وقد أدى انهيار المؤسسات العراقية عقب سقوط النظام العراقي السابق إلى إخلال ميزان القوى لصالح إيران؛ مما زاد من النفوذ الإيراني في الخليج العربي والشرق الأوسط في صورته الكلية، بجانب السعي الإيراني لتخصيب اليورانيوم ضاربة بعرض الحائط قرارات مجلس الأمن، وغير مهتمة بالتهديدات الأمريكية بشن ضربات إجهاضية ضد المنشآت النووية الإيرانية.
كما تراجع الدور الأمريكي في عديد من الاتفاقيات والمصالحات العربية، فقد غابت واشنطن عن اتفاق الدوحة الذي وضع حدًّا للانقسام اللبناني – اللبناني، وعن المفاوضات الإسرائيلية – السورية، وإن كانت كل تلك الاتفاقيات تحمل في طياتها وجودًا أمريكيًّا إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت غائبة عن الصورة الكلية لتلك الاتفاقيات. ولا يزال الصراع العربي – الإسرائيلي يأبى الحلَّ.
وكل هذا وغيره يؤشر إلى تراجع وإخفاق السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط خلال فترتي الرئيس بوش، وهو الأمر الذي يفرض على الإدارة الجديدة إعطاء قدر أكبر من الأهمية لهذه المنطقة. وفي إطار سعي مراكز الأبحاث الأمريكية لصياغة استراتيجية جديدة للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، دشن أكبر مركزين بحثيين أمريكيين اهتمامًا بقضايا المنطقة، مجلس العلاقات الخارجية ومركز سابان لسياسة الشرق الأوسط التابع لمؤسسة بروكينجز ، مشروعًا بحثيًّا ضم ما يقرب من خمسة عشر باحثًا من المركزين، للبحث عن استراتيجية جديدة للتعامل مع قضايا منطقة الشرق، لاسيما التأزم الأمريكي في العراق، والصراع العربي – الإسرائيلي، ومنع الانتشار النووي والأزمة النووية الإيرانية، والإصلاح السياسي والاقتصادي، والحرب على الإرهاب.
وقد خرجت توصياتهم وأبحاثهم في كتاب جديد حمل عنوان "استعادة التوازن: استراتيجية شرق أوسطية للرئيس المقبل ، عن مؤسسة بروكينجز. وقد كانت خلاصة هذا المشروع والكتاب محور مقال متميز لرئيسي المركزين، ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية، ومارتين إنديك مدير مركز سابان، بمجلة الشئون الخارجية التابعة لمجلس العلاقات الخارجية، ستصدر في عددها القادم لشهري يناير-فبراير القادمين تحت عنوان " بعيدًا عن العراق: استراتيجية أمريكية جديدة في الشرق الأوسط
استراتيجية جديدة بعيدة عن سيطرة العراق
وفي مقالتهما يحاول هاس وإنديك الرد على كثيرٍ من التساؤلات بشأن أهمية منطقة الشرق الأوسط للولايات المتحدة من قبيل أن المنطقة ليست بالأهمية لكي يُوليها الرئيس بوش من دماء وثروة بلاده، ولذا على إدارة أوباما الجديدة تركيز سياساتها على منطقة أخرى. فحسبما يرى الكاتبان فإن منطقة الشرق الأوسط هي التي تفرض نفسها على أجندة الرئيس الأمريكي؛ فما يحدث في منطقة الشرق الأوسط لا يقتصر على المنطقة بل تكون له تبعاته دوليًّا. فالحرب على الإرهاب ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل وأمن الطاقة والتعامل مع التحديات الدولية المعاصرة يتطلب التعامل مع تحديات منطقة الشرق الأوسط.
