أستطيع الشعور "بمشروعات" أسئلة عند رب ( أو ربة) أسرة في إحدى الدول الفقيرة، بعد سماعه بانتهاء القمة العالمية المخصصة لمناقشة الفقر وتبعاته ومصائبه، التي عُقدت في نيويورك. الأسئلة هي: هل سنستطيع الحصول على المياه الصالحة للشرب الآدمي؟ وهل سنتمكن من الوصول إلى اللقاحات الضرورية ضد الأمراض والأوبئة؟ وهل بمقدورنا أن لا نرسل أطفالنا إلى العمل بدلاً من المدرسة؟. هل سيقل عددنا نحن الجياع؟. هل سنرى عوناً للتنمية أكثر من العون الغذائي؟. هل ستحول الدول المانحة حقاً مساعداتها المتردية بفعل الأزمة الاقتصادية العالمية، لنا مباشرة بدلاً من حكومات بلادنا؟. الأسئلة لم تنته بعد. لماذا ينجح العالم بعقد صفقات سهلة، لبيع وشراء وسمسرة السلاح، ويفشل في صفقة وضع شروطها هو، من أجل تقليل عدد الفقراء والجائعين، والأطفال الذين يحملون المعاول، بدلاً من حملهم لحقائب الكتب؟. لماذا علينا أن ندفع فاتورة أزمة لم نرتكبها. أزمة لا دخل لنا بها. أزمة فُرضت علينا، نحن الذين لا نعرف الفرق بين المصارف الاستثمارية ومصارف التجزئة. بل نحن لا نعرف حتى شكل "المصارف الصحية"، لأن المجاري لدينا لا تزال مفتوحة. ولعله يقول: ليتها أصيبت بالعدوى وأُغلقت، كما أُغلقت مئات بل آلاف المصارف المالية حول العالم!.
أستطيع أن أشعر، بأن "مشروعات" الأسئلة هذه، بلا نهاية. تماماً مثل عدد الجياع في العالم، الذي بدأ برقم معروف، ولا أحد يمكنه أن يحدد الرقم الذي سيصل إليه. لماذا؟ لأن قادة العالم، الذين يسعون للحد من الفقر والجوع، لن يستطيعوا إيقاف العدد المتنامي لسكان هذا الكوكب، الذي من المتوقع أن يصل بحلول العام 2050 إلى تسعة مليارات نسمة، سيفوق "عديد" الجياع والفقراء الجدد، "زملائهم" السابقين!. وبمعادلة بسيطة، إذا فشل العالم في برامج الألفية ( الجميلة نظرياً)، سيصل عدد الجياع ( لا الفقراء)، إلى قرابة الملياري نسمة، وسيصل عدد الأطفال المحرومين من التعليم إلى
120 مليون طفل تقريباً، وسيصل عدد الأشخاص الذين يموتون يومياً من الجوع إلى 45 ألف، وعدد الأطفال الذي سيموتون ( يومياً أيضاً) لنفس السبب إلى قرابة 18 ألف!.
للإمبراطور الفرنسي الشهير نابليون بونابرت، مقولة صادمة، لكنها واقعية. ماذا يقول؟ :"إن الدِين هو الذي يمنع الفقراء من قتل الأغنياء". وبعده قال الممثل والكاتب الأميركي الساخر وليم دانكينفيلد: " إن الرجل الثري، ليس إلا رجل فقير يملك مالاً". فالأول تناول النقمة، المرفوضة بلا شك، ولولا الإيمان بالله لارتكبت الجرائم، والثاني اعتبر أن الثراء لا يعني امتلاك المال. وإذا كان جون وولدين المدرب الأميركي الشهير لكرة السلة، يعتبر أن " القدرة هي ثروة الإنسان الفقير"، فإن "ميكنة" هذا الإنسان، لا تقع على عاتقه فقط في هذا العالم المتشابك، الذي أصابت أزماته على مدى عقود من الزمن، "الأبرياء الاقتصاديين" – إن جاز التعبير-. وإذا كانت الدول الكبرى "شاركت" في الماضي الدول الصغرى في ثرواتها ( لكي لا نقول أكثر من ذلك)، فمن الإنصاف أن تشارك هذه الأخيرة الدول الكبرى، بشيء ما. لا أقول الثروات، بل أقول بمساعدات ومنح وخبرات ونوايا حسنة، تبني اقتصادات.. لا تؤسس لصدقات، وتجلب تنمية.. لا معونات، وتستهدف المستقبل.. لا تنحصر ضمن ظروف آنية.
