من رأيناهم فى المسيرة السلمية التى بدأت فى ميدان ا لتحرير بعد ظهر ذلك اليوم كانوا شبابا يشرح القلب ، ذكرونا بالشبان و الشابات الذين هرعوا لتشجيع المنتخب القومى قى مباراتيه اللتين فاز فيها بكأس كرة القدم الإفريقية . فى وضح النهار رأينا شبانا و شابات على أعلى مستوى من الوعى يسيرون فى هدوء و يهتفون بمطالب مشروعة ..
و بالليل انفلت العيار ورأينا التشابك بين الشبان و رجال الأمن ثم تواترت الأنباء عن عناصر متمردة قامت بالسلب و النهب للمستشفيات و حاولوا اقتحام المتحف المصرى و روعوا الأهالى داخل البيوت وفى الطرقات ..؟
هل هؤلاء شبان مصريون أيضا ..؟
هل أصبح الشعب المصرى شعبين .. أولهما لايختلف كثيرا عن أى شعب فى دولة متحضرة شكلا و سلوكا و تفكيرا ..
أما الثانى فأفراده كما رأيناهم على الشاشة الصغيرة وجوههم ممصوصة و ملابسهم ممزقة و عيونهم جاحظة ، راكعون يتوسلون الى ضباط الجيش المصرى البواسل بعيون وقحة و دموع كاذبة ..؟
تفاعل الجميع مع " الشعب " المصرى الأول الذى رفع شعارات تطالب بتغيير جذرى فى أسلوب تعامل النظام مع المواطنين ، و بارك ثورتهم و راحت الأمهات تدعوا لهم بالتوفيق ..
معهم كل الحق فقد فاض الكيل و لم يعد بالإمكان المزيد من الصبر على أسلوب الأمن المهين فى التعامل مع المواطن المصرى سواء فى الشارع أو السجن أو داخل الأقسام ..
لم يعد الصبر ممكنا مع أسلوب حكومة " نظيف " المتعالى المتجاهل لأبسط احتياحات المواطنين .. و لا مع ما يفعله أحمد عز بالحزب الوطنى و بالحياة السياسية من تخريب و تجريف و ادعاءات باطلة ..
نتيجة انتخابات مجلس الشعب الأخيرة كانت القشة التى قصمت ظهر البعير ..
للصبر حدود ..و هذه هى الرسالة التى أرسلها شباب مصر الى النظام و أى نظام سيأتى لمصر فيما بعد ..
لا صبر على فساد أو استبداد أو قهر بعد اليوم..
لن نقهر و لن نورث بعد اليوم .. أطلقها عرابى فى وجه الخديوى توفيق ..، و عبد الناصر قالها " إرفع رأسك يا أخى " ، و اليوم يطلقها شباب العقد الثانى من القرن الحادى و العشرين .. " الشعب يريد " عبارة ستدخل التاريخ من أوسع أبوابه ..نطق أبو الهول أخيرا و عبر عما يجيش بصدور ابناء الشعب ..فلا حزب و لا جماعة و لا حركة و لا شخصية بعينها كانت وراء تلك الثورة ..كان الشعب وحده هو الذى يعبر عن إرادته ..
فرحة عارمة سرت مع موجة من التفاؤل فى قلوب المصريين ..ربنا يستر على الولاد .. العديد لديهم إحساس بأن مصرا جديدة تولد من رحم الشدة ..وهذه هى آلام المخاض ..لسنا أول و لا آخر الشعوب الثائرة .
شعوب كثيرة ثارت وأخرى تمردت و شتان مابين الموقفين .
الشعب الفرنسى ثار من أجل العدالة و الإخاء و المساواة و نجحت ثورته و غيرت وجه العالم .
وشعب الجنوب الأمريكى تمرد على قانون لينكولن الذى ساوى بين كل الأمريكيين و ألغى العبودية ، فانهزموا و دمرت بعض ولاياتهم تدميرا شاملا .
