نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني

اليونيسيف ومافيا آل كابوني دمشق

12/11/2024 - عبد الناصر حوشان

هل يشعل العراق حرباً إقليمية؟

09/11/2024 - عاصم عبد الرحمن


كامالا هاريس: رئيسة بالمصادفة؟




لخّص الكاتب السياسي فرانك بروني في جريدة “نيويورك تايمز” مناظرة يوم الثلاثاء بين كامالا هاريس ودونالد ترامب بجملتين:

“بينما بدا غاضباً، بدت مستمتعة. وحين كان يعبس، كانت تبتسم”.

وقد أوجز بروني وأحسن، في المناظرة التي طال انتظارها بين الطامحين لتغيير تاريخ الولايات المتحدة، كان التباين بين المرشحين مذهلاً. فبعد بداية صعبة بعض الشيء، أظهرت كامالا ثقةً بنفسها وراحت بهدوء تضع حداً لتخاريف ترامب.


 
في المقابل، بعد بداية واثقة إلى حد ما، بدأ ترامب يتعثر في السير على أصعب الطرق. حافظت هاريس على سلوك هادئ وواثق، وكثيراً ما كانت تبتسم بينما كان ترامب يقع في شراكها ويعيد حكاياته التي يقدمها في العادة إلى جمهوره من العنصريين البيض والأميركيين غير المتعلمين، فيردد ادعاءات مبالغاً فيها ونظريات مؤامرة مفضوحة. وفيما بدا ترامب غاضباً ودفاعياً، ولجأ إلى الإهانات الشخصية والخطاب العنصري، سلطت هاريس الضوء بفعالية على أوجه القصور لديه في قضايا مثل حقوق الإجهاض وأوكرانيا والطاقة. 

خمس خلاصات من المناظرة

استمرت المناظرة أكثر من 90 دقيقة، كانت الحصة الأكبر من الوقت فيها من نصيب ترامب، الذي كان يقع في شراك هاريس، فيسترسل في تداعياته غير المنتظمة، وهذه خمس خلاصات من المناظرة:
سيطرت هاريس على المناظرة: نجحت هاريس في معالجة المخاوف بشأن تحولات سياستها، وصدت هجمات ترامب، وظهرت بمظهر رئاسي، كما يحب الأميركيون أن يقولوا. ووصفت ترامب بأنه “ضعيف ومخطئ” وأزعجته بتعليقات حول سجله التجاري وخسارته في الانتخابات.
عدم تماسك ترامب: كان افتقار ترامب إلى الجوهر وتكرار أكاذيبه أكثر فجاجة ووضوحاً بسبب أداء هاريس الكفء، وكان كلما حاصرته هاريس بالحقائق تحول إلى الحديث عن مؤامرات لم يستطع إثباتها، فيما كان يكافح في مواجهة الحقائق، وعموماً فشل في صياغة سياسات واضحة.
كان ترامب دفاعياً ومراوغاً: كافح للدفاع عن سجله في قضايا مثل الاقتصاد والاستجابة للوباء والسادس من كانون الثان/ يناير، ولكنه رفض الإجابة عن الأسئلة بشكل مباشر، ولجأ إلى تخاريفه المعهودة بدلاً من ذلك.
تحقّق المنسقان من الحقائق بشكل فعال: قاطع المنسقان ديفيد موير وليندسي ديفيس من شبكة ABC ترامب في أربع محطات كلامية، لكي يصحّحا له المعلومات التي كان يقدمها، فيما حافظ نهجهما على الهدوء والدبلوماسية مع الحزم في الوقت نفسه. 
ولكن النصر غير مضمون: على الرغم من تفوقها على ترامب في المناظرة، لا تزال هاريس تواجه تحديات بسبب قاعدة ترامب المخلصة والميل المحافظ الى الولايات السبع المتأرجحة، ولا تزال استطلاعات الرأي تُظهر أن السباق لا يزال متقارباً جداً.

دور المصادفة في مسيرة كامالا السياسية

إذا فازت كامالا هاريس بمنصب رئيس الولايات المتحدة، فستكون وجدت نفسها، بالمصادفة، في مكتب أقوى شخص في العالم.  
قبل ثماني سنوات، كانت قلة من الأميركيين تعرف من هي كامالا هاريس، وها هي اليوم ملء السمع والبصر، ومع ذلك غالباً ما كان صعود كامالا هاريس السياسي ينتج من فرص غير متوقعة، وفي حين قد يسمي البعض ذلك حظاً، لا يمكن تجاهل قدراتها على اغتنام الفرص، وحياتها المهنية شهادة على استعدادها لاغتنام اللحظة وملء المناصب التي تحتلها بكفاءة ملحوظة، وإذا وصلت إلى المكتب البيضوي، فسيكون ذلك مثالاً آخر على قدرتها على التنقل بكفاءة بين منعطفات الحياة السياسية.