ويقولان: إنه منذ انتهاء الحرب الباردة، كانت الولايات المتحدة المسيطرة على المنطقة. ولكنه في السنوات الماضية تراجع هذا الدور لإخفاق الولايات المتحدة، والذي أجملته المقالة في الاستقرار الأمني الهش بالعراق رغم زيادة القوات الأمريكية، والاقتراب الإيراني من امتلاك تكنولوجيا نووية، وترنح عملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية، وحكومة ضعيفة في لبنان، وتحديات تواجها السلطة الفلسطينية من قبل الفصائل المسلحة، وتراجع المكانة الأمريكية بالمنطقة لتعدد إخفاقاتها على مدار السنوات الثماني المنصرمة. ويريان أن الوقت يسير عكس ما يطمح الرئيس الجديد، فضلاً عن الأزمة المالية التي تعصف بالولايات المتحدة والتي قد تحدُّ من قدرة الولايات المتحدة لتنفيذ وعودها، وهو الأمر الذي من شأنه أن يحدث تراجعًا في كثيرٍ من قضايا المنطقة على عكس ما كانت تريد واشنطن.
وعلى الرغم من تراجع دور الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط خلال الثماني السنوات الماضية، فترة إدارتي الرئيس بوش، يرى هاس وإنديك أن كثيرًا من الأنظمة العربية تنظر إلى واشنطن على أنها ضمانة أمنهم وأنها القادرة على تحقيق آمالهم. بالإضافة إلى أن كثيرًا من شعوب المنطقة مازالوا معجبين بالقيم والمبادئ الأمريكية، وزاد هذا الإعجاب بعد فوز باراك أوباما في انتخابات الرابع من نوفمبر هذا العام، وهو الأمر الذي قد يشجع الرأي العام العربي والإسلامي على دعم قياداتهم للتعامل والعمل مع الولايات المتحدة.
ويرى الكاتبان أن على إدارة أوباما الاستفادة من هذه الرغبة الإقليمية والقوى الدولية للتعامل مع قضايا المنطقة مثلما كان الحال عليه في السنة الماضية من إدارة الرئيس بوش من التعاون الدولي متعدد الأطراف في الأزمتين الكورية الشمالية والإيرانية وإعادة إحياء العلاقات الأطلسية وتدعيم عملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية. ولكي تكون هذه الجهود أكثر فاعلية فإن على إدارة أوباما تدعيم العمل والجهود الدبلوماسية.
ويريان أن نجاح استراتيجية باراك أوباما في منطقة الشرق الأوسط لابد أن تنطلق من مرحلة ما بعد العراق، بحيث لا يكون العراق محور الاستراتيجية الأمريكية، محاولة إيجاد استراتيجية للتعامل البناء مع إيران والدفع إلى اتفاقية حل نهائي للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
الحوار مع إيران القوية
تحدث هاس وإنديك في مقالتهما عن تزايد الدور الإيراني في منطقة الشرق الأوسط من تدعيم القوى الشيعية في العراق ولبنان وفي عدد من دول الجوار، على سبيل المثال في البحرين والمملكة العربية السعودية. بالإضافة إلي دعمها قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية، التي تصنفها وزارة الخارجية الأمريكية على أنها جماعات إرهابية، تحت مسمى دعم المستضعفين وتحرير الأراضي العربية المحتلة. بالإضافة إلى أن السعي الإيراني لامتلاك أسلحة نووية سيدفع عديدًا من القوى الإقليمية مثل تركيا ومصر والسعودية إلى السعي لامتلاك مثل تلك التكنولوجيا لموازنة القوى الإيرانية النووية. بالإضافة إلى المخاوف الأمريكية من إمداد طهران للجماعات الإرهابية التي تدعمها بالمواد النووية أو الأجهزة والمعدات لصناعة القنبلة القذرة Dirty Bomb.
ويشيران إلى تبعات الضربة الإسرائيلية للمفاعلات النووية من إشعال حرب بالمنطقة لاسيما في لبنان، وغلق مضيق هرمز، وارتفاع في أسعار النفط في المنطقة، وتوجيه ضربات للقوات الأمريكية في العراق وأفغانستان. وعلى الرغم من رفضهما لأي ضربة إجهاضية أمريكية أو إسرائيلية لارتفاع تكلفتها ونتائجها الخطرة على الأمن والاستقرار الإقليمين، إلا أنهما يريان أنه قد يكون الخيار الأخير الذي يجب مناقشته بعناية بدلاً من التعايش مع إيران بقنبلة نووية.
