في الماضي عبد الناس الظواهر الطبيعية اتقاء لشرورها، سجدوا لآلهة صماء لا ترحم. كأن هذه الأم التي ولدنا من رحمها لا تبالي باستغاثات أبنائها، أو كأنها لا تعرف أن لها أبناء يصلّون لها ويقدمون الأضاحي.
فالطبيعة التي تغلفنا بإيقاعاتها، وإليها نعود كي ندفن ونمتزج بترابها، ليست سوى وحش نائم، وعلينا أن نستعد لتلقي ضرباتها المميتة التي قد تأتي في أي لحظة.
هل من سبيل إلى ترويض هذا الوحش؟
نجح الإنسان في التحايل على الطبيعة، وليس في ترويضها، عبر إجراءات متعددة؛ من السدود التي تسيطر على فيضانات الأنهار، كما هو الحال مع سد أسوان، إلى الأبنية التي تصمم هندسياً لتحمّل الهزات الأرضية والتخفيف من أضرارها.
سلاحنا الأكبر في هذه المواجهة غير المتكافئة هو النسيان. منطق الطبيعة لا علاج له سوى النسيان.
ننسى الكارثة كي نعيش، وحين تفاجئنا من جديد، ننهار تحت مآسيها ثم نعود إلى النسيان.
غير أن علاج النسيان لا يبرر للدول التي تعيش على فالق زلزالي، إهمال ضرورة التطبيق الصارم لقوانين الهندسة المعمارية، التي تخفف من أحجام الكوارث، لكنها لا تمنعها.
هنا يبرز السؤال التركي، فوسط الفاجعة التي ضربت منطقة معرضة للزلازل، على السلطة أن تتحمل مسؤولياتها عن التقصير الكبير، والتغاضي عن مخالفة القانون التي أوصلت الكارثة إلى هذا الحجم المروع.
أما في سوريا، حيث سبق نظام الاستبداد الطبيعة في تحويل الحياة إلى جحيم، وفي تدمير المدن والقرى، فإن الزلزال أتى ليكشف عمق المأساة، والعجز عن تلبية متطلبات الحدود الدنيا للإغاثة، فتُرك السوريات والسوريون لمصير الركام.
غير أن صقيع الزلزال، على الرغم من وحشيته، لا يقارن بوحشية الإنسان.
ما هذا؟
كيف يجرؤون على تحويل المأساة إلى تجارة سياسية، وإلى جزء من لعبة التمسك بالسلطة؟
وكيف تستطيع حكومات الغرب تسويق عنصريتها أمام المأساة السورية؟يجد الشعب السوري نفسه يتيماً أمام الهول الذي يعيشه. شعب تخلى عنه العالم عبر التخفي خلف وحش العقوبات، كي يترك سوريا وشعبها لمصير الموت.
نحن نعلم منذ العقوبات الوحشية التي فرضت على العراق وذهب ضحيتها مئات ألوف الأطفال، بأن العقوبات لا تضعف النظام بل تقتل الناس.
كان الشعب السوري طريح مقتلة العقوبات التي لم تُرفع اليوم إلا في شكل جزئي، ويعيش مآسي القمع واللجوء والتشرد حين جاء الزلزال محولاً غضب الطبيعة إلى مناسبة للكشف عن وحشية الإنسان.
الطبيعة على الرغم من قسوتها تحركها قوانين علمية تضبطها. الكوارث الطبيعية حين تحدث لا تستمر إلى الأبد، أما وحشية الإنسان فلا حدود لها. وحين تمتزج قسوة الطبيعة بوحشية الإنسان، كما هو الحال في سوريا اليوم، نفهم أن أمام البشرية طريقاً طويلاً للوصول إلى إنسانية الإنسان.
في ردود الفعل على الكارثة في سوريا، خرجت العنصرية بكل أشكالها المقيتة، وبدأ الاستثمار السياسي. النظام يريد توظيف الكارثة من أجل فك عزلته، والأمريكان وحلفاؤهم يمعنون في مواقفهم السادية بهدف الضغط على النظام، والطرفان لا يهمهما مصير الضحايا.
الاستبداد لا يبالي بمصير الشعب السوري، لأن النظام والمليشيات الحليفة يتعاملون مع سوريا بصفتهم قوات احتلال، أما الحكومات الغربية فوجدت في الكارثة متنفساً لعنصريتها المعلنة حيناً والمستترة أحياناً.
لا تصدقوهم، فالدول الغربية لا تعبأ بالديمقراطية في العالم العربي، وهي لا تفرض العقوبات على سوريا لأن نظامها استبدادي. مسألة الديمقراطية لا مكان لها في إعراب السياسة إلا كحجة دعائية. حلفاء أعتى أنظمة الاستبداد في العالم العربي، الذين يُدَوِرون الكلام في أفواههم قبل النطق بنقد خجول للسياسة الإسرائيلية التي توغل في الأبرتهايد والاحتلال والقتل، وتنزع عن نفسها آخر الأقنعة الديمقراطية الشكلية، هؤلاء كاذبون.
وجاء الزلزال ليكشف عنصريتهم وابتذالهم ولامبالاتهم بالقيم الإنسانية.
في المقابل، رأينا إلى جانب الألم والأسى والذهول والفقدان، كيف تبلورت الإنسانية على أيدي الناس العاديين في سوريا وتركيا. متطوعون حملوا قلوبهم على أيديهم، ركضوا إلى حيث الخراب كي يرمموا أرواحنا بالنبل الإنساني والتفاني ونكران الذات.
