وعلى الرغم من أن الحكم الصادر لا يمنع ترامب من مواصلة حملته الانتخابية وفقاً للدستور الأمريكي، إلا أن هذا التطور المثير يأتي قبل خمسة أشهر فقط من الانتخابات الرئاسية التي يسعى ترامب من خلالها إلى العودة إلى البيت الأبيض.
ووصف ترامب الحكم بأنه "عار" وأن هذه "محاكمة مزورة"، مؤكداً براءته من التهم المنسوبة إليه، وأنه "سيواصل القتال حتى النهاية".
وأضاف بعد مغادرته قاعة المحكمة أن "الأمر لم ينته بعد"، وأن "الحُكم الحقيقي" سيُصدره الناخبون في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني، في إشارة إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة
"لا أحد فوق القانون"
علق البيت الأبيض على إدانة ترامب قائلاً "نحترم حُكم القانون"، كما قالت الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي جو بايدن إن الحكم دليل على أنّ "لا أحد فوق القانون".
وأكد بيان أصدره فريق حملة بايدن، أن دونالد ترامب، كمرشح رئاسي محتمل للحزب الجمهوري، لا يزال يشكل تهديداً كبيراً للديمقراطية، متهماً إياه بإدارة ما أطلق عليها حملة ثأر وانتقام غير متوازنة.
وقال المسؤول في حملة بايدن، مايكل تايلر، في بيان، إنه رغم هذه الإدانة، إلا أن "هناك طريقة واحدة فقط لإبقاء دونالد ترامب خارج المكتب البيضوي، ألا وهي بطاقة الاقتراع"، مضيفاً أنه "سواء أدين أم لم يُدَن، فإن ترامب سيكون المرشح الجمهوري".
كما رحب بالحكم المحامي الشخصي السابق لترامب مايكل كوهين، الذي لعبت أدلته دوراً رئيسياً في الإدانة، قائلاً على موقع إكس، إنه يوم مهم للمساءلة وسيادة القانون.
أما رئيس مجلس النواب الجمهوري، مايك جونسون، فقد علق بأنه "يوم مخزٍ لأمريكا"، مضيفاً أن ترامب سيستأنف على الحكم.
وغردت عضو الكونغرس المتشددة مارغوري تايلور غرين بصورة لعلم أمريكي مقلوب، وهو رمز يُستخدم للإشارة إلى أن الدولة في محنة، وقد تبناه مؤخراً بعض مؤيدي ترامب الذين يقولون إن الانتخابات الرئاسية لعام 2020 كانت مزورة.
ردود فعل الشارع الأمريكي
تحدثت بي بي سي إلى عدد من المواطنين الأمريكيين لمعرفة رأيهم بشأن الحكم الصادر بحق دونالد ترامب.
ففي نيويورك خارج محكمة مانهاتن، أعربت ماري جين ديسابلز عن دهشتها قائلة "لم أكن أعتقد أن هذا الأمر سيحدث بالفعل"، مضيفة أنه "حان الوقت لمحاسبته على شيء ما".
في حين أبدى وليام باركر اعتراضه قائلاً " لا أعرف كل التفاصيل حول قضيته، لكنني أعتقد حقاً أنه لم يفعل ذلك".
وأعرب ريتشي فرانك عن ثقته في أن الحقيقة ستتضح حتماً، سواء زُجَّ بترامب في السجن أم لا، قائلاً "أياً كان، سنصوت جميعاً لترامب" متسائلاً في استنكار: "كيف سيغير هذا رأيي؟!".
في حين وصف آخر نفسه بأنه من سكان نيويورك الأصليين، وأطلق على ما حدث بأنه "أمر مخزٍ"، قائلاً إن ترامب من سكان نيويورك الأصليين، و"إنه لا يكره هذه المدينة، ولا يكره هذا البلد".
وأضاف أن ترامب "بريء" وأن ما حدث له "ظلم"، مؤكداً أنه على الرغم من أنه لم يصوت لترامب في المرة الأولى إلا أنه سيفعل ذلك هذه المرة.
أما في جورجيا، فقد وصف دانتي سيلرز إدانة ترامب بأنه تاريخي قائلاً "بصراحة إنه لأمر صادم أن يُدان رئيس"، مؤكداً أن ذلك لن يغير أي شيء بالنسبة له، حيث سيصوت لترامب على أية حال.
ومع ذلك، يعتقد أن الحدث قد يحسم الأمر لدى الناخبين غير المنتمين إلى أي من الحزبين قائلاً: "سيكون هناك من ينظر إلى ورقة الاقتراع ويقول: هل يمكنني التصويت لمجرم مدان؟!".
وتتفق ماكيتا إيتون مع موقف سيلرز حيث تعتقد أن "من يدعم ترامب سيظل يدعمه بغض الطرف عن ذلك"، في إشارة إلى الحكم الصادر بحق الرئيس الأمريكي السابق.
وتعد جورجيا من الولايات المتأرجحة؛ حيث تشير الاستطلاعات إلى أن هناك ما يصل إلى 18٪ من الناخبين الذين لا يميلون إلى الديمقراطيين أو الجمهوريين، ويشكل السود ثلث سكان الولاية، الذين يسعى كل من بايدن وترامب إلى استقطابهم في الحملة الانتخابية.
وأعربت ماكيتا عن انزعاجها لهذه النقطة تحديداً، قائلة: "من المحزن أن قضايا السود لا تحظى بأهمية إلا في وقت الانتخابات، وليس طوال الوقت".
أما راشيل رايس التي تصف نفسها بأنها ناخبة مستقلة رغم تصويتها لترامب في انتخابات 2020، فأعربت عن ذهولها، معتقدة أن ترامب "سيرغب في الفوز الآن".