وعن تعامل الإدارة الجديدة مع إيران القوية إقليميًّا تشير المقالة إلى حاجة إدارة أوباما لتعاون المجتمع الدولي لاسيما روسيا والصين اللتين ترتبطان بعلاقات جديدة مع طهران للتعامل مع المساعي الإيراني لامتلاك تكنولوجيا نووية غير سلمية. وهو الأمر الذي يدفع الإدارة الجديدة إلى البحث عن مناطق الالتقاء، وإقناع القيادات في الدولتين أن إيران خطر على مصالحهما وأمنهما القومي – بمعناه الشامل – بدلاً من تركيزهما على مصالحهما مع طهران.
ولتغير السلوك الإيراني على إدارة أوباما التحاور المباشر مع القيادات الإيرانية. وعن السبب في هذا يقول الكاتبان: إن باقي الخيارات الأخرى أظهرت عدم فاعليتها. فقد فشلت سياسات الاحتواء والعقوبات في إثناء إيران عن مساعيها لامتلاك تكنولوجيا نووية غير سلمية. كما أن الضربات العسكرية الإجهاضية فاعلة في إثناء إيران عن برنامجها النووي لبضع سنوات فقط ، مع إمكانية تعرض القوات الإسرائيلية والأمريكية في العراق وأفغانستان إلى ضربات انتقامية إيرانية. كما أنه ليس هناك خيار واقعي لإسقاط النظام الإيراني من خلال عمل عسكري أو تدعيم قوى المعارضة الداخلية. ورغم هذا يقول هاس وإنديك: إنه ليس هناك ضمانة ليكون الانخراط الأمريكي المباشر مع القيادات الإيرانية بناءً وذا نتائج إيجابية أكثر من السياسات المتبعة حاليًّا. وإنه في حال إخفاق مثل تلك السياسة فإن الرأي العام والدولي سيكون أكثر تبنيًّا للنهج المتشدد أكثر من المتبع حاليًّا.
الاستراتيجية الأمريكية للحوار مع طهران
وعن الاستراتيجية الأمريكية للحوار مع إيران طرح كاتبا الدراسة مجموعة من السياسات والأمور التي يجب على الإدارة الجدية اتخاذها عن التحاور مع إيران والتي تشكل الاستراتيجية الأمريكية للحوار والتوصل إلى مبادرة لحل الأزمة النووية الإيرانية تحافظ على مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة. وتتمثل تلك السياسات في:-
أولاً: قبل الانخراط الأمريكي مع إيران يجب على واشنطن طمأنة حلفائها في المنطقة من أن هذا الحوار لن يكون على حساب مصالحهم، حيث إن هناك هاجسًا عربيًّا من أن التحاور الأمريكي وحل الأزمة النووية الإيرانية سيكون على حساب المصالح العربية. ولتبديد تلك المخاوف العربية يدعوان إلى تحاور واستشارة الإدارة الأمريكية الجديدة الدول العربية الحليفة لها قبل الوصول إلى صيغة حل للأزمة النووية الإيرانية وإشراكها في المبادرة الجديدة التي تضمن لإيران دورًا يقوم على الوسائل السلمية وليس الإكراهية والقوة المسلحة، بحيث لا يكون هناك تأثير على المصالح العربية.
ثانيًا: لكي تنجح الاستراتيجية الدبلوماسية الأمريكية مع إيران يجب على الإدارة الجديدة منع تل أبيب من توجيه ضربة عسكرية إلى المنشآت النووية الإيرانية؛ بتقديم الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل ولجيرانها العرب لضمان توازنها مع القوى الإيرانية، ولمنع موجة سباق التسلح بالمنطقة لموازنة القوى الإيرانية الساعية إلى امتلاك أسلحة نووية.
