولا النمروذ بن كنعان ولا من طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد.
وتحولت ثقافتنا من احترام العمل والعلم والإنسان وكرامته وسيادة القانون، إلى تقديس الرموز الدينية والتمائم والتعاويذ والنصوص والمعابد، كلنا فداء للمبنى الحجري المقدسي أقصى أو أدنى، في تجارة رخيصة مبتذلة ليموت الناس ويبقى الحجر، كلنا نتبرع للشيخ و الشيخ لا يتبرع لنا، بل تزداد مكاسبة ويزداد وجهه بياضاً وحُمرة ويكبر كرشه، ويتحول بواب عمارة لراقصات في شارع الهرم إلى مليونير يفتي ويفسر الأحلام بالمحاور الفضائية ، كلنا فداء لإسماعيل ونذبح ملايين الخراف فداء له بينما أبناء إسماعيل يسكنون المقابر ويأكلون القمامة، في كل مسجد صندوق تبرعات ولا يوجد مثله في مدرسة أو مستشفى، المهم توسعة الجامع واستطالة المئذنة حتى تصبح كالخازوق المبري فأصبحنا في خدمة الحجر وليس البشر، نصرف في الحج والعمرة ما يكفل بناء مدناً بكاملها ويسد جوع الملايين، نستجدي المعونة من أمريكا 2 مليار ونصرف في الحج والعمرة 3 مليار، وعندما اقترح صاحب هذا القلم توجيه جزء من هذا المال لمقدس آخر مراعياً في ذلك توجهات الشارع الدينية، لسياحة دينية بوادي سيناء المقدس، ليدر ربحه وعائده على المواطنين، قام المشايخ قومة مضرية تكفيرية تخوينية تشير إلى أنه لا الوطن ولا المواطنين شيئاً معروفاً في قواميسهم، أو هماً شاغلاً عندهم بالمرة. وبعدما كان وقت العمل مقدساً، والمواطن ومصالحه هي الأهم، أصبحنا نتعبد وقت العمل بينما لا يجوز العمل وقت التعبد، تجد الموظف التقي يهين المواطن ويسفهه ويعطل مصالحه ولا يستهين بالعبادة، بينما عائد هذه العبادة لا يعود إلا عليه وحده ولشخصه وحده وهو يتقاضى مرتبه من المواطن المعطلة مصالحه والمهدرة كرامته. وأمسوا أصحاب كل المنابر في القرى والنجوع والحارات والصحف والنقابات والفضائيات فلم يتركوا مساحة إلا وتربعوا فيها، ويصب بيدهم نهر المال من عوائد بترول وحج وعمرة وزكاة وصدقات وتبرعات واشتراكات، ويقبضون على صائم الدهر لضبطه متلبساً بالإفطار في رمضان، ويبررها الباشا ابن الباشا الذي يعيش النعيم على مكتبه الرفيع بوزارة الداخلية بأنها قلة ذوق وانعدام حياء، دون أن يبين لنا نص القانون الذي قرر هذا.
وشكل المشايخ طبقة ذات زي موحد (زبيبة ولحية وجلباب أزهري أو باكستاني) ولا يقف الشيخ في طابور المصالح لأن له لحية عظيمة الهول، وشكلها كفيل بتوسيع الصفوف أمامها أوتوماتيكياً، وشكلوا جماعات لكل منها مساجدها الخاصة، ولو صادف أن حان موعد الصلاة ودخلت أحد هذه المساجد صدفة ستطاردك العيون بالشذر اللاهب الناري، والوجوه المكشرة عن أنياب كاسرة، فتحمد الله على الخروج سالماً من بيته
الذي صادروه. ويتفنون في منح القداسة لبعضهم البعض بالألقاب، فهذا الإمام الأكبر وذاك حجة الإسلام وثالث الحبر الفهامة ورابع بحر العلوم، حتى مبانيهم أخذت ألقاباً بدورها فهذا المبارك وذاك الشريف، كالأزهر الشريف الذي لا تعلم لماذا هو شريف؟ ومن أسبغ عليه هذا الشرف؟ قد نفهم وصف الكعبة أو بيت المقدس أو المصحف بالشريف، أما الأزهر فهو مؤسسة من مؤسسات الدولة مثله مثل أي مؤسسة أخرى، ووصفه دون كل تلك المؤسسات بأنه الشريف، فهو ما يعني أن بقية المؤسسات ليست شريفة، بينما في تلك المؤسسات ما يستحق هذا اللقب قبل أي أزهر، فلماذا لا نقول مستشفى القصر العيني الشريف، لأن له فعل واضح في علاج المواطنين في الأمراض، أو المتحف المصري الشريف لأنه يضم تاريخ مصر ويحفظه، أو أن نصف بالشرف المعهد العلمي الذي أنشأه بونابرته في مصر ووضع أعظم الكتب في تاريخنا (وصف مصر)، بينما الأزهر حتى الآن لم يقدم كتاباً واحداً ولو في وصف حي الحسين المحيط به، أو سيد القمني الشريف الذي احتمل ما لم يحتمله أحد ولم يقبض طوال عمره مليماً من أحد داخل مصر أو خارجها، بل وصرف على بحوثه وأوراقه من زاده القليل مما يكتب ومن ميراث أهله، وتم تشنيعه وتخوينه وتصغيره من كل المرتزقة بذاك المبنى الموصوف بالشريف.
