نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الصراع على دمشق.. إلى متى؟

13/09/2024 - جمال الشوفي

( ماذا نفعل بالعلويين؟ )

12/09/2024 - حاتم علي

(عن الحرب بصفتها "الأهلية" ولكن!)

07/09/2024 - سميرة المسالمة *

(الأسد المتوجس من غَضبة الداخل)

31/08/2024 - إياد الجعفري*


استراتيجية التعاطي الإسرائيلي مع حزب الله





كان لوجود حزب الله اللبناني في الجنوب، كبديل عن الفصائل الفلسطينية التي تم إبعادها من لبنان عبر تواطئ لبناني (بعض المليشيات اللبنانية) مع نظام الأسد، حيث كانت فرصة إيران من أجل ملئ الفراغ وتوسيع نفوذها في لبنان, من حينها أصبح وجود الحزب ضرورة لجميع الأطراف, من جهة يعد ذراع إيران في المنطقة ومن جهة أخرى هو ظهر وعمق للنظام السوري، بعد انتهاء حركة أمل كقوة عسكرية وتنامي قوة الحزب العسكرية، وكذلك كان ضرورة مرحلية على الأقل وتخادمية مع إسرائيل، وهي السمة التي صبغت علاقات الحزب بإسرائيل، إذ لا نستطيع القول بأن هناك تنسيق بين الطرفين، وبذات الوقت يعتبر وجود الحزب ضرورة لبناء الاستراتيجية الإسرائيلية اتجاه لبنان والمحيط العربي, الاشتباكات كما أن الحروب المحدودة التي خاضها الطرفان قدمت خدمة مشتركة، ففي حين تم تسويق حزب الله على أنه حركة مقاومة ضد الوجود الإسرائيلي، استطاعت إسرائيل الحصول على مساعدات عسكرية أمريكية بذريعة حماية أمن مستعمراتها الشمالية.


