نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


أسدية دون أسد علي مسرح العسگر والديمقراطية





معظم العسكر الذين جاءوا للسلطة في العالم العربي بانقلابات أو ثورات وعدوا بالديمقراطية وتسليم السلطة للمدنيين، ووفوا بوعودهم علي طريقتهم، ولم تكن العملية مكلفة ولا صعبة فكل ما في الأمر أنهم ذهبوا الي الخياط، وفصلوا بدلا من »اليونيفورم« بدلة مدنية


ورغم تغيير الزي بل والتستر خلف شخصيات مدنية في حالات كثيرة ظل الشعب يعرف بغريزته وتراكم تجاربه أين تكمن القوة ومن هو صاحب الامر والنهي، فبعد الجيل الأول من الانقلابيين كحسني الزعيم والشيشكلي وصولا الي أمين الحافظ، وكان هؤلاء لا يهجرون الزي العسكري بالكامل بل يراوحون بينه وبين البدلة المدنية جاء »جيل العتاولة« الذي حكم طويلا وكله من الفصيلة العسكرية التي وعدت بالاصلاحات والديمقراطية وغيرت زيها لتنسجم مع الديكور السياسي، وأشهر هؤلاء في إطار عالم الموضة والأزياء العقيد الآفل معمر القذافي.
ومن كثرة تجاربنا وعمقها مع التنكر السياسي، فان جيلنا ما زال يذكر كيف وضع حافظ الأسد بعد انقلابه علي رفاقه في مثل هذا الشهر من عام ٠٧٩١ معلم مدرسة بسيطلً اسمه أحمد الخطيب في سدة الرئاسة، وكان الرئيس المدني كما هو متوقع عند حسن ظن صانعه العسكري، وملتزما بالقواعد الضرورية الصارمة التي وضعها له، وأقلها ألا يحرك الرئيس الهمام رجلا أو يوقع علي ورقة، أو يطلب فنجان قهوة إلا بأوامر من مرءوسه.
والمفروض حسب قانون الكواليس وللسياسة كما المسرح كواليسها أن يجري ذاك الأمر بسرية بحيث لا يلاحظه البسطاء العاديون من غالبية الشعب. وقد طبقت هذه القاعدة حسب الأصول في سوريا الي أن فضحها غباء الإعلام الرسمي أيام المرحوم أحمد أسكندر أحمد إذ كان المعلقون الاذاعيون والتلفزيونيون - من خوفهم ربما - يتجاهلون رئيس الجمهورية في المناسبات العامة ولا يرون فيه حسب تعليقاتهم أكثر من واحد بين مستقبلين ينهضون ويصفقون لرئيس الوزراء الذي خلع تدريجيا زيه العسكري وبدأ يتدرب علي زيارة الخياطين المدنيين.
ولاحقا وبعد أن صارت اللعبة مكشوفة أكثر مما ينبغي قرر رئيس الوزراء العسكري وبعد تدريب غير شاق أنه نفسه يمكن أن يصبح مدنيا ويمارس السلطة العليا مباشرة دون حاجة لأقنعة وهكذا نفخ حافظ الأسد علي أحمد الخطيب فطار وتبخر في الفضاء فلم يسمع عنه أحد شيئا الي يومنا هذا، ولا نعرف إن كان قد عاش أو مات فلم يكن علي دماثته أكثر من ممثل كومبارس أعطي دورا صغيرا في المسرحية العربية »عسكر وديمقراطية« ولا نعرف إن كان مقتنعا بذلك الدور لكن الأرجح وهذا لإنصاف الرجل أن يقال إنه لم يكن يستطيع رفضه.
ولأن الأسد لم يكن يثق بأحد فقد نقل هذا الاسلوب الي كل دوائر الدولة فقد كان من حق المسئول ان يلبس ما يشاء ويأكل ما يشاء لكن لم يكن من حق أي وزير أو موظف كبير أن يختار سكرتيره أو مدير مكتبه علي هواه لأن هؤلاء تحديدا يجب أن يكونوا من المخابرات، والعسكر ومن الموالين دون أدني ريبة للقصر الرئاسي لينقلوا كل شئ الي رئيس الدولة الذي غير زيه دون ان يغير صرامته وعقليته العسكرية.