شباب ميدان التحرير كتبوا ببسالتهم ووعيهم السياسى صفحة جديدة فى تاريخ مصر ، لن تجرى مياه السياسة بعدها فى نفس المجرى أبدا ..
أما حرافيش المساء الذين دمروا و نهبوا و أحرقوا إنجازات مصرية هى ملك لكل مواطن فهم مصريون أخر ..
أتوا من شقوق العشوائيات ومن العشش الصفيح و المقابرو البيوت الآيلة للسقوط ليقولوا كلمتهم بطريقتهم التى لم يتعلموا غيرها ..
هل أدخلواالمدارس و لقنوا آداب التعبير عن الرأى و الفرق بين النظام و الفوضى ..بين شعارات تطالب بما هو حق و تخريب يدمر بغير حق ..؟
هل وصل اليهم شيوخ الصحوة الدينية و علموهم آيات القرآن الكريم التى تندد بترويع الآمنين و تهدد بقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف ..؟
هل كرر عليهم "أدعياء" الفضائيات الآيات والأحاديث و الفتاوى التى توعيهم بالحقوق و الواجبات و تخيفهم من التعدى على الآمنين مثل { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب } (21 سورة المائدة )
كيف ارتكبوا جرائمهم دون خوف من عقاب الله سواء على الأرض أو فى الآخرة ..؟!
ما الذى حول شريحة كاملة من المجتمع المصرى الى أفراد يفوقون التتار همجية و عدوانية ؟
إنها مسئولية حكومات الحزب الوطنى المتعاقبة التى لم تتعلم أبدا من فشلهاالمتكرر و لم تحاول أن تصلح ما بداخلها من فساد و ركود فكرى و تلوث سياسى ..
خمسة أخطاء فادحة ارتكبتها حكومة نظيف(الغبية ) تسببت فى إشعال الأزمة و تحول الوضع فى مصر الى ما يقرب من الكارثة . استخدام الشرطة للعنف و استعراضها قوتها مع مسيرات سلمية كان الخطأ الفادح الأول . لم يكن المتظاهرون يحملون أية لافتات أو صور مستفزة ، لم تعلن أية مجموعة عن انتماء لحزب أو لجماعة أو حركة . لم يقف بينهم خطباء يحثونهم على الثورة . كانوا ببساطة رجال و نساء شبان و شيوخ من الشعب .. وكانت ثورتهم تلقائية تنفس عن سخط عارم ملأ القلوب كان فى حاجة لأن ينطلق و الا انفجروا . و لقد اختاروا المسيرة السلمية كماتفعل كل الشعوب المتحضرة.
اما الخطأ الفادح الثانى فكان الغاء اتصالات الإنترنت و الهاتف الخلوى . ضربت الحكومة عرض الحائط بالاحتياجات الأساسية للاتصال فى حالات الطوارىء و سقوط الجرحى و القتلى بل و حاجة عشرات الآلاف من المواطنين الذين رغبوا فى العودة لبيوتهم قبل حلول موعد حظر التجول و لم يجدوا مواصلات عامة تنقلهم ، لقد تحولت تكنولوجيا الاتصالات الحديثة الى بعبع يخيف الحكومات الاستبدادية.
اما الخطأ الفادح الثالث فكان انسحاب الشرطة من الشوارع و ترك المدينة بلا حماية ..صحيح أن عناصر الشرطة تعاملوا بوحشية مع المتظاهرين و كسبوا المزيد من العداء لهم و لجهازهم المكروه أصلا و لكن كان من الممكن تفادى تلك الحركة العبثية الطائشة غير المسئولة بالتحول الى معاملة أفضل و استدعاء بعض من يستطيعون مخاطبة الجماهير بميكرفونات تناشدهم الهدوء و التزام النظام و احترام الشرعية ..الخ ..
