نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


التيار الصدري منظمة سياسية أم تنظيم فاشي




لابد وأن تثير مظاهرات التيار الصدري الأخيرة الكثير من التساؤلات عن دوافعها وعن أوجه التشابه بينها وبين فعاليات مماثلة لأشباه هذا التيار في التاريخ العالمي المعاصر. وللوهلة الأولى فإن هذا الاستعراض الذي في جوهره عسكري رغم نفي منظميه لهذا الطابع، يشبه إلى حد ما فعاليات ميليشيات "أس أس" في ألمانيا، والتي أصبحت الذراع الميليشياوي للحزب النازي من أجل الانقلاب على الديمقراطية في ألمانيا و مطاردة كل من يخالف هذا التيار النازي في الرأي، وما جره هذا السلوك العدواني من كوارث حرب عالمية مدمرة ألحقت الدمار بالعالم ثم مسحت بالأرض ألمانيا في عام 1945.


لقد تأسست منظمة "الأس أس" النازية في عام 1923، ولكنها حرمت من النشاط في عام 1925، ولكن سرعان ما عاودت النشاط في أواخر عم 1925 وحتى عام 1929 تحت قياد النازي هنريخ هيملر. واستغلت النازية الأزمة التي عصفت بألمانيا كي تجمع العاطلين عن العمل والبروليتاريا الرثة في صفوفها ولتتحول إلى الذراع المسلح لانقلاب هتلر على الديمقراطية في عام 1932. وتحولت المنظمة إلى ميليشيات تأديبية وقمعية مرعبة في داخل ألمانيا وفي البلدان التي بدأت ألمانيا باحتلالها منذ عام 1939 وحتى نهاية الحرب التي أطاحت بالنازية الألمانية والفاشية الإيطالية والعسكرية اليابانية في عام 1945.‏


ميليشيات في العراق في أيامنا وميليشيات أس أس في ألمانيا في العشرينيات من القرن الماضي

.

ومن الواضح أن التيار الصدري يستفيد من خبرة ميليشيات هتلر واضرابه في إيطاليا وغيرها من البلدان ، بل وحتى تجربة البعث وميليشياته من قبيل الجيش الشعبي وفدائيي صدام وعصابات "حنين" من أجل إرعاب الشارع العراقي ثم الزحف إلى السلطة وتصفية المظاهر الجزئية للديمقراطية الوليدة والمتعثرة في العراق. ولهذا بادر التيار الصدري منذ اللحظات الأولى من سقوط البعث إلى نهب السلاح من مخازن الدولة وتشكيل ما سمي لاحقاً بجيش المهدي "المجمد" في الظاهر حالياً، ولكنه ينشط بأساليب أخرى. فعلى شاكلة الحزب النازي يستفيد التيار الصدري من الطائفية الدينية وأوراقها الخطرة كي يشتت شمل العراقيين ويخدع البسطاء منهم ويزجهم في رهانات وصدامات دموية وحملات تكفير وجرائم وعمليات نهب شهدها العراق منذ بدء "حواسمهم" بعيد الإطاحة بصدام حسين وحتى الآن.


رجال دين يروجون للنازية في ألمانيا في ثلاثينيات القرن الماضي، وللاستبداد الديني الميليشياوي في عراق ما بعد 2003

وعلى شاكلة الحزب النازي، يستغل التيار الصدري العملية السياسية من أجل التغلغل إلى قمة السلطة والإجهاز على العملية الديمقراطية في البلاد. كما استثمر التيار الصدري، على غرار هتلر، وبشكل محموم حالة التدمير المادي والروحي التي لحقت بالمجتمع العراقي في عهد صدام حسين وما بعد صدام حسين كي يجند الفئات العاطلة عن العمل والهامشية والمتخلفة في المجتمع العراقي وبقايا فلول ميليشيات حزب البعث ومخابراته وأجهزته القمعية، وفي سباق مع التيارات التكفيرية والإرهابية القادمة من دول الجوار، في تصفية خصومه مستغلاً الشحن الطائفي المهلك. ولم يبخل هذا التيار العنف على منافسيه من "أشقائه في المذهب والطائفة" من هذه الجولات الدموية. ولا يختلف التيار الصدري عن هتلر وبطانته في حالة الغرور والطيش وتهديد من يخالفه داخل العراق وخارجه أيضاً مستغلاً الدعم الذي تبديه جهات داخلية وإقليمية، وخاصة إيران وامتدادها في لبنان حزب الله، من أجل تنفيذ أجنداتها التي لا تصب في صالح العراق واستقراره بأي وجه من الوجوه.

