والواقع أن خامنئي لا يقصد بذلك تقديم منظور شيعي جديد لمناسك الحج من خلال تنفيذ وصايا الخميني، والتي تنص على أنه لا معنى لأداء الحج من دون إجراء مراسم البراءة من المشركين، رغم أن العديد من فقهاء الشيعة يعتبرونها بدعة أضافها الخميني إلى مناسك الحج، بل يهدف إلى تسييس الحج من خلال تنظيم الحجاج لمظاهرات مخطط لها مسبقًا أثناء الحج، الأمر الذي من شأنه أن يثير أعمال شغب ويفتعل أزمات بين المسلمين في مكان يفترض أنهم ينحون هذه الاختلافات جانبًا. وقد أثارت تصريحات خامنئي إدانات من الكثيرين الذين اعتبروا دعوته محاولة لتصدير الإضرابات وتهديد أمن الحجاج وسلامتهم. وبشكل لافت، أصبح الحج في دائرة الضوء الإيرانية، فبعد دعوة خامنئي هدد وزير الخارجية الإيراني السابق، منوشهر متكي، السعودية قائلًا: “هذا العام سنرى تحولًا جوهريًا في مكة، يجب ألا تمنع السعودية غضب المسلمين في أيام البراءة تحت أي ظرف”.
والواقع أن تسييس الحج من ثوابت السياسة الإيرانية، فقد حاولت طهران مرارًا وتكرارًا استغلال موسم الحج لنشر دعايتها السياسية، ولا شك أن موسم الحج وفّر لها ساحة حساسة ورمزية للغاية، ليس فقط للانتقام وإثارة غضب آل سعود، بل أيضًا لنشر دعايتها من خلال تحريض الحجاج الإيرانيين على النشاط الثوري والخطابة وتوزيع الرسائل الدعائية، وهو الأمر الذي رفضته السعودية دائمًا متهمة طهران بتسييس الحج والخروج به عن هدفه الرئيسي.يجب أن تتواصل البراءة هذا العام بنحو يتخطّى موسمَ #الحجّ وميقاتَه، إلى الدول والمدن التي يقطنها المسلمون في أرجاء العالم كلّه، وتتعدّى الحُجّاجَ إلى كلّ فردٍ من الناس. #غزة
#حج_البراءة
— الإمام الخامنئي (@ar_khamenei) June 13, 2024
وعبر شعارات التضامن مع غزة، تزامنت تعليمات خامنئي مع دعوات العديد من زعماء الجماعات الشيعية، خاصة من المحور الإيراني، فقد دعا مقتدى الصدر في بيان له على منصة إكس إلى نفس ما قاله خامنئي.
إن إشكالية تسييس الحج بهذا الشكل وتحويله إلى معركة، لا يبدو أنها تنطلق من أجل نصرة المظلومين، إنما الهدف إظهار القوة وترويج دعايات وتنفيذ أجندات لخدمة المشروع الإيراني. في الواقع، حوّل هؤلاء الحج إلى مكان للتوتر والتنافس الطائفي، بدلًا من مكان للحوار وإيجاد قواسم مشتركة.
