نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني

اليونيسيف ومافيا آل كابوني دمشق

12/11/2024 - عبد الناصر حوشان


يسارية اليمين




الاقتصاد العالمي يرتكز على تموين رغبة اثنين في المئة من مجموع سكان العالم......
الكاتب والمؤلف الأميركي بيل برايسون


وجد العديد من قادة دول العالم ( المؤثرة وغير المؤثرة)، في الأزمة الاقتصادية العالمية، فرصة سانحة ومناسبة لـ " الثورة" على ما كان سائدا قبلها، بما في ذلك أولئك الذين كان لهم نصيب في وقوع الأزمة نفسها، أو الذين غضوا الطرف عن مقدماتها، أو الذين " تحايلوا" على الاتهامات الموجهة إليهم !. فـ "ثورة " المتورط، تساهم في تلطيف – وربما في تخفيف – الاتهامات الموجهة إليه، و"ثورة" غير المتورط، تعطيه دفعا شعبيا قويا يحتاجه في وقت الأزمات وفي دائرة النكبات. وفي الواقع، أوجدت الأزمة "موجات ثورية"، وصلت إلى حد دفعت رئيس أساقفة الكنسية الإنجليكانية روان وليامز للقول علنا : "إن كارل ماركس كان على حق.. إذن". وهذا لا يعني بالطبع أن وليامز يوافق على الطرح الماركسي – لاسيما من الجانب الديني – لكنه أراد بهذا الموقف الغريب، أن يقدم تعبيرا ثوريا، يصعق صانعي القرار السياسي – الاقتصادي، الذين يعيشون الصاعقة الناجمة عن الأزمة، وفي مقدمتهم أولئك الذين ارتكبوها!. لكن الاندفاع "الثوري الموسمي"، يظل فاعلا ضمن نطاق آني، لا ينفع إلا في تحقيق مكاسب إعلامية – دعائية آنية، سرعان ما تزول أمام الحقائق المتفجرة، وعاجلا – وليس آجلا – ما تنتهي بنهاية اليوم.
في الأزمة، رأينا سياسيين يمينيين محافظين، لا ينتقدون المصرفيين الجشعين و"المُلهَمين" الاقتصاديين المُدمِرين فحسب، بل يشتمونهم. ورأينا ثوريين تقليديين ( بصرف النظر عن رُشد ثوريتهم أو فوضويتها)، يطورون الشتائم إلى أقوى منها!. لقد سوَت الأزمة، بين مؤمن بالاقتصاد المفتوح الذي "لا يخطئ مدى الدهر"، وبين مؤمن بأن الاقتصاد المفتوح ليس سوى الخطيئة بعينها!. وضمت رئيسا مثل الفرنسي نيكولا ساركوزي الآتي من جهة اليمين السياسي، ورئيسا مثل الفنزويلي هوغو تشافيز الآتي من أقصى اليسار السياسي، إلى " بيان مشترك واحد"، في صيغة متطابقة. بيان لا يحتوي إلا على هجوم ضد سلوكيات السوق المفتوحة، وضد القائمين والمؤمنين بـ " قدسيتها". وقبل هذا وذاك ضد النظام الاقتصادي "الأنغلوساكسوني"، الذي دمرت الأزمة كل أدبياته في إعصارها الذي أغرق كل أتباعه وأغرق معهم المناوئين له أيضا. إنه نظام ما بعد الحرب العالمية المنتهية في العام 1945، يرى الثوريون التقليديون، ومعهم " الثائرون" غير التقليديين الجدد، أنه ينبغي أن "يُعلن استسلامه" في الحرب الدائرة إلى أجل غير مسمى على الأزمة الاقتصادية العالمية. فهؤلاء يعتبرون أن هذا النظام الاقتصادي، بمثابة " سلاح الدمار الشامل الاقتصادي".
ليس هناك أفضل من "المنتدى الاقتصادي العالمي" الذي يعقد سنويا في دافوس السويسرية، كمنبر لتجسيد "التحول الثوري". فهذا المنتدى يجمع السياسيين ومعهم رؤساء أكبر المؤسسات والشركات في العالم تحت سقف واحد. وعلى الرغم من أنه يناقش الاقتصاد بعالميته وشموليته ومصائبه، إلا أنه ظل في نطاقه النخبوي من حيث شروط العضوية فيه. وأُذكر من نسي، بأن المؤسسات "النخبوية"، كانت "الحجر الأساس" في "بناء" الأزمة الاقتصادية العالمية، إلى جانب "الأعمدة" السياسية المساندة لهذا البناء!. لقد حذر "منتدى دافوس2010 " الذي عُقد تحت شعار عريض هو : "إعادة التفكير، إعادة التصميم، إعادة البناء"، من أن تداعيات الأزمة العالمية، قد تطول لتكلف العالم مزيدا من الخسائر، ما لم يتم تغيير طريقة التفكير في التعامل مع المخاطر التي تواجه الاقتصاد، ابتداء من معاجلة ثغرات الحوكمة في جميع أنحاء العالم. ويرى "المنتدى" في تقريره السنوي لعام 2010، أنه من غير الممكن إحداث تغييرات تقي من تكرار الأزمات في الاقتصاد العالمي، إلا بعد إعادة النظر في القيم والسلوكيات الحالية من جانب صانعي القرار، بغية تحسين مستوى التنسيق والإشراف.
