" بيريا السورية " ، هي المدينة التاريخية القديمة لما يسمّى الآن حلب ، فقد ذكرت في الأصل اليوناني من كتاب المكابيين الثاني ( 13 – 14 ) . كما ترافق ذكرها مع روايات القرآن الكريم حول إبراهيم الخليل ، وذكرها ابن شداد بعد حديثه عن سورية في كتاب له عن حلب ، وذكرت مرات عديدة بعد ذلك .
يقول ابن الشحنة : " إن حلب تنتمي إلى الإقليم الرابع وهو الأكثر اعتدالاً بين الأقاليم السبعة من حيث نظافة الجو والمياه الفاخرة والتربة الخصبة ومعروف عن سكانها بأنهم الأكثر تأقلماً للظروف الحياتية " .
يكتب شيفالييه دارفيو ، القنصل الفرنسي في حلب أن المدينة في قديم الزمان كانت تدعى بيريا ، والسوريون لا يزالون يذكرونها بهذا الاسم في كتاباتهم الكنسية ، ويشير سترابون بأن سلوقوس نيكاتور هو بانيها ، ويضعها الجغرافي بطليموس في موقع بين أنطاكية وهيرابوليس، وتبعد الواحدة عن الأخرى مسافة يوم واحد . وقد جاء ذكر بيريا في تاريخ الصليبيين ، وكان للمدينة في ذلك الزمن أمير قوي ، ومن المستغرب أن الصليبيين الذين قطعوا مسافات كبيرة لم يتمكنوا من احتلال بيريا ، ومع ذلك نجد بعض الميداليات الرومانيات القديمة التي تؤكد على مرور الرومانيين من هناك لمحاربة البارثيين .
يضيف ابن الخطيب في القسم الأول من تاريخه المخصص لأسماء مدينة حلب ومؤسسها وألقابه بأن مدينة حلب باللغة اليونانية هو Barua ويسميها الصابئة Maboug والعرب حلب. وهناك خلاف حول أصل التسمية الأخيرة للمدينة ، وبسبب لون تربة وأحجار حلب سمّيت القلعة والمدينة بالشهباء ، ومعظم أبنية حلب مشيدة بالحجر الأبيض .
بدّل سلوقوس نيكاتور اسم المدينة السامي القديم ومنحها تسمية بيريا المقدونية وتم الاحتفاظ به حتى الفتح العربي ، وقد أعاد العرب التسمية القديمة لحلب أو حلبون في عام 638 ميلادية في عهد أبي عبيدة ، وكان يسكن هذه المدينة مسيحيون ينتمون إلى طائفة الناصريين ، الذين كانوا يقرؤون إنجيل متى باللغة الآرامية .
يكتب السفير الفرنسي في حلب دارفيو في عام 1683 قائلاً : ( إن الناحية الاستثنائية التي تميز الحلبيين بشكل مشرّف عن جميع السكان المسلمين في الإمبراطورية العثمانية ، هو أنهم أكثر رقة في أخلاقهم وأقل خبثاً وأكثر وداعة على مساحة هذه الإمبراطورية الواسعة ، ومن المحتمل أن اسم المدينة استخلص من طبائعهم الطيبة لأن كلمة حلب تعني حليب في اللغة العربية .
حلب من المدن الهامة في آسيا ، وهي المدينة الكبيرة الثانية في سورية بعد دمشق ، وتقع في الشمال السوري في السهول المنبسطة والسهوب على خط عرض 65 درجة ، وخط طول 36 درجة ، وهي من أقدم مدن العالم ، ونعثر على آثار المدينة القديمة التي تعود إلى سنة 2000 ق.م. عن طريق التنقيبات للأتربة ، وقد حولتها جميع الشعوب الغازية إلى قاعدة في منطقة تسمّى حالياً بسوريا الشمالية ، وهي مدينة على سبع تلال متوسطة الارتفاع ، والتلة الواقعة في وسط المدينة هي الأعلى وعليها شيدت قلعة حلب على كامل مساحتها وتم تغطيتها بالألواح الحجرية المجلية الكبيرة ، وهي محاطة بخندق عميق يمتلئ بمياه الأمطار ، وتترك القلعة عند الناظر انطباعاً باهراً بسبب موقعها وارتفاع أسوارها وأبراجها وإشرافها على المدينة من جميع جهاتها .