وعندما دعا كبير جليل بحجم أحمد زويل إلى إبعاد الفتوى عن القضايا العلمية، لأن تدخل رجال الدين في القضايا العلمية يعرقل تقدم العلم، جاءته الردود في طلقات فورية وبيانات عاجلة قبل أن يقزمى من مقامه. الدكتور محمد رأفت عثمان الناطق بلسان مجمع البحوث الأزهري قال: إن القضايا العلمية تتصل بحياة الناس مما يعني ضرورة أن يكون فيها حكم شرعي، وأن القول بإبعاد الفتوى عن الأمور العلمية سيترتب عليه إبعاد الفقهاء عن الإفتاء في قضايا تعايش الناس والمجتمعات، ويتنافي مع طبيعة الإسلام بكونه صالحاً لكل زمان ومكان. ومن مسلمي أوروبا جاء رد المجلس الأوروبي للإفتاء على لسان أمينه العام الشيخ حسين حلاوة، حيث قرر أن العلم لا يمكن أن يسير في أبحاثه ونتائجه دون تأييد شرعي، وضرب مثلاً بالنتائج الطبية لأبحاث أطفال الأنابيب الذي قد تنتج عنها ذرية غير شرعية وتؤدي إلى اختلاط الأنساب.
ومن مسلمي أمريكا جاء رد الدكتور وهبة الزحيلي نائب رئيس مجمع فقهاء الشريعة الإسلامية بأن الاعتقاد بتصادم العلم والإسلام اعتقاد خاطئ، خاصة إذا كان العلم قائماً على أسس صحيحة، لأن الإسلام هو دين العلم والمعرفة، وأن أي نتيجة علمية لابد أن تكون وفق ضوابط ولا يكون بها شطط أو تصادم مع المبادئ الإسلامية، لأنها شاملة لكل أمور الحياة.
وللرد على هؤلاء سألجأ إلى ما ورد في مجلدات الفقه للمذاهب الأربعة المقررة على تلامذة الأزهر. وقد سبق للمرحوم الشيخ سيد طنطاوي شيخ الأزهر الراحل بعد نقد مطول قدمناه عدة شهور لكتب الفقه الأزهرية، أن اتخذ قراراً برفع هذه المجلدات من الدراسة، لكن ليعيدها الشيخ أحمد الطيب مما أسبغ عليه رضى كل الإرهابيين مثل الجماعة الإسلامية ومثل جمعية جبهة علماء الأزهر وجماعة الإخوان المسلمين. وباعتمادنا هذه المراجع التي يطلبها الجميع ونفوسهم راضية نكون قد ضمنا أن هذه الكتب لم يتدخل فيها لا بنو إسرائيل ولا بنو المريخ، وأنها مصادر متفق على كونها صحيح من الإسلام.
وقبل هذا وذاك نقف مع القول: (إن العلم الصحيح هو ما يوافق الإسلام)، فهل يجب على العلم أن يعترف بجواز أن تحبل صخرة لتلد ناقة كي يكون علما صحيحاً، وأن يعلن صحة الطيران ببساط الريح كما كان لسليمان؟ أو أن يكثف أبحاثه ويكرس معاملة للتواصل مع عفاريت سليمان وجنة ونملته وهدهده وسائر أعاجيبه، وأن يرسل علماء للبحث عن العين الحمئة التي تغرب فيها الشمس كل يوم يجرها سبعون ألف ملك من من جانب القطر الأيمن للأرض حتى يوصلونها لتسجد تحت عرش الرحمن بعد أن يستأذنوا الله لها فيأذن لتعود في اليوم التالي مشرقة بنوره؟ عليهم أن يبينوا لنا موقع كل هذا من العلم، وكيف كان طول آدم بطول ناطحات السحاب (سبعون ذراعاً)؟ وكيف تشفي الحبة السوداء من كل داء لنقضي على كل الأمراض دفعة واحدة وتغلق معامل ومعاهد الطب للأبد توفيراً للأموال المهدرة بلا طائل، خاصة مع توصية كتب الفقه الأزهرية تلك أن عدم الذهاب للطبيب وترك التداوي توكلاً على الله أفضل، ولا يصح إكراه المريض عليه، ولم يشرحوا لنا لماذا نهى النبي عن أكل كل ذي ناب سوى الضبع "عن جابر أمرنا رسول الله (ص) بأكل الضبع"؟ رغم أن الضبع رمام آكل جيف قذر بعكس كل ذي ناب صياد، ولماذا تم تحريم أكل لحم الحمار الأهلي رغم أنه آكل أعشاب لا رمام؟ ولماذا يحل أكل لحم الحمار الوحشي والخيل دون الحمار الأهلي والحكمة العلمية الكامنة في ذلك؟ (هذا كله في كتب الفقه الأزهرية ولا يعني موافقتنا على نسبته للنبي).