ثالثًا: قيام الاستراتيجية الأمريكية الدبلوماسية على العمل الجماعي متعدد الأطراف مثل المحادثات السداسية في الأزمة النووية الكورية الشمالية، بحيث يكون للقوى الدولية والإقليمية دور فيها على غرار المحادثات السداسية التي كانت بمثابة حاضنة للمحادثات الأمريكية المباشرة مع كوريا الشمالية.
رابعًا: على واشنطن التخلي عن مطالبتها النظام الإيراني التوقف عن تخصيب اليورانيوم كإجراء رسمي يسبق المحادثات بين الجانبين الأمريكي والإيراني. ولكنَّ الكاتبين يربطان بين التوقف عن تخصيب اليورانيوم خلال المفاوضات بالتوقف عن فرض العقوبات على النظام الإيراني من قبل منظمة الأمم المتحدة.
خامسًا: على الولايات المتحدة مناقشة الجانب الإيراني في إدعاءاته في أحقيته في تخصيب اليورانيوم، وإدعائه أن ذلك يتفق مع معاهدة منع الانتشار النووي. وهذا – حسب هاس وإنديك - قد يساعد في موافقة الجانب الإيراني في القبول بقيود على تخصيب اليورانيوم بحيث لا يستخدم في صناعة أسلحة نووية. ويريان أن هذا يجب أن يكون من قبل الجانب الإيراني وليس بفرض من الجانب الأمريكي.
وأخيرًا: أن يكون هناك بالتوازي مع تطبيع العلاقات الأمريكية - الإيرانية حوار حول تدعيم طهران لقوى المقاومة التي تعتبرها الولايات المتحدة جماعات إرهابية مثل حماس وحزب الله اللبناني، والموقف الإيراني الرافض لعملية السلام بين إسرائيل وفلسطين ودورها في العراق. ولكنهما يدعوان ألا يكون هناك تداخل بين تلك القضايا، فيريان أن بعضها يرتبط بالأزمة النووية وبعضها الآخر يرتبط بتصرفاتها في القضايا الأخرى. وينصحان بعدم تأجيل تلك الاستراتيجية إلى الانتخابات الإيرانية في يونيو من العام القادم (2009).
كما تراجع الدور الأمريكي في عديد من الاتفاقيات والمصالحات العربية، فقد غابت واشنطن عن اتفاق الدوحة الذي وضع حدًّا للانقسام اللبناني – اللبناني، وعن المفاوضات الإسرائيلية – السورية، وإن كانت كل تلك الاتفاقيات تحمل في طياتها وجودًا أمريكيًّا إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت غائبة عن الصورة الكلية لتلك الاتفاقيات. ولا يزال الصراع العربي – الإسرائيلي يأبى الحلَّ.
وكل هذا وغيره يؤشر إلى تراجع وإخفاق السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط خلال فترتي الرئيس بوش، وهو الأمر الذي يفرض على الإدارة الجديدة إعطاء قدر أكبر من الأهمية لهذه المنطقة. وفي إطار سعي مراكز الأبحاث الأمريكية لصياغة استراتيجية جديدة للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، دشن أكبر مركزين بحثيين أمريكيين اهتمامًا بقضايا المنطقة، مجلس العلاقات الخارجية ومركز سابان لسياسة الشرق الأوسط التابع لمؤسسة بروكينجز ، مشروعًا بحثيًّا ضم ما يقرب من خمسة عشر باحثًا من المركزين، للبحث عن استراتيجية جديدة للتعامل مع قضايا منطقة الشرق، لاسيما التأزم الأمريكي في العراق، والصراع العربي – الإسرائيلي، ومنع الانتشار النووي والأزمة النووية الإيرانية، والإصلاح السياسي والاقتصادي، والحرب على الإرهاب.
