نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


صراع 'التحديث' و'الحداثة' في دول الخليج العربية






مثلت فكرة الدولة في ممالك وإمارات الخليج العربية إشكالية فلسفية منذ نشوء تلك الممالك والإمارات حتى اليوم، فهي مازالت تدور بشكل أو بآخر في إطار نظرية ' التفويض الآلهي' التي تعتبر الحاكم بشرا، لكن الله ميزه عن البقية بتكليف يستمد سلطته من الله مباشرة، وليس هناك فرق بين طبيعة تلك الفكرة وما كانت عليه فكرة الدولة أيام الخلفاء الراشدين حيث عبر عنها الخليفة الثالث عثمان بن عفان عندما حاصره الثوار في منزله لإجباره على التنازل عن موقعه كخليفة للمسلمين بالقول 'والله لا أخلع ثوبا سربلنياه الله' أي ألبسنياه الله.



تداعيات تلك الفكرة فرضت على دول الخليج العربية دون إستثناء تبني 'التحديث' كأثر ينبغي السير عليه في كل مرافق الدولة وقطاعاتها المختلفة دون المساس بجوهر ما هو قائم فهناك سلطات ثلاث ( تشريعية، تنفيذية، قضائية ) لكنها غير تلك التي تحدث عنها دي مونتسكيو، وهناك مؤسسات إقتصادية لكنها تختلف إختلافا كليا عما أراده آدم سميث في كتابه (بحث في طبيعة وأسباب ثروة الأمم)، ولو أمعنا النظر في بنية المملكة العربية السعودية كنموذج لفكرة 'التحديث' سنجد أنها إستحضار واضح وصريح لما كان في عهد الخلفاء الراشدين والعهود التي تلت تلك المرحلة بواجهات حديثة.
تبدو المؤسسات في المملكة العربية السعودية مادمنا إستخدمناها كنموذج ينسحب على دول الخليج ذات إستقلالية ظاهريا لكنها في حقيقة الأمر مجرد واجهات يختبئ خلفها نمط الحكم الآلهي المتحالف في بعض تفاصيله مع الطبيعة العشائرية لتلك الدولة الأمر الذي شكل رفضا قاطعا للدولة الحديثة القائمة على إعادة النظر في كل المفاهيم السائدة.
مشروع 'التحديث' في دول الخليج بإستثناء الكويت التي انفردت في بعض الإجراءات إلى حد ما لم يواجه أية تحديات تذكر منذ فرضه بداية الستينات من القرن الماضي حتى اليوم، لاسيما وأنه يسير في خط متواز مع صفقة غير مكتوبة بين الأنظمة الخليجية وشعوبها تتمثل في توزيع الثروة من خلال إستيعاب جميع مكونات المجتمع ضمن الميزانية العامة للدولة مقابل سكوت تلك المكونات عن مشروع الدولة الحقيقي، إلا أن تحولا ما طرأ على الساحة منذ عام 1990 حرك المياه الراكدة وقد أشعل فتيل هذا التحول إحتلال العراق الكويت وتواجد الدول العظمى ومن بينها الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة ليس بأسلحتها وعتادها فقط بل بتحدياتها ومناوشاتها الفكرية أيضا.
تلك المناوشات الفكرية لم تترك حجرا على حاله في المنطقة الخليجية بل شرعت في تقليبها الواحد تلو الآخر تارة بالتشكيك وتارة أخرى بإعادة تأويل مضامينه بهدف إخراجها بالشكل الذي يتناغم مع آليات القرن الواحد والعشرين، لكن تلك المناوشات أخفقت في بعض المواقع ونجحت في أخرى وأجلت حراكها حول بعض القضايا المحورية إلى التوقيت المناسب ويبدو أن ذلك التوقيت قد أزف محملا بالتطورات الثورية في تونس ومصر وبقية الدول المحكومة بالعسكر.