وهل ما يوافق العلم الحمل الكامن أربع سنين وهل ذلك مما يمنع اختلاط الأنساب؟ ( في حوار تلفزيوني سأل الميع المفتي علي جمعة عن رجل لم يمسس زوجتة أربع سنين لسفره وعاد فوجدها حامل وسألها لمن هذا الولد؟ هو ابنك فماذ يقول ؟ رد فضيلتة يقول : الشرع قال كدة )أو كما ينص الفقه الأزهري "وأكثر مدة الحمل أربع سنين لأنها أكثر ما وجد، وأقلها ستة أشهر، وغالبها تسعة أشهر لأن غالب النساء يلدن فيها". وهل يكون شبه المولود بأبيه أو أمه ناتجاً عن سبق أحد الزوجين قبل الآخر في قذف مائه كما في الحديث المنسوب للنبي إلى الصحابية بسرة؟ وهل مما يحفظ الأنساب إعارة الفروج فيودع المسافر زوجته لدى صديقه يفعل بها ما يشاء لحين عودته؟ وهل من حفظ الأنساب أن يشرع زواج الرجل من ابنته من صلبه إذا كانت ناتجة عن علاقة زنى؟ أو كما نص الفقه "فالمخلوقة من ماء الزنا قد يتوهم أنها بنت الزاني فتحرم عليه، فدفع هذا التوهم بقوله: المخلوقة من ماء زناه سواء كان الزاني بها مطاوعة أم لا، وسواء تحقق أنها من مائه أم لا، تحل له لأنها أجنبيه عنه، إذ لا حرمة لماء الزنا بدليل انتفاء سائر أحكام النسب من إرث وغيره عنها". وهل من حفظ الأنساب "إذ حملت امرأة لا زوج لها ولا سيد لم تحد لمجرد ذلك الحمل، ولا يجب أن تُسأل لأن في سؤالها ذلك إشاعة للفاحشة هل من العلم أو من الآدمية إباحة زواج الرضيعة وأن يستمتع بها الزوج بالمفاخذة والاستمناء بيدها حتى تتهيأ للإيلاج؟.
وهل من العلم وحود سبع أراض وسبع سماوات لها ابواب ذات مصريه تنفتح بماء منهمر ؟ وهل النحوم هي ثريات يعلقها الله لتجميل سمائه .
وهل من العلم التداوي ببول النياق؟ أو وجوب بلع الصائم لنخامته رغم أنها سموم يطردها الجسم؟ أو حظر النظافة في الإحرام بتحريم قتل قمل الرأس أو الجسم وصئبانه وبراغيته وقراده؟ وهل من العلم غمس الذباب في الشراب؟ وهل من العلم
تحريم مسح اليد من الأكل قبل لحسها ولعقها وكذلك لحس قصعة الطعام بعد انتهائه؟
وهل من العلم أن ينتقل السواك من فم شخص إلى فم آخر دون نقل أمراض الأول إلى الثاني؟ وهل معنى الصلاحية لكل زمان ومكان العودة للإستنجاء بالحجر؟ وما شرحه الفقه "مع جواز غسل الحجر والاحتفاظ به للاستنجاء مرات أخرى مع الدعاء: أللهم طهر قلبي من النفاق وحصن فرجي من الفواحش، ولا يضره أن يشم ريح برازه بيده
بعد الاستنجاء؟" أو أن نعود استحباباً إلى وجوب مسح الرجل ذكره بعد التبول بيده اليسرى بدءاً من حلقة دبره فيضع إصبعه الوسطى تحت الذكر والإبهام فوقه ويمر بهما إلى رأس الذكر ثلاثاً؟ وهل من العلم أن يشرب الناس من بئر مثل بئر بضاعة التي كانت مرمى لميتة. الكلاب والمحائض وغائط الناس امتثالاً لقول منسوب للنبي: "الماء طهور لا ينجسه شيء"؟ وهل من العلم إباحة أكل طفيليات الطعام التي فيها شبه منه مثل دود الجبن والخل، وهل على العلم أن يقر حتى يكون علماً صحيحاً أن يقر بأن الخرس والفأفأة ناتجة عن كثرة الكلام عند مجامعة النساء؟ وأن البواسير تأتي عقوبة لمن غسل دبره من البراز بماء زمزم؟ وأن البرص يأتي نتيجة الاغتسال بالماء المشمس؟ وأن الوسواس يأتي من التوضؤ من إناء سبق التبول فيه، وأن وجع الكبد يأتي من طول المكوث في مكان قضاء الحاجة؟.
هذه مجرد أمثلة من هذا الصالح لكل زمان وكان، وأنه على العلم كي يكون صحيحاً أن يوافقها، أنه على الدنيا كلها أن تأخذ بهذه المبادئ الموصوفة بأنها شاملة لم تترك شيئاً إلا قررته وأوضحته؟ وهل أصحاب هذا الفكر يصلحون للفتوى وإصدار الأحكام والتشريعات في أي شأن؟ أو بالأحرى هل هؤلاء من بين بني آدمين القرن الحادي والعشرين؟ أم هم صنف من الحفريات الحية لكائنات القرون الخوالي؟ وأتمنى على أحدهم أن يقوم بتكذيب واحدة فقط مما أوردناه هنا، فهل من فارس منهم ينزل هذا الميدان حتى يعطينا الفرصة للكشف عما هو أردأ وأكثر سوءاً وفضائحية، فضلنا ستره وعدم ذكره حتى لا تكون مهمتنا هي التصيد في غير موضعه لمجرد التصيد، خاصة أن هذا اللون من الصيد والطرائد وفير في مأثورنا تغص به المكتبة الإسلامية، فهي تكتظ بالتافه والنافق الرميم من لغو الزمن البدائي والفهم الابتدائي الغليظ البليد الموغل في قسوته ، وهو الفكر الذي يعتمده من يجلسون في مجالس الفتوى والتشريع ويقفون ضد القوانين الدستورية بحسبانها طاغوتية وضعية!! فهل هم أهل لهذا؟.