الظروف وضعتها في مجلس الشيوخ 

في عام 2015، أعلنت السناتور باربرا بوكسر عدم نيتها الترشح في انتخابات عام 2016، بعد أكثر من 20 عاماً أمضتها كعضوة في مجلس الشيوخ الأميركي ممثلة ولاية كاليفورنيا. في الأسبوع التالي، أعلنت هاريس ترشحها لمقعد مجلس الشيوخ، وكانت من أبرز المتنافسين عليه منذ بداية حملتها. 
أُجريت انتخابات مجلس الشيوخ في كاليفورنيا  للمرة الأولى وفق نظام الانتخابات التمهيدية الجديد، الذي يعتمد على تقدم أفضل المرشحين في الانتخابات التمهيدية إلى الانتخابات النهائية، بغض النظر عن الانتماء الحزبي، وبذلك، حصلت هاريس على فرصة لا تعوّض.
وفي حين كانت هاريس بنت بالفعل مهنة سياسية قوية كمدعية عامة لولاية كاليفورنيا، فإن انتقالها إلى مجلس الشيوخ لم يكن خطوة تالية حتمية، ومع ذلك سرعان ما صنعت لنفسها اسماً ومكانة بفضل استجواباتها الحادة خلال جلسات الاستماع في اللجنة، وتركيزها على الحقوق المدنية وإصلاح العدالة والرعاية الصحية، وأظهر استعدادها للدور أنه فيما قد يبدو صعودها وكأنه ضربة حظ، إلا أنها كانت مستعدة للاستفادة الكاملة منه.

نائبة الرئيس وفقاً للتوقيت

أخذت رحلة هاريس إلى منصب نائب الرئيس مساراً مشابهاً، ففي الميدان المزدحم للمرشحين الديمقراطيين للرئاسة في عام 2020، كافحت هاريس في البداية للتميز على الرغم من خلفيتها المثيرة للإعجاب، ولكنها سرعان ما فقدت حملتها زخمها، وبحلول كانون الأول/ ديسمبر 2019، علقت محاولتها للرئاسة، ومال كثر من المحلّلين وقتها إلى أن طريقها إلى الشهرة السياسية على الصعيد الوطني ربما انتهى، أو على الأقل تأخّر.
لكن بعد ذلك، وفي ضربة حظ أخرى، ظهر جو بايدن كمرشح ديمقراطي، وفي بحثه عن مرشح لمنصب نائب الرئيس، لعبت عوامل عدة لصالح هاريس: أداؤها القوي في المناظرة ضد بايدن خلال الانتخابات التمهيدية، وخبرتها في كل من الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات، وهويتها كامرأة سوداء وجنوب آسيوية في بلد يعاني من عدم المساواة العرقية. عندما اختار بايدن هاريس نائبة له، رأى الكثيرون في ذلك قراراً ذكياً، من شأنه أن ينشط القاعدة ويعكس تنوعاً أميركياً.

ماذا لو لم ينسحب بايدن؟

لو لم يقرر جو بايدن الترشح للرئاسة، ربما كان مستقبل هاريس أكثر غموضاً. من دون الدعم من منصب رفيع المستوى مثل نائب الرئيس، كانت لتواجه معركة تمهيدية صعبة في عام 2024، وكانت قبلها ستكافح بصعوبة مماثلة لعام 2000 للتنافس ضد المتنافسين الديمقراطيين الآخرين.
لكن انسحاب بايدن من السباق لولاية ثانية غيّر المشهد السياسي مرة أخرى. كنائبة للرئيس، كانت هاريس الخليفة الطبيعي للرئيس، وتجنبت تحدياً أولياً محتملاً. هذه ليست المرة الأولى التي يشكل فيها التوقيت السياسي مسار الرئيس. فالتاريخ العالمي والأميركي ممتلئ بالأمثلة، إذ صعدت شخصيات سياسية إلى الرئاسة في ظل ظروف غير متوقعة، ففي الولايات المتحدة تبوأ ليندون جونسون الرئاسة بعد اغتيال جون ف. كينيدي، وتولى جيرالد فورد الدور بعد استقالة ريتشارد نيكسون.
ومع ذلك، في حين قد يصف البعض صعودها بالحظ، فإن مسيرة هاريس السياسية هي انعكاس لاستعدادها لاغتنام اللحظة عندما تتاح الفرص، وليس من السهل تجاهل العمل الجاد والمرونة والطموح، وهي العوامل التي مكنتها من النجاح عندما سنحت الفرصة. في كل خطوة، من المدعي العام إلى عضو مجلس الشيوخ إلى نائب الرئيس، تركت هاريس بصمتها وأثبتت قدرتها واستعدادها لتحديات القيادة.
في عام 2024، إذا فازت بالرئاسة، ستصنع هاريس التاريخ مرة أخرى، كأول امرأة، وأول امرأة ملونة تتولى المنصب. قد يركز البعض على فكرة أنها وصلت إلى المكتب البيضوي بالمصادفة، لكن قصة هاريس هي قصة مثابرة واستعداد، ما يثبت أنه عندما يحالف الحظ الجريئين، فإن أولئك المستعدين للتقدم والقيادة هم الذين ينجحون في النهاية.