كان التحدي الأول أمام دول الخليج العربية طرح فكرة 'الحاكميه' المستندة على أن الخلافه والإمارة والسلطنة بأمر من الله تعالى ولا يجوز الخروج عليها حسبما تراه بعض الفرق الدينية المدعومة من بعض الأنظمة الخليجية، ومايتطلبه ذلك الطرح من نزع القدسية عن الحكام وإنزالهم مواقعهم الحقيقية ليكونوا عرضة للمحاسبة والعزل كما غيرهم باعتبارهم موظفين كبارا في الدولة، لكن إعادة طرح تلك الفكرة ونبش ماتحتويه ووجه بمعارضة شديدة من ثلاث فئات شكلت تحالف السلطة (الأسر الحاكمة ويمثلها ملك أو أمير، رجال الدين أو الإكليرويس كما في الكنيسة، الإقطاع التجاري وهو شبيه بالإقطاع القائم على ملكية الأرض).
تلك التحالفات الموجودة في كل دولة خليجية مع الاختلاف في درجة الوضوح من دولة إلى أخرى، تعمل على إبقاء الأوضاع على ماهي عليه 'طاعة ولي الأمر' حتى لا تضطر إلى فقدان المكاسب التي حصلت عليها نتيجة لهذا التحالف فمن لا يقتنع بالمال من أفراد الشعب للإنسياق خلف هذا الشعار يمكن إقناعه بالنص الديني الذي يجري تأويله من جانب بعض رجال الدين لخدمة السلطة في كل مرحلة، وإذا لم يكن فبالإعتقالات والملاحقات السياسية يمكن تدجين البقية وإلا فخيار المنفى إختياريا أو قسريا متوفر ويمكن اللجوء إليه في أي وقت.
التحدي الثاني يتعلق بإعادة النظر في دور المرأة في المجتمع بعد سنوات طويلة من التهميش والتجاهل، وهو أمر لم ترفضه التحالفات القائمة لكنها بقت حذرة أمامه تخوفا من تطورات لاحقة ربما تفضي إليها التنازلات فيما لو حدثت إنطلاقا من مرتكزات شرعية ' باب سد الذرائع '، ومع ذلك فقد كان هناك بعض الإختراقات على صعيد هذا الملف وإن لم تكن كما يجب فقد بتنا نسمع في بلد مثل المملكة العربية السعودية عرف بالتشدد تجاه المرأة عن مواقف أكثر ليونة مما مضى وإن لم تصل إلى الوضع الطبيعي، فهناك حديث يجري عن تعيين نائبات وزراء ووزيرات وهناك حديث أيضا عن السماح للمرأة بقيادة السيارة في المملكة العربية السعودية وما يمكن أن يفضي إليه من تحولات إجتماعية وهناك أيضا حديث يجري عن جامعات مختلطة والسماح للمرأة بالمشاركة في الإنتخابات البلدية وغيرها من الإجراءات بهدف الإلتفاف على الضغوط الغربية.
التحدي الثالث يتمثل في إعادة رسم الخريطة الإجتماعية والسياسية من خلال صياغة عقد إجتماعي يحدد دور كل مكون من مكونات المجتمع وانشاء المؤسسات القائمة على هذا العقد والحرص على ديمومتها واستمرارها، وهذا أمر يجري الحوار حوله مع أكثر من طرف داخل حكومات الخليج العربية لكنه لم يتبلور حتى الآن بسبب محاولات 'التهرب' الدائمة والتحجج بالتطورات الإقليمية من جانب تلك الدول، لكنه أمر لن يستمر طويلا بعد أن رشح أكثر من مؤشر على أن دول الخليج مرشحة لتغييرات جذرية في آلية عملها بعد إستقرار الثورات في الدول العربية الأخرى والهدف من ذلك هو ضمان عدم تدهور الأوضاع في تلك الدول وإنسياقها خلف طروحات معادية للغرب.
هناك صراع يجري على قدم وساق بين التحالفات الثلاثة من جهة والشعوب الخليجية من جهة أخرى الأول يريد إبقاء الأوضاع في إطار 'التحديث' الشكلي مع إبقاء الجوهر على ماهو عليه، فيما يرى الثاني أن الأمور أصبحت مهيأة أكثر من أي وقت مضى من أجل طرح 'الحداثة' كمشروع تطويري يستهدف جوهر الأوضاع السائدة وحسم هذا الصراع مرتبط إلى حد كبير في قدرة كل طرف على توظيف ما لديه من أوراق.
---------------
كاتب كويتي

ناصر العبدلي
الجمعة 17 يونيو 2011