وتتفاوت الفتاوى في عبثيتها وتفاهتها أو استخفافها بعقول الناس أحياناً، وفي خطورتها وضررها على الوطن بل وأمن الوطن وسياساته، أو خطورتها على العالمين أحياناً، أخرى ونماذج لذلك: لجنة الإفتاء السعودية التي أفتت بتحريم إهداء الزهور، وتحريم تعلم اللغة الإنجليزية، وناصر الفهد افتى بتحريم التصفيق سواء في محاضرة أو حفل أو مباراة، وتحريم أداء التحية العسكرية للشرطة والجيش، وعبد الله النجدي أفتى بتحريم رياضة كرة القدم، ومجمع البحوث الأزهري افتى بتحريم التدخين، وتحريم الولاية العامة للمرأة، وفوائد البنوك والتأمين، وعلى جمعة أفتى بتحريم فن النحت وتحليل بول الرسول والمنجد أفتى بوجوب قتل ميكي ماوس لأنه الفويسقة والداعية الشهيرة أم أنس أفتت أن جلوس المرأة على الكراسي يخرجها من الملة لما فيه من مدعاة للفتنة والتبرج، لذلك فالجلوس على الكرسي رذيلة وزنا لا شبهة فيه. وبين سيل التحريمات تجد بعض فتاوى التحليل كشرب بول النياق للعلاج من كل داء، وفتوى أحمد المعبي بحلالية الزواج من الطفلة الرضيعة بشرط المفاخذة حتى ينضج جسمها ويسمح بالإيلاج، وأفتى على الخضير بجواز الكذب وشهادة الزور ضد العلمانيين وأصحاب الديانات الأخرى لأن ذلك في صالح الإسلام، وأفتى سليمان الخراشي بحلالية نهب أموال العلمانيين وانتهاك حرماتهم والتلفيق لهم كذباً بحرب الإشاعة، كذلك ضد أصحاب الأفكار المنحرفة لصرف المسلمين عنهم فلا يستمعوا إليهم، وقد نال صاحب هذا القلم النصيب الأوفر من الإشاعات والاتهامات الملفقة والتبخيس والتسخيف وهدر الكرامة بموجب هذه الفتاوى. وأفتى عزت عطية برضاع زميلة العمل وأكدها المنجد والعبيكان بحديث رضاع الكبير. ووصل عدد الفتاوى التي أصدرتها دار الإفتاء المصرية إلى ألف فتوى سنوياً، أما الهاتف الإسلامي (وهو لون من البزنيس الرديء) متوسط عشرة آلاف استفتاء شهرياً.
وبعد أن كانت أوامر التحريم والتحليل تهبط من السماء على الأرض وحياً، أصبحت هذه الأوامر تصعد وحياً من الأرض إلى السماء، ففتوى تحريم التدخين لم تأت في دين المسلمين وليس عليها حد في القرآن ولا السنة، وهكذا تبدو الفتوى توجيهاً للسماء وتنبيهاً لها بل وأمر لها لتعاقب المدخن وتدخل غير المحجبة إلى النار وأن تعذب من عالج نفسه بالخلايا الجذعية، دون وجود أي نصوص في المقدس الإسلامي حول مثل هذه الشئون.
وتكون المشكلة أكثر تعقيداً عندما تتضارب الفتاوى بتضارب المذاهب واختلاف البيئات والمجتمعات، فالسني سيفتى بخلاف الشيعي، والحنبلي سيفتى بغير الشافعي، فهل سيحير ذلك السماء كي تختار طاعة أحدهما وعدم طاعتها للآخر؟ أم ستنفذ أوامر كليهما على تناقضهما؟ وهل قصر نبي الإسلام (ص) كل هذا التقصير في تبليغ دعوته وترك دينه ناقصاً كل هذا النقص ليحتاج هذا السيل من الفتاوى؟ أم أن نبي الإسلام قد جاء بدعوته تامة كاملة مانعة، وأنه بموته انقطع التدخل في الأوامر والنواهي وتوقف التحليل والتحريم إلى الأبد؟ بعد أن أتم الله نعمته على المسلمين وأكمل لهم دينهم بصريح قرآنه قبل وفاة نبيه مباشرة؟.
أما الأخطر فهو تلك الفتاوى التي تتعلق بأمن المجتمع وسلامته وسلامة المواطنين ومعاشهم، كالفتاوى التكفيرية التي تهدر دم المختلف في المذهب أو حتى المختلف برأيه عن رأي المفتي، أو أي مختلف عن المسلمين من أي ملة أو دين، وترفع المجرم القاتل سافك الدم البريء إلى رتبة الملائكة والصديقين. وتزداد الخطورة عندما تكون الفتوى من النوع العابر للقارات والتي تتسبب في حروب دولية تزهق فيها الأرواح البريئة ممن لا علاقة لهم بالأمر، فإعلان الحرب على العالم من طالبان أو القاعدة أو الجهاد هو إعلان من غير ذي صفة، من أفراد لا علاقة لنا بهم فلا اخترناهم ولا عرفناهم ولا بايعناهم ولا عينهم أحد لأداء هذه المهمات. هو إعلان حرب على العالم والإنسانية باسمنا دون رضى منا، وتعود آثاره وعواقبه على كل المسلمين الأبرياء منهم قبل المجرمين، وسبق لصاحب هذا القلب أن حذر طويلاً وكثيراً من انعكاس ذلك على البلاد وماستؤدي إليه حتما من كوارث طائفية ، وانعكاس ذلك على المسلمين المهاجرين إلى بلاد الغرب، وها هي الأحداث تثبت صحة توقعاته . وأعتقد أنه قد آن الأوان لعودة هؤلاء من مهجرهم قبل أن يطردوا منها طرداً مُهيناً بما يلحق هذا الطرد من خسائر مادية ونفسية وعائلية.
