نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني

اليونيسيف ومافيا آل كابوني دمشق

12/11/2024 - عبد الناصر حوشان


حكومة الإنقاذ والإدارة الذاتية..هل تمتد الأيادي دون قطعها؟





ليس من المستغرب أن يتحول الصراع بين سلطات الامر الواقع على الأرض السورية إلى حالة من التفاهمات التي تفضي إلى ترسيخ أسس ناظمة للعلاقات فيما بينها، تحكمها المصالح المشتركة والمتبادلة، وليس بالضرورة ان تكون تلك العلاقات مبنية على قيم ناظمة للأفكار او المبادئ، بل ربما كانت الحاجات المعيشية بكافة أشكالها هي الدافع الأساس وراء ذلك.
إن ما يحظى بأولويات أيّ كيان، سواء أكان دولة أو جماعة أو سلطة أمر واقع، هي حاجاته الوجودية قبل أي شيء آخر، لأنها هي الضامنة لبقائه ووجوده.


ولعل جملة التفاهمات التي تم الحديث عنها في الأيام القليلة الماضية بين سلطة هيئة تحرير الشام الحاكمة في إدلب، وبين سلطة قسد الحاكمة في شرق الفرات، لا تخرج عن هذا السياق، ولا بدّ من التأكيد على أن التباين في الإيديولوجيا والخطاب السياسي، مهما ارتفعت نبرته، ليس بمقدوره أن يتقدّم على الحاجات الوجودية التي باتت تملي على الطرفين إيلاء الأولوية لمقوّمات البقاء والاستمرار.
ولكن قبل الحديث عن الحاجات والمصالح المتبادلة لا بدّ من الإشارة أيضاً إلى أن التباين الإيديولوجي بين الطرفين لا يلغي التماثل بطرق وآليات التفكير، إذ إن كلا السلطتين -قسد وحكومة الإنقاذ- تجسّدان نمطاً متماثلاً من التفكير، قوامه النزعة إلى التسلط، والمركزية في القرار، والاعتماد على قوّة الشوكة حيال محكوميهم، بالتوازي مع نزعة براغماتية شديدة تتيح لصاحبها القدرة السريعة على الانزياح وتبديل المواقع والمواقف، وهذا التماثل هو ما أفضى إلى أن يلتقي الطرفان، ليبدي كل واحد منهما ما يريد من الآخر.
ولعل ما تحظى به سلطة قسد من موقع جغرافي ومظلة دولية سياسية يجعلها أكثر ثقة بالذات كما يجعلها أكثر قدرة على المبادرة في آن معا، فهي تضع يدها على الغلة الاقتصادية للبلاد السورية، ونعني النفط والحبوب والمياه، كما أنها تحظى بحماية دولية هي الأقوى في العالم (الولايات المتحدة)، وكلا الميّزتين تفتقدهما حكومة الجولاني ظاهرياً، ولكنها تملك ما يمكن أن تقايض به، إن كانت المقايضة ستكون سبيلاً إلى توطيد النفوذ.
 وبالمقابل لا ترى قسد أي غضاضة إذا قايضت النفط والحبوب بمصالح أخرى ليس بالضرورة أن تدخل حيّز الاقتصاد، وإنما بمسائل أخرى تتداخل بين الأمن والسياسة، وبناء عليه فلا يضير قسد إن قامت بتزويد حكومة الإنقاذ بحاجاتها من النفط أو الحبوب، مقابل زيادة منسوب الضغوطات التي يمارسها الجولاني على فصائل الجيش الوطني من جهة، وكذلك في زيادة منسوب إغاظة تركيا من جهة أخرى. ولا مانع لدى الجولاني أيضاً أن يرى في التحالف الأمني مع قسد شكلاً من أشكال مقاومة الإرهاب طالما أن الطرفين خصم لتنظيم داعش.
ويقدم هذا التبادل في المصالح لقسد، هامشاً لا بأس به من المناورة أمام التهديدات التركية المستمرة لها، وبهذا تكون قد تمكنت من اختراق أطراف متحالفة كانت بالأمس القريب من ألدّ أعدائها (هيئة تحرير الشام والجيش الوطني وتركيا). وتراهن قسد عبر تحييد هيئة تحرير الشام ومن ثم دعمها اقتصادياً وأمنياً،ـ على ابتعاد الجولاني أو التمرد على تركيا من جهة، وكذلك تعزيز رغبته في التمدد والسيطرة على مناطق الجيش الوطني، تلك المناطق التي لم يُخفِ الجولاني رغبته في الوصول إليها وإخضاعها لسلطته، ناهيك عن تعزيز فرصه بالقبول والحظوة لدى الولايات المتحدة والغرب كما يعتقد أو يحلم ويتمنى.
