لكن المفارقة أن يتزامن رفض النظام في دمشق لدخول قوات عربية إلى سوريا مع عرض أسدي لبوتين بفتح الأراضي السورية لقواعد روسية جديدة جوية وبحرية تُضاف لقاعدتي حميميم وجول جمال على الساحل السوري، والواضح أن العرض الأسدي جاء بإيحاء روسي بعد أن ضاقت قاعدة حميميم على طائراتها وصعوبة توسعتها بسبب مكان تموضعها بين جبال الساحل والبحر المتوسط، وأيضاً هناك صعوبات بحرية في طرطوس لعدم توفر الأعماق اللازمة لرسو السفن الروسية وعدم توفر الأرصفة الكافية للسفن الحربية الروسية وصعوبة توسعة الميناء الحربي ليستطيع توفير كل الخدمات والأماكن، وهو ما عبّر عنه أحد كبار جنرالات بوتين المتقاعدين (إيغور كوروتشينكو) وهو رئيس تحرير مجلة الدفاع الوطني الروسية بقوله: "نحن بحاجة إلى قاعدة بحرية كاملة في سوريا، وما نملكه هناك فقط نقطة ولوجيستية، وعلينا القيام بالتجهيز وبأعمال البناء وتأمين البنية التحتية اللازمة في سوريا لتأمين قواعد بحرية وجوية جديدة مع توفر منظومات الدفاع الجوي التي تحمي وجودنا في اللاذقية وطرطوس". إعلان الأسد عن موافقته على إنشاء قواعد روسية جديدة في سوريا كالعادة يتجاوز فيه السلطات التشريعية لأن سوريا في عهد نظام الأسد الأب والابن تُحكم بقرارات استبدادية، قرارات لا تحتاج الرجوع فيها لمجلس شعب أو مجلس وزراء، باعتبار أن رأس الاستبداد يستحوذ على كافة السلطات ويملك كافة الموافقات وبيع الأرض السورية لقواعد روسية ليس بجديد، ألم تُباع كامل الحدود السورية مع لبنان لحزب الله ليمارس تجارته وتهريبه المازوت والبنزين والبضائع من وإلى لبنان؟ ألم تُباع كامل جرود القلمون مع القاعدة الجوية في مطار الضبعة ليجعل منها حزب الله أكبر تجمع لإنتاج المخدرات من كيبتاغون وسواها وتصنيعها ونقلها؟ والأمر ينطبق على الحدود السورية الأردنية التي بيعت أيضاً للحرس الثوري الإيراني وحزب الله عبر وكيلهما ماهر الأسد وفرقته العسكرية (الفرقة الرابعة) لتهريب المخدرات للخليج العربي؟، وكذلك ألم يبع الأسد كامل الحدود السورية العراقية لإيران لتدخل عبرها الأسلحة وكل المرتزقة من ميليشيات إيران إلى سوريا؟.
نظام الأسد باع كل سوريا، باع البشر والحجر والشجر ورهن اقتصاد سوريا لعشرات السنوات لاتفاقيات مذلة مع إيران وروسيا، وباع السيادة للمرتزقة وحتى الموانئ باعها ورهن كل الثروات الباطنية السورية مثل الفوسفات وغيره ثمناً لبقائه بالسلطة، بشار الأسد فتح بوابات سورية للجامعات الإيرانية وللمدارس الشيعية وللحسينيات والحوزات والقبيسيات، وأصبحت شوارع عاصمة الأمويين تعج باللطميات الاحتفالات الكربلائية.
لكن ما يؤلم السوريين أكثر أنه وبعد كل الجرائم والمجازر التي ارتكبها بشار الأسد بحق الشعب السوري وبعد كل القتل الذي نال أهل سوريا على يد المرتزقة التي جلبها بشار الأسد لتحمي كرسي سلطته، وبعد أن باع سوريا بما فيها أن هناك من يريد رمي أطواق النجاة لهذا المجرم، ويطمح لإعادة تأهيل نظامه وإعادته للحياة بعد أن هجر نصف الشعب السوري ودمر ممتلكاته وامتلأت معتقلاته بالشباب السوري، الفاجعة أن هناك من بني جلدتنا من لا زال يجد أن حل القضية السورية يكمن بإعادة تدوير النفايات وإعادة الديكتاتور للسلطة!!! عربياً لم يكن نظام الأسد من الأب للابن يوماً إلا خنجراً مسموماً في الجسد العربي ومنظومة الأمن العربي، ولم يكن إلا متآمراً على العرب وأمن العرب وقضايا العرب، ومع ذلك هناك من يريد انتصار المجرم على الضحية.
في الذكرى 12 لانطلاقة الثورة السورية، الشعب السوري يعيد ويؤكد أنه ماض في طريق الخلاص من تلك المنظومة الاستبدادية، يرتكز بعمله على قدراته وإرادته التي لا تلين ولا تنكسر, مستنصراً من بعد الله بكل الشرفاء والأحراء الذين وقفوا إلى جانبه وساندوه بقضيته المحقة، مقسِماً ومتوعداً أنه لم ولن ينس دماء الشهداء والمغيبين في زنازين الأسد، وأنه لن يعود إلا بما خرج من أجله.
ليبع الأسد من سوريا ما يريد، ويؤجر منها ما يريد، ويستجلب إليها ما يريد، فالنهاية ترسمها الشعوب وليس القتلة والمجرمون.
----------
أورينت نت