وقالت رايس وهي من قدامى المحاربين في الجيش الأمريكي: "ينتابني شعور بأن هذه المحاكمة كانت سياسية، ولست واثقة من مصداقية مايكل كوهين. أعتقد أنها تبدو غير عادلة".
جدير بالذكر أنه في انتخابات 2020، فاز الرئيس جو بايدن بالولاية الجنوبية بفارق ضئيل، وهي المرة الأولى التي يفوز فيها مرشح رئاسي ديمقراطي منذ عام 1982، لكن دونالد ترامب يضع الفوز بها نصب عينيه في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني القادم.
فرصة ضئيلة
رحب المدعي العام في المحاكمة الجنائية للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بحكم الإدانة، قائلاً إن "هيئة المحلفين قالت كلمتها" حين حكمت بأن ترامب مذنب بالتهم الـ34 الموجهة إليه، "باتباع الحقائق والقانون دون خوف أو محاباة".
وقال ألفين براغ خلال مؤتمر صحافي إن "الصوت الوحيد المهم هو صوت هيئة المحلّفين، وهيئة المحلّفين قالت كلمتها"، مشيراً إلى أن أعضاء الهيئة الـ12 أصدروا بالإجماع قرارهم بإدانة ترامب "بـ34 تهمة تتعلّق بتزوير محاسبي مشدد لإخفاء مؤامرة هدفها إفساد انتخابات 2016".
وقد دفع ترامب ببراءته في جميع القضايا، وصوّر مشكلاته القانونية المختلفة على أنها محاولة من جانب حلفاء بايدن الديمقراطيين لإيذائه سياسياً.
وكان محامي ترامب تود بلانش قد طلب من القاضي ميرشان رفض حكم الإدانة، بحجة أنه كان مبنياً على شهادة غير موثوقة لكوهين، لكن ميرشان رفض طلبه.
وفي مطلق الأحوال فإنّ ترامب أمامه مهلة شهر واحد لإخطار القضاء بنيته استئناف الحُكم، ومن ثم أشهر عدّة للقيام بذلك رسمياً.
وبعد صدور الحكم بالإدانة، أعلن بلانش أن فريق الدفاع سيستأنف الحكم "في أقرب وقت ممكن".
ومن المرجح أن يركز استئناف ترامب على شهادة نجمة الأفلام الإباحية دانييلز حول لقائهما الجنسي المزعوم، بالإضافة إلى النظرية القانونية الجديدة التي استخدمها فريق الادعاء العام في القضية، لكن خبراء قانونيين قالوا إن فرصه ضئيلة.
وعادةً ما يُعد تزوير المستندات التجارية جنحة في نيويورك، إلا أن الادعاء العام في مانهاتن رفع الأمر إلى جناية، على أساس أن ترامب كان يخفي أمراً غير قانوني في الحملة الانتخابية.
ويواجه ترامب نظرياً عقوبة السجن، إذ يُعاقب القانون في ولاية نيويورك على تزوير المستندات المحاسبية بالسجن لمدة أقصاها أربع سنوات.
ومع ذلك، فإن هذه العقوبة يمكن تخفيفها ما لم يكن المُدان من أصحاب السوابق الجنائية، بالإضافة إلى عمره الذي سيكون وقت النطق بالحكم وتحديد العقوبة 78 عاماً.
وبالنظر إلى سجل المدان، يمكن للقاضي أن يحكم بالسجن مع وقف التنفيذ، أو بالقيام بأعمال لخدمة المجتمع، بالإضافة إلى غرامة مالية.
يقول غاري أودونوغو، كبير مراسلي بي بي سي في أمريكا الشمالية، إن هذه النتيجة "مدمرة" للرئيس السابق، فهناك ناخبون في الولايات المتأرجحة، لن يقبلوا دعم مرشح ذي سجل إجرامي.
في المقابل، فإن نتيجة المحاكمة ستزيد من غضب مؤيديه وستساعد على جمع الأموال، ليس فقط لسداد الرسوم القانونية المتزايدة، بل وأيضاً من أجل حملته الانتخابية للرئاسة.
أما أنتوني زورشر، وهو أيضاً مراسل بي بي سي في أمريكا الشمالية، فيقول إن هذا الحكم يثير تساؤلات بشأن كيفية تأثيره في إطار الحملة الرئاسية لهذا العام.
وقد أشارت بعض استطلاعات الرأي في وقت سابق من هذا العام إلى أن الناخبين الجمهوريين قد ينقلبون على الرئيس السابق إذا ثبتت إدانته، لكن وبالنظر إلى مدى قوة دعم ترامب على مدى السنوات الثمانية الماضية، فإن رد الفعل على الإدانات قد لا تعكس الواقع بدقة.
ومع ذلك، إذا انتهى هذا السباق بنفس التقارب المتوقع، فإن الانخفاض الطفيف في الدعم قد يرجح كفة السباق لصالح الديمقراطيين بحسب زورشر، قائلاً إن الحكم بالإدانة قد يذكّر بعض الأمريكيين بما لم يكن يروقهم في الرئيس السابق.
لكننا ما زلنا في شهر مايو/أيار، وما زال الطريق طويلاً أمام هذا السباق الرئاسي. وبحلول شهر نوفمبر/تشرين الثاني، قد يركز الناخبون على مخاوف تقليدية كالاقتصاد والهجرة والإجهاض.
في نهاية المطاف، سيكون حكم الناخبين الأمريكيين الفيصل فيما سيكتبه التاريخ بشأن إدانة دونالد ترامب.