 
طيلة سنوات بنت إسرائيل استراتجيتها على وجود الحزب كعدو مفترض على حدودها الشمالية، بالمقابل بنت إيران ونظام الأسد تعاطيها مع ملفات المنطقة من منطلق وجود الحزب.
وحدة الساحات كاستراتيجية جديدة
مع إعلان ماسمي محور المقاومة استراتيجية وحدة الساحات والتي تقوم على ربط القوى الموالية لإيران مع بعضها البعض، وجعلها ساحة مواجهة واحدة مع إسرائيل، غيرت إسرائيل من تعاطيها مع الحزب، خاصة بعد تدخله في سوريا عقب إنطلاق الثورة السورية، حيث استهدفت مواقع للحزب بهدف عدم السماح للوجود الإيراني في سوريا التمدد في سوريا، ومنعه سقوط النظام السوري بالتعاون مع حلفاء النظام من الروس والإيرانيين.
بعد 7 أكتوبر 2023
بدأ الحزب مرحلة جديدة من التعاطي مع إسرائيل اتسمت بالتصعيد المتدرج، ففي اللحظة التي سقط فيها مشروع وحدة الساحات بشكل فعلي، ووجدت حماس نفسها وحيدة، بالمقابل بدأت إيران تستثمر من خلال حزب الله وأدواتها الأخرى من أجل فرض وجودها في المعركة، إذ استغل الحزب التدخل الإسرائيلي في غزة وبدأ عملية تصعيد متدرجة لا تهدف إلحاق أذى مباشر بالبنى التحتية لمستوطنات نطاق الشمال الإسرائيلي، وإنما فقط كإثبات وجود باعتبار أن ثقل العلميات العسكرية كان في غزة ورفح ومناطق سيطرة حماس.
حاولت إسرائيل كبح أي محاولة للتصعيد من الجنوب اللبناني، وذلك تحت ضغط الدعوات لاجتثات الحزب وتطبيق القرار 1701 والذي ينص على إبعاد الحزب إلى مابعد خط الليطاني ونزع سلاحه الثقيل، هذه الدعوات لاقت قبولاً لدى نتنياهو المتخبط في غزة, من أجل إنقاذ سمعته السياسية وإيجاد حل لعدم محاسبته على الإخفاق العسكري والأمني.
وبالتالي كان لا بدّ من الضغط على حزب الله وربما الانتظار إلى مابعد الانتهاء من حرب غزة للتفرغ للحزب، على الرغم من عدم رغبة الحزب وإيران بالتصعيد والذهاب لحرب مفتوحة وعدم رغبة الدول الأوربية خاصة فرنسا وألمانيا باتسهداف لبنان وشن عملية عسكرية ضده، وفي ظل ضغط أمريكي على نتنياهو عبر المندوب الأمريكي هوكشتاين، التعامل الاسرائيلي مع الحزب أخذ شكلاً من التصعيد الاستراتيجي وذلك عبر أربع خطوات استراتيجية عسكرية وأمنية بدأت مع بداية العام الحالي:
المرحلة الاولى: وهي مرحلة أمنية تمثلت باختراق بنية الحزب الامنية وتحقيق خرق استخباراتي في صفوفه، والقيام بعمليات اغتيال واسعة شملت قيادات أمنية وعسكرية، بعيداً عن القيادات السياسية (وذلك من أجل أن يكون لها دور في المفاوضات اللاحقة)، نجحت إسرائيل في المرحلة الأولى من استراتيجية التعامل إذ استطاعت قتل عدد كبير من قيادة الصفين الثاني والثالث، خاصة القادة الأمنيين والعسكريين في سوريا ولبنان, وتحديداً أولئك المسؤولين عن تطوير الأسلحة بعيدة المدى، كالصواريخ والمسيرات، تطور هذا الاستهداف لاحقاً ليصل إلى الرجل الثاني في الحزب والمسؤول العسكري فؤاد شكر، إضافة لعدد من ضباط الارتباط والدعم الإيراني مع الحزب وبالتالي تكون قد قطعت صلات الوصل بين الحزب وحلفائه من جهة وبين قادة الحزب والعناصر على الأرض من جهة ثانية.