ولا نعرف كيف وجد الأسد الأب وقتا لكل تلك المتابعات المهم أنه صنع دولة ستالينية رهيبة، ولم يمض غير مأسوف عليه الي ان مهد لوراثة سارت بسلاسة عجيبة وكأنها بيعة ملكية وقد أغاظت تلك »السلاسة السورية« الرئيس المصري السابق حسني مبارك الذي لم يعرف ضبط مفاتيحها لأنه ارتكب في الثمانينيات الخطأ المميت الذي لم يرتكبه الأسد الأب، وهو فتح المجال لحريات إعلامية محسوبة ظنا منه أن الكلام يظل كلاما، وما دري، أو ربما دري الان، وهو لا يري من يؤنس وحدته في قفصه غير خليفته أن قانون التراكم أقوي من الرغبات الذاتية.
وأظن وبعض الظن ليس إثما أن تلك السلاسة التي تكلف سوريا دمارا هائلا اليوم مازالت تثير غيظ علي عبد الله صالح في اليمن الذي جرب كل الوسائل لتوريث ابنه، وفشل واضطر للقول الاسبوع الماضي وهو يستعد فعلا للمغادرة أنه لا خوف علي البلد إن تنحي وغادر لأن اليمن سيحكمها الحرس الجمهوري »الباسل الأمين« دون أن يشير طبعا الي ان ذاك الحرس بقيادة ابنه أحمد الذي لن يتردد قطعا بعد رحيل الوالد في زيارة خياط مدني هذا إذا أمهلته الثورة وأعطته بعض الوقت لتكرار مسرحية نشهدها علي مسارح كثيرة في العالم العربي.
وبعد الأسد الأب الذي لم يبالغ في الأزياء المدنية كالقذافي ظل تقليد زرع عسكري أو مخبر خلف كل موظف كبير يسري في زمن أبنه فنائبه المدني فاروق الشرع مثلا يقف خلفه ويمسك بــ »زنبركاته« محمد ناصيف رجل المخابرات القوي الذي ترشحه دوائر غربية وإيرانية لقيادة المرحلة الإنتقالية بعد تنحي الأسد، أو الإطاحة به ان لم يفهم ويتنحي لأن ناصيف كما يقول عارفوه الوحيد تقريبا بين »الصف الأول للشبيحة« الذي يعطي الإنطباع بأنه يمكن أن يكون رجل دولة.
والرجل الثاني في هذا الصف الذي كان مرشحا لدور من هذا النوع لكن حظوظه تراجعت هو رجل المخابرات العسكرية آصف شوكت الذي لا يثق الايرانيون كما يقال في دوائرهم الا به وبمحمد ناصيف فقد كان من الممكن أن يكون صهر العائلة قبل الثورة جزءا من الحل لكن زواجه من عائلة الأسد أخرجه من دائرة القبول في مرحلة ما عاد فيها أحد لا في الداخل ولا في الخارج يري أي إمكانية للحل السياسي في ظل وجود هذه الأسرة التي لا يريد أن يراها الناس ابدا تتسلم اي سلطة في بلد رفع شعبه شعار: لا يريد السوريون أسدا حتي في حديقة الحيوان.
وسواء كان رجل الرحلة المقبلة هذا أو ذاك أو ثالثاً يتم تحضيره علي هدوء في الكواليس الإستخبارية فإن دوائر سياسية عربية ودولية بدأت تري في »الأسدية دون الأسد« عنوانا مقبولا للمرحلة الانتقالية في سوريا وكأن علي السوريين أن يشربوا العلقم من جديد، وأن يعيدوا تكرار تاريخهم المليء بعسكر لبسوا ثيابا مدنية، لكنهم ظلوا يحكمون بقانون »اليونيفورم« وعقلية الثكنة العسكرية.
-----------------------------------
صحيفة اخبار اليوم المصرية

محيي الدين اللاذقاني
الاحد 4 ديسمبر 2011