الردّ السعودي: لا سياسة في الحج ولا حج في السياسة
بعد تأكيد خامنئي على استغلال موسم الحج هذا العام من خلال التشجيع على الأنشطة السياسية الداعمة لطهران، أُثيرت مخاوف السعودية، وقامت بعرض عسكري ضخم أثناء موسم الحج في إشارة إلى تصديها لأي مظاهرات محتملة، كما عقدت وزارة الداخلية مؤتمرًا صحفيًا شهد رسائل تهديد للتعامل مع من تعتبرهم المملكة مخالفين.وفي الواقع كانت الإجراءات الأمنية التي اتخذتها السعودية خلال موسم الحج هذا العام صارمة بشكل مفرط، وكذلك كان الرد السعودي على إيران سريعًا هذه المرة، إذ طردت السعودية 6 أعضاء في مجموعة إعلامية مرتبطة بمكتب المرشد الأعلى خامنئي، بعد أن تم احتجزاهم في مركز تابع للشرطة لمدة أسبوع.“حنا جنود الملك سلمان والدولة”
أهازيج يرددها أفراد وضباط قوات أمن الحج استعدادا للمشاركة في مهمة حج هذا العام
وهذه المجموعة التي طردتها السعودية ضمّت شخصيات مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، لكن السعودية لم تفصل كثيرًا ولم ترد أن تثير بلبلة، خاصة أن إيران ما زلت تُصدر خطاب مظلومية معاملة السعودية للحجاج الإيرانيين، لذا قالت السعودية إن هؤلاء الحجاج الإيرانيين قاموا بأنشطة لا تتوافق مع نوع التأشيرات الممنوحة لهم.
وذكرت وسائل إعلام إيرانية أنه تم اعتقال أفراد آخرين أثناء تصوير برنامج إيراني في المسجد النبوي، وهو موقع تحظر فيه السعودية كل الأنشطة السياسية بشكل صارم. وبعد يومين من اعتقال المجموعة الأولى، اعتقلت الشرطة السعودية صحفيًا من شبكة “أخبار العالم” الإيرانية وصحفيًا آخر من وكالة أنباء “IRIB” بعد نزولهما من السيارة لحضور حفل “دعاء كميل”، وهو دعاء شيعي، كما تم اعتقال صحفي إذاعي آخر في أحد فنادق المدينة.
وبينما يعلو صوت السلطات السعودية في التحذير من تسييس موسم الحج، وأنها لن تتسامح مع الأنشطة السياسية أثناء الحج، تمارس هي أيضًا التسييس من خلال جعل منبر الحرمين أداة للدعاية السياسية للنظام السعودي، والأسوأ منعها العديد من العلماء والشخصيات المشهورة التي لا تنسجم مع توجهات النظام السعودي من أداء فريضة الحج.“حنا جنود الملك سلمان والدولة”
أهازيج يرددها أفراد وضباط قوات أمن الحج استعدادا للمشاركة في مهمة حج هذا العام June 10, 2024
تضيق السلطات السعودية ذرعًا بكل العلماء والمثقفين والإعلاميين الذين يقولون ما يرونه صوابًا ولو خالفوا فيه السلطات الحاكمة ولذا فإنها تمنعهم عن الحج والعمرة أو تعتقلهم وتزج بهم في سجونها أو ترحلهم إلى سلطات بلادهم بغير حق.#الحج_ليس_آمنا
— مرصد انتهاكات الحج والعمرة (@HajjIsNotSafe) June 12, 2024
غطاء مراسم البراءة: السياسة الإيرانية تجاه الحج
لفهم سرعة الرد السعودي هذه المرة على إيران وحرمان الحجاج الإيرانيين من تنظيم مسيرات سياسية، من المهم سرد بعض الأحداث القديمة المتعلقة بهذا الموضوع. من المفارقات أنه قبل عام 1979، كان الحجاج الإيرانيون ملتزمين بضوابط الحج ويحظون باحترام كبير من السعوديين.وفي عهد الشاه خلال الستينيات، تقاسمت الرياض وطهران المخاوف الأمنية بشأن عدد من القضايا الإقليمية، ولم يكن هناك أي خلاف حول القيادة الدينية لموسم الحج، بل ارتفع عدد الحجاج الإيرانيين بشكل كبير من 12 ألفًا عام 1961 إلى 57 ألفًا عام 1972. لكن تغيرت الأمور منذ الثورة الإيرانية التي خلقت ظروفًا وأجواء جديدة.