وقد حدث ما حدث وتكاثر وتلاحق وتفاقم لأننا سمحنا من البدء حكومات وشعوب بتمرير الفتاوى التي تتحدى إرادة القانون دون توقيع العقوبات الرادعة على أصحابها،
ثم تركنا فتاوى الخراب تصدر من أزاهرة عينتهم الحكومة في مؤسساتها، وتركنا المساجد والزوايا يركبها كل من هب ودب ليكفروا تحديد النسل مباهاة للأمم فتكاثرنا تكاثراً حشرياً أدى إلى انهيار الاقتصاد والخدمات والبني التحتية، وكفروا فوائد البنوك فضربوا اقتصاد الدولة في مقتل حتى رزحت تحت الديون، وسمحوا بالبنوك الإسلامية وبيوت الأموال لتهرب بأموال الوطن إلى خارج البلاد، وخسرالوطن و الناس أموالهم، بينما احتفظ الدعاة المروجون لها بما وصلهم من أموال الفقراء من رشاوى سميت بالنفحات من صندوق البركة. وسمحنا باستمرار الاعتداء على نصف المجتمع (المرأة) وتدرجه من الحجاب إلى النقاب إلى لزوم البيت، ووقف الأزهر وشيخه الأكبر وقفةُ مصرية إلى جوار الاعتداء الجسدي الوحشي على الأطفال من بنات المسلمين بجريمة الختان، إلى جانب الاستمرار في ضرورة ولاية الذكر للمرأة عند الزواج وعدم السماح لها بتزويج نفسها حتى لو كانت طبيبة أو مهندسة أو استاذة جامعية. وعندما سمحنا للشعارات الدينية الكارهة بأن تنزل الشوارع فتجدها على الحوائط واليافطات وداخل المواصلات العامة لتمزيق الوطن طائفياً (رحم الله أيام وزير الداخلية أحمد رشدي)، وعندما لم تتم معاقبة سليم العوا وأحمد منصور أمام المحاكم لأقوالهم الفلوتة والإجرامية، رغم أن كل منهما كان يجب أن يكون الآن في زمالة سلومة الأقرع حيث يودع المجرمين، ورغم أن هذا الأقرع أقل جرماً من الذين أجرموا في حق الوطن كله. لذلك يجب تسجيلهم كمسجلين خطر على الأمن القومي وجواسييس عضويين يقومون بعمليات تخريبية مدروسة . بل أن الوطن نفسه قد غاب عن العقول والأفئدة بعدما أهملنا علم الوطن ليتحول إلى خرق مخزية فوق إدارات الدولة، وعدم السماح بتعليقه على البيوت، بل وإهدار كرامته برفع المصحف في طابور الصباح بالمدارس بدلاً عن العلم مع الهتافات الطائفية الدينية عندما سمحنا بهذا كله كان من اليسير أن يأتي معه نهر الدم الذي يدفعه الأبرياء في بلادنا وبلاد غيرنا، ودون أهداف واضحة معلنة لكل هذا القتل الجماعي والتفجير والتفخيخ سوى لذة القتل التي أصبحت هدفنا في ذاتها. وكان أولى بنا كما نرفض دوماً بإباء وشمم تدخل الدول الكبرى في شئوننا الداخلية، أن نرفض فتاوى الدم وتدخل الوهابين في شئوننا الداخلية والخارجية المحلية والعالمية بذات الإباء والشمم. لكننا لازلنا نفكر بمنطق القبيلة وأنه أنا وابن عمي على الغريب، رغم أن بن عمي عاد لغزو بلادي بعد إذلالها بالتآمر عليها مع الغريب لهزيمتها بوثائق معلنة ومعلومة، واستثمر هزيمة بلادي ليفرض سلطانه بأمواله ويتمادى في ساديته ولذاته الشاذة الدموية، لينشر الخراب في كل ركن من البلاد مع كل فتوى جديدة. وحولوا المواطن المرح المنتج المبهج الشاعر الفنان صاحب النكتة الناقدة والحكمة الناضجة، إلى بائس متجهم وعبد وضيع يضع رقبته مختاراً تحت جزمة المفتي ، ويعفر جبهته في تراب نعل شيخ أفاق خائن للوطن انتهازي رخيص ومبتذل.
تخلى المواطن عن حريته عندما تخلى عن عقله وسلم روحه لتجار الدين فأصبح لا يستطيع أن يتخذ أي قرار في أبسط الشئون وفي أخص خصوصياته دون الرجوع إلى الشيخ المفتي، ليمارس المفتي لذاته السادية الشاذة مما يشعره بالسيادة ويمارس المستفتي لذته الشاذة المازوخية بعبودية ومذلة مُختارة. وبينما ذهب ابن العم إلى فنادق الخمس نجوم يأكل الطواويس والكافيار، فإنه صدر لنا الثريد مع أوامر كيف نأكل وماذا نأكل وأن تشرب قاعداً وأن تنام على أي جنب. وأن تضع كفك تحت خدك، وقنن لكل شاردة وواردة من دخول المرحاض وكيفية التبول قاعداً أم واقفاً إلى ما يحدث تحت اللحاف بين الزوجين من شروط النكاح حتى لا تشاركنا الشياطين في نكاح زوجاتنا لأن عدم الالتزام يسمح للشيطان أن يدخل أحليله مع إحليل الزوج الى فرجها وتنجب الأبالسة والشياطين وفي مثل هذه الصفقة فإن الكاسب الأول هو الزوجة بمتعة الإحليلين.