قسمت مساحة حلب إلى قسمين بسبب جريان نهر قويق ، وتمتاز المنطقة بتربتها الحوارية، وهناك الأحجار الصفراء والوردية والسوداء التي تستخدم في تزين الأبنية ، شيدت في المدينة منظومة لتوزيع المياه منذ الأزمنة الغابرة وينسب بناؤها إلى هيلانة والدة القيصر البيزنطي قسطنطين في القرن الرابع الميلادي ، وهناك آخرون يعتقدون بأن تخطيط وبناء القناة القديمة جرى في فترة الحكم الروماني ، وتتفرع القناة بعد وصولها إلى حلب إلى فروع عديدة لتأمين أحياء حلب داخل وخارج الأسوار المحصنة بالمياه الضرورية . وهذا القناة المعروفة بـ " قناة حيلان " هي إحدى الأوابد التاريخية التي تمنحنا فكرة جلية حول هذه المنطقة التي تعرّضت في يوم من الأيام إلى النفوذ اليوناني – الروماني في مجال تنظيم توزيع المياه .
إن بداية ظهور وتشكل حلب كان من القلعة ، وكان التل الأولي يقع في موقع القلعة الحالية حيث شيد حصن توسع وكبر مع الزمن وتحول كامل مساحة التل إلى قلعة دفاعية كبيرة ، بنيت فوقها تدريجياً قصور الأمراء ، أصحاب القلعة ، إلى جانب منشأة عسكرية مختلفة ، وكانت القلعة محاطة بخندق عميق يملأ بالماء في الحقب القديمة أثناء الدفاع عنها ، وقد خربت القلعة قديماً مرات عديدة ثم أعيد ترميمها أو بناءها ، كما أعيد بناء السور المنيع في القرن الثاني عشر الميلادي على أساسات السور البيزنطي القديم الذي تعرض لترميمات عديدة وزاد جمال القلعة وتحصينها بعد تشييد الأبراج العديدة لها ، ولسور المدينة شكل مربع شبه منتظم وتقع القلعة في وسط النصف الشرقي للمربع تقريباً .
يدرس الكتاب أحياء حلب المختلفة وأسواقها وتكاياها وسبلانها وحماماتها وخاناتها وبيوتها وسكانها من الديانات الثلاث ومطابخها . كما يدرس الترميمات التي أجريت على القلعة وخندقها ومحيطها ليصل إلى قصور حلب الملكية القديمة ، ويحددها بسبعة قصور يدرسها بعناية فائقة . والجوامع والمساجد فيها ويخصّ جامعها الكبير بدراسة خاصة فهو مشهور برواقه المعمّد والجميل والواسع والمبلط من جهاته الثلاث حيث يصلي عدد كبير من المؤمنين في العراء ، والمئذنة المربعة التي يصل طولها إلى 54 متراً تعكس بشكل كامل فن برج الجرس في البازيليكا البيزنطية ، ومن الأقسام المشهورة داخل الجامع محرابه المنقوش والمطعم برقائق العاج وخلفه القبر الذي ينسب إلى سيدنا زكريا وعليه سجادتان نادرتان ، وجميع أبواب الجامع الأربعة تفتح على الأسواق ويعتقد المسلمون بأنهم يحتفظون برفات القديس زكريا والد القديس يوحنا المعمدان في الجامع الكبير .
ويتحدث بشيء من التفصيل عن المسلمين وبيوت حريمهم وزواجهم وولادتهم . ثم ينتقل إلى الحديث عن المسيحيين فيدرس عاداتهم الدينية وحياتهم المنزلية والمرأة المسيحية والعادات والتقاليد والعماد ومراسيم الدفن ، ويلي ذلك الحديث في طوائفهم وتقسيماتها. ثم يدرس اليهود في حلب ، فيحدد عددهم وموقعهم التجاري والصيرفي ومعابدهم وأيام الأعياد والصيام والزفاف والرضاعة ومراسيم الدفن .
بعد ذلك يدرس النظام الإداري في حلب قديماً وحديثاً ثم يمرّ على الأوروبيين الذين سكنوا حلب منذ القديم ، ويعرض للأمراض المناخية في حلب ليصل إلى البيمارستانات وأخيراً يقف عند الحركة الأدبية في حلب ، فيدرس أدب الترجمة والحركة الأدبية في حلب تحت تأثير القاهرة ودمشق وبغداد ثم يعدد المخطوطات العربية في المكتبات الأوروبية ، ويدرس فن الرسم والحفر على الخشب ومنابر النشاط الفكري في حلب .
لينتهي الكتاب بتاريخ المدينة ، إذ مر الفرس والأرمن والسلاجقة والرومان والبيزنطيين واليونان والصليبيين والمغول وفي العصر الإسلامي نجد المسلمين والأمويين والعباسيين والحمدانيين والفاطميين والأيوبيين والمماليك والعثمانيين كل ذلك من أجل كتابة تاريخ حلب .
كتاب شيق ، عرفنا من خلاله كل ما يتعلق بتاريخ حلب وخصائصها وما يتعلق بها منذ البدايات حتى زمن المؤلف .