في الواقع، تعود مراسم “البراءة من المشركين” التي أعلنها خامنئي مؤخرًا إلى عام 1971 ، حين أمر الخميني أتباعه الشيعة بتوزيع رسائل سياسية عند أداء فريضة الحج، والقيام بطقوس أسموها “مظاهرات البراءة”، وزعم الخميني أن الواجب على الحاج المسلم هو القيام بـ”البراءة من المشركين” في طقوس سياسية في الأساس، تركّز على إدانة أمريكا و”إسرائيل” والحكومات الإسلامية وتقوم بالدعاية للسياسة الإيرانية والمذهب الشيعي.
ورغم اعتقال عدد قليل من الحجاج الإيرانيين في سبعينيات القرن الماضي بسبب هذه الطقوس التي بدأت في زرع بذور الاختلاف بين الحجاج الشيعة والسنّة، إلا أن المسؤولين السعوديين كانوا غير مبالين بشكل عام، ولم ينظروا إلى هذه الرسائل السياسية على أنها تهديد ضدهم أو قد تؤدي إلى عواقب وخيمة، وقد أدى الخميني نفسه فريضة الحج عام 1973.
ثم بحلول منتصف عام 1979 بدأ الخميني في تحديد دور إيران، وفي عدة مواسم للحج أمر بتنظيم احتجاجات بهدف إثارة المشاكل في السعودية، وأرسل أفرادًا لتنظيم أنشطة سياسية أثناء موسم الحج من أجل نشر مبادئه إلى الحجاج من جميع أنحاء العالم. كما أعرب باستمرار عن ازدرائه للعائلة المالكة السعودية، وشجّع أتباعه الشيعة على إظهار دعمهم للنظام في طهران أثناء موسم الحج.
بالنسبة إلى الحكام في الرياض، كان سقوط الشاه وصعود الخميني بمثابة زلزال، حيث تحدى الأخير شرعيتهم بالقيادة الإسلامية، وهدد السلامة الإقليمية للسعودية من خلال مناشدة الشيعة في المنطقة للثورة.
ونتيجة لزيادة النشاط السياسي الإيراني تدريجيًا في كل موسم حج، ووقوع أول اشتباك بين الحجاج الشيعة وقوات الأمن السعودية عام 1981 على خلفية ترديد الحجاج الإيرانيين شعارات سياسية في المسجد الحرام والمسجد النبوي، حيث طاف هؤلاء وهم يهتفون: “الله أكبر.. الخميني أكبر، والله واحد.. الخميني واحد”، لذا تحركت قوات الأمن السعودية ضد الإيرانيين في كلا المسجدين، وأدى الاشتباك في المسجد النبوي إلى مقتل حاج إيراني. ثم في عام 1982، عيّن الخميني محمد موسوي مشرفًا وممثلًا شخصيًا له خلال موسم الحج في ذلك العام، وكالعادة اشتبكت الشرطة السعودية مع المتظاهرين، وطردت بعضهم بسبب ما اعتبرته تحريضًا. بالنسبة إلى معظم المسلمين في ذلك الوقت، فإن إبراز الاختلافات الطائفية في موسم الحج كان جزءًا من مؤامرة لإثارة الانقسام بين المسلمين.
مع ذلك، لم تكن هذه هي الجولات الأخيرة من المواجهات الدامية في موسم الحج، فخلال السنوات القليلة التالية أصرّ الإيرانيون على توسيع الاحتجاجات السياسية في الحج، ووزعوا مواد سياسية مطبوعة، وانتقدوا الحكومات الإسلامية، وكل ذلك تحت ستار مراسم البراءة، والتي أصبحت لدى أنصار الخميني شعيرة من شعائر الحج، حتى أن الأخير أفتى بأن “الحج من دون إعلان البراءة ليس مقبولًا”.
حاول المسؤولون السعوديون استمالة الإيرانيين واحتواء الأزمة، وبالفعل سمحوا لهم بقدر معيّن من الدعاية السياسية خلال موسم الحج وتنظيم تظاهرتَين منفصلتَين، واحدة في مكة والأخرى في المدينة المنورة، كما سُمح لممثل الخميني بتنظيم التجمعَين، وفي عام 1986 فتحت السعودية مقبرة البقيع للحجاج الشيعة.