هؤلاء في إدلب وحلب وغازي عينتاب وأنطاكيا وإسكندرون، أعادوا لنا شيئاً من الإحساس بإنسانيتنا في مواجهة وحشية
الطبيعة والمتسلطين
-------------
القدس العربي
فالطبيعة التي تغلفنا بإيقاعاتها، وإليها نعود كي ندفن ونمتزج بترابها، ليست سوى وحش نائم، وعلينا أن نستعد لتلقي ضرباتها المميتة التي قد تأتي في أي لحظة.
هل من سبيل إلى ترويض هذا الوحش؟
نجح الإنسان في التحايل على الطبيعة، وليس في ترويضها، عبر إجراءات متعددة؛ من السدود التي تسيطر على فيضانات الأنهار، كما هو الحال مع سد أسوان، إلى الأبنية التي تصمم هندسياً لتحمّل الهزات الأرضية والتخفيف من أضرارها.
سلاحنا الأكبر في هذه المواجهة غير المتكافئة هو النسيان. منطق الطبيعة لا علاج له سوى النسيان.
ننسى الكارثة كي نعيش، وحين تفاجئنا من جديد، ننهار تحت مآسيها ثم نعود إلى النسيان.
غير أن علاج النسيان لا يبرر للدول التي تعيش على فالق زلزالي، إهمال ضرورة التطبيق الصارم لقوانين الهندسة المعمارية، التي تخفف من أحجام الكوارث، لكنها لا تمنعها.
هنا يبرز السؤال التركي، فوسط الفاجعة التي ضربت منطقة معرضة للزلازل، على السلطة أن تتحمل مسؤولياتها عن التقصير الكبير، والتغاضي عن مخالفة القانون التي أوصلت الكارثة إلى هذا الحجم المروع.
أما في سوريا، حيث سبق نظام الاستبداد الطبيعة في تحويل الحياة إلى جحيم، وفي تدمير المدن والقرى، فإن الزلزال أتى ليكشف عمق المأساة، والعجز عن تلبية متطلبات الحدود الدنيا للإغاثة، فتُرك السوريات والسوريون لمصير الركام.
غير أن صقيع الزلزال، على الرغم من وحشيته، لا يقارن بوحشية الإنسان.
ما هذا؟
كيف يجرؤون على تحويل المأساة إلى تجارة سياسية، وإلى جزء من لعبة التمسك بالسلطة؟
وكيف تستطيع حكومات الغرب تسويق عنصريتها أمام المأساة السورية؟يجد الشعب السوري نفسه يتيماً أمام الهول الذي يعيشه. شعب تخلى عنه العالم عبر التخفي خلف وحش العقوبات، كي يترك سوريا وشعبها لمصير الموت.
نحن نعلم منذ العقوبات الوحشية التي فرضت على العراق وذهب ضحيتها مئات ألوف الأطفال، بأن العقوبات لا تضعف النظام بل تقتل الناس.
كان الشعب السوري طريح مقتلة العقوبات التي لم تُرفع اليوم إلا في شكل جزئي، ويعيش مآسي القمع واللجوء والتشرد حين جاء الزلزال محولاً غضب الطبيعة إلى مناسبة للكشف عن وحشية الإنسان.
الطبيعة على الرغم من قسوتها تحركها قوانين علمية تضبطها. الكوارث الطبيعية حين تحدث لا تستمر إلى الأبد، أما وحشية الإنسان فلا حدود لها. وحين تمتزج قسوة الطبيعة بوحشية الإنسان، كما هو الحال في سوريا اليوم، نفهم أن أمام البشرية طريقاً طويلاً للوصول إلى إنسانية الإنسان.
في ردود الفعل على الكارثة في سوريا، خرجت العنصرية بكل أشكالها المقيتة، وبدأ الاستثمار السياسي. النظام يريد توظيف الكارثة من أجل فك عزلته، والأمريكان وحلفاؤهم يمعنون في مواقفهم السادية بهدف الضغط على النظام، والطرفان لا يهمهما مصير الضحايا.
الاستبداد لا يبالي بمصير الشعب السوري، لأن النظام والمليشيات الحليفة يتعاملون مع سوريا بصفتهم قوات احتلال، أما الحكومات الغربية فوجدت في الكارثة متنفساً لعنصريتها المعلنة حيناً والمستترة أحياناً.
لا تصدقوهم، فالدول الغربية لا تعبأ بالديمقراطية في العالم العربي، وهي لا تفرض العقوبات على سوريا لأن نظامها استبدادي. مسألة الديمقراطية لا مكان لها في إعراب السياسة إلا كحجة دعائية. حلفاء أعتى أنظمة الاستبداد في العالم العربي، الذين يُدَوِرون الكلام في أفواههم قبل النطق بنقد خجول للسياسة الإسرائيلية التي توغل في الأبرتهايد والاحتلال والقتل، وتنزع عن نفسها آخر الأقنعة الديمقراطية الشكلية، هؤلاء كاذبون.
وجاء الزلزال ليكشف عنصريتهم وابتذالهم ولامبالاتهم بالقيم الإنسانية.
في المقابل، رأينا إلى جانب الألم والأسى والذهول والفقدان، كيف تبلورت الإنسانية على أيدي الناس العاديين في سوريا وتركيا. متطوعون حملوا قلوبهم على أيديهم، ركضوا إلى حيث الخراب كي يرمموا أرواحنا بالنبل الإنساني والتفاني ونكران الذات.
هؤلاء في إدلب وحلب وغازي عينتاب وأنطاكيا وإسكندرون، أعادوا لنا شيئاً من الإحساس بإنسانيتنا في مواجهة وحشية
الطبيعة والمتسلطين
-------------
القدس العربي