وباستثناء ماسبق، فان في تجارب السوريين الحديثة والمعاصرة الكثير مما يستحق التوقف عنده في تأكيداتهم على وحدتهم الكلية في انتمائهم الى جماعة وطنية واحدة مع الحفاظ على علاقاتهم بروابطهم المحيطة القومية والدينية والثقافية، وهي امور عبرت عنها الجماعات السياسية التي عاشت في سوريا في العقود الماضي وبخاصة في فترة ما بعد الاستقلال، وكان الامر واضحاً في تجارب الاحزاب العربية والكردية والاشورية، كما في تجارب الاحزاب الاسلامية واليسارية وغيرها، التي عكست طبيعة السوريين في مد جسور التواصل دون ان يتسبب ذلك في نبذ او نفي مدمر لاي واحدة من تلك الجماعات من جانب المجتمع السوري.
كما ان بين التجارب الحديثة والمعاصرة لتوافقات واتفاقات السوريين على شخصياتهم الوطنية، والتي لم يكن الاساس في التوافق عليها سوى اندماجها في المصلحة الوطنية العليا على نحو ماكانت عليه زعامات النضال الوطني ضد الاستعمار الفرنسي امثال صالح العلي وسلطان الاطرش وفارس الخوري وابراهيم هنانو وسعيد العاص ومئات غيرهم، لم يكونوا محكومين الا بمصلحة السوريين في التخلص من الاستعمار، وحصول السوريين على حريتهم واستقلالهم.
وقد استمرت تجربة التوافقات السورية في فترة مابعد الاستقلال في ظل النظام الديموقراطي البرلماني، سعياً من اجل ترسيخ نظام الاستقلال والتنمية الاقتصادية والاجتماعية رغم دخول العسكريين على خط السلطة وهو الامر الذي حسم باستيلاء العسكريين على السلطة بصورة نهائية في مارس 1963، ووضع تلك البلاد في مسارات قادت الى الوضع الحالي بمافيه من احتدامات، يعتبرها البعض مؤشرات للدخول في بوابة الحرب الداخلية.
واذا كان ما تقدم بين دلالات تفسر معارضة السوريين للذهاب باتجاه حرب داخلية. فان في القريب السوري عامل مهم يمنع السوريين من الذهاب اليها، والمقصود بذلك التجربة المؤلمة لفترة الثمانينيات، عندما اشتبكت جماعات "اسلامية" مسلحة مع النظام، واتخذت الاشتباكات طابعاً طائفياً استفاد منه النظام في تصفية الحراك الوطني الديموقراطي في حينها، ومنذ ذلك الوقت والسوريون يتابعون تصفية الاثار السياسية والاجتماعية والانسانية لتلك الفترة وآلامها، وهذه التركة الثقيلة في تقديري تمنع السوريين من مجرد التفكير في الذهاب الى حرب داخلية.
وباستثناء العوامل السابقة، فان ثمة عوامل راهنة تعزز رفض السوريين الذهاب نحو حرب داخلية، لعل الابرز في هذه العوامل، عامل خارجي يمثله ماحدث في العراق بعد الاحتلال الاميركي من حرب داخلية، كلفت (ولاتزال) العراقيين الكثير، ومثلها الحرب في ليبيا ضد نظام القذافي، وكانت تكلفتها على الليبيين كبيرة، اما الاهم في العوامل الداخلية، فيستند الى الخيار السلمي الذي تبناه السوريون في ثورتهم على النظام، حيث اتخذت مسارها السلمي منذ البداية ولاتزال، وهو لايعكس فقط خوف السوريين من اختلالات ميزان القوى لصالح النظام من الناحية العسكرية بمقدار حرصهم على عدم الانجرار الى صراع يستحيل تحقيق "نصر" فيه، مما يجعل الشعب خاسرا وحيدا والنظام رابحا في بقائه في سدة السلطة.
ان وعي السوريين باخطار الحرب الداخلية، دفعهم لاختيار السلمية طريقاً في مواجهة النظام، والاصرار عليها رغم القمع العاري الذي مارسه النظام ضد الحراك الشعبي، وجرى تحت ظله قتل كثير من السوريين وجرح واعتقال وتشريد الآلاف في ثمانية اشهر فقط، وهي نتائج مأساوية دفعت لظهور اتجاهين في الداخل السوري، اولهما انشقاقات داخل القوى العسكرية، والثاني بروز اصوات تنادي بالتسلح وتحويل ثورة السوريين الى عمل مسلح، بل ان اعمالا مسلحة حدثت في بعض المناطق ولاسيما في المناطق الملتهبة، وهذه هي المؤشرات، التي يعتبرها البعض اساس ذهاب السوريين الى حرب داخلية. غير انها مؤشرات لاتصمد امام المعطيات الكثيرة التي تؤكد رفض السوريين الذهاب بهذا الاتجاه رغم كل معاناتهم الراهنة واحتمالاتها.