قمة الفقر ( أو قمة مراجعة أهداف الألفية) التي جمعت 140 رئيس دولة في نيويورك، كانت "قمة" في الفقر!، مع الاعتراف بوجود نوايا حسنة، ودون أن ننسى الإشارة إلى سماع الكلمات الجميلة، خصوصاً من القادة البلاغيين قولاً أكثر مما هم بلاغيون عملاً. والجميع يعرف، بأن البلاغة لم تؤمن لأبلغ شاعر عربي في التاريخ (أبي الطيب المتنبي)، الحد الأدنى لرغبته الكبرى. ولو حُولت كلمات القادة إلى مال يُصرف وتنمية تُحَقَق وأمل يُدْرَك، لتحققت أهداف الألفية قبل موعدها، حتى في ظل أزمة عالمية اقتصادية كبرى. والحقيقة المُرة، هي أن عدم التزام الدول الكبرى بتعهداتها لتنفيذ أهداف الألفية، بدأت قبل الأزمة الاقتصادية، ولم تنفع كل التوسلات من أجل أن تحترم بعض هذه الدول وعودها. لقد تحولت الأزمة عندهم إلى ما يشبه حائط المبكى، ولا ينقصهم سوى "طاقيات يهودية"، وشعور مُجدَلة ليكتمل المشهد السريالي!. وإذا ما استمر هذا المشهد، فإن العام 2015 الذي حدده العالم في سنة 2000 ليشهد انخفاض عدد الفقراء في هذه الأرض إلى النصف، لن يكون سوى عام، مليء بأفواه بشرية مفتوحة، تتزايد على مدار الدقيقة، بنفس سرعة تناقص مؤشر الأسهم الأميركية ( وغيرها)، عشية انفجار الأزمة العالم!.
أمام القادة البلاغيين والواقعيين، والشعوب العطشى إلى كل شيء، خمسة أعوام لمعرفة ما إذا كان بالإمكان توفير مياه الشرب ( لا أقول الطعام) لمن؟ لربع سكان الكرة الأرضية، وتوفير الحد الأدنى
من الخدمات الصحية لمن أيضاً؟ لـ 2,5 مليار إنسان!. فإذا كان العالم ( بأمواله الحقيقية والوهمية) فشل حتى الآن في الوصول إلى مَقرِبة من أهداف الألفية، علينا أن نتخيل سرعة سيره نحو هذه الأهداف، بعد أن تبخرت الأموال بكل توصيفاتها!. ولمن نسي، تنحصر أهداف الألفية، بخفض الفقر المدقع في العالم إلى النصف، وتطوير التعليم، والمساواة بين الجنسين، ورعاية الأمومة، ومكافحة وفيات الأطفال والايدز والملاريا وحماية البيئة. المريع في الأمر، أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون – ولأسباب واقعية مُرة – اعتبر أنه بالإمكان إنقاذ 16 مليون شخص بحلول العام 2015!. يا له من رقم مشين، تبدو بلاغة الكبار الكلامية معه، كبلاغة المغني شعبان عبد الرحيم الشعرية!. تبدو كلماتهم متكسرة، تعف أي لغة عن احتوائها. فأمام هذا الواقع، عليهم أن يزيلوا كلمة " سنقوم"، ويستبدلوها بكلمة "نقوم"، وعليهم أن يستعيضوا ( في هذا الزمن بالذات) عن المضارع بالحاضر. فالمضارع – في خضم المصيبة الإنسانية العالمية – لم يعد ذا معنى، بل تحول إلى "فعل" مضحك.
المفارقات الإنسانية العالمية، صاحبتها في "قمة المراجعة" مفارقات إجرائية مشينة بالفعل. ففي الوقت الذي حقق فيه موضوع " التمويلات المبتكرة"، عن طريق فرض رسوم على بطاقات السفر جواً، وعلى قطاعات السياحة والإنترنت والاتصالات الخلوية، تقدماً في نطاق جمع الأموال، لإضافتها إلى المساعدات العامة، وعلى الرغم من أن هذه "التمويلات المبتكرة" تتضمن أيضاً الصفقات المالية، إلا أن أياً من الدول الكبرى، لم تفرض أي رسوم على هذه الصفقات!. هل اعتبر القادة "البلاغيون" أن المصارف التي ارتكبت الأزمة، ضحية؟!. أرجو أن لا يُجبروا الأمم المتحدة، على وضع خطة "ألفية" جديدة، لإنقاذ مؤسسات مالية، تستحق أن تُغلق إلى الأبد، بل وأن تُحاسب قضائياً وقانونياً وإنسانياً.