لكن في العام نفسه، وصلت إلى البلاد مجموعة من الحجاج الإيرانيين وهم يخفون كمية كبيرة من المتفجرات في حقائبهم وكان هدفهم الواضح تدمير موسم الحج، لكن فشلت المؤامرة، واكتشفت سلطات المطار السعودي المتفجرات واعتقلت أكثر من 100 حاج عند وصولهم، وكان من بينهم عناصر في الحرس الثوري الإيراني تظاهروا بأنهم حجاج.
وقد سُجّلت اعترافاتهم وتم بثّها على التلفزيون السعودي، وأحرجت هذه الحادثة النظام الإيراني. وبسبب مؤامرة الحج عام 1986، أصبح لدى السلطات السعودية أسبابًا قوية للاشتباه في أن بعض الحجاج الإيرانيين يخططون لزعزعة استقرار البلد، لذا كانت أجهزة الأمن السعودية في حالة تأهّب قصوى. ففي موسم الحج عام 1987 بعد 7 سنوات من الثورة الإيرانية، خرجت الأمور عن السيطرة ووصلت التوترات المتكررة إلى ذروتها، على إثر تنظيم الحجاج الإيرانيين أعمال شغب ومظاهرات عارمة أثناء موسم الحج تحت شعار “البراءة من المشركين”، وجرت هذه الاحتجاجات بناء على أوامر من الخميني الذي دعا علنًا إلى إسقاط آل سعود بسبب موقفهم الداعم للعراق في الحرب.
خشيت السعودية من مراسم البراءة هذا الموسم (عام 1987)، واشتبكت قوات الأمن السعودية مع الحجاج الإيرانيين، ويزعم السعوديون أن الحجاج الإيرانيين كانوا مسلحين، وبالنهاية أسفرت الاشتباكات الدامية عن موت أكثر من 400 شخص، منهم 275 حاجًّا إيرانيًا، 42 حاجًّا من جنسيات أخرى، و85 شرطيًا سعوديًا. ووصف الإيرانيون هذا الحادث بالمجزرة المتعمدة، كما زعمت إيران أن 400 حاج إيراني لقوا حتفهم وأن عدة آلاف أصيبوا.
وعلى إثر ذلك، امتدت الاحتجاجات الإيرانية من مكة إلى محاصرة السفارة السعودية في طهران، حيث اقتحم حشد من طهران المفوضية السعودية، وخطفوا دبلوماسيين سعوديين وأحرقوا وثائق وأثاث في السفارتين، ونتج عن ذلك مقتل دبلوماسي سعودي.
ونتيجة لكل ذلك، قطعت السعودية بالكامل علاقاتها مع إيران لمدة 3 سنوات، كما أعلنت تقليل العدد المسموح به من الحجاج الإيرانيين من 150 ألفًا إلى 45 ألفًا، وفي المقابل قاطعت طهران المواسم الثلاث التالية من الحج ومنعت مواطنيها من أداء فريضة الحج حتى عام 1990. وتصاعدت التوترات مجددًا عام 1989، إذ أدى انفجاران في مكة إلى مقتل أحد الحجاج وإصابة 16 آخرين، وسرعان ما ألقت الشرطة السعودية القبض على أكثر من 30 شيعيًا كويتيًا، وادعوا أنهم تصرفوا نيابة عن الإيرانيين.
وبحلول عام 1991، استمرت الاتصالات من أعلى مستوى دبلوماسي إيراني من أجل حل الخلاف حول الحج مع السعودية، وأصبحت مشاركة إيران في الحج أولوية رئيسية للحكومة الإيرانية.