وقد خرجت توصياتهم وأبحاثهم في كتاب جديد حمل عنوان "استعادة التوازن: استراتيجية شرق أوسطية للرئيس المقبل ، عن مؤسسة بروكينجز. وقد كانت خلاصة هذا المشروع والكتاب محور مقال متميز لرئيسي المركزين، ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية، ومارتين إنديك مدير مركز سابان، بمجلة الشئون الخارجية التابعة لمجلس العلاقات الخارجية، ستصدر في عددها القادم لشهري يناير-فبراير القادمين تحت عنوان " بعيدًا عن العراق: استراتيجية أمريكية جديدة في الشرق الأوسط
استراتيجية جديدة بعيدة عن سيطرة العراق
وفي مقالتهما يحاول هاس وإنديك الرد على كثيرٍ من التساؤلات بشأن أهمية منطقة الشرق الأوسط للولايات المتحدة من قبيل أن المنطقة ليست بالأهمية لكي يُوليها الرئيس بوش من دماء وثروة بلاده، ولذا على إدارة أوباما الجديدة تركيز سياساتها على منطقة أخرى. فحسبما يرى الكاتبان فإن منطقة الشرق الأوسط هي التي تفرض نفسها على أجندة الرئيس الأمريكي؛ فما يحدث في منطقة الشرق الأوسط لا يقتصر على المنطقة بل تكون له تبعاته دوليًّا. فالحرب على الإرهاب ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل وأمن الطاقة والتعامل مع التحديات الدولية المعاصرة يتطلب التعامل مع تحديات منطقة الشرق الأوسط.
ويقولان: إنه منذ انتهاء الحرب الباردة، كانت الولايات المتحدة المسيطرة على المنطقة. ولكنه في السنوات الماضية تراجع هذا الدور لإخفاق الولايات المتحدة، والذي أجملته المقالة في الاستقرار الأمني الهش بالعراق رغم زيادة القوات الأمريكية، والاقتراب الإيراني من امتلاك تكنولوجيا نووية، وترنح عملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية، وحكومة ضعيفة في لبنان، وتحديات تواجها السلطة الفلسطينية من قبل الفصائل المسلحة، وتراجع المكانة الأمريكية بالمنطقة لتعدد إخفاقاتها على مدار السنوات الثماني المنصرمة. ويريان أن الوقت يسير عكس ما يطمح الرئيس الجديد، فضلاً عن الأزمة المالية التي تعصف بالولايات المتحدة والتي قد تحدُّ من قدرة الولايات المتحدة لتنفيذ وعودها، وهو الأمر الذي من شأنه أن يحدث تراجعًا في كثيرٍ من قضايا المنطقة على عكس ما كانت تريد واشنطن.
وعلى الرغم من تراجع دور الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط خلال الثماني السنوات الماضية، فترة إدارتي الرئيس بوش، يرى هاس وإنديك أن كثيرًا من الأنظمة العربية تنظر إلى واشنطن على أنها ضمانة أمنهم وأنها القادرة على تحقيق آمالهم. بالإضافة إلى أن كثيرًا من شعوب المنطقة مازالوا معجبين بالقيم والمبادئ الأمريكية، وزاد هذا الإعجاب بعد فوز باراك أوباما في انتخابات الرابع من نوفمبر هذا العام، وهو الأمر الذي قد يشجع الرأي العام العربي والإسلامي على دعم قياداتهم للتعامل والعمل مع الولايات المتحدة.
ويرى الكاتبان أن على إدارة أوباما الاستفادة من هذه الرغبة الإقليمية والقوى الدولية للتعامل مع قضايا المنطقة مثلما كان الحال عليه في السنة الماضية من إدارة الرئيس بوش من التعاون الدولي متعدد الأطراف في الأزمتين الكورية الشمالية والإيرانية وإعادة إحياء العلاقات الأطلسية وتدعيم عملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية. ولكي تكون هذه الجهود أكثر فاعلية فإن على إدارة أوباما تدعيم العمل والجهود الدبلوماسية.