مرة أخرى، لا ننكر حسن النوايا لدى من يرغب في توفير الخبز – لا كافيار ولا الأسماك المدخنة -، لكن العالم تعلم أن حسن النوايا، تنفع في أوقات الازدهار، أكثر مما تنفع في أزمنة المحن. ما يحتاجه الجائعون الآن، "حسن أعمال قوية"، تقلل من أحكام التاريخ، على أولئك الذين لا يفرقون، بين محتال وقع من فرط أعماله القبيحة، وإنسان وقع من فرط شح كوب ماء صالح للشرب الآدمي!.
-----------------------
m@karkouti.net
أستطيع أن أشعر، بأن "مشروعات" الأسئلة هذه، بلا نهاية. تماماً مثل عدد الجياع في العالم، الذي بدأ برقم معروف، ولا أحد يمكنه أن يحدد الرقم الذي سيصل إليه. لماذا؟ لأن قادة العالم، الذين يسعون للحد من الفقر والجوع، لن يستطيعوا إيقاف العدد المتنامي لسكان هذا الكوكب، الذي من المتوقع أن يصل بحلول العام 2050 إلى تسعة مليارات نسمة، سيفوق "عديد" الجياع والفقراء الجدد، "زملائهم" السابقين!. وبمعادلة بسيطة، إذا فشل العالم في برامج الألفية ( الجميلة نظرياً)، سيصل عدد الجياع ( لا الفقراء)، إلى قرابة الملياري نسمة، وسيصل عدد الأطفال المحرومين من التعليم إلى
120 مليون طفل تقريباً، وسيصل عدد الأشخاص الذين يموتون يومياً من الجوع إلى 45 ألف، وعدد الأطفال الذي سيموتون ( يومياً أيضاً) لنفس السبب إلى قرابة 18 ألف!.
للإمبراطور الفرنسي الشهير نابليون بونابرت، مقولة صادمة، لكنها واقعية. ماذا يقول؟ :"إن الدِين هو الذي يمنع الفقراء من قتل الأغنياء". وبعده قال الممثل والكاتب الأميركي الساخر وليم دانكينفيلد: " إن الرجل الثري، ليس إلا رجل فقير يملك مالاً". فالأول تناول النقمة، المرفوضة بلا شك، ولولا الإيمان بالله لارتكبت الجرائم، والثاني اعتبر أن الثراء لا يعني امتلاك المال. وإذا كان جون وولدين المدرب الأميركي الشهير لكرة السلة، يعتبر أن " القدرة هي ثروة الإنسان الفقير"، فإن "ميكنة" هذا الإنسان، لا تقع على عاتقه فقط في هذا العالم المتشابك، الذي أصابت أزماته على مدى عقود من الزمن، "الأبرياء الاقتصاديين" – إن جاز التعبير-. وإذا كانت الدول الكبرى "شاركت" في الماضي الدول الصغرى في ثرواتها ( لكي لا نقول أكثر من ذلك)، فمن الإنصاف أن تشارك هذه الأخيرة الدول الكبرى، بشيء ما. لا أقول الثروات، بل أقول بمساعدات ومنح وخبرات ونوايا حسنة، تبني اقتصادات.. لا تؤسس لصدقات، وتجلب تنمية.. لا معونات، وتستهدف المستقبل.. لا تنحصر ضمن ظروف آنية.