وفي ظل هذه النتائج و "العِبر"، تكرَس "منتدى دافوس" أمام " الثوريين الجدد" كمنصة "لجلد" النظام المالي والاقتصادي الذي سيطر على العالم في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وقد فهم الرئيس الفرنسي هذه الوضعية، وفهم أكثر ضرورة استغلالها، ليواصل ما بدأه في أعقاب اندلاع الأزمة، وهو الهجوم الشرس على "الثقافة الاقتصادية الأنغلوسكسونية". لقد هاجم "الرأسمالية الجشعة"، التي جلبت للعالم هذه الأزمة التاريخية، وطالب بما وصفه بـ " اعتدال اقتصاد السوق"، وإصلاح النظام المالي العالمي. ولمزيد من "الثورية الآتية من اليمين"، يرى ساركوزي – ويرى معه القابعون تحت وطأة الأزمة لاسيما أولئك الذين لا دخل لهم في ارتكابها – أن العالم يحتاج إلى "بريتون وودز جديد"، وهو الاتفاق الدولي الذي أعقب الحرب الثانية، وشكل الخريطة الاقتصادية والاجتماعية.. وحتى السياسية للعالم. وللتأكيد على أنه "ليس ثوريا عابرا"، قال : " إنني سأعمل على إيجاد الإصلاحات المناسبة والتاريخية الحتمية، عندما تتولى فرنسا رئاسة اجتماعات مجموعة الثماني ومجموعة العشرين في العام 2011".
لا غرابة فيما قاله الرئيس الفرنسي. فعلى نفس المنصة قال زعيم حزب المحافظين البريطاني المعارض ديفيد كاميرون في دورة المنتدى للعام 2009 : "يجب علينا أن نقف في وجه المؤسسات والمصارف التي تجعل من حياة الناس صعبة لا تطاق"، ليعلن – بطريقة غير مباشرة - على الملأ، أنه لم يبق من "الحزب التاتشري" – نسبة لزعيمته السابقة مارجريت تاتشر – إلا "أطلالا تاتشرية". فهذه الأخيرة، كانت تقدس السوق وتحتقر المجتمع.
لقد جاء الموقف المتجدد للرئيس الفرنسي، بعد عام ونصف العام على اندلاع الأزمة، وهذا يعني أن الدول الكبرى، لم تصل بعد إلى مواقع متقدمة وعملية ومؤثرة، في مسيرتها نحو إنشاء نظام اقتصادي جديد، يأخذ بعين الاعتبار، الأخطاء المدمرة للنظام المولود بعد الحرب العالمية الثانية. ويعني أيضا، أن مصداقية " الثوريين" الجدد، ستظل على المحك، إلى يضعوا على الأرض ما ينادون ويطالبون به، حتى لو أتى "الثوريون" من بلد أم الثورات فرنسا. نعم.. استطاع ساركوزي – بمواقفه الاقتصادية الثورية - أن يدعم شعبيته، ليس فقط على الساحة الفرنسية بل والأوروبية أيضا. لكن هل تمكن وضع علامات التحول التاريخي الذي ينادي به على الطريق؟. الجواب ببساطة: لا . وهذا الأمر يطرح سؤالا كبيرا هو : هل حققت الدول الكبرى بمجموعتيها "الثماني" و"العشرين" إنجازات "تحوُلية" على صعيد تأسيس نظام اقتصادي، يحل مكان النظام المنبثق عن اتفاق " بريتون وودز"؟. الجواب مرة أخرى: لا!.
إن التحرك الدولي الذي انطلق في أعقاب الأزمة، وأصبح أكثر فعالية بعد خروج إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن من الحكم، من أجل ما يمكن وصفه بـ " التجديد الاقتصادي"، حقق خطوات عملية وواقعية، لكنه لم يرق بعد إلى مستوى "التجديد التاريخي" الذي ينبغي أن يوازي تاريخية أخطاء ما قبل الأزمة، وتاريخية مصائب الأزمة نفسها. فـ "التغييرات" التي أُدخلت إلى النظام المالي العالمي مثلا، ظلت في إطار الإصلاحات، بينما يتطلب الأمر، بناء نظام مالي جديد بمعايير ومعاول جديدة، لا بأدوات إصلاحية فقط. والذين يتحدثون عن "بريتون وودز" جديد، يعلمون بأن القضية لا تنحصر فقط بنظام مالي، بل بنظام اقتصادي، يأخذ في الاعتبار مدى أهلية المؤسسات التي نشأت بفعل هذا الاتفاق التاريخي، ومدى تناغمها مع المستجدات، خصوصا بعد أن غيرت الأزمة، كل المفاهيم والمبادئ التي سادت العالم قرابة سبعة قرون من الزمن، لاسيما في ظل اتفاق عالمي – لثوريين وغير ثوريين - على أنه .. وإن مرت عاصفة الأزمة، إلا أن آثارها وتداعياتها ستظل باقية إلى زمن يحسب بالسنوات لا بالأشهر ولا بالفصول.
وعلى هذا الأساس، يجب على "الثوريين" القادمين من جهة اليمين تفعيل توجهاتهم، لكي لا تظل محصورة فقط في الخطاب الإعلامي. هذا الخطاب الذي كان له الدور الأكبر في تجميل الوجه القبيح، لواحد من أكثر الأنظمة الاقتصادية تشوهًا في التاريخ.
الذي يحتاجه العالم – بعد الفاجعة - ليس اتفاق "بريتون وودز" جديد، بل معاهدة دولية يشترك فيها الجميع. معاهدة توفر "اعتدالا" للسوق، وعدالة للمجتمع.
----------------------
m@karkouti.net






محمد كركوتــي
الاربعاء 3 فبراير 2010