إذًا هي رواية اليوم الواحد، بكل زخم هذا اليوم، يبدأ منذ لحظة استيقاظ “نورس” وكتابته بكل تهور منشورًا في “فيس بوك”، عن جثة وجدها في بيته، وقراءة صديقته “سوسنة” لهذا المنشور وتفاعلها معه، لنكتشف لاحقًا أن الاثنين يعيشان لحظات خسارة شخصية، بالتزامن مع خسارتهم العامة لوطنهم، وحيواتهم السابقة.
نتعرف عبر 21 فصلًا و157 صفحة من القطع الصغير إلى حياة “نورس” وقصة اسمه الغريب هذا، حكاية “سوسنة” بكل ما لهذا الاسم من روابط مع الميثولوجيا السورية، عن جيران كل منهما، أصدقائهما، والدة “سوسنة” التي أدمنت البكاء، جد “نورس” رجل الدين الحلبي المحافظ، والدته التي أجبرت على الزواج من والده وبقيت وفية له طوال سنين حياته، ثم زواجها بمن تحب بعد وفاة زوجها الذي فرض عليها، نقرأ عن أجمل قصص الصداقة التي جمعت بين “نورس” و”إياد”، عن “آدم” حبيب “سوسنة” الذي حاول الهروب عبر البحر، ليصبح طعامًا للأسماك، وهل هناك أكثر سورية، وأكثر تكرارًا من قصة كهذه؟
قلم غفران طحان متين ورشيق، فهي تكتب ببطء، تتطور الأحداث في عوالم روايتها على مهل، لنغوص في أعماق شخصياتها الأساسية والثانوية بكل افتتان، بل نعجب أحيانًا، كيف فهمنا، تعاطفنا، بل وأحببنا الكثير من شخصياتها الثانوية بنفس مستوى عمق فهمنا لشخصياتها الأساسية، فرغم أن “آدم” مثلًا لم يكن موجودًا إلا من خلال ذاكرة “سوسنة”، كان رحيله مؤلمًا، كيف ظهر “إياد”، رغم أنه لم يكن سوى صديق لـ”نورس”، لكننا تعرفنا فيه إلى نوع هذه الشخصيات المتماسكة، التي تتحمل المسؤولية بكل قبول ورضا لدورها في الحياة والمجتمع، كيف جعلتنا نشعر بخيبة الأمل والانكسارات التي تعيشها والدة “سوسنة”، لكنها متمسكة بحب ابنتها، وتبحث دومًا عن طرق لإسعادها، وكيف كان لمرور “أم أرتين” السريع دورًا في جعلنا نبتسم، فلا حلب دون “بكري” و”أم أرتين”.
“فاصلة بين نهرين” رواية مركزة ومكثفة، بلا ثرثرة أو بعثرة للخيوط الروائية، بل إمساك محكم لزمام اللغة، الشخصيات، والحدث، منذ لحظة بدء السرد، حتى أذان التهجد في جامع “التوحيد”، ليعلن بداية يوم جديد.
وما كان أجمل هذا الإهداء:
إلى حلب، تلك التي أحب وأكره
إلى شهقتنا/ صرختنا الأولى
وقد صدقنا أنها الحياة!