المرحلة الثانية: وهي مرحلة أمنية عسكرية، تمثلت باستهداف إسرائيل مستودعات الأسلحة التابعة لحزب الله خاصة الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى، ومراكز إطلاق الطيران المسير والتي استهدف الحزب من خلالها الجبهة الشمالية لإسرائيل ومستوطنات الجليل الأعلى وصولاً لكريات شمونة والعمق الإسرائيلي، هذا الاستهداف يتم بعد عمليات تحقق أمنية واستخباراتية ومن ثم شن العملية العسكرية، وبدأت مع تراجع حدة العمليات العسكرية على غزة واستمرت حتى اللحظة، كذلك تحتوي على عمليات رد على مصادر النيران التي يستخدمها الحزب في استهداف المستوطنات الإسرائيلية في الشمال، حيث يحاول الحزب تحسين وضعه العسكري والتفاوضي وحتى صورته في أذهان مؤيديه، من خلال القيام بعمليات استهداف للمواقع الإسرائيلية كان آخرها، ما أطلق عليه الحزب عملية الرد على مقتل القيادي فؤاد شكر بتاريخ 25 آب الحالي، حين استهدف بعشرات الصواريخ “مواقع وهمية وأماكن فارغة في عمق الشمال الإسرائيلي” دون إلحاق أذى مباشر ومؤلم خاصة بالعنصر البشري، ويعود ذلك إلى تخوف الحزب من رد إسرائيلي عنيف في حال ألحق هجمات الحزب خسائر كبيرة بصفوفه، لذا لايزال الحزب ملتزماً بسياسة عدم التصعيد وقواعد الاشتباك.
هذه المرحلة قد تكون الأطول ويعود ذلك إلى التزام الطرفين بعدم الانزلاق، وهذا ما أكده خطاب حسن نصرالله الأمين العام للحزب بتاريخ 25 آب، حين قال “لقد رددنا على عملية اغتيال شكر وأن الرد انتهى” مع تراجع في حدة الخطاب الذي شهد تصعيداً واضحاً خلال الفترة السابقة.
كذلك فإن إسرائيل الراغبة في تحجيم  والحد من قوة الحزب والحاق الاذى الأكبر في بنيته العسكرية، لا تريد الذهاب إلى حرب مفتوحة قبل الانتهاء من الحرب في غزة من جهة، ورؤية ماستؤول إليه الانتخابات الأمريكية من جهة ثانية, إذ يأمل نتنياهو بعودة دونالد ترمب للبيت الأبيض لتحصيل دعم أكبر مما يقوم به الديموقراطيون, والذين يختلفون مع ما يقوم به نتنياهو بل ويمارسون ضغطاً سياسياً، على الرغم من تصريحات الدعم التي تصدر عنهم لأسباب إنتخابية.
كذلك فإن هذه المرحلة تشهد تفككاً فيما سمي وحدة الساحات، إذ تخوض كل (ساحة) حربها على حِدى، فالحوثيون في اليمن يخوضون حرباً غير منسقة مع مايحدث في غزة|، وكذلك حزب الله جنوب لبنان، وهذا يدل إما على ضعف التنسيق بسبب ما تعانيه إيران التي تعد قائد مايسمى وحدة الساحات، حيث تشهد صراعات داخلية بعد مقتل رئيسها ووزير خارجيتها بحادث طائرة قبل أشهر، وفي اليوم الأول للرئيس الجديد بزشكيان وطاقمه، تعرض لهزة سياسية وأمنية وربما لاحقاً عسكرية، باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية خلال تواجده في طهران، ما أصاب المحور والذي فقد عدد كبير من قادته وضباط التنسيق بين أطرافه خلال استهدافهم من قبل إسرائيل، خاصة العميد محمد رضا زاهدي الذي قُتل باستهداف القنصلية الإيرانية في دمشق /نيسان 2024/ والذي اضطر إيران للرد بعدد من الصورايخ والمسيرات لم تحقق أي هدف استراتيجي داخل إسرائيل.
المرحلة الثالثة: وتشمل هذه المرحلة محاولة عزل الحزب وهيكله العسكري عن قاعدته الشعبية في الجنوب اللبناني، وذلك عن طريق استخدام قوة نارية أكبر ذات فاعلية تدميرية، تستهدف الضغط على الحاضنة ودفعها إلى النزوح (تتحدث تقارير غير رسمية عن نزوح أكثر من 100 لبناني وتركهم لمناطقهم معظمهم إن لم يكن جميعهم من حاضنة الحزب ومؤيديه)، ما يسبب ضغطاً على قيادات الحزب من جهة وعلى محاولاته طمأنتها واحتواء موجات النزوح وتأمين أماكن ومناطق إيواء لهم، كذلك يتسبب بموجة من الضغط على مؤسسات الحزب الاقتصادية والأمنية، تشكل عملية إفراغ للمنطقة جنوب الليطاني تمهيداً للضغط من أجل تطبيق القرار 1701، وبالتالي تفريغ المنطقة من العنصر البشري تمهيداً لاستهداف المنطقة بقوة نارية أكبر من أجل تدمير أي تحصينات أقامها الحزب.