واستفاد التيار الصدري من حالة التناحر العبثي على كرسي الحكم بين التيارات السياسية وغزلها مع التيار الصدري لجذب أصواته، وسكوت هذه التيارات على خروقات ميليشيات هذا التيار وأحياناً تشجيعه على الإيغال في المزيد من الخروقات للدستور. إن رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب المفترض فيهم الحفاظ على الدستور لا يطالبون التيار الصدري بحل جيش المهدي ومنع استعراضاته ومنها الاستعراض الأخير. وتراجع المالكي عن خطة فرض القانون عملياً بقدر ما يتعلق بجيش المهدي وفروعه المتنوعة الأسماء. كما أرسل رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي ممثله للمشاركة في هذا الكرنفال العنفي المخالف للدستور والقوانين العراقية السارية، والذي يهدد حتى مناصب الجالسين على كراسي هذه المؤسسات. وأرسلت وزارة الدفاع ضباطها لألقاء التحية العسكرية لمستعرضي هذه الميليشيات خلافاً للقوانين العسكرية والقسم العسكري.

ولا يقف الأمر عند ذلك فإن البعض من المتهالكين على كرسي الحكم، مثل أياد علاوي، يتغزل بـ"منطق ومعقولية" قطب التيار الصدري خلال لقائه به في تركيا أثناء المحاولات الفاشلة لتشكيل الحكومة قبل أشهر، كما طالب علاوي أخيراً بحفظ حقوق جيش المهدي في استعراضه الأخير. أما الأحزاب الأخرى فهي تراقب كل هذه الانتهاكات الميليشياوية كمشاهد مثيرة دون أن تحرك ساكن. هذه المواقف لا تؤسس لدولة ديمقراطية راسخة في العراق. والأدهى من كل هذا وذاك هو موقف بعض المراجع الدينية التي تقف موقف التشجيع لهذا العبث وانتهاك القوانين وخرقها، في حين تلتزم أطراف دينية أخرى الصمت في أمور تتعلق بمصير العراق والعراقيين وهي التي تدخلت في كل صغيرة وكبيرة منذ أن بادرت إلى تشكيل الكتل السياسية الدينية الطائفية وتشكيل الأحزاب ورعايتها من قبل عدد من المراجع إلى الآن وتشكيل حكومات المحاصصة. وهكذا يصبح من الطبيعي أن يتجبر ويزايد هذا التيار وبرياء على قضية الوجود العسكري الأمريكي في العراق على سبيل المثال، وهو الذي يشارك في حكومة وقعت كل أطرافها على الاتفاقية مع الولايات المتحدة حول خروج القوات الأمريكية والتعاون مع الولايات المتحدة من أجل إعادة اعمار العراق.

ولا نريد الخوض أكثر في أوجه التشابه بين مساعي الحزب النازي في ألمانيا وبين مساعي التيار الصدري لنحر الديمقراطية في العراق، إذ أن هناك اختلافات بين التيارين حيث أن التيار الصدري لا يملك العدة والعتاد لاحتلال أوروبا ولا تهديد الولايات المتحدة ولا ضرب بريطانيا بصواريخ )‏2(V-‏، وليس لديه جنرالاً كمونتغمري لكي يهزم رومل ثعلب الصحراء في حرب بريطانيا مع ألمانيا النازية في شمال أفريقيا. فالفارق لا يمكن أن يعالجه الحالمون في التيار الصدري.


