نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني

اليونيسيف ومافيا آل كابوني دمشق

12/11/2024 - عبد الناصر حوشان


ظاهرة التدين البديل














هل نزل الإسلام فقط من أجل تغطية شعر المرأة ؟
فى العام الماضى هاجم الوزير فاروق حسنى
الحجاب ، فوقف أعضاء الحزب
الوطنى فى مجلس الشعب يدافعون بضراوة عن
الحجاب والمحجبات ، وبلغ الحماس
بأحدهم أن صاح في وجه فاروق حسنى 'أنت فتنة
على الإسلام' ثم سقط مغشيا
عليه من فرط الإنفعال ...




ووجدتنى أتساءل : إذا كان ممثلو الحزب الحاكم
يحرصون على الإسلام إلى هذا
الحد ، ألم يفكروا قط فى أن تزوير الإنتخابات
واعتقال الأبرياء وتعذيبهم
وهتك أعراضهم ونهب أموال المصريين وإفقارهم
وغيرها من الجرائم التى
يرتكبها النظام الذى يمثلونه لايمكن ان تتفق
مع مبادىء الإسلام ؟

من المعروف أن كثيرا من ضباط أمن الدولة
ملتزمون دينيا ، يؤدون الصلاة فى
أوقاتها ويصومون ويحجون إلى بيت الله ، لكن
ذلك لا يمنعهم أبدا من ممارسة
عملهم اليومى فى التعذيب والضرب وإستعمال
الكهرباء فى صعق المعتقلين

فى نفس السياق تربطنى علاقة مصاهرة بمسؤول
بارز فى الحكومة إشتهر بتزوير
الإنتخابات والإعتداء على إستقلال القضاء
وهو معروف فى محيط الأسرة بتدينه
العميق ، حتى إنه يعطى أقاربه دروسا فى الدين الفقه
..

الأمثلة لا تحصى – كثير من المصريين يؤدون
فرائض الدين بإخلاص لكنهم فى
حياتهم اليومية يتصرفون بطريقة أبعد ما تكون
عن الدين

ففى شهر رمضان الماضى نشرت جريدة المصرى
اليوم تحقيقا ممتازا عن
المستشفيات العامة ساعة الإفطار ، لنكتشف أن
معظم الأطباء يتركون المرضى
بدون رعاية ، حتى يتمكنوا من أداء صلاة
التراويح! والذين يفعلون ذلك
ليسوا جهلاء ، بل هم أطباء متعلمون ، لكنهم
ببساطة يعتبرون أن صلاة
التراويح أهم بكثير من رعاية المرضى ، حتى
ولو كانت حياتهم فى خطر
المسألة إذن ليست مجرد نفاق أو جهل ، وإنما هى
وعي فاسد بالدين ، يؤدى
إلى نوع من التدين الظاهرى الذى يشكل بديلا
عن الدين الحقيقى ، وهذا التدين البديل مريح وخفيف ولا يكلف جهدا
ولا ثمنا لأنه يحصر الدين
فى الشعائر والمظاهر . فالدفاع عن مبادىء
الإسلام الحقيقية ، التي هي العدل
والحرية والمساواة ، مسألة محفوفة بالمخاطر
فى مصر ستؤدى بك حتما إلى
السجن وقطع الرزق والتشريد . أما التدين
البديل فلن يكلفك شيئا ، وهو
يمنحك إحساسا كاذبا بالطمأنينة والرضا عن
النفس ..

الذين يتبنون التدين البديل يصومون ويصلون ،
ويحيون الناس بتحية الإسلام
ويلزمون زوجاتهم وبناتهم بالحجاب والنقاب ،
وربما يشتركون فى مظاهرة ضد
الرسوم الدنماركية أو منع الحجاب فى فرنسا أو
يكتبون إلى بريد الأهرام
منددين بالكليبات العارية . وهم يعتقدون بعد
ذلك أنهم قد أدوا واجبهم
الدينى كاملا غير منقوص . وهم لا يكترثون
إطلاقا للشأن السياسى ولا
يهتمون بموضوع التوريث ( توريث السلطه )، بل أن بعضهم لايرى
بأسا فى أن يورث البلد من
الأب إلى الإبن وكأنه مزرعة دواجن.

المتدين البديل لا يعتقد أساسا أن له حقوقا
سياسية كمواطن ، وفكرة
الديمقراطية لاتشغله ، وأقصى ما يفعله بهذا
الصدد أن يدعو الله 'أن يولى
علينا من يصلح' ، ثم يحدثك بحماس عن
الخلفاء العظام مثل عمر بن
الخطاب أو عمر بن عبد العزيز

....