ويريان أن نجاح استراتيجية باراك أوباما في منطقة الشرق الأوسط لابد أن تنطلق من مرحلة ما بعد العراق، بحيث لا يكون العراق محور الاستراتيجية الأمريكية، محاولة إيجاد استراتيجية للتعامل البناء مع إيران والدفع إلى اتفاقية حل نهائي للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
الحوار مع إيران القوية
تحدث هاس وإنديك في مقالتهما عن تزايد الدور الإيراني في منطقة الشرق الأوسط من تدعيم القوى الشيعية في العراق ولبنان وفي عدد من دول الجوار، على سبيل المثال في البحرين والمملكة العربية السعودية. بالإضافة إلي دعمها قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية، التي تصنفها وزارة الخارجية الأمريكية على أنها جماعات إرهابية، تحت مسمى دعم المستضعفين وتحرير الأراضي العربية المحتلة. بالإضافة إلى أن السعي الإيراني لامتلاك أسلحة نووية سيدفع عديدًا من القوى الإقليمية مثل تركيا ومصر والسعودية إلى السعي لامتلاك مثل تلك التكنولوجيا لموازنة القوى الإيرانية النووية. بالإضافة إلى المخاوف الأمريكية من إمداد طهران للجماعات الإرهابية التي تدعمها بالمواد النووية أو الأجهزة والمعدات لصناعة القنبلة القذرة Dirty Bomb.
ويشيران إلى تبعات الضربة الإسرائيلية للمفاعلات النووية من إشعال حرب بالمنطقة لاسيما في لبنان، وغلق مضيق هرمز، وارتفاع في أسعار النفط في المنطقة، وتوجيه ضربات للقوات الأمريكية في العراق وأفغانستان. وعلى الرغم من رفضهما لأي ضربة إجهاضية أمريكية أو إسرائيلية لارتفاع تكلفتها ونتائجها الخطرة على الأمن والاستقرار الإقليمين، إلا أنهما يريان أنه قد يكون الخيار الأخير الذي يجب مناقشته بعناية بدلاً من التعايش مع إيران بقنبلة نووية.
وعن تعامل الإدارة الجديدة مع إيران القوية إقليميًّا تشير المقالة إلى حاجة إدارة أوباما لتعاون المجتمع الدولي لاسيما روسيا والصين اللتين ترتبطان بعلاقات جديدة مع طهران للتعامل مع المساعي الإيراني لامتلاك تكنولوجيا نووية غير سلمية. وهو الأمر الذي يدفع الإدارة الجديدة إلى البحث عن مناطق الالتقاء، وإقناع القيادات في الدولتين أن إيران خطر على مصالحهما وأمنهما القومي – بمعناه الشامل – بدلاً من تركيزهما على مصالحهما مع طهران.
ولتغير السلوك الإيراني على إدارة أوباما التحاور المباشر مع القيادات الإيرانية. وعن السبب في هذا يقول الكاتبان: إن باقي الخيارات الأخرى أظهرت عدم فاعليتها. فقد فشلت سياسات الاحتواء والعقوبات في إثناء إيران عن مساعيها لامتلاك تكنولوجيا نووية غير سلمية. كما أن الضربات العسكرية الإجهاضية فاعلة في إثناء إيران عن برنامجها النووي لبضع سنوات فقط ، مع إمكانية تعرض القوات الإسرائيلية والأمريكية في العراق وأفغانستان إلى ضربات انتقامية إيرانية. كما أنه ليس هناك خيار واقعي لإسقاط النظام الإيراني من خلال عمل عسكري أو تدعيم قوى المعارضة الداخلية. ورغم هذا يقول هاس وإنديك: إنه ليس هناك ضمانة ليكون الانخراط الأمريكي المباشر مع القيادات الإيرانية بناءً وذا نتائج إيجابية أكثر من السياسات المتبعة حاليًّا. وإنه في حال إخفاق مثل تلك السياسة فإن الرأي العام والدولي سيكون أكثر تبنيًّا للنهج المتشدد أكثر من المتبع حاليًّا.