هل تبني هذه الاستعراضات الميليشياوية على اختلاف ألوانها عراقنا المهدم؟

إن هذه الاستعراضات للتيار الصدري وجيشه ما هي إلاّ رسالة إلى أهالي مدينة الثورة الذين استضافوا هذا الكرنفال العسكري كي يستعدوا للمزيد من نزيف الدم. فلم يعد يكفي لهؤلاء الناس المحرومين من أبسط مقومات الحياة تلك الدماء التي نزفت جراء بطش صدام حسين لهم ولا الدماء التي نزفها أهالي هذه المدينة في "قادسيته"، ولا تلك الدماء التي نزفت جراء عبث جيش المهدي وصولاته. ويبو أن منظروا التيار الصدري يسترشدون بنظرية مالتوس حول ضرورة تحديد النسل في هذه المدينة التي تنفجر بسكانها عن طريق منازلات دموية تودي بحياة الآلاف من أهالي هذه المدينة البائسة كي يحل مشكلة الانفجار السكاني على طريقته الدموية. ولربما ستثير هذه الاستعراضات لدى أبناء مدينة الثورة أسئلة محيرة حول قدرة هذا التيار على توفير الأمن في يوم الاستعراض في حين تتعرض المدينة كل يوم تقريباً إلى المفخخات والاغتيالات بكاتم الصوت دون أن يردع هذا التيار مصادر هذا النزيف وهو الذي يدعي سيطرته على هذه المدينة المنكوب. فهل لهذا التيار مصلحة في هذه الاختراقات الأمنية في مدينة الثورة والديوانية وكربلاء وغيرها من المدن العراقية التي يدعي التيار الصدري أن له الحظوة فيها كي يبرر سطوته عليها؟.



جيش المهدي في صولاته "الجهادية" الدموية السابقة...فهل ستتكرر هذه المشاهد من جديد?


إن هذه الاستعراضات تمثل رسالة لكل العراقيين أن لا يفكروا أو يحلموا بالاستقرار والبناء، وأن يستعدوا لتدمير المدن وتعطيل كل خطوة نحو الاعمار والتلويح من جديد بالصدامات الطائفية الدموية التي أودت بحياة عشرات الألاف من العراقيين وهجرت الملايين من أبنائه. وتسعى هذه الكرنفالات إلى ارسال رسالة تحذير لكل من تسول نفسه توظيف رساميله أو فتح باب الاستثمار من العراقيين والأجانب لانتشال العراق من دوامة التخلف والخراب. فأي مستثمر سيأتي إلى البلاد في "جمهورية الفوضى" التي يسعى إليها التيار الصدري وأمثاله؟

إن هذه الفعاليات غير القانونية هي رسالة أيضاً إلى المجاميع التكفيرية والإرهابية كي يستلوا سيوفهم لدق أعناق العراقيين وهتك حرماتهم ونهب أموالهم على غرار ما عرضه التلفزيون العراقي لأحد إرهابيي دولة العراق الإسلامية من حاملي "الماجستير" ورئيس أحد "منظمات حقوق الإنسان" المزعومة، والذي تحدث عن جرائم بشعة لم تحدث في أكثر لدول همجية بحق النساء والمتزوجين الجدد واعترافه بنحر أكثر من سبعين عراقياً "على الطريقة الإسلاموية". ولابد أن ترسل هذه الاستعراضات العبثية رسالة إلى دعاة بقاء القوات الأمريكية في العراق مادام هناك عبث وفوضى ميليشياوي وإرهابي تغذيها هذه المجاميع العنفية المتغلغلة في النسيج العراقي.

ومن اللافت للنظر أن تهدر أموال ضخمة من قبل من يرفع راية الدين على تنظيم هذه الفعاليات وفي مدينة محرومة من أبسط الخدمات. أو ليس من الأجدر بهؤلاء الذين يرفعون راية الدين المبادرة إلى تنظيف شوارع مدينة الثورة من الأوساخ المتراكمة لا أن يزيدونها قذارة، التزاماً بمقولة "النظافة من الايمان". كما أنه من الأجدر بهذه الميليشيات أن تبادر بدلاً من هذه الاستعراضات إلى بناء مدرسة في هذه المدينة أو مستوصف ومستشفى أو ملعب رياضي وناد ثقافي وسينما ومسرح أو دار لليتامى ومشاغل للأرامل كي يربوا أولادهم، بدلاً من هدر الأموال على أمور تثير قلق العراقيين وتهدد مستقبلهم. أين هذا السلوك من المعايير الإيمانية التي لا يكفون لحظة عن ترديدها؟. ومتى سيعي العراقيون بخطورة مثل هذه العقلية السائدة عند من يدعي الإيمان الديني؟ ومتى يصحى العراقيون من سباتهم ويتخذوا موقفاً جاداً أزاء المتاجرة بالدين والورقة الطائفية المدمرة، وأزاء هذا الإيمان الكاذب و"الدين الفوضوي الجديد" الذي هو بحق "أفيون الشعوب".




سيد علي الطباطبائي
الخميس 2 يونيو 2011