وبالفعل التقى وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل بوزير الخارجية الإيراني علي أكبر ولايتي في نيويورك لمناقشة موسم الحج، وتوصل البلدان إلى اتفاق مؤقت، بموجبه قلصت السعودية عدد الحجاج الإيرانيين إلى 115 ألفًا بعد أن كان 150 ألفًا في السنوات السابقة.
لكنها سمحت للحجاج الإيرانيين بالمظاهرات وإحياء مراسم البراءة وقراءة رسائل خامنئي مرة أخرى شريطة عدم انتقاد الحكومات الإسلامية، بجانب أن تتم هذه الطقوس في مكان معيّن خصّصه السعوديون كي لا يسير الحجاج الإيرانيون في شوارع مكة، وبالفعل مضت الاستعدادات للحج بسلاسة ولم يقع أي حادث دموي، وعلى هذا الأساس استؤنفت العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين.
لكن مع ذلك، لم يقبل جميع الحجاج الإيرانيين هذه القيود، وظلت العلاقات بين البلدين في أدنى مستوياتها طوال التسعينيات، كما تجددت الخلافات حول رفع الأعلام وحصص الحجاج الإيرانيين، وأماكن المظاهرات التي اعتبرها الحجاج الايرانيون بعيدة عن مكة. من الواضح أن السعوديين كانوا يرغبون في وضع مسافة بين الحجاج الإيرانيين والحجاج الآخرين، لذا رفضت إيران هذه الأمكان بحجة أن موقعها يجعل من المستحيل عليها أن تجتذب حجاجًا من دول أخرى.
عدد الحجاج الإيرانيين 1979-1994<br />
وفي عام 1994، اتخذ السعوديون خطوة إلى الوراء من خلال خفض أعداد الحجاج الإيرانيين إلى النصف، وحاصرت كتائب من الشرطة السعودية مقر بعثة الحج الإيرانية. وحظرت مراسم “البراءة من المشركين” في مكة، وأصدر الشيخ عبد العزيز بن باز فتوى ضد مسيرة “البراءة من المشركين”، واصفًا هذه الطقوس بالبدعة التي سيكون لها عواقب وخيمة.ردّت الشخصيات الإيرانية بلغة منضبطة ودعت إلى التوصل لتفاهم، كان النظام الإيراني في ذلك الوقت منشغلًا داخليًا باستقراره وبقائه، ولم تكن من مصلحته تأجيج النيران. وعندما اُنتخب خاتمي رئيسًا لإيران، اجتمع عام 1997 مع الملك السعودي ومهّدا الطريق نحو تطبيع العلاقات.
قدم الملك السعودي دعمه المطلق لإيران في منظمة التعاون الإسلامي، مقابل ضمان رفسنجاني عدم قيام الحجاج الإيرانيين بالتحريض على الاضطرابات أثناء موسم الحج، حيث سمحت السلطات السعودية للحجاج الإيرانيين هذه المرة بالتجمع في ساحة قريبة من المسجد الحرام. وبموجب هذا الاتفاق، واصل الحجاج الإيرانيون موسم الحج من دون القيام بمشاكل كبيرة، فقط وقعت حوادث قليلة، مع ذلك لم تدُم فترة الهدوء طويلًا، وسرعان ما تجددت الخلافات عقب غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003، وقد أدى الغزو إلى شعور إيران بالانتصار.
ثم بمباردة من الملك السعودي عبد الله عام 2008، وجّه دعوة للرئيس الإيراني أحمدي نجاد لحضور موسم الحج 2009، وبدلًا من أن يستغل الأخير الدعوة لتبديد الخلافات والتوترات على الأقل رمزيًا، استغل نجاد وجوده في موسم الحج للمناورة السياسية والدعاية لإيران. وخلال زيارته، شوهد الحجاج الإيرانيون على شريط فيديو وهم يحملون لافتات سياسية وطائفية ويهتفون “لبيك يا حسين”.