قمة الفقر ( أو قمة مراجعة أهداف الألفية) التي جمعت 140 رئيس دولة في نيويورك، كانت "قمة" في الفقر!، مع الاعتراف بوجود نوايا حسنة، ودون أن ننسى الإشارة إلى سماع الكلمات الجميلة، خصوصاً من القادة البلاغيين قولاً أكثر مما هم بلاغيون عملاً. والجميع يعرف، بأن البلاغة لم تؤمن لأبلغ شاعر عربي في التاريخ (أبي الطيب المتنبي)، الحد الأدنى لرغبته الكبرى. ولو حُولت كلمات القادة إلى مال يُصرف وتنمية تُحَقَق وأمل يُدْرَك، لتحققت أهداف الألفية قبل موعدها، حتى في ظل أزمة عالمية اقتصادية كبرى. والحقيقة المُرة، هي أن عدم التزام الدول الكبرى بتعهداتها لتنفيذ أهداف الألفية، بدأت قبل الأزمة الاقتصادية، ولم تنفع كل التوسلات من أجل أن تحترم بعض هذه الدول وعودها. لقد تحولت الأزمة عندهم إلى ما يشبه حائط المبكى، ولا ينقصهم سوى "طاقيات يهودية"، وشعور مُجدَلة ليكتمل المشهد السريالي!. وإذا ما استمر هذا المشهد، فإن العام 2015 الذي حدده العالم في سنة 2000 ليشهد انخفاض عدد الفقراء في هذه الأرض إلى النصف، لن يكون سوى عام، مليء بأفواه بشرية مفتوحة، تتزايد على مدار الدقيقة، بنفس سرعة تناقص مؤشر الأسهم الأميركية ( وغيرها)، عشية انفجار الأزمة العالم!.
أمام القادة البلاغيين والواقعيين، والشعوب العطشى إلى كل شيء، خمسة أعوام لمعرفة ما إذا كان بالإمكان توفير مياه الشرب ( لا أقول الطعام) لمن؟ لربع سكان الكرة الأرضية، وتوفير الحد الأدنى
من الخدمات الصحية لمن أيضاً؟ لـ 2,5 مليار إنسان!. فإذا كان العالم ( بأمواله الحقيقية والوهمية) فشل حتى الآن في الوصول إلى مَقرِبة من أهداف الألفية، علينا أن نتخيل سرعة سيره نحو هذه الأهداف، بعد أن تبخرت الأموال بكل توصيفاتها!. ولمن نسي، تنحصر أهداف الألفية، بخفض الفقر المدقع في العالم إلى النصف، وتطوير التعليم، والمساواة بين الجنسين، ورعاية الأمومة، ومكافحة وفيات الأطفال والايدز والملاريا وحماية البيئة. المريع في الأمر، أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون – ولأسباب واقعية مُرة – اعتبر أنه بالإمكان إنقاذ 16 مليون شخص بحلول العام 2015!. يا له من رقم مشين، تبدو بلاغة الكبار الكلامية معه، كبلاغة المغني شعبان عبد الرحيم الشعرية!. تبدو كلماتهم متكسرة، تعف أي لغة عن احتوائها. فأمام هذا الواقع، عليهم أن يزيلوا كلمة " سنقوم"، ويستبدلوها بكلمة "نقوم"، وعليهم أن يستعيضوا ( في هذا الزمن بالذات) عن المضارع بالحاضر. فالمضارع – في خضم المصيبة الإنسانية العالمية – لم يعد ذا معنى، بل تحول إلى "فعل" مضحك.
المفارقات الإنسانية العالمية، صاحبتها في "قمة المراجعة" مفارقات إجرائية مشينة بالفعل. ففي الوقت الذي حقق فيه موضوع " التمويلات المبتكرة"، عن طريق فرض رسوم على بطاقات السفر جواً، وعلى قطاعات السياحة والإنترنت والاتصالات الخلوية، تقدماً في نطاق جمع الأموال، لإضافتها إلى المساعدات العامة، وعلى الرغم من أن هذه "التمويلات المبتكرة" تتضمن أيضاً الصفقات المالية، إلا أن أياً من الدول الكبرى، لم تفرض أي رسوم على هذه الصفقات!. هل اعتبر القادة "البلاغيون" أن المصارف التي ارتكبت الأزمة، ضحية؟!. أرجو أن لا يُجبروا الأمم المتحدة، على وضع خطة "ألفية" جديدة، لإنقاذ مؤسسات مالية، تستحق أن تُغلق إلى الأبد، بل وأن تُحاسب قضائياً وقانونياً وإنسانياً.
مرة أخرى، لا ننكر حسن النوايا لدى من يرغب في توفير الخبز – لا كافيار ولا الأسماك المدخنة -، لكن العالم تعلم أن حسن النوايا، تنفع في أوقات الازدهار، أكثر مما تنفع في أزمنة المحن. ما يحتاجه الجائعون الآن، "حسن أعمال قوية"، تقلل من أحكام التاريخ، على أولئك الذين لا يفرقون، بين محتال وقع من فرط أعماله القبيحة، وإنسان وقع من فرط شح كوب ماء صالح للشرب الآدمي!.
-----------------------
m@karkouti.net