الاستراتيجية الأمريكية للحوار مع طهران
وعن الاستراتيجية الأمريكية للحوار مع إيران طرح كاتبا الدراسة مجموعة من السياسات والأمور التي يجب على الإدارة الجدية اتخاذها عن التحاور مع إيران والتي تشكل الاستراتيجية الأمريكية للحوار والتوصل إلى مبادرة لحل الأزمة النووية الإيرانية تحافظ على مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة. وتتمثل تلك السياسات في:-
أولاً: قبل الانخراط الأمريكي مع إيران يجب على واشنطن طمأنة حلفائها في المنطقة من أن هذا الحوار لن يكون على حساب مصالحهم، حيث إن هناك هاجسًا عربيًّا من أن التحاور الأمريكي وحل الأزمة النووية الإيرانية سيكون على حساب المصالح العربية. ولتبديد تلك المخاوف العربية يدعوان إلى تحاور واستشارة الإدارة الأمريكية الجديدة الدول العربية الحليفة لها قبل الوصول إلى صيغة حل للأزمة النووية الإيرانية وإشراكها في المبادرة الجديدة التي تضمن لإيران دورًا يقوم على الوسائل السلمية وليس الإكراهية والقوة المسلحة، بحيث لا يكون هناك تأثير على المصالح العربية.
ثانيًا: لكي تنجح الاستراتيجية الدبلوماسية الأمريكية مع إيران يجب على الإدارة الجديدة منع تل أبيب من توجيه ضربة عسكرية إلى المنشآت النووية الإيرانية؛ بتقديم الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل ولجيرانها العرب لضمان توازنها مع القوى الإيرانية، ولمنع موجة سباق التسلح بالمنطقة لموازنة القوى الإيرانية الساعية إلى امتلاك أسلحة نووية.
ثالثًا: قيام الاستراتيجية الأمريكية الدبلوماسية على العمل الجماعي متعدد الأطراف مثل المحادثات السداسية في الأزمة النووية الكورية الشمالية، بحيث يكون للقوى الدولية والإقليمية دور فيها على غرار المحادثات السداسية التي كانت بمثابة حاضنة للمحادثات الأمريكية المباشرة مع كوريا الشمالية.
رابعًا: على واشنطن التخلي عن مطالبتها النظام الإيراني التوقف عن تخصيب اليورانيوم كإجراء رسمي يسبق المحادثات بين الجانبين الأمريكي والإيراني. ولكنَّ الكاتبين يربطان بين التوقف عن تخصيب اليورانيوم خلال المفاوضات بالتوقف عن فرض العقوبات على النظام الإيراني من قبل منظمة الأمم المتحدة.
خامسًا: على الولايات المتحدة مناقشة الجانب الإيراني في إدعاءاته في أحقيته في تخصيب اليورانيوم، وإدعائه أن ذلك يتفق مع معاهدة منع الانتشار النووي. وهذا – حسب هاس وإنديك - قد يساعد في موافقة الجانب الإيراني في القبول بقيود على تخصيب اليورانيوم بحيث لا يستخدم في صناعة أسلحة نووية. ويريان أن هذا يجب أن يكون من قبل الجانب الإيراني وليس بفرض من الجانب الأمريكي.
وأخيرًا: أن يكون هناك بالتوازي مع تطبيع العلاقات الأمريكية - الإيرانية حوار حول تدعيم طهران لقوى المقاومة التي تعتبرها الولايات المتحدة جماعات إرهابية مثل حماس وحزب الله اللبناني، والموقف الإيراني الرافض لعملية السلام بين إسرائيل وفلسطين ودورها في العراق. ولكنهما يدعوان ألا يكون هناك تداخل بين تلك القضايا، فيريان أن بعضها يرتبط بالأزمة النووية وبعضها الآخر يرتبط بتصرفاتها في القضايا الأخرى. وينصحان بعدم تأجيل تلك الاستراتيجية إلى الانتخابات الإيرانية في يونيو من العام القادم (2009).