إن انسحاب الشرطة من شوارع العاصمة جريمة يجب أن يعاقب عليها من أمر بها ، لأنه تعمد بسوء قصد أن يسلم العاصمة فى المساء الى الفوضى الشاملة و الى عصابات السلب و النهب التى لم تتوانى عن انتهاز الفرصة و سارعت تنهب و تسلب فى الشوارع التى خلت من الناشطين السياسيين المحترمين ..
طاردت الشرطة أفواج الناشطين الذين عبروا عن مطالبهم بأسلوب سلمى راقى ، و فرت من فلول اللصوص و قطاع الطرق!!
سحلت و ضربت و اعتقلت الشرفاء ، و تركت أصحاب السوابق و المسجلين خطر يرتعون فى شوارع العاصمة ينهبون المحلات و يحرقون السيارات و المنشآت العامة و يتهجمون على الناس فى بيوتهم ..!!
اما الهدف فهو الإساءة الى متظاهرى النهار و الى الشعب المصرى كله..أرادوا أن يثبتوا للعالم ان المصرى غير قابل للتطور و غير متحضر و اذا ما هب فهو فوضوى و اذا ما ثار فهو متمرد و إذا ما تحرك فهو لص ومنحرف ..!
والخطأ الفادح الرابع أن الحكومة لم تتعلم من الدرس التونسى ، فبينما استجاب الرئيس التونسى للشعب فى اليوم الأول و وقف يعتذر له و يزعم أنه قد غرر به وأن بطانته كانوا يمدونه بتقارير مزيفة ، فإن رئيس الوزراء المصرى ظل صامتا ، وكذلك التزم كل رجال الحزب الوطنى الصمت حتى ظهر الرئيس مبارك فى الساعات الأولى من اليوم الخامس و ألقى بيانا فى التليفزيون .لم يدرك المتظاهرون حجم التنازلات التى قدمها الرئيس . لقد قررأخيرا و بعد رفض استمر لثلاثة عقود كاملة إختيار نائب له هو السيد عمر سليمان الذى سيتولى ذلك المنصب لفترة محدودة لا تزيد عن العام حتى تبدأ الانتخابات الرئاسية عام 2012 . كذلك طلب الرئيس من وزارة نظيف الاستقالة ثم تم تشكيل وزارة جديدة لتسيير الأعمال و لمدة محدودة أيضا حتى انتخابات الرئاسة و اختيار الرئيس الجديد لرئيس وزراء جديد سيختار بدوره وزراءه .
كان المتظاهرون فى حاجة لتوضيح تلك الأمور و كانوا سيهدأون كثيرا لو علموا أن الرئيس لن يترشح لفترة رئاسة جديدة . و أخير تنبه الجيش الى الفراغ الإعلامى و بدأ يبث بياناته ليهدىء من روع الثائرين و يوجه المواطنين . كان من الممكن أن ينصرف الشبان الى بيوتهم لو خاطبهم الرئيس مبارك معلنا ( كما فعل فيما بعد ) أنه يرى كل مطالبهم مشروعة و أنه سيكرس الفترة المحدودة الباقية له لإصلاح ما فسد و سيقدم استقالته من رئاسة الحزب الوطنى ، و أنه يعتزم محاكمة وزير الداخلية و رجاله ، وحل البرلمان و اجراء انتخابات جديدة تحت رقابة دولية وسيصدر قرارا بقانون يمنع أى مسئول سابق من تبوء أية مناصب ومحاكمة كل من ثبت انحرافه من مسئولي الحكومة السابقة . لقد فشل الحزب الوطنى الذى تصدى لحكم مصر لأربعة عقود كاملة ، منذ أن أنشأه الرئيس السابق أنور السادات ، ووضعته الجماهير الثائرة منذ يوم 25 يناير فى حجمه الحقيقى ولم يعد من المشرف للرئيس أن يبقى على رأس ذلك الحزب ، و تنسب اليه أعماله المزرية .