وبشكل غير مسبوق، تصاعدت التوترات مجددًا بين البلدين في موسم حج 2015 على كارثة تدافع الحجاج في منى، والذي أدى إلى وفاة عدة مئات من الحجاج الإيرانيين أكثر من أي جنسية أخرى، ومنعت طهران مواطنيها من الحج إلى مكة، واتّهم خامنئي السعودية بارتكاب القتل خلال موسم الحج وشكك في قدرتها على إدارة الأماكن المقدسة.
وفي عام 2016، أعلنت السعودية وإيران فشل المفاوضات في التوصل إلى تفاهم بشأن ترتيبات حضور الإيرانيين حج عام 2016، وألقى الإيرانيون اللوم على السعوديين في فشل المحادثات، بسبب أن المملكة طلبت منهم عدم تنظيم تظاهرات سياسية وعدم رفع الأعلام الشيعية في مراسم الحج، بجانب مطالبة الحجاج الإيرانيين بارتداء أساور التتبع الإلكترونية.
ومنذ عام 2016 والسعودية تتشدد في رفضها للمراسم والطقوس التي اعتبرتها خارجة عن مناسك الحج، وتؤدي إلى انشقاقات طائفية تعكر صفو الحج وتخدم السياسة الإيرانية، وتقول - السعودية إنها أحبطت خلال العامين الماضيين في موسم الحج مخططات إيرانية لبثّ الفوضى والاضطرابات.
في المقابل، انتقدت إيران مرارًا وتكرارًا الطريقة التي تدير بها السعودية موسم الحج، وباستمرار تتهم طهران الرياض بأنها تتعمد تخفيض حصص الحجاج الإيرانيين وتُعاملهم بشكل غير عادل.
وفي الحقيقة، تستخدم السعودية نظام حصص الحج كأداة سياسية لمكافأة أو معاقبة الدول اعتمادًا على علاقاتها مع المملكة، إذ يحدد نظام الحصص عدد المسلمين الذين يمكنهم الحج، عادةً حاج واحد لكل 1000 مسلم من سكان البلد. ومع ذلك هذه الحصة ليست دائمة، وقد استخدمت الرياض نظام الحصص عندما يفيد أهداف سياستها الخارجية.
بجانب ذلك، ألمح خامنئي إلى أن السعودية ليست مختصة في إدارة موسم الحج، ودعا في أكثر من مناسبة إلى تدويل الحج وتشكيل هيئة إسلامية مستقلة من الدول الإسلامية تشرف على موسم الحج بدلًا من السعودية.
والحقيقة أن البعض اقترح أن تتولى منظمة التعاون الإسلامي إدارة موسم الحج، كما دعا محمد علي شاهين، نائب رئيس حزب العدالة والتنمية التركي، إلى تكليف تركيا بتنظيم موسم الحج، أو تشكيل لجنة إسلامية للإشراف على إدارة هذا الحدث السنوي.
لكن السعودية رفضت كل هذه الدعوات واعتبرتها نقصًا من شرعيتها وتدخلًا في شؤونها الداخلية. وبشكل عام، إن مساعي إيران لتدويل الحج لم تجد استجابة واسعة لدى معظم الدول العربية والإسلامية، وقد رفضت العديد من المؤسسات الإسلامية فكرة تدويل الحج، وفي مقدمتها الأزهر الذي أدان دعوات إيران في بيان له، قائلًا - : “إن المملكة العربية السعودية هي المختصة بتنظيم أمور الحج دون أي تدخل خارجي”.
وما تزال إيران والسعودية منذ عقود تتصارعان حول موسم الحج، وفشل البلدان مرارًا في التوصل إلى اتفاق دائم بشأن الترتيبات الخاصة بحضور الإيرانيين لأداء فريضة الحج، والحقيقة أن صراعًا أعمق بكثير من مجرد “مراسم البراءة” يقود المواقف الإيرانية والسعودية.