-----------------------
تاريخ حلب
- تأليف : أردافازد سورمايان
- ترجمة : الكسندر كشيشيان
- دار النهج ، حلب ، سورية
- عدد الصفحات 648 صفحة – قطع كبير
------------------------------------------------
الصورة : غلاف كتاب سورمايان عن حلب
يقول ابن الشحنة : " إن حلب تنتمي إلى الإقليم الرابع وهو الأكثر اعتدالاً بين الأقاليم السبعة من حيث نظافة الجو والمياه الفاخرة والتربة الخصبة ومعروف عن سكانها بأنهم الأكثر تأقلماً للظروف الحياتية " .
يكتب شيفالييه دارفيو ، القنصل الفرنسي في حلب أن المدينة في قديم الزمان كانت تدعى بيريا ، والسوريون لا يزالون يذكرونها بهذا الاسم في كتاباتهم الكنسية ، ويشير سترابون بأن سلوقوس نيكاتور هو بانيها ، ويضعها الجغرافي بطليموس في موقع بين أنطاكية وهيرابوليس، وتبعد الواحدة عن الأخرى مسافة يوم واحد . وقد جاء ذكر بيريا في تاريخ الصليبيين ، وكان للمدينة في ذلك الزمن أمير قوي ، ومن المستغرب أن الصليبيين الذين قطعوا مسافات كبيرة لم يتمكنوا من احتلال بيريا ، ومع ذلك نجد بعض الميداليات الرومانيات القديمة التي تؤكد على مرور الرومانيين من هناك لمحاربة البارثيين .
يضيف ابن الخطيب في القسم الأول من تاريخه المخصص لأسماء مدينة حلب ومؤسسها وألقابه بأن مدينة حلب باللغة اليونانية هو Barua ويسميها الصابئة Maboug والعرب حلب. وهناك خلاف حول أصل التسمية الأخيرة للمدينة ، وبسبب لون تربة وأحجار حلب سمّيت القلعة والمدينة بالشهباء ، ومعظم أبنية حلب مشيدة بالحجر الأبيض .
بدّل سلوقوس نيكاتور اسم المدينة السامي القديم ومنحها تسمية بيريا المقدونية وتم الاحتفاظ به حتى الفتح العربي ، وقد أعاد العرب التسمية القديمة لحلب أو حلبون في عام 638 ميلادية في عهد أبي عبيدة ، وكان يسكن هذه المدينة مسيحيون ينتمون إلى طائفة الناصريين ، الذين كانوا يقرؤون إنجيل متى باللغة الآرامية .
يكتب السفير الفرنسي في حلب دارفيو في عام 1683 قائلاً : ( إن الناحية الاستثنائية التي تميز الحلبيين بشكل مشرّف عن جميع السكان المسلمين في الإمبراطورية العثمانية ، هو أنهم أكثر رقة في أخلاقهم وأقل خبثاً وأكثر وداعة على مساحة هذه الإمبراطورية الواسعة ، ومن المحتمل أن اسم المدينة استخلص من طبائعهم الطيبة لأن كلمة حلب تعني حليب في اللغة العربية .
حلب من المدن الهامة في آسيا ، وهي المدينة الكبيرة الثانية في سورية بعد دمشق ، وتقع في الشمال السوري في السهول المنبسطة والسهوب على خط عرض 65 درجة ، وخط طول 36 درجة ، وهي من أقدم مدن العالم ، ونعثر على آثار المدينة القديمة التي تعود إلى سنة 2000 ق.م. عن طريق التنقيبات للأتربة ، وقد حولتها جميع الشعوب الغازية إلى قاعدة في منطقة تسمّى حالياً بسوريا الشمالية ، وهي مدينة على سبع تلال متوسطة الارتفاع ، والتلة الواقعة في وسط المدينة هي الأعلى وعليها شيدت قلعة حلب على كامل مساحتها وتم تغطيتها بالألواح الحجرية المجلية الكبيرة ، وهي محاطة بخندق عميق يمتلئ بمياه الأمطار ، وتترك القلعة عند الناظر انطباعاً باهراً بسبب موقعها وارتفاع أسوارها وأبراجها وإشرافها على المدينة من جميع جهاتها .
قسمت مساحة حلب إلى قسمين بسبب جريان نهر قويق ، وتمتاز المنطقة بتربتها الحوارية، وهناك الأحجار الصفراء والوردية والسوداء التي تستخدم في تزين الأبنية ، شيدت في المدينة منظومة لتوزيع المياه منذ الأزمنة الغابرة وينسب بناؤها إلى هيلانة والدة القيصر البيزنطي قسطنطين في القرن الرابع الميلادي ، وهناك آخرون يعتقدون بأن تخطيط وبناء القناة القديمة جرى في فترة الحكم الروماني ، وتتفرع القناة بعد وصولها إلى حلب إلى فروع عديدة لتأمين أحياء حلب داخل وخارج الأسوار المحصنة بالمياه الضرورية . وهذا القناة المعروفة بـ " قناة حيلان " هي إحدى الأوابد التاريخية التي تمنحنا فكرة جلية حول هذه المنطقة التي تعرّضت في يوم من الأيام إلى النفوذ اليوناني – الروماني في مجال تنظيم توزيع المياه .