أما الخطأ الفادح الخامس فهو وضع الجيش المصرى فى مواجهة الثوار و فيه إحراج كبير لقوات مسلحة يعتز بها المصريون و بتاريخها المشرف الذى بدأ مع مطالبة الضابط المصرى أحمد عرابى بالحرية لأبناء مصر عام 1881 ، و لم ينته حتى اليوم .
----------------------------
iqbalbaraka@yahoo.com
و بالليل انفلت العيار ورأينا التشابك بين الشبان و رجال الأمن ثم تواترت الأنباء عن عناصر متمردة قامت بالسلب و النهب للمستشفيات و حاولوا اقتحام المتحف المصرى و روعوا الأهالى داخل البيوت وفى الطرقات ..؟
هل هؤلاء شبان مصريون أيضا ..؟
هل أصبح الشعب المصرى شعبين .. أولهما لايختلف كثيرا عن أى شعب فى دولة متحضرة شكلا و سلوكا و تفكيرا ..
أما الثانى فأفراده كما رأيناهم على الشاشة الصغيرة وجوههم ممصوصة و ملابسهم ممزقة و عيونهم جاحظة ، راكعون يتوسلون الى ضباط الجيش المصرى البواسل بعيون وقحة و دموع كاذبة ..؟
تفاعل الجميع مع " الشعب " المصرى الأول الذى رفع شعارات تطالب بتغيير جذرى فى أسلوب تعامل النظام مع المواطنين ، و بارك ثورتهم و راحت الأمهات تدعوا لهم بالتوفيق ..
معهم كل الحق فقد فاض الكيل و لم يعد بالإمكان المزيد من الصبر على أسلوب الأمن المهين فى التعامل مع المواطن المصرى سواء فى الشارع أو السجن أو داخل الأقسام ..
لم يعد الصبر ممكنا مع أسلوب حكومة " نظيف " المتعالى المتجاهل لأبسط احتياحات المواطنين .. و لا مع ما يفعله أحمد عز بالحزب الوطنى و بالحياة السياسية من تخريب و تجريف و ادعاءات باطلة ..
نتيجة انتخابات مجلس الشعب الأخيرة كانت القشة التى قصمت ظهر البعير ..
للصبر حدود ..و هذه هى الرسالة التى أرسلها شباب مصر الى النظام و أى نظام سيأتى لمصر فيما بعد ..
لا صبر على فساد أو استبداد أو قهر بعد اليوم..
لن نقهر و لن نورث بعد اليوم .. أطلقها عرابى فى وجه الخديوى توفيق ..، و عبد الناصر قالها " إرفع رأسك يا أخى " ، و اليوم يطلقها شباب العقد الثانى من القرن الحادى و العشرين .. " الشعب يريد " عبارة ستدخل التاريخ من أوسع أبوابه ..نطق أبو الهول أخيرا و عبر عما يجيش بصدور ابناء الشعب ..فلا حزب و لا جماعة و لا حركة و لا شخصية بعينها كانت وراء تلك الثورة ..كان الشعب وحده هو الذى يعبر عن إرادته ..
فرحة عارمة سرت مع موجة من التفاؤل فى قلوب المصريين ..ربنا يستر على الولاد .. العديد لديهم إحساس بأن مصرا جديدة تولد من رحم الشدة ..وهذه هى آلام المخاض ..لسنا أول و لا آخر الشعوب الثائرة .
شعوب كثيرة ثارت وأخرى تمردت و شتان مابين الموقفين .
الشعب الفرنسى ثار من أجل العدالة و الإخاء و المساواة و نجحت ثورته و غيرت وجه العالم .
وشعب الجنوب الأمريكى تمرد على قانون لينكولن الذى ساوى بين كل الأمريكيين و ألغى العبودية ، فانهزموا و دمرت بعض ولاياتهم تدميرا شاملا .
شباب ميدان التحرير كتبوا ببسالتهم ووعيهم السياسى صفحة جديدة فى تاريخ مصر ، لن تجرى مياه السياسة بعدها فى نفس المجرى أبدا ..