المرحلة الرابعة: في حال  استمر الحزب بعملية إطلاق الصواريخ والمسيرات، فإن المرحلة الرابعة تصبح ضرورة بالنسبة لإسرائيل وذلك من أجل ضمان عدم تكرار ماحدث في السابع من أكتوبر، وقد تتمثل بتوغل بري محدود يتزامن مع قصف تمهيدي، وهذه المرحلة مرتبطة بتوافر عدة أسباب سياسية وعسكرية.
سياسياً:
إن فشل التوصل لاتفاق سياسي شامل في المنطقة مع إيران وأذرعها خاصة حزب الله والحوثي، قد يعجل من الذهاب لخطوة التصعيد المنفرد جنوب لبنان.
وصول ترمب للبيت الأبيض وتقديمه دعماً كبيراً لنتنياهو، قد يجعل من هذه الخطوة ضرورة لإنقاذ مستقبل نتنياهو السياسي وإبعاده عن المحاكمة، كذلك تخفف من وطأة الهجوم الذي تتعرض له حكومته بعد فشل اكتشاف ماحصل في 7 أكتوبر 2023.
الاستعصاء السياسي اللبناني والضغط الدولي على حزب الله من أجل حلحلة موضوع انتخاب الرئيس، قد يدفع الحزب للذهاب بعيداً والتصعيد مع إسرائيل.
عسكرياً:
إن عدم تحقيق الأهداف التي أعلن عنها نتنياهو في غزة، قد تعجل شن عملية عسكرية إسرائيلية ضد حزب الله، من أجل إنقاذ الجبهة الداخلية الإسرائيلية من التصدع من جهة، وإنقاذ نتنياهو وشركائه من جهة ثانية.
كذلك الوصول لاتفاق تهدئة مع حماس قد يدفع إسرائيل لشن عملية وقائية ضد الحزب في الجنوب، حيث سيتفرّغ الجيش الإسرائيلي لجبهة الجنوب اللبناني، ما يساهم في زيادة التصعيد.
أن يقوم الحزب بالتصعيد بناء على أوامر إيرانية، وذلك كجزء من الرد الإيراني على اغتيال هنية، ما يفرض على إسرائيل الرد وبقوة على الحزب حيث سيستغل نتنياهو الفرصة للحصول على تأييد أمريكي وغربي للعملية العسكرية.
نستنتج مما سبق أن حزب الله الذي لا يملك قراره بشكل كامل، ونتنياهو الواقع تحت ضغط الداخل الإسرائيلي، يببحثان عن مخرج لهذا الاستعصاء الحاصل، وعلى الرغم من عدم رغبة جميع الأطراف في التصعيد عسكرياً، إلّا أن الفرصة قد تكون مواتية لإسرائيل لتحقيق أهدافها جنوب لبنان ودعم موقفها التفاوضي مع الحزب وإيران وتحقيق مكاسب على الأرض.
بالمقابل يدعم الحزب موقفه الداخلي وترميم صورته التي اهتزت داخل لبنان وخارجه، وذلك من خلال الاستفادة من التصعيد المتبادل، كذلك يغطي على احتمالية أضطراره حال تطبيق القرار 1701، وبالتالي دعم موقفه سياسياً وتحقيق مكاسب لبنانية قد تعوضه خسائره الخارجية.
وبالتالي فإن التصعيد جنوباً وكذلك استراتيجية التعامل الإسرائيلية مع الحزب ترتبط بعدة عواملهي:
داخلية تتعلق بالداخل الإسرائيلي ومدى تعاطيه مع التصعيد، خاصة سكان مستوطنات الشمال الإسرائيلي، ونتائج الحرب في غزة ومصير الأسرى ونتائج التفاوض مع حماس.
إقليمية مرتبطة بنتيجة التفاوض مع إيران وطبيعة نتائجه، خاصة إذا حصل تصعيد إيراني ضد إسرائيل سواء بشكل مباشر أو عن طريق أذرعها.
دولية وتتعلق بنتائج الحرب الأوكرانية وما يترتب عليها من تغير في المزاج والتوازن الدولي والتغير الذي سيطرأ على العلاقات الدولية.
كذلك يتعلق بنتائج الانتخابات الأمريكية ومن سيصل إلى البيت الأبيض وماهو الدعم الذي سيقدمه لإسرائيل وكيفية تعامله مع الملف الإيراني
--------------
حلب اليوم.

فراس العلاوي
السبت 7 سبتمبر 2024