إلهام أوباما

يحلو لي أن أفكر في أن كامالا هاريس حين اتخذت قرارها بالترشح للرئاسة في عام 2020 كانت بشكل أو بآخر متأثرة بشكل عميق بالرئيس السابق باراك أوباما. تعود علاقة الاثنين إلى عقدين من الزمان، عندما التقيا للمرة الأولى في حملة لجمع التبرعات في كاليفورنيا في عام 2004. أُعجب أوباما بعمل هاريس كمدعية عامة ودعمها في وقت مبكر، ووصفها بأنها قائدة صارمة وفاعلة. بدورها، كانت هاريس من المؤيدين الأوائل لترشح أوباما للرئاسة في عام 2008، إذ قامت بحملة لصالحه وطرقت الأبواب قبل مؤتمر آيوا التمهيدي.
حقق باراك أوباما صعوداً سريعاً وتاريخياً من مجلس الشيوخ الأميركي إلى البيت الأبيض. فبعد انتخابه عضواً في مجلس الشيوخ عن ولاية إلينوي في عام 2004، كان خطابه القوي في المؤتمر الوطني الديمقراطي في العام نفسه سبباً في دفعه إلى الصدارة الوطنية. وبرسالة أمل وتغيير، أطلق أوباما حملته الرئاسية في عام 2007، على الرغم من أنه لم يكمل الثلاثة أعوام في مجلس الشيوخ. وأدت قدرته على إلهام ائتلاف متنوع من الناخبين وتوحيده، إلى جانب معارضته حرب العراق وشخصيته الكاريزمية، إلى فوزه الحاسم في انتخابات عام 2008، ما جعله أول رئيس أميركي من أصل أفريقي للولايات المتحدة.
ومثل أوباما، لم تكن كامالا أنهت دورها الأول كعضوة في مجلس الشيوخ عندما قفزت للتنافس على الرئاسة. وعندما قررت الترشح للرئاسة في عام 2020، كان تأثير أوباما محورياً. وبعد تأمين ترشيح الحزب الديمقراطي لها إثر انسحاب بايدن، نصح أوباما هاريس بتجنيد أفضل المواهب من حملاته الرئاسية الناجحة، وشجعها على الاستفادة من ثروة الخبرة داخل الحزب الديمقراطي. ولم يكتف بذلك، بل شجع مدير حملته السابق ديفيد بلوف وشخصيات رئيسية أخرى من حملاته في عامي 2008 و2012 على الانضمام إلى فريق هاريس، ودمجوا استراتيجية حملة أوباما في عملها.
لم تتوقف إرشادات أوباما لهاريس عند هذا الحد، بل استمر في تقديم المشورة لها بشأن استراتيجية الحملة واتجاه السياسة، وأظهر التزامه بنجاحها. وحتى بعد انتخابات عام 2020، ظلت العلاقة بين هاريس وأوباما قوية، إذ ساهم أوباما بشكل منتظم في تشكيل مسارها السياسي. ويعكس نفوذه المستمر الثقة العميقة والاحترام المتبادل اللذين شكلا علاقتهما، ما دفع هاريس إلى آفاق سياسية جديدة.

القدر أم الاستعداد؟

وفي النهاية، قد يزعم البعض أن صعود كامالا هاريس إلى السلطة كان موفقاً في التوقيت والظروف، إلا أن صعودها كان تجسيداً لاستعدادها ومرونتها وقدرتها على اغتنام اللحظات الحرجة. طوال حياتها المهنية، أظهرت هاريس موهبة في تولي الأدوار التي ظهرت بشكل غير متوقع، ومع ذلك فقد شغلت كل منها بكفاءة ملحوظة. وسواء كان الأمر يتعلق بدخول مجلس الشيوخ الأميركي بعد تقاعد باربرا بوكسر أم بتولي منصب نائب الرئيس كمرشحة لجو بايدن في انتخابات محورية، فقد تمكنت هاريس من تحويل الفرص السياسية إلى انتصارات، ما يثبت أن النجاح في السياسة ليس مجرد مسألة حظ، بل هو الاستعداد للقيادة عندما تسنح اللحظة.
في كل مرحلة من مراحل رحلتها السياسية، من عملها كمدعية عامة إلى المدعي العام لولاية كاليفورنيا ثم كعضوة في مجلس الشيوخ، صقلت هاريس مهاراتها، ودافعت عن إصلاح العدالة، ودافعت عن الحقوق المدنية، كل ذلك مع إظهار ذكائها الحاد وفطنتها السياسية. إن قدرتها على الارتقاء إلى مستوى المناسبة، سواء من خلال استجوابها الحاد في جلسات الاستماع في مجلس الشيوخ أو قيادتها الثابتة كنائبة للرئيس، تؤكد
أن صعودها إلى السلطة مبني على الجوهر والرؤية الاستراتيجية، وليس الصدفة وحدها
-------
درج
 

وائل السواح
الجمعة 13 سبتمبر 2024