التدين البديل
مرض محزن أصاب المصريين فأدى
بهم إلى السلبية والغفلة . وجعلهم قابلين
للإستبداد والقمع . . ولم تكن
هذه طبيعة المصريين ، فمنذ 1919 وحتى عام 1952
خاضت الحركة الوطنية
المصرية بقيادة حزب الوفد نضالا عنيفا وقدمت
آلاف الشهداء من أجل طرد
الإحتلال البريطانى وتحقيق الديمقراطية .

والحق أن إنتشار التدين البديل له أسباب
عديدة : فحتى نهاية السبعينات
كان المصريون .. مسلمين وأقباطا أقل إهتماما
بمظاهر الدين وأكثر تمسكا
بمبادئه الحقيقية ، حتى جاء أنور السادات
الذى إستعمل الدين لترجيح كفته
السياسية ضد اليسار المعارض .

ثم إندلعت الثورة الإيرانية لتشكل تهديدا
حقيقيا للنظام السعودي المتحالف مع الفكر السلفي الوهابي ،
وعلى مدى ثلاثة عقود أنفق النظام السعودى
مليارات الدولارات من أجل نشر الفهم السعودى للإسلام الذى يؤدى
بالضرورة إلى التدين البديل

وكل من يجادل فى هذه الحقيقة عليه أن يراجع
التناقض الفاحش بين المظهر
والجوهر فى المجتمع السعودى
وفى القنوات الفضائية السعودية يظهر يوميا
عشرات المشايخ الذين يتكلمون
على مدى 24 ساعة عن تعاليم الإسلام . ولا
أحد منهم يتكلم أبدا عن حق
المواطن فى إنتخاب من يحكمه ، أو قوانين
الطوارىء والتعذيب والإعتقالات .


على أن النظام الإستبدادى فى مصر قد حرص
دائما على إنتشار التدين البديل ،
فالمتدين البديل هو المواطن النموذجى فى عرف
الحاكم المستبد ، لأنه
يعيش ويموت بجوار الحائط ، دائما فى حاله ،
لايعترض أبدا على الحاكم ،
ويقصر إعتراضاته إما على مايحدث خارج مصر ،
أو على اشياء لاتزعج النظام
فى شىء ، كرقصة أدتها دينا أو فستان إرتدته
يسرا فى فيلم لها

...

'مجموعة من المتديين البدلاء ينشطون الآن
بحماس على النت من أجل توقيع
عريضة إدانة للمغنى تامر حسنى لأنه نظر إلى
جسد بطلة فيلمه الجديد بطريقة
غير لائقة '. ..

.......

النظام المصري يرحب تماما بالتدين البديل لأنه
يعفيه من المسؤلية . ففى عرف الإسلام
الحقيقى يكون الحاكم المسؤل الأول عن مشاكل
المواطنين فى بلاده ، أما المتدين
البديل فعندما يعانى من الفقر والبطالة لن
يفكر أبدا فى مسؤلية الحاكم عن ذلك
بل سوف يرجع ذلك إلى أحد إحتمالين : إما أنه قد
قصر فى العبادة ولذلك فإن الله
يعاقبه ، وإما أن الله يختبره بهذا الشقاء
فعليه أن يصبر ولا يعترض .

إن شهداء نظام مبارك فاقوا فى عددهم
شهداء كل الحروب التى خاضتها مصر
ضحايا القطارات المحترقة ، والعبارات
الغارقة ، والعمارات المنهارة ،
ومرضى الفشل الكلوى والسرطان بفضل مبيدات
يوسف والى وغيرهم – كل هؤلاء فى
نظر الإسلام الحقيقى ضحايا الفساد
والإستبداد ، والحاكم مسؤول مباشرة عن
موتهم وتشريد أسرهم .. أما التدين البديل
فيعتبر هذه المآسى جميعا من
القضاء والقدر لا أكثر ، ويعتقد أن هؤلاء
الضحايا قد إنتهت أعمارهم ،
وبالتالى كانوا سيموتون فى كل الأحوال ، فلا
معنى إذن لأن نلوم أحدا
بإعتباره متسببا فى موتهم .
...
إن الإسلام العظيم قد دفع بالمسلمين يوما لكى
يحكموا العالم ويعلموا
البشرية الحضارة والفن والعلم ، أما التدين
البديل فقد أدى بنا إلى كل
هذا الهوان والشقاء الذى نعيش فيه .
....
إذا أردنا أن نغير واقعنا ، علينا أولا أن
نتبنى منهج الإسلام الحقيقى ،
وليس التدين الظاهرى بديلا عنه

....

علاء الاسواني
الثلاثاء 15 يونيو 2010