أما حرافيش المساء الذين دمروا و نهبوا و أحرقوا إنجازات مصرية هى ملك لكل مواطن فهم مصريون أخر ..
أتوا من شقوق العشوائيات ومن العشش الصفيح و المقابرو البيوت الآيلة للسقوط ليقولوا كلمتهم بطريقتهم التى لم يتعلموا غيرها ..
هل أدخلواالمدارس و لقنوا آداب التعبير عن الرأى و الفرق بين النظام و الفوضى ..بين شعارات تطالب بما هو حق و تخريب يدمر بغير حق ..؟
هل وصل اليهم شيوخ الصحوة الدينية و علموهم آيات القرآن الكريم التى تندد بترويع الآمنين و تهدد بقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف ..؟
هل كرر عليهم "أدعياء" الفضائيات الآيات والأحاديث و الفتاوى التى توعيهم بالحقوق و الواجبات و تخيفهم من التعدى على الآمنين مثل { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب } (21 سورة المائدة )
كيف ارتكبوا جرائمهم دون خوف من عقاب الله سواء على الأرض أو فى الآخرة ..؟!
ما الذى حول شريحة كاملة من المجتمع المصرى الى أفراد يفوقون التتار همجية و عدوانية ؟
إنها مسئولية حكومات الحزب الوطنى المتعاقبة التى لم تتعلم أبدا من فشلهاالمتكرر و لم تحاول أن تصلح ما بداخلها من فساد و ركود فكرى و تلوث سياسى ..
خمسة أخطاء فادحة ارتكبتها حكومة نظيف(الغبية ) تسببت فى إشعال الأزمة و تحول الوضع فى مصر الى ما يقرب من الكارثة . استخدام الشرطة للعنف و استعراضها قوتها مع مسيرات سلمية كان الخطأ الفادح الأول . لم يكن المتظاهرون يحملون أية لافتات أو صور مستفزة ، لم تعلن أية مجموعة عن انتماء لحزب أو لجماعة أو حركة . لم يقف بينهم خطباء يحثونهم على الثورة . كانوا ببساطة رجال و نساء شبان و شيوخ من الشعب .. وكانت ثورتهم تلقائية تنفس عن سخط عارم ملأ القلوب كان فى حاجة لأن ينطلق و الا انفجروا . و لقد اختاروا المسيرة السلمية كماتفعل كل الشعوب المتحضرة.
اما الخطأ الفادح الثانى فكان الغاء اتصالات الإنترنت و الهاتف الخلوى . ضربت الحكومة عرض الحائط بالاحتياجات الأساسية للاتصال فى حالات الطوارىء و سقوط الجرحى و القتلى بل و حاجة عشرات الآلاف من المواطنين الذين رغبوا فى العودة لبيوتهم قبل حلول موعد حظر التجول و لم يجدوا مواصلات عامة تنقلهم ، لقد تحولت تكنولوجيا الاتصالات الحديثة الى بعبع يخيف الحكومات الاستبدادية.
اما الخطأ الفادح الثالث فكان انسحاب الشرطة من الشوارع و ترك المدينة بلا حماية ..صحيح أن عناصر الشرطة تعاملوا بوحشية مع المتظاهرين و كسبوا المزيد من العداء لهم و لجهازهم المكروه أصلا و لكن كان من الممكن تفادى تلك الحركة العبثية الطائشة غير المسئولة بالتحول الى معاملة أفضل و استدعاء بعض من يستطيعون مخاطبة الجماهير بميكرفونات تناشدهم الهدوء و التزام النظام و احترام الشرعية ..الخ ..
إن انسحاب الشرطة من شوارع العاصمة جريمة يجب أن يعاقب عليها من أمر بها ، لأنه تعمد بسوء قصد أن يسلم العاصمة فى المساء الى الفوضى الشاملة و الى عصابات السلب و النهب التى لم تتوانى عن انتهاز الفرصة و سارعت تنهب و تسلب فى الشوارع التى خلت من الناشطين السياسيين المحترمين ..