هو استبداد ابن العم الذي مارس علينا ما لم يمارسه فرعون ذي الأوتاد ولا النمروذ بن كنعان ولا من طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد.
وتحولت ثقافتنا من احترام العمل والعلم والإنسان وكرامته وسيادة القانون، إلى تقديس الرموز الدينية والتمائم والتعاويذ والنصوص والمعابد، كلنا فداء للمبنى الحجري المقدسي أقصى أو أدنى، في تجارة رخيصة مبتذلة ليموت الناس ويبقى الحجر، كلنا نتبرع للشيخ و الشيخ لا يتبرع لنا، بل تزداد مكاسبة ويزداد وجهه بياضاً وحُمرة ويكبر كرشه، ويتحول بواب عمارة لراقصات في شارع الهرم إلى مليونير يفتي ويفسر الأحلام بالمحاور الفضائية ، كلنا فداء لإسماعيل ونذبح ملايين الخراف فداء له بينما أبناء إسماعيل يسكنون المقابر ويأكلون القمامة، في كل مسجد صندوق تبرعات ولا يوجد مثله في مدرسة أو مستشفى، المهم توسعة الجامع واستطالة المئذنة حتى تصبح كالخازوق المبري فأصبحنا في خدمة الحجر وليس البشر، نصرف في الحج والعمرة ما يكفل بناء مدناً بكاملها ويسد جوع الملايين، نستجدي المعونة من أمريكا 2 مليار ونصرف في الحج والعمرة 3 مليار، وعندما اقترح صاحب هذا القلم توجيه جزء من هذا المال لمقدس آخر مراعياً في ذلك توجهات الشارع الدينية، لسياحة دينية بوادي سيناء المقدس، ليدر ربحه وعائده على المواطنين، قام المشايخ قومة مضرية تكفيرية تخوينية تشير إلى أنه لا الوطن ولا المواطنين شيئاً معروفاً في قواميسهم، أو هماً شاغلاً عندهم بالمرة. وبعدما كان وقت العمل مقدساً، والمواطن ومصالحه هي الأهم، أصبحنا نتعبد وقت العمل بينما لا يجوز العمل وقت التعبد، تجد الموظف التقي يهين المواطن ويسفهه ويعطل مصالحه ولا يستهين بالعبادة، بينما عائد هذه العبادة لا يعود إلا عليه وحده ولشخصه وحده وهو يتقاضى مرتبه من المواطن المعطلة مصالحه والمهدرة كرامته. وأمسوا أصحاب كل المنابر في القرى والنجوع والحارات والصحف والنقابات والفضائيات فلم يتركوا مساحة إلا وتربعوا فيها، ويصب بيدهم نهر المال من عوائد بترول وحج وعمرة وزكاة وصدقات وتبرعات واشتراكات، ويقبضون على صائم الدهر لضبطه متلبساً بالإفطار في رمضان، ويبررها الباشا ابن الباشا الذي يعيش النعيم على مكتبه الرفيع بوزارة الداخلية بأنها قلة ذوق وانعدام حياء، دون أن يبين لنا نص القانون الذي قرر هذا.
وشكل المشايخ طبقة ذات زي موحد (زبيبة ولحية وجلباب أزهري أو باكستاني) ولا يقف الشيخ في طابور المصالح لأن له لحية عظيمة الهول، وشكلها كفيل بتوسيع الصفوف أمامها أوتوماتيكياً، وشكلوا جماعات لكل منها مساجدها الخاصة، ولو صادف أن حان موعد الصلاة ودخلت أحد هذه المساجد صدفة ستطاردك العيون بالشذر اللاهب الناري، والوجوه المكشرة عن أنياب كاسرة، فتحمد الله على الخروج سالماً من بيته
الذي صادروه. ويتفنون في منح القداسة لبعضهم البعض بالألقاب، فهذا الإمام الأكبر وذاك حجة الإسلام وثالث الحبر الفهامة ورابع بحر العلوم، حتى مبانيهم أخذت ألقاباً بدورها فهذا المبارك وذاك الشريف، كالأزهر الشريف الذي لا تعلم لماذا هو شريف؟ ومن أسبغ عليه هذا الشرف؟ قد نفهم وصف الكعبة أو بيت المقدس أو المصحف بالشريف، أما الأزهر فهو مؤسسة من مؤسسات الدولة مثله مثل أي مؤسسة أخرى، ووصفه دون كل تلك المؤسسات بأنه الشريف، فهو ما يعني أن بقية المؤسسات ليست شريفة، بينما في تلك المؤسسات ما يستحق هذا اللقب قبل أي أزهر، فلماذا لا نقول مستشفى القصر العيني الشريف، لأن له فعل واضح في علاج المواطنين في الأمراض، أو المتحف المصري الشريف لأنه يضم تاريخ مصر ويحفظه، أو أن نصف بالشرف المعهد العلمي الذي أنشأه بونابرته في مصر ووضع أعظم الكتب في تاريخنا (وصف مصر)، بينما الأزهر حتى الآن لم يقدم كتاباً واحداً ولو في وصف حي الحسين المحيط به، أو سيد القمني الشريف الذي احتمل ما لم يحتمله أحد ولم يقبض طوال عمره مليماً من أحد داخل مصر أو خارجها، بل وصرف على بحوثه وأوراقه من زاده القليل مما يكتب ومن ميراث أهله، وتم تشنيعه وتخوينه وتصغيره من كل المرتزقة بذاك المبنى الموصوف بالشريف.