لا شك أن ما يجري بين حكومة قسد والإنقاذ يعدّ تحوّلاً نوعياً في العلاقات بين الأطراف الحاكمة في سوريا، مما يدفع البعض للتفكير بأن تبادل المصالح وفقاً لهذا النحو، ربما يفضي إلى خطوة تالية، قد تتجسّد بتوحيد الحكومتين أو الإدارتين، وبهذا تكون المصالح الاقتصادية والأمنية قد أنتجت تحالفاً سياسياً بين جسمين كانا ولا يزالان نقيضين من حيث الفكر والسياسة، وربما قاد هذا التفكير إلى تخمين آخر مفاده أن ثمة توجيهاً أميركياً لهذا المسار، إذ ليس من المعقول أن يجري هذا التحوّل في العلاقات دون علم واشنطن بما يقوم به ذراعها العسكري في المنطقة، ولكن هذا التفكير –على وجاهته– يغفل أن واشنطن بإمكانها ضبط هذا التحوّل في النقطة التي تريد، لأن من المستبعد أن تتيح الولايات المتحدة لقسد الوصول إلى تحالف مع حكومة الإنقاذ خارج حدود المصالح، لا لشيء سوى لأنها لا تريد أن تذهب بعيداً عن تركيا أكثر مما هي عليه. فصحيح أن واشنطن لا تمانع زيادة أوراقها الضاغطة على أنقرة لكبحها عن الانزياح أكثر إلى جانب موسكو، ولكنها في الوقت ذاته لا ترغب أن تفضي تلك الأوراق إلى حدّ القطيعة مع تركيا.
ولكن يبقى للموقف التركي الذي لا يمكن تجاوزه، الدور الفصل في حصول ما يتم الحديث عنه من تقاربات أو تفاهمات بين الطرفين من عدمه، فأي تعاون اقتصادي بين قسد والجولاني لا يمكن أن يحصل إلا بضوء أخضر تركي، وهذا يعني أنه سيكون محدوداً وعلى نطاق ضيق لا يتجاوز استيراد النفط لسد احتياجات ملايين الناس الذين يعيشون في مناطق سيطرة الهيئة من الوقود والطاقة، وإلا فان خطوة الجولاني تنطوي على مخاطر كبيرة في استفزاز أنقرة وتحديها، وبالتالي من غير الممكن أن تتساهل تركيا مع هكذا مشاريع.
تبقى عقدة أخرى لا يمكن لكلا الجانبين، لا قسد ولا الهيئة تجاوزها بسهولة حتى وإن حل مشكلات العقد الأخرى على طريق تحالفهما، وهي عقدة التصنيف على قوائم الإرهاب الغربية والدولية التي تلاحق الطرفين.
فمن جهة لا يمكن لقسد التي تم تشكيلها ودعمها من قبل التحالف الدولي بمبرر محاربة الإرهاب، أن تضع يدها بيد هيئة تحرير الشام المصنفة على قوائم الإرهاب، وهي إن حظيت بغض طرف أميركي، فإنها ستفقد التعاطف والبريق الشعبي والإعلامي الذي تحظى به شعبياً وإعلامياً في الغرب، بل وحتى بين تجمعات النواب والبرلمانيين، الأمر الذي لا يعتقد أن قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يقود قوات قسد مستعدة للتفريط به.
ومن جهة أخرى لا يمكن لهيئة تحرير الشام أن تضع يدها بيد قسد وحزب الاتحاد الديمقراطي المصنف إرهابياً عند الأتراك، وأن تقيم معها علاقات كاملة إلى حد التحالف إلا في حالة واحدة فقط، وهي القطيعة مع أنقرة، وهذا يعني رفع تركيا الغطاء والحماية عن مناطق سيطرتها وتركها لجحيم الروس والإيرانيين والنظام، وهي عقوبة لا تقوى عليها الهيئة ولا تريدها مهما حصلت من مكاسب أخرى حتى من الأميركيين أنفسهم.
-----
المدن

العقيد عبد الجبار العكيدي
الخميس 15 يونيو 2023