في الفترة ما بين 31 مايو/أيار و9 يونيو/حزيران، توافد أفراد قوات الأمن الحوثية بأعداد كبيرة إلى مكاتب ومنازل الموظفين المحتجزين، وأغلقوا في بعض الحالات أحياءً بأكملها. وخلال المداهمات، فتشوا مكاتب ومنازل المحتجزين، وصادروا وفتشوا الهواتف وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والأقراص الصلبة والوثائق والصور الشخصية وتلك المتعلقة بالعمل. بالإضافة إلى ذلك، احتُجز ما لا يقل عن ثلاثة من أفراد أسر الموظفين – من بينهم طفلان – لمدة 10 أيام على الأقل.
كما استدعت قوات الأمن الحوثية واستجوبت عاملين في منظمات المجتمع المدني التي تمت مداهمة مقراتها لساعات طويلة حول عملهم وارتباطاتهم ببلدان أجنبية. ووُضع ما لا يقل عن أربعة موظفين قيد الإقامة الجبرية أو أرغموا على توقيع تعهدات بعدم مغادرة صنعاء.
وأجرت منظمة العفو الدولية مقابلات مع 10 أفراد، من بينهم محامون وخبراء في المجاليْن الحقوقي والإنساني، ممن لديهم معرفة بالوضع على الأرض.
خلق بيئة من الخوف
أثارت موجة الاعتقالات الحوثية الخوف في قلوب العاملين في منظمات المجتمع المدني الذين يشعرون بخطر تعرضهم للاعتقال والانتقام بسبب قيامهم بعملهم. وتزامنت الاعتقالات مع حملة إعلامية مستمرة يقودها الحوثيون تتّهم المنظمات الإنسانية وموظفيها بـ “التآمر” ضد مصالح البلاد من خلال مشاريعهم.وقال أحد الخبراء: “نخشى أن نلقى المصير نفسه. هناك قرار بإغلاق الحيز المدني. الحوثيون يتهربون من المسؤولية عن تدهور الظروف المعيشية في ظل حكمهم من خلال جعل منظمات المجتمع المدني كبش فداء واتهامها بالتآمر ضد البلاد”.
وفي أعقاب الاعتقالات، أعلن جهاز الأمن والمخابرات الحوثي في 10 يونيو/حزيران “اكتشاف” ما أسماه “شبكة تجسس”. وبعد يومين، بثت قناة المسيرة، التابعة للحوثيين، مقطع فيديو يُظهر مجموعة مختلفة من المحتجزين الذين قبض عليهم بين عامَيْ 2021 و2023 واحتجزوا بمعزل عن العالم الخارجي منذ ذلك الحين، وهم “يعترفون” بالتجسس.
للحوثيين سجل حافل في استخدام التعذيب لانتزاع الاعترافات، مما يثير مخاوف من أن يكون هؤلاء المحتجزون قد أدلوا بهذه الاعترافات بالإكراه. ويقوّض بث الاعترافات القسرية حقوق المحتجزين في افتراض البراءة والحق في عدم تجريم الذات.
وقد سبق أن استهدفت السلطات الحوثية العاملين في المجالَيْن الحقوقي والإنساني من قبل. فلا يزال أربعة من موظفي الأمم المتحدة اليمنيين العاملين في مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان واليونسكو الذين اعتقلوا في عامي 2021 و2023 محتجزين تعسفيًا وبمعزل عن العالم الخارجي منذ اعتقالهم. وفي سبتمبر/أيلول 2023، اعتقل الحوثيون هشام الحكيمي، مدير قسم السلامة والأمن في منظمة أنقذوا الأطفال، واحتجزوه بمعزل عن العالم الخارجي. وتوفي في 25 أكتوبر/تشرين الأول بينما كان لا يزال قيد الاحتجاز التعسفي.
كما يواصل الحوثيون تقييد حركة التنقل وإيصال المساعدات، ومن بين ذلك عبر فرض قيود بيروقراطية مثل تأخير الموافقات، ورفض أو تأخير إصدار تصاريح السفر، وإلغاء المبادرات الإنسانية، والتدخل في تصميم مشاريع الأنشطة الإنسانية وتنفيذها وتقييمها، وفرض شرط المحرم على العاملات اليمنيات في المجال الإنساني اللواتي يتنقلن ضمن البلاد.
محكومون بالإعدام بتهم تجسس ملفّقة
منذ عام 2015، توثّق منظمة العفو الدولية حالات عشرات الأشخاص من ضمنهم صحفيون ومدافعون عن حقوق الإنسان وخصوم سياسيون وأفراد ينتمون إلى أقليات دينية أُخضِعوا لمحاكمات جائرة أمام المحكمة الجزائية المتخصصة في صنعاء بتهم تجسس ملفّقة، يعاقب عليها بالإعدام إلزاميًا بموجب القانون اليمني. وفي جميع هذه الحالات، بدا أن سلطات الادعاء الحوثية وجّهت التهم كوسيلة لاضطهاد المعارضين السياسيين وإسكات المعارضة السلمية. ومؤخرًا، في 1 يونيو/حزيران، حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة على 44 شخصًا بالإعدام بتهم تجسس ملفقة عقب محاكمة جماعية جائرة. وحُكم على 16 شخصًا منهم غيابيًا، بينما مَثُل 28 أمام هذه المحكمة. ووفقًا لمحاميهم عبد المجيد صبره، تعرض الـ 28 شخصًا للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة لانتزاع اعترافات، واحتجزوا في الحبس الانفرادي واختفوا قسرًا لمدة 9 أشهر بعد القبض عليهم.
واختتمت ديالا حيدر حديثها بالقول: “تعمل السلطات الحوثية في ظل إفلات تام من العقاب وتجاهل لسيادة القانون. فبدلًا من تهديد وعرقلة العاملين في المجالَيْن الحقوقي والإنساني، يجب على الحوثيين تسهيل عملهم وحركة المساعدات حتى يتمكنوا من الوصول إلى ملايين الأشخاص في اليمن الذين يحتاجون حاليًا إلى المساعدات الإنسانية والحماية. كما يتعيّن عليهم التوقف عن استخدام النظام القضائي كأداة للقمع السياسي”.