وعندما دعا كبير جليل بحجم أحمد زويل إلى إبعاد الفتوى عن القضايا العلمية، لأن تدخل رجال الدين في القضايا العلمية يعرقل تقدم العلم، جاءته الردود في طلقات فورية وبيانات عاجلة قبل أن يقزمى من مقامه. الدكتور محمد رأفت عثمان الناطق بلسان مجمع البحوث الأزهري قال: إن القضايا العلمية تتصل بحياة الناس مما يعني ضرورة أن يكون فيها حكم شرعي، وأن القول بإبعاد الفتوى عن الأمور العلمية سيترتب عليه إبعاد الفقهاء عن الإفتاء في قضايا تعايش الناس والمجتمعات، ويتنافي مع طبيعة الإسلام بكونه صالحاً لكل زمان ومكان. ومن مسلمي أوروبا جاء رد المجلس الأوروبي للإفتاء على لسان أمينه العام الشيخ حسين حلاوة، حيث قرر أن العلم لا يمكن أن يسير في أبحاثه ونتائجه دون تأييد شرعي، وضرب مثلاً بالنتائج الطبية لأبحاث أطفال الأنابيب الذي قد تنتج عنها ذرية غير شرعية وتؤدي إلى اختلاط الأنساب.
ومن مسلمي أمريكا جاء رد الدكتور وهبة الزحيلي نائب رئيس مجمع فقهاء الشريعة الإسلامية بأن الاعتقاد بتصادم العلم والإسلام اعتقاد خاطئ، خاصة إذا كان العلم قائماً على أسس صحيحة، لأن الإسلام هو دين العلم والمعرفة، وأن أي نتيجة علمية لابد أن تكون وفق ضوابط ولا يكون بها شطط أو تصادم مع المبادئ الإسلامية، لأنها شاملة لكل أمور الحياة.
وللرد على هؤلاء سألجأ إلى ما ورد في مجلدات الفقه للمذاهب الأربعة المقررة على تلامذة الأزهر. وقد سبق للمرحوم الشيخ سيد طنطاوي شيخ الأزهر الراحل بعد نقد مطول قدمناه عدة شهور لكتب الفقه الأزهرية، أن اتخذ قراراً برفع هذه المجلدات من الدراسة، لكن ليعيدها الشيخ أحمد الطيب مما أسبغ عليه رضى كل الإرهابيين مثل الجماعة الإسلامية ومثل جمعية جبهة علماء الأزهر وجماعة الإخوان المسلمين. وباعتمادنا هذه المراجع التي يطلبها الجميع ونفوسهم راضية نكون قد ضمنا أن هذه الكتب لم يتدخل فيها لا بنو إسرائيل ولا بنو المريخ، وأنها مصادر متفق على كونها صحيح من الإسلام.
وقبل هذا وذاك نقف مع القول: (إن العلم الصحيح هو ما يوافق الإسلام)، فهل يجب على العلم أن يعترف بجواز أن تحبل صخرة لتلد ناقة كي يكون علما صحيحاً، وأن يعلن صحة الطيران ببساط الريح كما كان لسليمان؟ أو أن يكثف أبحاثه ويكرس معاملة للتواصل مع عفاريت سليمان وجنة ونملته وهدهده وسائر أعاجيبه، وأن يرسل علماء للبحث عن العين الحمئة التي تغرب فيها الشمس كل يوم يجرها سبعون ألف ملك من من جانب القطر الأيمن للأرض حتى يوصلونها لتسجد تحت عرش الرحمن بعد أن يستأذنوا الله لها فيأذن لتعود في اليوم التالي مشرقة بنوره؟ عليهم أن يبينوا لنا موقع كل هذا من العلم، وكيف كان طول آدم بطول ناطحات السحاب (سبعون ذراعاً)؟ وكيف تشفي الحبة السوداء من كل داء لنقضي على كل الأمراض دفعة واحدة وتغلق معامل ومعاهد الطب للأبد توفيراً للأموال المهدرة بلا طائل، خاصة مع توصية كتب الفقه الأزهرية تلك أن عدم الذهاب للطبيب وترك التداوي توكلاً على الله أفضل، ولا يصح إكراه المريض عليه، ولم يشرحوا لنا لماذا نهى النبي عن أكل كل ذي ناب سوى الضبع "عن جابر أمرنا رسول الله (ص) بأكل الضبع"؟ رغم أن الضبع رمام آكل جيف قذر بعكس كل ذي ناب صياد، ولماذا تم تحريم أكل لحم الحمار الأهلي رغم أنه آكل أعشاب لا رمام؟ ولماذا يحل أكل لحم الحمار الوحشي والخيل دون الحمار الأهلي والحكمة العلمية الكامنة في ذلك؟ (هذا كله في كتب الفقه الأزهرية ولا يعني موافقتنا على نسبته للنبي).