-----------------------------
الوطن العمانية
كما ان بين التجارب الحديثة والمعاصرة لتوافقات واتفاقات السوريين على شخصياتهم الوطنية، والتي لم يكن الاساس في التوافق عليها سوى اندماجها في المصلحة الوطنية العليا على نحو ماكانت عليه زعامات النضال الوطني ضد الاستعمار الفرنسي امثال صالح العلي وسلطان الاطرش وفارس الخوري وابراهيم هنانو وسعيد العاص ومئات غيرهم، لم يكونوا محكومين الا بمصلحة السوريين في التخلص من الاستعمار، وحصول السوريين على حريتهم واستقلالهم.
وقد استمرت تجربة التوافقات السورية في فترة مابعد الاستقلال في ظل النظام الديموقراطي البرلماني، سعياً من اجل ترسيخ نظام الاستقلال والتنمية الاقتصادية والاجتماعية رغم دخول العسكريين على خط السلطة وهو الامر الذي حسم باستيلاء العسكريين على السلطة بصورة نهائية في مارس 1963، ووضع تلك البلاد في مسارات قادت الى الوضع الحالي بمافيه من احتدامات، يعتبرها البعض مؤشرات للدخول في بوابة الحرب الداخلية.
واذا كان ما تقدم بين دلالات تفسر معارضة السوريين للذهاب باتجاه حرب داخلية. فان في القريب السوري عامل مهم يمنع السوريين من الذهاب اليها، والمقصود بذلك التجربة المؤلمة لفترة الثمانينيات، عندما اشتبكت جماعات "اسلامية" مسلحة مع النظام، واتخذت الاشتباكات طابعاً طائفياً استفاد منه النظام في تصفية الحراك الوطني الديموقراطي في حينها، ومنذ ذلك الوقت والسوريون يتابعون تصفية الاثار السياسية والاجتماعية والانسانية لتلك الفترة وآلامها، وهذه التركة الثقيلة في تقديري تمنع السوريين من مجرد التفكير في الذهاب الى حرب داخلية.
وباستثناء العوامل السابقة، فان ثمة عوامل راهنة تعزز رفض السوريين الذهاب نحو حرب داخلية، لعل الابرز في هذه العوامل، عامل خارجي يمثله ماحدث في العراق بعد الاحتلال الاميركي من حرب داخلية، كلفت (ولاتزال) العراقيين الكثير، ومثلها الحرب في ليبيا ضد نظام القذافي، وكانت تكلفتها على الليبيين كبيرة، اما الاهم في العوامل الداخلية، فيستند الى الخيار السلمي الذي تبناه السوريون في ثورتهم على النظام، حيث اتخذت مسارها السلمي منذ البداية ولاتزال، وهو لايعكس فقط خوف السوريين من اختلالات ميزان القوى لصالح النظام من الناحية العسكرية بمقدار حرصهم على عدم الانجرار الى صراع يستحيل تحقيق "نصر" فيه، مما يجعل الشعب خاسرا وحيدا والنظام رابحا في بقائه في سدة السلطة.
ان وعي السوريين باخطار الحرب الداخلية، دفعهم لاختيار السلمية طريقاً في مواجهة النظام، والاصرار عليها رغم القمع العاري الذي مارسه النظام ضد الحراك الشعبي، وجرى تحت ظله قتل كثير من السوريين وجرح واعتقال وتشريد الآلاف في ثمانية اشهر فقط، وهي نتائج مأساوية دفعت لظهور اتجاهين في الداخل السوري، اولهما انشقاقات داخل القوى العسكرية، والثاني بروز اصوات تنادي بالتسلح وتحويل ثورة السوريين الى عمل مسلح، بل ان اعمالا مسلحة حدثت في بعض المناطق ولاسيما في المناطق الملتهبة، وهذه هي المؤشرات، التي يعتبرها البعض اساس ذهاب السوريين الى حرب داخلية. غير انها مؤشرات لاتصمد امام المعطيات الكثيرة التي تؤكد رفض السوريين الذهاب بهذا الاتجاه رغم كل معاناتهم الراهنة واحتمالاتها.
-----------------------------
الوطن العمانية