طاردت الشرطة أفواج الناشطين الذين عبروا عن مطالبهم بأسلوب سلمى راقى ، و فرت من فلول اللصوص و قطاع الطرق!!
سحلت و ضربت و اعتقلت الشرفاء ، و تركت أصحاب السوابق و المسجلين خطر يرتعون فى شوارع العاصمة ينهبون المحلات و يحرقون السيارات و المنشآت العامة و يتهجمون على الناس فى بيوتهم ..!!
اما الهدف فهو الإساءة الى متظاهرى النهار و الى الشعب المصرى كله..أرادوا أن يثبتوا للعالم ان المصرى غير قابل للتطور و غير متحضر و اذا ما هب فهو فوضوى و اذا ما ثار فهو متمرد و إذا ما تحرك فهو لص ومنحرف ..!
والخطأ الفادح الرابع أن الحكومة لم تتعلم من الدرس التونسى ، فبينما استجاب الرئيس التونسى للشعب فى اليوم الأول و وقف يعتذر له و يزعم أنه قد غرر به وأن بطانته كانوا يمدونه بتقارير مزيفة ، فإن رئيس الوزراء المصرى ظل صامتا ، وكذلك التزم كل رجال الحزب الوطنى الصمت حتى ظهر الرئيس مبارك فى الساعات الأولى من اليوم الخامس و ألقى بيانا فى التليفزيون .لم يدرك المتظاهرون حجم التنازلات التى قدمها الرئيس . لقد قررأخيرا و بعد رفض استمر لثلاثة عقود كاملة إختيار نائب له هو السيد عمر سليمان الذى سيتولى ذلك المنصب لفترة محدودة لا تزيد عن العام حتى تبدأ الانتخابات الرئاسية عام 2012 . كذلك طلب الرئيس من وزارة نظيف الاستقالة ثم تم تشكيل وزارة جديدة لتسيير الأعمال و لمدة محدودة أيضا حتى انتخابات الرئاسة و اختيار الرئيس الجديد لرئيس وزراء جديد سيختار بدوره وزراءه .
كان المتظاهرون فى حاجة لتوضيح تلك الأمور و كانوا سيهدأون كثيرا لو علموا أن الرئيس لن يترشح لفترة رئاسة جديدة . و أخير تنبه الجيش الى الفراغ الإعلامى و بدأ يبث بياناته ليهدىء من روع الثائرين و يوجه المواطنين . كان من الممكن أن ينصرف الشبان الى بيوتهم لو خاطبهم الرئيس مبارك معلنا ( كما فعل فيما بعد ) أنه يرى كل مطالبهم مشروعة و أنه سيكرس الفترة المحدودة الباقية له لإصلاح ما فسد و سيقدم استقالته من رئاسة الحزب الوطنى ، و أنه يعتزم محاكمة وزير الداخلية و رجاله ، وحل البرلمان و اجراء انتخابات جديدة تحت رقابة دولية وسيصدر قرارا بقانون يمنع أى مسئول سابق من تبوء أية مناصب ومحاكمة كل من ثبت انحرافه من مسئولي الحكومة السابقة . لقد فشل الحزب الوطنى الذى تصدى لحكم مصر لأربعة عقود كاملة ، منذ أن أنشأه الرئيس السابق أنور السادات ، ووضعته الجماهير الثائرة منذ يوم 25 يناير فى حجمه الحقيقى ولم يعد من المشرف للرئيس أن يبقى على رأس ذلك الحزب ، و تنسب اليه أعماله المزرية .
أما الخطأ الفادح الخامس فهو وضع الجيش المصرى فى مواجهة الثوار و فيه إحراج كبير لقوات مسلحة يعتز بها المصريون و بتاريخها المشرف الذى بدأ مع مطالبة الضابط المصرى أحمد عرابى بالحرية لأبناء مصر عام 1881 ، و لم ينته حتى اليوم .
----------------------------
iqbalbaraka@yahoo.com