وهل ما يوافق العلم الحمل الكامن أربع سنين وهل ذلك مما يمنع اختلاط الأنساب؟ ( في حوار تلفزيوني سأل الميع المفتي علي جمعة عن رجل لم يمسس زوجتة أربع سنين لسفره وعاد فوجدها حامل وسألها لمن هذا الولد؟ هو ابنك فماذ يقول ؟ رد فضيلتة يقول : الشرع قال كدة )أو كما ينص الفقه الأزهري "وأكثر مدة الحمل أربع سنين لأنها أكثر ما وجد، وأقلها ستة أشهر، وغالبها تسعة أشهر لأن غالب النساء يلدن فيها". وهل يكون شبه المولود بأبيه أو أمه ناتجاً عن سبق أحد الزوجين قبل الآخر في قذف مائه كما في الحديث المنسوب للنبي إلى الصحابية بسرة؟ وهل مما يحفظ الأنساب إعارة الفروج فيودع المسافر زوجته لدى صديقه يفعل بها ما يشاء لحين عودته؟ وهل من حفظ الأنساب أن يشرع زواج الرجل من ابنته من صلبه إذا كانت ناتجة عن علاقة زنى؟ أو كما نص الفقه "فالمخلوقة من ماء الزنا قد يتوهم أنها بنت الزاني فتحرم عليه، فدفع هذا التوهم بقوله: المخلوقة من ماء زناه سواء كان الزاني بها مطاوعة أم لا، وسواء تحقق أنها من مائه أم لا، تحل له لأنها أجنبيه عنه، إذ لا حرمة لماء الزنا بدليل انتفاء سائر أحكام النسب من إرث وغيره عنها". وهل من حفظ الأنساب "إذ حملت امرأة لا زوج لها ولا سيد لم تحد لمجرد ذلك الحمل، ولا يجب أن تُسأل لأن في سؤالها ذلك إشاعة للفاحشة هل من العلم أو من الآدمية إباحة زواج الرضيعة وأن يستمتع بها الزوج بالمفاخذة والاستمناء بيدها حتى تتهيأ للإيلاج؟.
وهل من العلم وحود سبع أراض وسبع سماوات لها ابواب ذات مصريه تنفتح بماء منهمر ؟ وهل النحوم هي ثريات يعلقها الله لتجميل سمائه .
وهل من العلم التداوي ببول النياق؟ أو وجوب بلع الصائم لنخامته رغم أنها سموم يطردها الجسم؟ أو حظر النظافة في الإحرام بتحريم قتل قمل الرأس أو الجسم وصئبانه وبراغيته وقراده؟ وهل من العلم غمس الذباب في الشراب؟ وهل من العلم
تحريم مسح اليد من الأكل قبل لحسها ولعقها وكذلك لحس قصعة الطعام بعد انتهائه؟
وهل من العلم أن ينتقل السواك من فم شخص إلى فم آخر دون نقل أمراض الأول إلى الثاني؟ وهل معنى الصلاحية لكل زمان ومكان العودة للإستنجاء بالحجر؟ وما شرحه الفقه "مع جواز غسل الحجر والاحتفاظ به للاستنجاء مرات أخرى مع الدعاء: أللهم طهر قلبي من النفاق وحصن فرجي من الفواحش، ولا يضره أن يشم ريح برازه بيده
بعد الاستنجاء؟" أو أن نعود استحباباً إلى وجوب مسح الرجل ذكره بعد التبول بيده اليسرى بدءاً من حلقة دبره فيضع إصبعه الوسطى تحت الذكر والإبهام فوقه ويمر بهما إلى رأس الذكر ثلاثاً؟ وهل من العلم أن يشرب الناس من بئر مثل بئر بضاعة التي كانت مرمى لميتة. الكلاب والمحائض وغائط الناس امتثالاً لقول منسوب للنبي: "الماء طهور لا ينجسه شيء"؟ وهل من العلم إباحة أكل طفيليات الطعام التي فيها شبه منه مثل دود الجبن والخل، وهل على العلم أن يقر حتى يكون علماً صحيحاً أن يقر بأن الخرس والفأفأة ناتجة عن كثرة الكلام عند مجامعة النساء؟ وأن البواسير تأتي عقوبة لمن غسل دبره من البراز بماء زمزم؟ وأن البرص يأتي نتيجة الاغتسال بالماء المشمس؟ وأن الوسواس يأتي من التوضؤ من إناء سبق التبول فيه، وأن وجع الكبد يأتي من طول المكوث في مكان قضاء الحاجة؟.
هذه مجرد أمثلة من هذا الصالح لكل زمان وكان، وأنه على العلم كي يكون صحيحاً أن يوافقها، أنه على الدنيا كلها أن تأخذ بهذه المبادئ الموصوفة بأنها شاملة لم تترك شيئاً إلا قررته وأوضحته؟ وهل أصحاب هذا الفكر يصلحون للفتوى وإصدار الأحكام والتشريعات في أي شأن؟ أو بالأحرى هل هؤلاء من بين بني آدمين القرن الحادي والعشرين؟ أم هم صنف من الحفريات الحية لكائنات القرون الخوالي؟ وأتمنى على أحدهم أن يقوم بتكذيب واحدة فقط مما أوردناه هنا، فهل من فارس منهم ينزل هذا الميدان حتى يعطينا الفرصة للكشف عما هو أردأ وأكثر سوءاً وفضائحية، فضلنا ستره وعدم ذكره حتى لا تكون مهمتنا هي التصيد في غير موضعه لمجرد التصيد، خاصة أن هذا اللون من الصيد والطرائد وفير في مأثورنا تغص به المكتبة الإسلامية، فهي تكتظ بالتافه والنافق الرميم من لغو الزمن البدائي والفهم الابتدائي الغليظ البليد الموغل في قسوته ، وهو الفكر الذي يعتمده من يجلسون في مجالس الفتوى والتشريع ويقفون ضد القوانين الدستورية بحسبانها طاغوتية وضعية!! فهل هم أهل لهذا؟.