إن بداية ظهور وتشكل حلب كان من القلعة ، وكان التل الأولي يقع في موقع القلعة الحالية حيث شيد حصن توسع وكبر مع الزمن وتحول كامل مساحة التل إلى قلعة دفاعية كبيرة ، بنيت فوقها تدريجياً قصور الأمراء ، أصحاب القلعة ، إلى جانب منشأة عسكرية مختلفة ، وكانت القلعة محاطة بخندق عميق يملأ بالماء في الحقب القديمة أثناء الدفاع عنها ، وقد خربت القلعة قديماً مرات عديدة ثم أعيد ترميمها أو بناءها ، كما أعيد بناء السور المنيع في القرن الثاني عشر الميلادي على أساسات السور البيزنطي القديم الذي تعرض لترميمات عديدة وزاد جمال القلعة وتحصينها بعد تشييد الأبراج العديدة لها ، ولسور المدينة شكل مربع شبه منتظم وتقع القلعة في وسط النصف الشرقي للمربع تقريباً .
يدرس الكتاب أحياء حلب المختلفة وأسواقها وتكاياها وسبلانها وحماماتها وخاناتها وبيوتها وسكانها من الديانات الثلاث ومطابخها . كما يدرس الترميمات التي أجريت على القلعة وخندقها ومحيطها ليصل إلى قصور حلب الملكية القديمة ، ويحددها بسبعة قصور يدرسها بعناية فائقة . والجوامع والمساجد فيها ويخصّ جامعها الكبير بدراسة خاصة فهو مشهور برواقه المعمّد والجميل والواسع والمبلط من جهاته الثلاث حيث يصلي عدد كبير من المؤمنين في العراء ، والمئذنة المربعة التي يصل طولها إلى 54 متراً تعكس بشكل كامل فن برج الجرس في البازيليكا البيزنطية ، ومن الأقسام المشهورة داخل الجامع محرابه المنقوش والمطعم برقائق العاج وخلفه القبر الذي ينسب إلى سيدنا زكريا وعليه سجادتان نادرتان ، وجميع أبواب الجامع الأربعة تفتح على الأسواق ويعتقد المسلمون بأنهم يحتفظون برفات القديس زكريا والد القديس يوحنا المعمدان في الجامع الكبير .
ويتحدث بشيء من التفصيل عن المسلمين وبيوت حريمهم وزواجهم وولادتهم . ثم ينتقل إلى الحديث عن المسيحيين فيدرس عاداتهم الدينية وحياتهم المنزلية والمرأة المسيحية والعادات والتقاليد والعماد ومراسيم الدفن ، ويلي ذلك الحديث في طوائفهم وتقسيماتها. ثم يدرس اليهود في حلب ، فيحدد عددهم وموقعهم التجاري والصيرفي ومعابدهم وأيام الأعياد والصيام والزفاف والرضاعة ومراسيم الدفن .
بعد ذلك يدرس النظام الإداري في حلب قديماً وحديثاً ثم يمرّ على الأوروبيين الذين سكنوا حلب منذ القديم ، ويعرض للأمراض المناخية في حلب ليصل إلى البيمارستانات وأخيراً يقف عند الحركة الأدبية في حلب ، فيدرس أدب الترجمة والحركة الأدبية في حلب تحت تأثير القاهرة ودمشق وبغداد ثم يعدد المخطوطات العربية في المكتبات الأوروبية ، ويدرس فن الرسم والحفر على الخشب ومنابر النشاط الفكري في حلب .
لينتهي الكتاب بتاريخ المدينة ، إذ مر الفرس والأرمن والسلاجقة والرومان والبيزنطيين واليونان والصليبيين والمغول وفي العصر الإسلامي نجد المسلمين والأمويين والعباسيين والحمدانيين والفاطميين والأيوبيين والمماليك والعثمانيين كل ذلك من أجل كتابة تاريخ حلب .
كتاب شيق ، عرفنا من خلاله كل ما يتعلق بتاريخ حلب وخصائصها وما يتعلق بها منذ البدايات حتى زمن المؤلف .
-----------------------
تاريخ حلب
- تأليف : أردافازد سورمايان
- ترجمة : الكسندر كشيشيان
- دار النهج ، حلب ، سورية
- عدد الصفحات 648 صفحة – قطع كبير
------------------------------------------------
الصورة : غلاف كتاب سورمايان عن حلب
الصورة اللاولى لقلعة حلب ليلا والثاني غلاف ترجمة الكتاب الى العربية